أرشيف شهر: يوليو 2016

اقتراب عون من الرئاسة وهم وقانون جديد للانتخابات وهم آخر/ ايلي الحاج

أكبر وهمين هيمنا في الأيام الماضية على الكلام السياسي في لبنان والذي يفتقد رواده والمهتمين فعلاً، وهمُ أن النائب العماد ميشال عون أصبح أقرب إلى رئاسة الجمهورية، والآخر أن جلسات الحوار والإجتماعات النيابية يمكن أن تؤدي إلى اتفاق على قانون جديد للانتخابات النيابية تجرى على أساسه انتخابات لا مجال للتهرب منها في أيار 2017.

2671

لا شيء تغيّر إطلاقاً في وضع المرشح الجنرال عون منذ أن وضع نفسه في خانة جعلت صعوده إلى بعبدا رمزاً لتسليم رئاسة الجمهورية إلى إيران بالنسبة إلى الدول المعنية بالصراع مع هذه الدولة كما بالعلاقة بها، شرقاً وغرباً. يؤكد سياسيون متابعون بدقة لهذا الموضوع أن رئاسة عون مسألة من سابع المستحيلات وما الكلام عليها والدعوات المتكررة إلى انتخابه، مع علم مطلقيها بواقع الحال، سوى تعابير وأساليب لتمضية الوقت، أو سعي إلى تسجيل مكاسب سياسية – شعبية ما في زمن الفراغ لا يمكن إدراجها في خانة مصلحة لبنان العامة، في حين أن الجدية تقتضي عملاً مختلفاً يبتعد عن تغذية الأوهام سواء عند النائب عون ومؤيديه، أو الناس العاديين، ويحاول فعلاً الدفع في اتجاه تغيير رأي مساهمين رئيسيين في تعطيل الانتخابات الرئاسية، بدل دفعهم إلى مزيد من التعنت والمراهنة المستحيلة على الوقت.

الأمر نفسه ينطبق على ترشيح رئيس “تيار المردة” النائب سليمان فرنجية الذي بدا في المرحلة الأخيرة خارج التداول، ولولا خشية من أيدوه تفسير موقفهم تأييدا لترشيح عون في غياب مرشحي ثالث ورابع لما ترددوا في إعلان إخفاق محاولتهم إيصال النائب الزغرتاوي إلى بعبدا.

أما وهم البحث في قانون الانتخابات الجديد، فلا يمنع الأحزاب والتيارات جميعاً – على وجه التقريب – من القلق لإدراكها أنها ذاهبة إلى انتخابات هذه المرة أيضاً على أساس قانون الستين، لا غيره، ولكن بأوضاع وأحوال مختلفة عن الانتخابات السابقة، وبعضها بفعل مشكلات وعثرات وتحديات من داخلها، على غرار “التيار الوطني الحر” و”تيار المستقبل”. الأول لأن انقساماته خرجت إلى العلن وتجذب ما تبقى من أضواء باهتة على مسرح السياسة وثمة من بدأوا يتحدثون عن “حصر إرث سياسي” للجنرال عون، من داخل تياره وخارجه، والآخر “تيار المستقبل” لأنه إضافة إلى الأزمة المالية التي لم تلق حلاً بعد، بدأ يتحسب أكثر فأكثر للظاهرة التي شكلها وزير العدل المستقيل اللواء أشرف ريفي في انتخابات طرابلس البلدية.

تعزز هذه المعلومات معطيات أكيدة توافرت أخيراً عن توجه لدى “الجنرال ريفي” إلى دعم لوائح انتخابية نيابية، ليس في طرابلس وحدها بل أيضاً في الضنية – المنية ومحافظة عكار التي تشكل الخزان البشري الأكبر لـ”المستقبل”، وذلك بالتعاون مع وجوه سياسية ذات لون حريري، وتحت لافتة عدم التهاون في القضايا الوطنية والأساسية التي رفعها “تيار المستقبل”. تلفت هنا في مقابل ترهل ماكينة “المستقبل” وضياعها دعوة اللواء ريفي الطرابلسيين أول من أمس إلى “الاستعداد للوقوف في وجه الانقلاب”، متهما “حزب الله” خصوصاً بالسعي إلى “هيئة تأسيسية” تطيح الطائف والدستور بعد تعطيل رئاستي الجمهورية والحكومة وشل مجلس النواب. وفي طرابلس شخصيات قريبة من “الجنرال ريفي” تؤكد نيته الدعوة للنزول إلى الشارع إذا ما حاد مؤتمر الحوار الوطني في خلواته الثلاثية الأيام في 2 و3 و4 آب عن أولوية انتخاب الرئيس. تتحدث أيضاً عن تريثه في قرار نقل نشاطه الشعبي إلى بيروت والبقاع الغربي قبل الانتخابات، فيما “المستقبل” مشغول بالتحضير لمؤتمره الاستثنائي في 15 و16 تشرين وسط دعوات إلى فعل كل ما يمكن فعله كي يعود عاكساً لنبض الشارع السني.

في هذا الوقت، تتطلع “القوات اللبنانية” إلى من يمكن أن يكونوا حلفاءها في انتخابات 2017 بعد تجربة التحالف الثنائي مع “التيار العوني” في الانتخابات البلدية بحلوها ومرها، ولا سيما موقف “حزب الله” الرافض التعاون والتصويت لـ”القوات”. فيما حزب الكتائب اللبنانية وحده تغريه تجربة السير في قضايا “المجتمع المدني” وهيئاته، على غرار تجربة ريفي في طرابلس و”بيروت مدينتي”، و”تيار المردة” مرتاح إلى قانون الستين وحساباته الزغرتاوية الصافية، ومثله الحزب التقدمي الاشتراكي، فيما “الثنائي الشيعي” مهموم بقضايا تتخطى لبنان، لا يضيره أن يكون القانون أي قانون.

نقلا عن: ایلاف

سفاحو داعش… ينتخبون! /نبيل بومنصف

غداة اقدام سفاحي داعش على ذبح الكاهن الفرنسي جاك هامل في روان انبرى معظم الصحف الفرنسية الى تخصيص تحقيقات مسهبة مع علماء النفس والاجتماع لمقاربة طبائع الذباحين جنود “الدولة الاسلامية” في الحرب الارهابية على فرنسا من منظار فهم الظاهرة الاجرامية المتحولة حربا اشنع من الاجتياح النازي ودمار فرنسا في الحرب العالمية الثانية. وعلى رغم الطابع الاحترافي العالي الذي تتسم به مقاربات المحللين النفسيين والاجتماعيين الفرنسيين لهذه الظاهرة لا نجدها كافية لاستيعاب كل العوامل التي تجعل ” ذئاب” داعش تندفع بغرائزية دموية لتمزيق اعناق ضحايا مثل كاهن في السادسة والثمانين من العمر.

2670

استراتيجية الارعاب الجماعية التي يتبعها داعش أضحت بذاتها عنوان الحرب العالمية الثالثة على البشرية، ولكن التوصيف لا يقدم ولا يؤخر شيئا في احتواء هذه الايديولوجية الظلامية التي تستنفد النعوت في ما عرفته البشرية في تاريخها من ظواهر توحش.

واغلب الظن ان الفكر الغربي عموما لا يزال وسيستمر قاصرا عن مستويات فهم العقول المريضة التي تجعل تنظيما مثل داعش وقبله القاعدة ينشئ جيوشا من الذئاب لا بل يستنبت اجيال هذا النوع الفتاك من الغربيين ايضا. ولذا لا يقف الذهول الغربي عند معضلة التمييز بين العامل الديني الايديولوجي المنحرف والعامل النفسي والاجتماعي الاشد انحرافا بل يتخطاه الى ذهول حيال عجز الحملات العسكرية الغربية والعربية في العراق وسوريا وليبيا عن ردع اجتياح الذئاب لعقر دار أوروبا والولايات المتحدة وسواها من انحاء متفرقة في العالم.

يخوض لبنان منذ عام 2000، تجربته المتقدمة مع الارهاب الأصولي الدموي بدءا بواقعة جرود الضنية التي سبقت هجمات 11 أيلول في الولايات المتحدة وصولا الى آخر المواجهات في القاع وعرسال ومن ثم عين الحلوة وما بينها من عشرات المواجهات.

منح طول المراس العسكري والامني والقتالي كما التطبع الشعبي مع حرب كهذه اللبنانيين قدرة اكبر على التكيف مع موجاتها والتعبئة المتواصلة في مواجهتها على رغم كل معاناة اللبنانيين جراء تداخل الاستهدافات الارهابية مع أزمة اللاجئين السوريين والفلسطينيين. ومع ذلك فان احدا لا يمكنه الزعم ان نجاحات وانجازات امنية وعسكرية واستخباراتية محققة في الحرب مع الارهاب تمكنت او ستتمكن بسهولة من اجتثاث الأيديولوجية المتغلغلة عبر خلايا الذئاب النائمة او المتوثبة للإنقضاض على بنوك أهدافها اللبنانية في أي لحظة متاحة.

الامر الاخطر في المقارنة بين احوالنا واحوال الغربيين ان فهم العقول المريضة لذئاب الظاهرة الاجرامية سيأتي متأخرا جدا عن إيقاع تداعيات غربية جارفة تلوح متسارعة في معظم انحاء الغرب. ولن تكون ظاهرة صعود دونالد ترامب واقترابه المتسارع من البيت الأبيض الا علامة الزمن الذي سينشأ من الولايات المتحدة الى أوروبا وما يشكل عصر الارتداد اليميني الاكثر تطرفا الذي سيكون داعش ناخبه الاول.

نقلا عن: ایلاف

“إرجاء” حلب خسّر الأسد ريفيها و”كتائب”/سركيس نعوم

السبب الوحيد لعدم تنفيذ خطة السيطرة على حلب كلِّها التي وضعها النظام السوري والجمهورية الاسلامية الايرانية و”حزب الله” وروسيا كان عودة الاخيرة عن موافقتها عليها، ونصحها حلفاءها بالتخلي عنها أو على الأقل بإرجائها. وكانوا مضطرين الى التجاوب معها إذ من دون التغطية الجويّة التي توفّرها للعملية العسكرية الموعودة تغيب تماماً ظروف نجاحها. أما أسباب الموقف الروسي المذكور أعلاه فكثيرة أبرزها اثنان في رأي القريبين جداً من طهران أنفسهم.

2669

الأول اتفاق موسكو وواشنطن على بدء تحرّك يعيد الحياة الى المفاوضات بين النظام ومعارضيه بإشراف أميركي – روسي، ويوفّر أملاً في إمكان التوصل الى تسوية سياسية تنهي الحرب الأهلية الطاحنة باعتبار أن الحسم العسكري لها مستحيل، وتوحّد الجهود الاقليمية والدولية لمحاربة إرهاب “داعش” وأمثاله.

والمبادرة الى تنفيذ خطة استعادة حلب عسكرياً يضرب الاتفاق المذكور بل ينهيه. أما السبب الثاني فهو أن القيادة الروسية، وتحديداً الرئيس بوتين، أرادت تلافي وقوع حرب بين تركيا وإيران بسبب حرب استعادة حلب، كما أرادت تلافي التورّط فيها. وذلك أمر لا يمكن استبعاده. فعودة حلب الى سيطرة النظام السوري لا بد أن تدفع رأسه ورئيسه الأسد الى استعادة ريفها بل كل أريافها. كما أنها قد تدفعه الى بدء معركة استعادة جسر الشغور ثم إدلب، ويعني ذلك وصول النظام وقواته المنتصرة الى حدود تركيا. وهي لن تقبل ذلك وسترد عليه بإرسال قواتها الى الأرض السورية للإشتباك مع قوات الأسد وحلفائه. ومن شأن ذلك خلق أجواء تحدّ واستفزاز بين أنقرة وموسكو وبين موسكو وواشنطن، بل بين موسكو وحلف شمال الأطلسي. وعمل واحد مخطّط له أو صدفة خطيرة معينة، يمكن أن يشعلا حرباً اقليمية – دولية واسعة لا أحد يريدها من أطرافها الأقوياء روسيا وأميركا و”الحلف” وتركيا.

هل اقترح المسؤولون الروس على الثلاثي المتحالف الأسد وإيران و”حزب الله” خطة بديلة تعوّضهم عن إلغاء خطة استعادة حلب؟
يجيب القريبون أنفسهم أن ما حصل قد لا يكون إلغاء للخطة المذكورة بل إرجاءً لتنفيذها. ويضيفون أن الروس اقترحوا خطة بديلة تقضي بتوجه “الثلاثي الحليف” لاستعادة مناطق في شرق سوريا من التنظيمات التي تقاتله، إرهابية كانت أو ثائرة، أهمها دير الزور والرقّة. إلا أن هذا الاقتراح لم يكن مهمّاً في رأي الرئيس الأسد وإيران و”الحزب”. فالرقّة مدينة بعيدة وتُعدّ من الأطراف مبدئياً. واستعادتها تحتاج الى جيش جرّار وإلى غطاء جوي كبير وإلى خطوط إمداد بسبب طول المسافة أو بُعدها عن “المركز”. فضلاً عن أنها قريبة من الحدود العراقية. والسيطرة عليها لا تقدّم ولا تؤخّر على صعيد ثبات النظام السوري أو ضعفه. فهو ثابت من دونها وخصوصاً بعد التدخل الروسي. في حين أن حلب وضعها مختلف، إذ أن أستعادتها لا تقوّي النظام فحسب بل تفتح له أبواب الأمل في انتصار حاسم وشامل أو شبه شامل على أعدائه وتعطيه كلمة أساسية عند البحث في مستقبل سوريا مع القوى الاقليمية والدولية والداخلية. فضلاً عن أن التخلي عن خطة حلب تسبّب بخسارة ريفها الشمالي وبوقوع خسائر بشرية كثيرة من “حزب الله” وغيره. وتسبب أيضاً بخسارة ريف حلب الجنوبي ومناطق عدة أخرى. ذلك أن 2000 مقاتل من “جبهة النصرة” تحركوا في اتجاه الريفين وحققوا انتصارات.

قال “حزب الله” رداً على اقتراح دير الزور والرقة الروسي، استناداً الى القريبين جداً من طهران أنفسهم: “نحن لا نمشي بهذا الاقتراح ولن نشارك في تنفيذه. فالمسافة طويلة جداً. والغطاء الجوي سيكون إما ضعيفاً وغير كاف وإما غير متوافر”. أما الجيش السوري فقد قبل الاقتراح ونفّذه وخصوصاً بعدما حصلت قواته على غطاء جوي روسي. وأرسلت قيادته قسماً منه الى مدينة الطبقة تمهيداً للانتقال منها الى الرقة. لكن النتيجة كانت كارثية إذ أبيدت الكتائب التي وصلت الى الطبقة ولم تعد هناك قوات قادرة على متابعة الحملة نحو الرقة. وأثار ذلك طبعاً زعل إيران والأسد بل غضبهما، وبدا أن موقف “الحزب” من البديل لحلب الذي اقترحته روسيا كان صحيحاً وهو عدم الاشتراك فيه لعدم جدواه ولشكوك في نجاحه. وهو كان مبنياً جزئياً على تحليل معلوماتي يفيد أن “النصرة” أخطر من “داعش” الخطير جداً. فالأولى سورية قيادة وبقسم كبير من مقاتليها، في حين أن الثاني عراقي قيادة ومصلحته المحافظة على المناطق الحدودية السورية – العراقية التي يحتلها والمعابر، في حين أن اهتمامه بالأسد أقل ولذلك لم يهجم عليه حتى الآن على الأقل. هل أدركت روسيا خطأها وسببه؟

نقلا عن :ایلاف

أصيلة.. سقوط النخب/محمد قواص

تسقط النخب، ليس لأنها لم تستشرف ‘ربيع’ العرب، فذلك صدفة تاريخية قد لا يمكن التفطن إليها، بل لأنها صفقت لإسقاط الأنظمة حين لم تدع إلى ذلك قبلا.

2603
سلسة من الجلسات انعقدت بمدينة أصيلة قبل أيام في إطار الموسم السنوي الـ38. اختار المشرفون على الملتقى الشهير نقاش مسألة “النخب العربية والإسلامية: الدين والدولة”. ولأن المشاركين نخب مثقفة تعمل في الفكر والسياسة والبحث والإعلام، فإن مباشرة النقاش سلّطت المجهر على واقع جديد: سقوط النخب.

لم تُشف النخب الثقافية من حقيقة أن المنطقة منذ “ربيعها” المشؤوم تمرّ بعروض غافلت كل أهل القلم والقول والتفكير. أطلق محمد البوعزيزي في تونس نفير الزلازل دون أن يستأذن أولي البحث والتحليل وعتاة الاستشراف. خرجت “ثورات” المنطقة وعلتْ الحناجر مطالبة بـ“إسقاط النظام” دون أن تستفتي كتبا تراكمت ومقالات سطّرت على مدى العقود الأخيرة، حتى أنه حين ضجّت الميادين ببشرها وقف “المثقّف” مشدوها فاغر الفاه يحاول أن يفهم ما غفل عنه ولم يخطر له ببال.

نعم سقطت النخب. بات الشارع يحدد مسارات الأمم دون أي تحريض أيديولوجي سابق على ما فعل المتنورون عشية الثورة الفرنسية، وعلى ما فعل كارلس ماركس وورثته في القرن الماضي…إلخ. كانت الثورات تنفجر من أجل إقامة “مدينة فاضلة” يبشّر بها المفكرون منذ ما قبل أفلاطون، فكان حراك الناس صدى لهمسات نخبهم. صارت الثورات هذه الأيام تنفجر لإسقاط حاضر وارتجال مستقبل، فلا يستند الحراك على فكرة بناء بل على حاجة للتدمير. وحين خيّل للبعض استنتاج خلاصة نظرية تنقذ ماء الوجه، جرى الاستسلام لـ”الفوضى الخلاقة” بصفتها سرّ العصر وملهمة ثواره.

كان جليا أن النخب التي تناقش “دور النخب” في أصيلة كانت تسعى إلى الجواب على السؤال الوجودي الكبير، هل مازالت هناك نخب تؤطّر حراك الأمم وتضبط أحوال العمران الخلدوني في ثناياه؟ لم تفلح الأجوبة في تطمين النخب بضرورة وجودها ولزومية بقائها. بات مثقفو هذا العصر في زمن “الربيع” يحتلون المقاعد الخلفية للمتفرجين. غادروا الملعب خائبين يحملون تحت جلدهم ما خفّ حمله من عصارة الفكر الكوني الذي عجز عن تفسير “البوعزيزية” حدثا وفلسفة ومآلا.

في مسرحية “فيلم أميركي طويل” لزياد رحباني في لبنان، تشكو شخصية نزار المثقف التقاعس عن إيجاد الأجوبة لـ“الحجّة” التي تريد أن تفهم ما الذي يحصل حولها؟ يسقط المثقف في دوامة من الجنون لأنه ليس “الحجّة” ولا يريد أن يكون أبدا. نعم هو جنون ذلك الذي ينفخ في النخب علّة الكلام خارج الموضوع، وكم سمعنا كلاما خارج الموضوع في أصيلة.

ينهل “العارفون” هذه الأيام من غابر الزمان علّهم يستشرفون أحوال ما هو قادم للعالم. والمفارقة أن سجال النخب ينقسم كما انقسام المنطقة السياسي الثقافي. في الضفة الأولى من يبشّر بالعودة بالحجر والبشر إلى أزمان عتيقة في الدين، فيدعو إلى فهم “الجماعات” والاعتراف بطبيعة وعيها. وفي الضفة المواجهة من يحنّ إلى زمن ما قبل “الربيع” وحتى ما قبل الاستقلالات وما قبل الجمهوريات. وفي الضفتين همّة عالية لـ“الرجوع”، ولا نية أو قدرة أو رغبة في “التقدم”. وما الخلاف بين المدرستين إلا على الحقبة المناسبة للسكون إليها.

لا حاجة للنخب العربية في أن تجلد ذاتها. صحيح أن صدى الشارع قد تحدده أدوات العصر أكثر من أفكار تلك النخب، لكن الداء ينسحب على العالم أجمع، من حيث عجز النخب، بالمعنى الكلاسيكي المعروف، عن رسم السبل التي يسلكها التاريخ. بات مصير الكون يُقرر في الغرف المغلقة، وباتت وسائط الاتصال الاجتماعي تسيّر أمزجة العامة. لم تسلم النخب، نفسُها، من الاستسلام لقدرية هذا العصر ونسقه المعولم، وصار رواج الفكرة يحدده مزاج فيسبوك وتويتر وبقيةُ منابرٍ لا يتوقف إنتاجها. وليس عيبا الاعتراف بهيمنة وسائل الزمن، لكن العيب في ألا نجد ترياقا إلا في ما وراء هذا الزمن من ماض لم تعد سِلعُه صالحة ولم تعد قيمه تحاكي لغة العصر. في سقوط النخب ما يبرر خواء حراكها في المواسم والملتقيات والمؤتمرات. يستهلك الدينيون جهدا وحججا للدفاع عن الإسلام دينا لمنطقتنا، غير عابئين بأنه دين المنطقة منذ أكثر من 14 قرنا وسيبقى كذلك في القرون القادمة دون عناء النخب الغيورة على الدين الحنيف. لم يدمر إسلام القرون الماضية تماثيل باميان في أفغانستان، ولم يهدد بقطع رأس أبي الهول في مصر. لم تشرّع النصوص مسالك تُنتهج هذه الأيام تعتمدُ على نفس النصوص بعد إعمال الاجتهاد فيها من قبل نخب هذا العصر. لا يعترف الدينيون بأن هزيمة الإسلام السياسي في نسخاته المتعددة هي نتاج طبيعي منطقي حتمي لسلوك إسلامييه، وأن نكساته ليست وليدة مؤامرة تارة ضد الإيمان، وتارة أخرى ضد الحرية والديمقراطية. في ذلك أن النخب المدافعة عن الدين في السياسة تعيد اكتشاف الإسلام كسلعة إنتاج للسلطة، كما يعيد آخرون اكتشاف أدبيات اليونانيين لإقامة عالم لا دين فيه.

بالمقابل يهرول اللادينيون بنزق عصبي متعصّب لنفي الواقع منذ أن سقطت إمبراطورية السوفيات وقامت إمبراطورية الوليّ الفقيه في إيران. كل شيء في المنطقة يتحدد وفق مناخ الدين وطقوسه. يسقط الاتحاد السوفياتي برياح الدين في أفغانستان، ويقف البولنديون في صف طويل طلبا للاعتراف أمام قسّ يعيد الدين للدولة بعد أن نفاه إلحاد الدولة الشيوعية. تستعر في البلقان حروب الأديان ويقرر الرئيس الأميركي جورج بوش مصير بلده وفق رؤية ربانية تأتيه في المنام. وما أبوبكر البغدادي، وقبله أسامة بن لادن، إلا أورام دينية خبيثة انتفخت على خلفية شيوع الدين سلاحا سياسيا تستدعيه عواصمنا لردّ الخطر اليساري على الحكم، وتستدعيه عواصمهم لصد الإلحاد الشيوعي تارة، ولمآرب تُدبّر بين الدول تارات كثيرة.

لم يكن للمثقف أن يكون سلطة فكر إلا إذا كان مستقلا عن سلطة الحكم. في هذا طوباوية مستحيلة متخيّلة لا تستقيم حتى لو خيّل للبعض يوما أنها استقامت. يعمل أهل الفكر كتّابا عند السلطان، فإما يقدمون له المشورة كما ماكيافيلي للأمير، وإما يطبلون له السلوك، وإما يهاجمونه فيعملون، من حيث يدرون أو لا يدرون، لصالح سلطان خصم.

لم تستطع نخبُنا، إلا نادرا، إنتاج فكر محلي يستوحي مدخلات ما هو محلي. أعادت تلك النخب استهلاك الفكرة المستوردة، سواء أكانت اشتراكية أم قومية أو ليبرالية. وما إن تتقادم الفكرة في أسواق الخارج تتلعثم نخبنا في تدبير أمورها، وغالبا ما تشتري أي فكرة رائجة في تلك المواسم. ألم يتحوّل الشيوعيون والعروبيون إلى مطبلين لـ“الثورة” في إيران، وبعضهم إلى مصفق لـ“غزوة” القاعدة في نيويورك ضد “الإمبريالية”، بعد أن صدّعوا رؤوس البشر على مدى عقود بالدعوة إلى العلمانية وتغليب سلطة المادي على ما وراء المادي.

تسقط النخب، ليس لأنها لم تستشرف “ربيع” العرب، فذلك صدفة تاريخية قد لا يمكن التفطن إليها، بل لأنها صفقت لإسقاط الأنظمة حين لم تدع إلى ذلك قبلا، وحين دعت إلى حماية الأنظمة والتمسك بها حين كانت تعتبرها كابحة للتقدم وقاتلة له قبل ذلك. تسقط النخب لأنها باركت صراع المذاهب وابتدعت له وظائف حضارية وضرورية لتطهير الأمم من أحقادها. وتسقط النخب لأنها في إدانتها للتمذهب تنطلق من حوافز جوانية مذهبية تكشف زيفا مورس خلال السنوات التي تلت ولادة الدولة-الأمة في منطقتنا. تسقط النخب لأنها تقف مربكة أمام تصدّع الحدود بين البلدان وتراخي ثوابتها وبروز نزعات قومية منطقية ومشروعة للتمرد على قوانين “الأمة العربية والإسلامية”. تسقط النخب لأنها تقتات من ميراث قديم قدّم لها العالم في الجغرافيا والديموغرافيا وخرائط الأمم، فأعملت به علم المنطق والتحليل، وهي إذ يتراءى لها زوال ذلك الميراث، تقف مذهولة مصدومة تعجز عن تقديم جواب واحد عن سؤال فلاديمير لينين الشهير “ما العمل؟”.

صحافي وكاتب سياسي لبناني

محمد قواص

الأمن الإيراني يقمع مظاهرة للأتراك في تبريز/صالح حميد

قامت قوات الأمن الإيرانية بقمع مظاهرة سلمية للأتراك الآذريين في مدينة تبريز، شمال شرق #إيران ، حيث خرج الآلاف للتنديد بمقال نشرته صحيفة “طرح نو” تضمن عبارات وصفت بـ”العنصرية” ضد الأتراك.

وأفاد موقع “أويان نيوز” المحلي بأن المئات من المواطنين خرجوا مساء الثلاثاء في تمام الساعة الثامنة وسط المدينة، يهتفون بشعارات قومية للتنديد بالخطاب العنصري ضد القومية التركية من قبل هذه الصحيفة ووسائل إعلام إيرانية أخرى.

وبحسب الموقع، سرعان ما طوقت قوات الأمن وشرطة مكافحة الشغب مكان المظاهرة وانهالت بالضرب بالهراوات على عدد من المتظاهرين.

2667

كما نقل الموقع عن شهود عيان قولهم إن السلطات هاجمت التجمع بعنف رغم حضور الكثير من النساء بين المحتجين الذي قدر عددهم ما بين 1000 و 1500 متظاهر. واعتقلت قوات الأمن عدداً من الشباب، من ثم قامت بتفريق المظاهرة دون حدوث اصطدامات أو رد فعل من قبل المتظاهرين.

كما أرسل ناشطون أتراك آذربيجانيين صوراً تظهر قوات الأمن وشرطة مكافحة الشغب وهي تحاصر مكان التجمع.

وكانت صحيفة “طرح نو” قد نشرت في عددها الصادر الأربعاء الماضي مقالاً تضمّن عبارات وصفت بـ”العنصرية” ضد الأتراك، مما أثار استياء الآذريين في إيران، الذين شنوا حملة عبر شبكات التواصل الاجتماعي، دعوا خلالها إلى التظاهر للتنديد بتكرار الموجة العنصرية في الإعلام الإيراني ضد القومية التركية.

وجاء في المقال الذي نشر تحت عنوان “بوابات رستم السبع ” – ورستم هو بطل كتاب أسطورة “الشاهنامه” الفارسية – أن “القائد الفارسي في معركة مع الأتراك وصف قائد الجيش الطوراني بـ”الذليل”، مشيراً إلى أن “رستم خاطب القائد التركي بالقول إننا لا نعترف بالطورانيين كرجال، بل إنهم أذلاء كالنساء، وأنت أيها التركي الذي تأتي من عرق وقوم قذرين، فأنت لست كفؤاً لقتال الرجال، فاذهب وامسك بيدك المغزل واعمل كالنساء في غزل القطن”.

2668

ووصف نشطاء الأتراك في إقليم آذربيجان الإيراني، الذين تداولوا المقال عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بأن هذا الخطاب العنصري استهدف ثلاث فئات بالإهانة والتحقير، حيث هاجم الكاتب في الوقت نفسه كلاً من القومية التركية والنساء و”ممتهني غزل القطن”، وفق تعبيرهم.

وليست هذه المرة الأولى التي يسيء فيها الإعلام الإيراني للقومية التركية في البلاد والتي تشكل حوالي 25% من السكان، حيث سبق وأن اندلعت مظاهرات عارمة في كافة مدن إقليم آذربايجان احتجاجاً على تعمد تكرار الإهانات ضد القومية التركية الآذرية في الإعلام، في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، حيث خرجت مسيرات في كل من مدن تبريز وارومية ووزنجان وأردبيل وقزوين، اعتقلت السلطات الأمنية خلالها مئات الشبان الآذريين الذين حكم على 27 منهم من قبل محكمة الثورة بالسجن من 6 أشهر إلى 3 سنوات.

نقلا عن: العربیه

“الأقليات الشيعية”.. كبش فداء لاستراتيجية إيران بسوريا/دبي – مسعود الزاهد

تعرضت مظاهرة سلمية بـ #العاصمة_الأفغانية ، يوم السبت الماضي، 23 يونيو لتفجيرات ثلاثية تبناها تنظيم #داعش ، وسقط خلالها 50 قتيلاً وأكثر من 70 جريحاً، وذلك بحسب وكالة الأنباء الرسمية الأفغانية.

ونظّمت المظاهرة من قبل حركة مدنية شيعية تدعى “جنبش روشنایی” (حركة الضوء).

2665

كما تعرضت سوق للملابس المستعملة في منطقة “باراجنار” الشيعية في #باكستان بتاريخ 15 سبتمبر الماضي لهجوم بالقنابل بواسطة “جيش جهنكوي” المتطرف سقط إثره 23 قتيلا و30 جريحا.

ويرى مراقبون أن هذه الأحداث تعتبر تداعيات “لاستراتيجية #إيران المدمرة في #سوريا “، نتيجة استخدامها أقليات شيعية تعيش وسط أغلبية سنية تربطها بها المواطنة الضاربة جذورها في عمق التاريخ والهوية.

2666

وبهذا الشأن، سلطت صفحة نشطة على #فيسبوك باسم “تقارير الحرب في سوريا و #العراق ” (گزارش جنگ در سوریه و عراق)، ناطقة بالفارسية سلطت الضوء على ما جلبته سياسة إيران من أخطار للأقليات الشيعية، ووصفت انعكاس هذه السياسة على الأقليات الشيعية بـ”القاتلة”.

واتهم التقرير طهران بتحويل المدنيين الشيعة إلى أهداف للمتطرفين، واستند إلى بيان تحذيري وجهه “جيش جهنكوي” إلى العوائل الشيعية في كل من باكستان وأفغانستان لتمنع أبناءها من الالتحاق في الحرب الدائرة في سوريا.

يذكر أن #فيلق_القدس ، ذراع الحرس الثوري الإيراني للتدخل الخارجي، شكل مجموعتين من الميليشيات عبر تجنيد مقاتلتين شيعة في باكستان وأفغانستان للقتال في سوريا، دفاعاً عن #بشار_الأسد ، وأطلق على الميليشيات الأفغانية اسم “فاطميون” نسبة إلى السيدة فاطمة الزهراء، واختار للميليشيات الباكستانية اسم “زينبيون” نسبة إلى السيدة زينب بن الإمام علي بن أبي طالب، وذلك في إطار الاستخدام الطائفي لأسماء أهل البيت.

وأشار التقرير إلى ما جاء في بيان “جيش جهنكوي” الباكستاني نقله المتحدث باسمه “علي بن سفيان”: “نحذر العوائل الشيعية من أنها لو لم توقف التحاق أبنائها إلى الحرب لصالح بشار الأسد فسوف تواجه المزيد من الهجمات”.

وأضاف أن هذا الأمر يظهر الأقليات الشيعية في كل من أفغانستان وباكستان تواجه ظروفاً بالغة الدقة والحساسية نتيجة لانضمام البعض من أبنائها إلى القتال لجانب الأسد، تماشيا مع استراتيجية طهران في سوريا، والتي وضعتها إيران خدمة لمصلحتها القومية.

وحسب تقرير صفحة “تقارير الحرب في سوريا والعراق” التي تدار من قبل إيرانيين معارضين لتدخل بلادهم في الحروب الدائرة في سوريا والعراق واليمن، فإن تجنيد الحرس الثوري المنهجي للأقليات الشيعية في العالم وإرسالها للحرب الدائرة في سوريا تحت مسميات من قبيل “لواء فاطميون” و”لواء زينبيون” هو بمثابة “الزيت الذي تصبه طهران على نار الخلافات والخصومات والصراعات الطائفية”. وتحوّل بذلك الأقليات الشيعية الضعيفة – خاصة في باكستان وأفغانستان – إلى أهداف متحركة للمجموعات المتطرفة التي لا تمثل الأغلبية السنية.

إيران وتلاميذها

وعلى صعيد آخر كتب “ریموند تانتر”، العضو الأسبق في لجنة الأمن القومي للولايات المتحدة وممثل وزارة الدفاع الأميركية في مفاوضات الحد من سباق التسلح في إدارتي ريغن وبوش الأب، كتب أخيرا مقالا نشرته مجلة “فارن بوليسي” تحت عنوان “إيران وتلاميذها”، حيث تساءل في مقدمة المقال: “ماذا لو نظرنا إلى كل من القاعدة وداعش على أنهما تلميذا إيران وليسا خصمين لها؟”.

وأضاف قد تثير هذه النظرة الاستغراب، لأن القاعدة وداعش “مجموعتان سنيتان”، لكن على ما يبدو أن الحكومة الإيرانية تعتبر من وجهة نظر التنظيمين مرتدة، لذا الارتباط بين الجانبين من الناحية النظرية يتعارض والعقل بالكامل.

وبخصوص تنظيم داعش الذي يكفر الشيعة، يقول كاتب المقال: إن داعش لم يظهر فجأة من عقر جهنم، بل ظهوره يعود إلى قتل المدنيين بواسطة نظام الأسد، وحسب الجنرال “جك كين”، رئيس “مؤسسة البحوث حول الحروب”، فإن النظام الإيراني أكبر ممول لنظام الأسد، لأن إيران تستغل ظهور داعش لإحكام سيطرتها على سوريا من خلال جعل شيعة العراق وبشار الأسد في مواجهة “قوة عسكرية سنية” مسلحة قوية.

وأشار إلى أن الوثائق المسربة في شهر مايو الماضي تكشف تواطؤ نظامي إيران سوريا لتمهيد الأرضية لظهور القاعدة وثم داعش في سوريا، وبعد أن تطور واكتمل مشروع داعش أعلنت كل من طهران ودمشق استعدادهما لحضور مؤتمر فيينا والتعاون مع الولايات المتحدة بهذا الخصوص.

إيران تعدم 250 شخصاً في سبعة أشهر من العام الحالي/صالح حميد

أعلنت منظمة حقوق الإنسان الإيرانية في أحدث تقرير لها أن السلطات أعدمت 250 محكوماً خلال الأشهر السبعة الأولى من العام الحالي.

وبحسب التقرير المنشور على الموقع الرسمي للمنظمة، فإن معدل الإعدامات كان خلال هذه الفترة هو تنفيذ أكثر من إعدام في اليوم الواحد، على الرغم من أن هذه الفترة شهدت انخفاضاً بمعدل الإعدامات بالنسبة للعام الماضي.

2664

وكانت السلطات القضائية الإيرانية قد قامت بإعدام 700 شخص خلال السبعة أشهر الأولى من عام 2015 في مختلف سجون البلاد، بينما العدد الإجمالي للمعدومين في عام 2015 هو 969 حالة إعدام، وهو رقم قياسي منذ 25 سنة.

وقال المتحدث باسم منظمة حقوق الإنسان الإيرانية، محمود أميري مقدم، إن ” #إيران مازالت في المرتبة الثانية من حيث عدد الإعدامات رغم الانخفاض الملحوظ لمعدل الإعدامات قياساً بالعامين الماضيين”.

كما رأى مقدم أنه “لا توجد شواهد تدل على علاقة انخفاض عدد الإعدامات وتغيير سلوك المسؤوليين في النظام الإيراني”، مضيفاً أنه “من المحتمل أن إجراء انتخابات البرلمان ومجلس الخبراء في شباط/فبراير الماضي وتزامن شهر رمضان مع هذه الفترة أيضا، كلها عوامل لعبت دوراً في هذا الانخفاض النسبي لمعدل الإعدامات”.

وأكدت منظمة حقوق الإنسان الإيرانية أن “الدراسات والأبحاث تظهر أنه خلال السنوات الماضية انخفض عدد الإعدامات خلال شهري رمضان ومحرم وكذلك في فترة بداية أعياد رأس السنة الإيرانية، إضافة إلى موسم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية”.

كذلك ذكر أميري مقدم أنه تم تنفيذ 40 حالة إعدام في الثلاثة أسابيع الأولى من تموز/يوليو، معبراً عن قلقه من تزايد الأعداد في الأشهر القادمة.

وناشد المتحدث باسم منظمة حقوق الإنسان الإيرانية المجتمع الدولي، خاصة تلك الدول التي تربطها بإيران علاقات دبلوماسية، أن تضغط باتجاه وقف تنفيذ الإعدامات في طهران، وأن تضع هذه القضية في أولويات أجندة مفاوضاتها الثنائية مع إيران.

وبحسب تقارير وإحصاءات المنظمة، فإن أغلب حالات الإعدام المنفذة مازالت تتعلق بالمتهمين بجرائم المخدرات والقتل المتعمد في أعلى القائمة.

يذكر أن إيران نفذت عقوبة الإعدام ضد 966 شخصاً في العام 2016، بينهم سجناء سياسيون ونساء وقصّر، وكانت هناك إعدامات على الملأ وأمام مرأى المواطنين وبوجود الأطفال يشاهدون حالات الشنق.

نقلا عن العربیه

بيل غيتس العرب.. إماراتي/ عبداالله المدني

قبل عدة سنوات فاجأ البليونير الأمريكي «بيل غيتس» مؤسس شركة مايكروسوفت، والذي يعد أحد أثرى اثرياء الولايات المتحدة الأمريكية، العالم بتخصيص نصف ثروته أو ما يعادل 26 بليون دولار للأعمال الخيرية والاجتماعية، وخصوصًا للإنفاق على مكافحة أمراض الإيدز والملاريا والسل في الدول الفقيرة، ومساندة الجامعات الأمريكية المرموقة في أبحاثها العلمية الهادفة الى خير البشرية، ودعم الطلبة المعسرين في مشوارهم الدراسي العالي. وفي الوقت نفسه دعا غيتس أقرانه من أثرياء العالم إلى الاقتداء به، فبذر بذلك بذرة طيبة سرعان ما أتت ثمارها بدليل مسارعة زميله البليونير الأمريكي «وارن بافيت» للتبرع بمبلغ 37 بليون دولار للإنفاق على الخدمات التعليمية والصحية في الدول الفقيرة. وبهذا دشن غيتس ما يمكن تسميته بظاهرة مساهمة الأثرياء ورجال الأعمال في جزء من الأعباء التنموية المنوطة بالدولة.

2644

والحقيقة أن هذه الظاهرة راحت تمتد إلى العالم العربي، فظهر فيه عدد من الأثرياء الذين قرروا بمحض إرادتهم التنازل عن جزء من ثرواتهم للأعمال الخيرية الكبيرة الهادفة إلى تحسين مستويات معيشة مواطنيهم، ومكافحة ظواهر الفقر والبطالة، ودعم المواهب الفتية وأعمال الابتكار الخلاقة، ومساعدة الأيتام والمرضى والمشردين والمعاقين والشباب اليافع على تحقيق أحلامهم في حياة ناجحة ومستقبل زاهر. من بين هؤلاء برز الأمير «الوليد بن طلال بن عبدالعزيز آل سعود» الذي أعلن عن عزمه التبرع ببلايين الدولارات من ثروته للأعمال الخيرية والمشاريع الانسانية والهبات في أكثر من 90 بلدًا حول العالم خلال السنوات الخمس والثلاثين القادمة، وذلك من خلال «مؤسسة الوليد للإنسانية» التي يشغل منصب رئيس مجلس أمنائها. كما برز البليونير السعودي «سليمان الراجحي» الذي تبرع بنحو 5.7 بليون دولار لدعم القضايا التعليمية والصحية والاجتماعية والدينية،

مكتفيًا من ثروته لنفسه بنحو 600 مليون دولار، ورجل الأعمال المصري «نجيب ساويرس» الذي تبرع بمبلغ خمسين مليون دولار ينفق من خلال «مؤسسة ساويرس للتنمية الاجتماعية» على توفير فرص عمل للشباب ومكافحة الفقر وتنمية القرى والنجوع الفقيرة وإنشاء المدارس وتعزيز حوار الأديان، ورجل الأعمال اللبناني «عزمي ميقاتي» الذي أسهم بجزء من ثروته في حل مشكلات البطالة والفقر والمرض والاهتمام بالأبحاث الطبية الهادفة إلى توفير العلاج الناجع لمواطنيه وإنشاء المدارس وتوفير فرص العمل للشباب، ورجل الأعمال الكويتي عبدالعزيز سعود البابطين الذي لا يكف عن دعم الجامعات والمؤسسات التعليمية العليا في داخل بلده وخارجه بهدف إبراز الوجه المشرق للحضارة والآداب العربية وتوفير العلم النافع للأجيال القادمة، وبناء المراكز ودور العبادة الاسلامية في مدن أوروبا وجمهوريات آسيا الوسطى.

وبطبيعة الحال فإن مثل هذه المبادرات الخيّرة لا تقتصر على هذه الشخصيات فقط. فهناك أسماء أخرى عديدة، لكن تبرعاتها ومساهماتها الخيرية أقل أو تتجه نحو مشاريع محددة.
وإذا ما أتينا إلى أثرياء دولة الإمارات العربية المتحدة، ممن حباهم الله بنعمه وخيراته الوفيرة، من بعد عسر وحياة شاقة ومسيرة عصامية، فقرروا أن يسخّروا جزءًا من ثرواتهم في إسعاد مواطنيهم وإخوتهم العرب من خلال مشاريع خدمية وتنموية نجد أن القائمة تطول وتزخر بأسماء عديدة.
فإضافة إلى صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة /‏ رئيس مجلس الوزراء /‏ حاكم دبي الذي قام قبل مدة بإطلاق الرؤية العالمية للوقف من خلال مركز سموه العالمي لاستشارات الوقف والهبة بهدف تحويل دبي إلى مركز عالمي لتحفيز وتمكين الأوقاف والهبات، هناك رجل الأعمال جمعة ماجد الماجد الذي أطلق في عام 1989 مع مجموعة من نظرائه من رجال الأعمال في دبي جمعية نفع عام تحت اسم «جمعية بيت الخير» مختصة بالعمل داخل دولة الإمارات،

وفق أسس إدارية وفنية مبتكرة، في رفع معاناة مواطنيهم ممن يمنعهم حياؤهم من السؤال، علمًا بأن الماجد كان قد سبق مبادرته هذه بإنشاء المدارس الاهلية منذ أكثر من 25 سنة لاحتضان البنين والبنات من الصف الأول وحتى الثاني عشر في دبي والشارقة وعجمان، وأردفها بتأسيس كلية الدراسات الإسلامية كمؤسسة تعليمية خاصة وذلك بهدف مساعدة مواطناته على نيل العلم النافع دون الحاجة للسفر الى الخارج، ثم قام بعمل دؤوب استهدف جمع الوثائق والمخطوطات والكتب النادرة من كل أنحاء العالم وترميم العتيق منها وجعلها متاحة للباحثين والدارسين العرب.

وهناك أيضًا البليونير الإماراتي ماجد الفطيم (صنفته مجلة «فوربس» في عام 2015 في المرتبة السادسة ضمن الأثرياء العرب بثروة بلغت 6.2 بليون دولار) الذي قدم تبرعات سخية من حلال ماله للإنفاق على البرامج الصحية، من خلال تأسيس مراكز لغسل الكلى وأقسام العناية المركزة للأطفال حديثي الولادة وإطعام الفقراء والمحتاجين.
ومؤخرًا أطلق بليونير إماراتي آخر هو العم عبدالله أحمد الغرير (صنفته مجلة «فوربس» في عام 2015 في المرتبة الرابعة ضمن الأثرياء العرب بثروة بلغت 6.4 بليون دولار) «مؤسسة عبدالله الغرير للتعليم» بهدف تقديم منح دراسية في التخصصات الأكاديمية الملبية لاحتياجات الدولة العصرية للشباب الإماراتي والعربي، وتقديم مساعدات لدعم البرامج المعنية بجودة التعليم الأساسي في الوطني العربي، وذلك من أجل خلق قادة للمستقبل مسلحين بالكفاءات والقدرات الضرورية للمساهمة في نهضة أوطانهم ومجتمعاتهم

وقد خصص الغرير لهذا العمل النبيل ميزانية مبدئية بمقدار ثلث إجمالي ثروته على مدى السنوات العشر المقبلة، الأمر الذي أثنى عليه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم عبر تغريدات على موقع تويتر قال في إحداها: «عندما يحمل رجال الأعمال بعضًا من مسؤوليات الأمة، وتتعاون معهم الحكومات والمؤسسات لتغيير الواقع للأفضل، فأوطاننا بلا شك على طريق تنموي صحيح»، وقال سموه في تغريدة أخرى: «أعجبني في وقف عبدالله الغرير أنه حدد بوضوح منذ البداية مجالات وقفه في دعم التعليم والمعرفة والابتكار، وهي أهم ما يحتاجه العالم العربي اليوم».

وجاء إطلاق هذه المبادرة في حفل أقيم في مقر جامعة زايد بدبي في السابع من يوليو 2016، وشهد الحفل توقيع شراكات مع جامعات رائدة مثل جامعة خليفة في أبوظبي، والجامعة الأمريكية في الشارقة، والجامعة الأمريكية في بيروت، والجامعة الأمريكية في القاهرة. وفي الحفل سجل عن الغرير قوله: «إن هذه المؤسسة ليست سوى مساهمة ضئيلة مقابل الفرص التي منحتها هذه الدولة لعائلتنا.

ونأمل أن تمثل الفرص التي سنقدمها للشباب الإماراتي والعربي بداية رحلتهم نحو مزيد من النجاح والعطاء الخيري في المنطقة»، وأضاف ما معناه أن مؤسسته ملتزمة بتوفير منح لما لا يقل عن 15 ألف من الشباب العربي الواعد للحصول على تعليم في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة على مدى الأعوام العشرة القادمة، إضافة لدعم خمسة آلاف طالب إماراتي متفوق في المرحلة الثانوية في المدارس الحكومية ورفع جاهزيتهم لدراسة العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات في أفضل الجامعات في الإمارات والمنطقة والعالم.

وتعليقًا على مبادرة الغرير هذه كتب بدر عبدالله المديرس في صحيفة الوطن الكويتية (8/‏7/‏2016) قائلاً إن هذه المبادرة ليست بمستغربة على عبدالله الغرير وأخيه الأكبر سيف الغرير وأبنائهما، مستعيدًا التذكير بدورهم في فترة الغزو العراقي لدولة الكويت، حينما استقبلوا أشقاءهم الكويتيين النازحين بالترحاب ووفروا لهم السكن الرغيد والتعليم والعلاج المناسبين والتسهيلات الأخرى مجانًا وبغير حدود

فمن هو الغرير الذي لا نبالغ لو وصفناه تجاوزًا بـ«بيل غيتس العرب»؟
عبدالله بن أحمد الغرير هو عميد عائلة الغرير، من بعد وفاة والده أحمد الذي أسس شركة الغرير في دبي في عام 1960 وجعلها تتمدد في الإمارات السبع وبقية دول الخليج، ثم أورثها لأبنائه: سيف وعبدالله وماجد ومروان وجمعة. وتعتبر عائلة الغرير اليوم واحدة من أغنى العائلات التجارية في دولة الإمارات إلى جانب شخصيات وعائلات أخرى مثل الفطيم والقرقاش ومهدي التاجر وخلف الحبتور ومحمد الفهيم وجمعة الماجد وحسين سجواني.

وعبدالله الغرير متزوج من عائلة بن ثاني الفلاسية، وله ستة أبناء أكبرهم سعود، لكن أشهرهم هو عبدالعزيز بن عبدالله الغرير الحاصل على درجة البكالوريوس مع مرتبة الشرف في الهندسة الصناعية من جامعة كاليفورنيا بوليتكنيك الامريكية في عام 1977. وتعود شهرة الأخير إلى كونه يشغل منصب عضو مجلس الإدارة والمدير التنفيذي لبنك المشرق، أحد أكبر مصارف الإمارات من حيث الأصول وحجم الأعمال وانتشار الفروع في الإمارات وقطر والكويت والبحرين ومصر ولندن ونيويورك والهند، علمًا بأن هذا المصرف أسسه عبدالله الغرير مع أخيه سيف الغرير في عام 1967 ويترأس الأول مجلس إدارته حاليًا، ووصلت أصوله الإجمالية في نهاية عام 2003 إلى أكثر من سبعة بلايين دولار أمريكي، بما جعله ثالث أكبر المصارف الإماراتية على الإطلاق.

كما تتأتى شهرة الابن عبدالعزيز من كونه يشغل في الوقت نفسه منصب نائب رئيس مجلس إدارة مركز دبي المالي العالمي، ناهيك عن أنه شغل سابقًا منصب رئيس المجلس الوطني الاتحادي في فصله التشريعي الرابع عشر، ومنصب عضو الهيئة الاستشارية للمجلس الأعلى لدول مجلس التعاون الخليجي، وكان عضوًا في مجالس إدارات شركة إعمار العقارية، وشركة دبي للاستثمار، وشركتي فيزا كارد وماستر كارد العالميتين.

تنحدر عائلة الغرير من سلالة تجارية إماراتية معروفة، ويقال إنها اكتسبت هذا الاسم لأنها كانت غرة العشائر العربية الأصيلة. وهناك من يفرّق ما بين آل غرير الموجودين في الإمارات، وآل غرير الموجودين في البحرين والكويت، وآل غرير الموجودين في العراق والأردن من حيث النسب. فبالنسبة للفريق الأول يعود نسبهم إلى قبيلة السودان (مفردهم السويدي)، علمًا بأن قبيلة السودان فرع من حلف بني ياس الذين ينحدرون بدورهم من قبيلة كندة القحطانية المعروفة. وبالنسبة للفريق الثاني تعود جذوره ونسبه إلى قبيلة بني خالد المعروفة، حكام الأحساء قديمًا، ممن اشتهروا بلقب آل حميد نسبة إلى جدهم قديم لهم، كما اشتهروا بلقب آل غرير نسبة إلى غرير بن عثمان بن مسعود بن ربيعة

وفي هذا السياق يقول الأكاديمي السعودي الدكتور سعد الصويان نقلاً عن كتاب «بنوخالد وعلاقتهم بنجد» من تأليف عبدالكريم بن عبدالله الوهبي (منشورات دار تثقيف بالرياض في عام 1989) أن أول من حكم الأحساء من آل غرير هو «براك بن غرير»، وأن حكمهم استمر قرابة مائة وثلاثين عامًا إلى أن انضوت دولتهم تحت الحكم السعودي في العقد الأول من القرن الثالث عشر للهجرة. كما يضيف الصويان ما مفاده أن الوثائق البرتغالية والعثمانية التي تناولت أحداث الأحساء أكدت على أهمية الدور الذي لعبه آل حميد وآل غرير من قبيلة بني خالد في هذه الأحداث منذ انتهاء الدولة الجبرية في عام 932 للهجرة وحتى تمكن براك بن غرير من بسط سلطته على الأحساء والاستقلال بولايتها بعد أن طرد العثمانيين منها أواخر العقد الثامن من القرن 11 الهجري. ويستطرد الصويان قائلاً: «وقبل استقلاله بولاية الأحساء بعدة سنوات كان اسم براك بن غرير يرد في الوثائق العثمانية كزعيم قوي يحسب له حساب».

أما الغرير المتواجدون في مناطق مختلفة من العراق فهم جزء من عشائر الدليم صاحبة البصمات الخالدة في صنع الحدث العراقي، ويعتقد أن عشايرة الغرير الأردنية هم أبناء عمومتهم، وبالتالي لا صلة لهؤلاء بغرير الإمارات أو البحرين أو الكويت.
ولآل غرير تواجد في معظم أقطار الخليج العربية، وإن كانت أوضاعهم فيها ليست مشابهة لأوضاعهم في دولة الإمارات لجهة الثراء والنفوذ الاقتصادي.
ويملك الغرير، إضافة إلى ملكية بنك المشرق وحصص في بنك الكويت الأهلي، شركة عائلية قابضة يدير أعمالها أبناؤه بمساعدة فريق من أعلى الكفاءات وفق أحدث أساليب الإدارة الغربية، وتشتمل على أقسام عدة منها قسم لتجارة الأغذية والأطعمة وإنتاج المياه المعدنية المعروفة باسم «مسافي» وإدارة الأسواق المركزية الكبرى، وآخر للانشاءات وإدارة الأصول العقارية والسكنية، وثالث للضيافة وإدارة الفنادق والمنتجعات

ورابع للتعدين والطاقة والبلاستيك، وخامس للأعلاف مختص بتوفير احتياجات المزارعين ومربي الدواجن ومصنعي الألبان، وخامس للطباعة والنشر والتعليم. والمعروف أن دخول شركة الغرير في مجال الأغذية والأطعمة بدأ في عام 1976 حينما أسست «شركة مطاحن الدقيق الوطنية» في دبي، ثم راحت تطورها وتنوع أعمالها وتدعمها بأحدث التقنيات، فأصبح لمنتجاتها حضور قوي في أسواق 20 دولة موزعة على مناطق الخليج والشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجنوب آسيا

بقي أن نقول إن مبادرة الوجيه عبدالله الغرير جاءت بالتزامن مع احتفال دولة الإمارات الشقيقة بـ«يوم زايد للعمل الإنساني»، وهو يوم يستذكر فيه شعب الإمارات ما كان يشدد عليه دومًا مؤسس دولتهم وباني نهضتها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان من ضرورة الاهتمام بالوقف الخيري والقيام بأعمال الخير والبر. ففي عام 1993 على سبيل المثال اجتمع سموه برجال الأعمال والتجار في «صير بني ياس» وواجههم بأسئلة صادمة وصريحة مثل: هل بنى أحدكم عيادة أو مستوصفًا؟ هل قدم أحدكم وقفًا للأيتام أو العجزة أو الأرامل أو المعاقين؟ ماذا ستفعلون بأموالكم الموجودة في البنوك؟ ماذا سيضركم لو قدمتم أعمالاً تنفعون بها المواطن والوافد من باب نفع الإنسانية.

الحوار بين أتباع الأديان.. آلية لمواجهة التطرف المعاصر/ إميل أمين

المشهد الدولي الآني، حيث أنين الجراح المتفاقمة، التي خلفتها مشاهد الإرهاب الأعمى في نيس، عاصمة الريفيرا الفرنسية، عطفا على عدد من الحوادث المتشابهة في أوروبا، وقبلها في العالم العربي، تبين الحاجة الماسة لتعميق الحوار بين الأديان التوحيدية الثلاثة؛ اليهودية والمسيحية والإسلام، ولتفعيل آليات غير تقليدية في مواجهة الهجمات الإرهابية. والمؤكد أن الناظر لما يجري حول العالم يستطيع أن يرصد درجة غير مسبوقة من الإرهاب والتطرف العنيف بكل أشكالهما وصورهما، وقد باتا من أخطر وأشد التهديدات المؤثرة على الروحية الدينية الموحدة، والأمن العالمي وازدهار الإنسانية. إننا نرى من حولنا آيديولوجيات التطرف والإرهاب تلك التي تتناقض مع الطبيعة الإنسانية للأديان، ونشاهد محاولات مستميتة من الإرهابيين لزرع التشدد في المفاهيم العقائدية والدينية للمتدينين، الأمر الذي يلحق ضررا جسيما بالقيم الروحية والإثراء المتبادل بين الشعوب ويهدد الاستقرار والأمن ألأممي حول البسيطة.

2643

هل بات العالم يسعى لطريق السلام ومجابهة الإرهاب المتفشي، بطرق غير الحرب والمواجهات التقليدية الأمنية التي رغم أهميتها تبقى رؤاها قاصرة على المجابهة طويلة الأمد أمس واليوم وفي الغد القريب؟ في نهاية كتابه القيم والمعنون «الإسلام رمز الأمل» يضعنا اللاهوتي السويسري الكبير هانز كونغ أمام معادلة مثيرة تتصل بحال العالم الذي يعاني من تصاعد المد الأصولي والإرهاب المتفاقم الذي يحيل أمن العالم إلى قلق وسلامه إلى أرق. والمعادلة في واقع الأمر تتصل بأحوال أتباع الأديان التوحيدية الثلاثة اليهودية والمسيحية والإسلام، الذين يبلغون نحو أربعة مليارات نسمة حول العالم تقريبًا، وتتمثل المعادلة في التالي: «لن يكون هناك سلام بين الأمم دون سلام بين الأديان، ولن يكون هناك سلام بين الأديان دون حوار بين أتباع الأديان».

ماذا يريد الإرهاب؟ وما الذي يعنيه ويهدف إليه الحوار بين أتباع الأديان، علما بأننا عندما نقول الأديان بالمطلق فإنه يصعب استبعاد ما يقرب من نصف سكان العالم من غير الموحدين، لا سيما في النصف الشرقي من الكرة الأرضية، حيث النواميس والشرائع الوضعية، حتى وإن كان الشغل الشاغل في هذه الآونة هو الحوار جغرافيا في البقعة والرقعة القديمة من العالم، أي ما بين أوروبا التي سماها العرب قديمًا «الأرض الكبيرة» والعالم العربي والإسلامي.
بعد حادث «نيس» المرعب تحدث البروفسور عدنان المقراني، الأستاذ المسلم لعلم الدراسات الإسلامية في المعهد البابوي للدراسات العربية والإسلامية في روما، وهو أيضًا رئيس مركز الأديان من أجل السلام CIPAX لوكالة الأنباء الكاثوليكية «آليتيا» واصفا ما جرى بأنه نزعة آيديولوجية إجرامية تستخدم الدين غطاء لها. ومعنى ذلك أنه بدلاً من أن يكون الدين جسرا ومعبرا للتلاقي والتعارف بين شعوب الأرض، باتت أدلجته من قبل «الفئة الضالة» وسيلة لنسف تلك الجسور ولهدم معابر التواصل الإنساني.

ولا توجه سهام الإرهاب في واقع الأمر للغرب وحواضره فقط، فقبل نهاية شهر رمضان الماضي، رأينا الإرهاب الأسود يقترب من عمق أعمق المقدسات الإسلامية في المدينة المنورة، وعشية عيد الفطر أو قبلها بقليل جدا، قتل الحقد المتمثل في بعض البشر نحو مائتين ويزيد من أطفال وكبار في العراق، ذهبوا لشراء ملابس العيد، وكأن هناك أيادي خفية تعمل على إيصال رسالة مفادها أن «الشعور المقدس ليس موجودا بعد».

يهدف الإرهاب، وباختصار غير مخل، لهدم القيم الروحية الدينية، ونشر الفساد الأدبي، وإفشاء الرعب المادي، بين النفوس، عطفا على العودة بالبشرية إلى مربع ما قبل مراحل التحضر، أي صراع الغابة الوحشي. ولكن خطورة المشهد هذه المرة أنه صراع ذو مسحة عقائدية، وليس صراعا على الخيرات الأرضية التي يمكن تقاسمها ومشاركتها وهذه هي الكارثة وليست الحادثة. إنهم يريدون خلق أجواء عالمية من الذعر والخوف والفرع، يريدون التقسيم والانقسام، من منطلق شيطاني حاقد علي الإنسانية وسلامها، وعلي الشعوب وأمنها وأمانها واطمئنانها.
منذ 11 سبتمبر (أيلول) 2001 والولايات المتحدة الأميركية، على نحو خاص تتزعم العالم في مواجهة «الإرهاب» عبر إشاعة المزيد من الحروب، والهجمات العسكرية، والحروب الاستخباراتية العلنية منها والسرية، وبالشراكة مع كثير من دول العالم التي آمنت بالطرح الفكري ذاته. غير أن حصاد التجربة بعد نحو عقد ونصف العقد من الزمان يأتي معاكسًا ومخالفا للهدف المنشود، إذ لم تأت عملية محاربة الإرهاب بالنتيجة المرجوة، والدليل تفاقم الشر وزيادة حدة وقسوة عمليات الإرهاب من أقصى الأرض إلى أدناها.

كانت آليات العنف أداة لتعميق طروحات صامويل هنتينغتون، لا سيما عند المتشددين، إذ أكدت لديهم أن العالم بالفعل عبارة عن جبهتين متصارعتين؛ إحداهما شرقية والأخرى غربية، وعزّزت منطق الفسطاطين، والدارين؛ «دار الحرب» و«دار الإسلام»، وهنا يتبين لنا بوضوح كيف أن المقاومة المسلحة مقاومة غير ناجعة أو ناجزة بمفردها، وأن المقاومة الفكرية والثقافية، قد تكون أداة فاعلة ضمن الأدوات الملائمة للرد علي معضلة الإرهاب، وذلك عن طريق إذكاء الوعي الإنساني وإيقاظ الضمير العالمي، وهذه هي المهمة الأولى لرجال الأديان، أئمة المؤمنين، وقادة الدين، لا سيما من فريق المستنيرين. ومن هنا تظهر القيمة الفعلية للحوار على كل مستوياته وصُعُده، خصوصا بين أتباع الديانات الإبراهيمية (التوحيدية) بادئ الأمر، فالحوار بين هؤلاء أصحاب الإرث المشترك، هو أبلغ طريقة للرد على الألم بطريقة إنسانية روحانية، وليس بالتصريحات العاطفية أو العنترية، ذلك أن الحوار يعني التمسك بمنطق الحكمة الإلهية.

ثم الحوار مع «الآخر» يعني قطع الطريق علي الخوف من الآخر، لأن الناس أعداء ما تجهل. وفي أوقات المحن والنوازل، دائما ما تكون الجدران أيسر في اللجوء إليها والاحتماء بها أو الاختباء وراءها.. من اللقاء على الجسور. وهذا أمر يحتاج إلى شجاعة أدبية كبيرة لملاقاة العبء الناجم عن «سلطان الخوف الأحمق»، إن جاز التعبير.

في أعقاب جريمة نيس ارتفعت أصوات كثيرة من الداخل الأوروبي، وبالأخص من أنصار اليمين المتطرف، بالتهديد والوعيد، لكل من هو وما هو مخالف عقائديًا أو ذهنيًا للسيادة العرقية الأوروبية، ومعنى ذلك أنهم يروّجون للخوف ولو من منطق «القوة الخائفة»، بالضبط كما فعلت السياسات الأميركية طوال السنوات الـ15 الماضية، غير أنه من حسن الطالع، لا يزال هناك أناس من الذين وصفهم المفكر الإسلامي الكبير عبد الرحمن الكواكبي بالقول: «إنهم ينبهون الناس ويرفعون الالتباس ولا ينفكون حتى ينالوا ما يقصدون».

من بين هؤلاء خرج عاليًا صوت الكاردينال آنجيلو بانياسكو، رئيس مجلس الأساقفة الإيطاليين، الذي وإن نصح بضرورة اليقظة والانتباه والحذر إلى أقصى حد ممكن إنسانيا، كانت نصيحته للأوروبيين بشكل خاص «عدم الاستسلام للخوف»، مضيفًا: «الشعور بالخوف يجب ألا يضللنا ويبعدنا عن الحلول الجيدة والسلوكيات الصحيحة والمناسبة، حتى بما يتعلق بالحالات الصعبة والمعقدة مثل هذه». وفي سياق الرؤية التي تطرحها «الفاتيكان» على نحو خاص لمجابهة تيارات الإرهاب يأتي الحث على الحوار العميق الإيجابي بين أتباع الأديان من جانب الأسقف أيوزو غيكسوت، أمين سر المجلس البابوي للحوار ما بين الأديان، الذي شدد تعليقه على جريمة نيس على ضرورة بذل أتباع مختلف الديانات وبالتعاون الخاص مع ذوي الإرادة الطيبة الجهود الحثيثة من أجل بناء التناغم الاجتماعي والتعايش السلمي، مع إيلاء اهتمام خاص بكرامة كل كائن بشري.

لم يدعُ الأسقف أيوزو إلى الحلول العاطفية، ولم يلجأ للتصريحات العنترية الجوفاء، فالرجل المسؤول الكبير في قلب المؤسسة الكاثوليكية، اعتبر أن «الحوار بين الأديان يكتسب أهمية حيوية ويقتضي أن يلتزم به جميع القادة الدينيين وأتباعهم. والمثير للتأمل أن تلك التصريحات أدلى بها الأسقف لصحيفة «أوسيرفاتوري رومانو» الفاتيكانية، بعد عودته من مصر وزيارته للأزهر الشريف، من أجل العمل على دفع واستئناف الحوار بين المجلس البابوي للحوار ما بين الأديان وجامعة الأزهر، ومن ثم، العمل على تزخيم الحوار الصادق والمتميز بين هذه الدائرة الفاتيكانية والمؤسسة السنية الدينية العريقة، مع التأكيد على ضرورة قيام تعاون يحرص على خير الإنسانية ويوطد العلاقات بين المسيحيين والمسلمين حول العالم

هذا المشهد المتقدم يعني أنه في ظل تعرّض أوروبا لهجمات إرهابية، هناك من يفكر بطريقة إيجابية تقدمية خلاقة تسعى لمسارب من الأمل، بعيدا عن نيران المدافع أو فوهات البنادق. وهذا ما يتوقع حقًا أن يستدعي مواقف ومبادرات عربية وإسلامية واضحة وقاطعة الدلالة في مناهضة التطرف والإرهاب، عبر تأكيد قيمة التسامح في نفوس أبناء الأمة عن طريق التربية والمناهج العلمية، مما يعزز القناعات بأهمية الآخر، وحقه في الوجود وحفظ نفسه وماله وعرضه، بل والتلاقي معه، وهذا بداية خيط الحوار على الأرض بين العوام. وكي لا تكون دعوات الحوار والجوار قاصرة على الطبقة الفكرية الراقية من أتباع الأديان، وبعيدا عن الشباب الذين يعتبرون ومن أسف شديد وقودا لتلك المحرقة الفكرية الجديدة.

وهنا يلزمنا التذكير هنا بأن التسامح في الإسلام ليس مجرد قيمة نظرية أو شعار لا مضمون له، وإنما كان وسيظل واقعا معاشا له رسوخه في العقول ومكانته في القلوب وجذوره في التاريخ. وفي مؤلفه العمدة «الفكر الديني وقضايا العصر» يحدثنا المفكر المصري الدكتور محمود حمدي زقزوق، وزير الأوقاف الأسبق، عن الإرهاب الذي يمثل ظاهرة عالمية يكتوي بنارها الجميع من كل الأديان والحضارات، ولذا فالأمر يعني بالنسبة إليه حتمية تضاد الجهود والتعاون الوثيق من أجل القضاء على كل الأسباب التي تؤدي إلى الإرهاب وتساعد على انتشاره. والثابت أن مثل هذا التعاون لن يتحقق على نحو فعال، إلا إذا كان هناك تفاهم مشترك وإدراك حقيقي بحجم الأخطار التي تهدد الجميع، والتي لن ينجو منها أحد.

وللوصول إلى هذا التفاهم المشترك لا بد من الحوار بين الأديان وأتباعها والحضارات وأبنائها، فهذا الحوار هو السبيل القويم لدعم قيمة التسامح والتعايش بين البشر ولمواجهة كل أشكال التطرف والإرهاب، ودرء المخاطر التي تهدد البشرية، وتهدد الحضارة والأديان اللذين يمثلان صمام الأمان وحصن السلام للبشرية جمعاء.

ولعل الحقيقة التي لا مراء فيها هي أنه ليس هناك من شك في أن عالمنا المعاصر، في أشد الحاجة إلى التضامن الفعال من أجل درء خطر الإرهاب، والقضاء عليه حتى يعم السلام في هذا العالم الذي نعيش فيه والذي هو عالمنا جميعا.

هنا قد يتساءل البعض: «ولكن ما فائدة مثل هذا الحوار بين أناس من خلفيات دينية مختلفة، كل منها لها توجهه الخاص، روحانيته المستقلة؟». ويبقى التساؤل وكأنه لا شيء مشترك في الفضاء الإنساني العام، مع أن هذا قول منافٍ ومجافٍ للحقيقة، والعهدة هنا على هانس كونغ، عينه. ذلك أنه من المهم بشكل حيوي من أجل ترسيخ بنية المعبر، إدراك أنه على الرغم من الاختلافات بين الأديان الثلاثة، واختلاف النماذج المتنوعة التي تتغير على مر القرون والألفيات، فإن هناك ثوابت جامعة على المستوى الأخلاقي تجعل من بناء مثل ذلك المعبر أمرًا ممكنًا.

فرغم كون البشر قد تطوروا من مرحلة إلى أخرى، من الهمجية والوحشية إلى الآدمية، في طريق نهجهم للسلوك الإنساني، ورغم استخدام العقل، وبسبب دوافع النفس البشرية، فإن الوحشي بقي فيهم حقيقة، ولأزمان طويلة. ولمرات متوالية ناضل البشر لكي يصبحوا آدميين، وليس عكس ذلك. وهنا يمكن لأتباع الأديان التوحيدية، وأصحاب الشرائع الوضعية عبر اللقاء المشترك تعزيز الحتميات الأخلاقية البسيطة الملازمة لمفهوم الإنسانية، تلك الثوابت من أمثال:
* لا تقتل أو تعذب أو تصيب أو تغتصب، أو بمعنى إيجابي «احترام معنى الحياة»، أن هذا يمثل التزامًا بثقافة اللاعنف واحترام معني الحياة.

* لا تكذب، أو تخدع، أو تزوّر، أو تتلاعب، أو بمعني إيجابي «تكلم وتصرف بصدق». إن هذا يمثل التزامًا بثقافة التسامح وبحياة يعمها الصدق.

هذه الحتميات يمكن أن توجد لدى باتانجالي، مؤسس اليوغا، كما توجد في مبادئ البوذية، عطفًا على وجودها المؤكد وبوفرة في التوراة والإنجيل والقرآن. وقبل كل شيء يمكن للمتحاورين من المؤمنين الإيجابيين الرجوع إلى القاعدة الذهبية التي وضع كونفوشيوس إطارها قبل الميلاد وهي «ما لا ترغب في أن يفعل الناس بك، لا تفعله أنت في الآخرين». وعلى الرغم من أن هذه القاعدة تبدو أولية، فإنها تساعد في اتخاذ قرارات في شأن كثير من المواقف الصعبة.
من نيس خرج من يهدد الحياة الإنسانية، تلك العطية الإلهية المجانية، لكن فعلته يجب ألا تعني نهاية الجوار والحوار مع العالم الإسلامي من قبل فرنسا والفرنسيين، وتاليا عموم أوروبا وجميع الأوروبيين. ذلك أنه إذا كان من الخطأ أن ندين دينا معينا أو مجموعة من القيم بسبب أفعال أو بيانات صادرة عن بعض متبعيها، فإنه يجب أن يكون أمرًا خاطئًا أيضًا أن نتخلى عن فكرة أن قيمًا معينة هي قيم عالمية فقط لأن بعض الناس لا يبدو أنهم يقبلونها.

وتستوجب الصورة الشقاقية للإرهابي الذي نفذ جريمة نيس صورة وفاقية مغايرة، تجلت قبل الحادث المروّع بأيام قليلة. ذلك أنه في الأربعاء الأول من يوليو (تموز) الحالي وبعد نهاية اللقاء الأسبوعي لبابا روما فرانسيس الأول، وأمام جمهور غفير، وجه رأس الكنيسة الكاثوليكية رسالة لأربعة أئمة مسلمين فرنسيين منخرطين في الحوار بين الأديان والعلاقات الإسلامية المسيحية هم، طارق أوبرو أمام مسجد بوردو، ومحمد موسوي رئيس اتحاد مساجد فرنسا، وعز الدين قاسي أمام مسجد فيلورين، وجلول صديقي مدير معهد العلوم الفقهية بالمسجد الكبير بباريس، وقد صافحهم البابا وتبادل معهم بعض الكلمات وسلمهم علبًا صغير تحوي مسابح.
وكان المشهد يعني أنه «في عالم يحب مشاهدة العنف، فإنه من الجيد إظهار التفاهم الودي الذي ينمو بين المسلمين والأغلبية المسيحية»، وزيارة روما من قبل تلك الزعامات الإسلامية تشكل إشارة لذلك. ولم تكن اليهودية بدورها بعيدة، ففي سبتمبر،

من عام 2013 قام وفد قاده الكاتب اليهودي الفرنسي مارك هالتر وضم ثمانية أئمة بينهم حسن شلغومي إمام درانسي بزيارة إلى روما كانت موضع متابعة إعلامية كبيرة. وبالتالي، مع أن العالم اليوم قد يبدو كمستشفى أمراض عقلية، عبر تغيراته الجيوبوليتيكية المثيرة التي تتسارع يوما تلو الآخر، فعاجلا أو أجلا، عندما تتعاظم المشكلات ستكون هناك حلول تفصح عن ذاتها، والحوار بين أتباع الأديان حكمًا سيكون في مقدمها.

نقلا عن :ایلاف

لوزون: دعمنا الثورة ونبحث عن دولة تتسع للجميع/ عبد الستار حتيتة

ظل رافاييل لوزون القيادي اليهودي الليبي متمسكًا بملابسه «الجرد» وهو اللباس التقليدي الشعبي الليبي، الذي يتميز به الرجال، ويلبس في المناسبات الدينية والقومية حتى خارج البلد كزي وطني يختص بالليبيين، دون غيرهم، ويكتسب هذا الزي عندهم نوعًا من التميز الواضح بين أنماط الأزياء الأخرى.

2642

لوزون تحدث عبر الإنترنت لـ«الشرق الأوسط» وهو معتمر «الجرد»، ويبث من خلال كلماته حنينه إلى عودة استقرار إلى ليبيا، وأن تكون بلدًا للجميع وكل الأطياف، كاشفا في نفس السياق تفاصيل لقائه الأول مع معمر القذافي، ورئيس مخابراته، أبو زيد دوردة، والمسؤول الشعبي في الشؤون الخارجية، سليمان الشحومي، قبل عدة أشهر من ثورة 17 فبراير (شباط) التي أطاحت بالنظام السابق في عام 2011. وقال في حوار مع «الشرق الأوسط»، عبر الإنترنت، إن يهود ليبيا دعموا «ثورة فبراير»، وأن لهم حق المواطنة، وأنه يجب بناء دولة ليبية تتسع للجميع.

وأعرب لوزون، الذي يشغل حاليًا موقع رئيس الجالية الليبية اليهودية في لندن، ونائب رئيس جمعية يهود ليبيا في العالم، عن إحباطه مما آلت إليه الأوضاع في ليبيا بعد أكثر من خمس سنوات من سقوط نظام القذافي، وقال إنه كان هناك أمل في ترتيب الأمور وبناء ليبيا جديدة، ولكن «تخلصنا من طاغية وأصبح لدينا مائة ألف طاغية»، في إشارة إلى تعدد القيادات والفوضى التي تضرب البلاد حاليًا.

وشدد لوزون على أن حل القضية الليبية «بيد الليبيين وحدهم»، و«ليس أي طرف خارجي»، وأبدى استغرابه من ترحيب الليبيين بجهود المبعوثين الدوليين، الإسباني برناردينو ليون، ومن بعده الألماني، مارتن كوبلر، بينما يرفض بعضهم، في المقابل، تقديم مبادرات من اليهود الليبيين لـ«حل الأزمة».

وتحدث لوزون عن ثلاث زيارات قام بها إلى ليبيا، اثنتان كان يتنقل فيهما بسيارات «المراسم» التابعة لرئاسة الدولة، في عهد القذافي، وواحدة بعد «الثورة» تعرض خلالها للاختطاف والاحتجاز على يد جهاز الأمن الوقائي في مدينة بنغازي التي ولد فيها عام 1954.

وخرج الرجل من ليبيا ضمن موجة هجرة جماعية لليهود الليبيين، عام 1967. وقال إن عدد اليهود الليبيين في إسرائيل يبلغ حاليا نحو مائة ألف نسمة، وما زالوا يتحدثون اللهجة الليبية في بيوتهم، ومن أشهرهم وزير المالية موشي كحلون.

وإلى نص الحوار..

* زرت ليبيا عام 2010، فهل عاودت الزيارة لها مرة أخرى بعد سقوط نظام القذافي؟

– نعم.. فقد زرت ليبيا في شهر يوليو (تموز) من تلك السنة. زرت بلدي ووطني ومسقط رأسي وولادتي؛ ليبيا، وذلك بعد أن جرى تهجيرنا منها ظلما في أحداث عام 1967. الزيارة كانت بدعوة شخصية من الرئيس معمر القدافي. كنت سعيدًا جدًا بهذه الزيارة. لقد بكيت وأنا أزور مُدن ليبيا وقُراها.. أتفقدُ المناطق التي عشنا وعملنا فيها أنا، وأهلي، وأقاربي.. ثم تم توجيه دعوة ثانية لي من القذافي أيضًا، وذلك لحضور احتفالات عيد الفاتح في سبتمبر (أيلول) 2010 (ذكرى تولى القذافي السلطة في أول سبتمبر عام 1969) واستقبلوني رسميًا. قابلت القذافي وقلت له: أنا لا أريد أي تعويضات مالية أو أي شيء آخر. أريد حقي في العودة إلى بلدي كمواطن ليبي بكامل الحقوق والواجبات.

* وماذا كان رد القذافي؟

– معمر القدافي قال لي: أنا لم أطرد أي يهودي، وهذه الأحداث حصلت أيام المملكة الليبية. وقال لي أيضا: نسِّق مع سليمان الشحومي (كان أمين الشؤون الخارجية بأمانة مؤتمر الشعب العام أيام النظام السابق)، ونسِّق مع أبو زيد دوردة (الرئيس السابق لجهاز الأمن الخارجي «المخابرات» الليبية). وقال كذلك: لا توجد مشكلة في تسوية الملفات، وترتيب أوضاع اليهود الليبيين. القذافي ذكر لي أنه قد أمر بتجديد المعبد اليهودي بالمدينة القديمة وترميمه. فقلت له: نريد عمل مؤتمر ثقافي مشترك داخل المعبد للتقريب بين الليبيين، فقال: نسِّق مع سليمان الشحومي وأبو زيد دوردة.

* كان هذا في الزيارة الأولى؟

– نعم.. وعند زيارتي الثانية لليبيا، أي في سبتمبر، أرسل لي أبو زيد دوردة سيارة مراسم خاصة لتنقلني من مقر إقامتي في الفندق، إلى مكتب سليمان الشحومي الذي استقبلني ورحب بي بشكل ممتاز. ثم حضر أبو زيد دوردة أيضا إلى مكتب الشحومي. قلت لهما: أريدُ الحصول على أوراق رسمية ليبية.. حقي كمواطن ليبي. وأخرجت له (للشحومي) أوراقي الرسمية التي تعود لأيام المملكة الليبية. وتفاجأ الشحومي بأنني من مواليد منطقة سيدي حسين، في بنغازي، لأنه هو أيضا من مواليد هذه المنطقة. كما أن كلا منا يعود أصله إلى مدينة مصراتة.

* وماذا كان الرد بشأن رغبتك في استخراج أوراق المواطنة لك بشكل رسمي؟

– الشحومي قال لي سنوجه لك دعوة أخرى، في فبراير 2011، وستجد كل أوراقك التي طلبتها جاهزة. ولكن حصلت «الثورة»، واختلطت الأمور.

* يقال إن جدك كان معروفًا في الأوساط الليبية أثناء فترة «الجهاد» ضد الاستعمار الإيطالي لليبيا في أوائل القرن الماضي؟

– جدي رافاييل، الذي أحمل اسمه، كان من الداعمين للمجاهدين بالمال، وبكل الإمكانيات، ضد الاحتلال الإيطالي في ذلك الوقت. كما كان مستشارًا للزعيم الليبي وقتذاك، رمضان السويحلي. وعندما أصدر الطليان أمرا بالقبض على جدي، هرب إلى بنغازي، وساند أيضا حركة الجهاد هناك. كان يقوم بدوره كأي مواطن ليبي تجاه وطنه. وتوفي، رحمه الله، في مدينة ميلانو الإيطالية سنة 1957 بسبب المرض حيث سافر للعلاج.

* كيف تعاملت مع «ثورة فبراير» منذ بدايتها؟

– لقد دعمنا هذه الثورة منذ انطلاقها. وكل الجالية اليهودية الليبية كانت تتابع يوميا الأحداث التي تحصل في ليبيا. كانوا قلقين على ليبيا. وأكثر من 95 في المائة كانوا ضد القدافي، وضد أي نظام ديكتاتوري.

* وهل ترى أن «الثورة» حققت الأهداف التي قامت من أجلها؟

– في الحقيقة كانت لدينا آمال كبيرة جدا، ولكن هذه الآمال، الآن، تراجعت بسبب الانفلات الأمني.

* وما رؤيتك لحل الأزمة السياسية والأمنية في ليبيا في الوقت الراهن؟

– حل الأزمة الليبية بيد الليبيين وحدهم، وليس بيد أي طرف خارجي. الطرف الخارجي يركز عينيه على خيرات ليبيا، وعلى ثرواتها، ويرغب في امتصاصها، ثم، بعد ذلك، يرمي بنا (كليبيين) إلى المجهول.

* هل تعتقد أن أي مقترحات قد تتقدم بها للمساهمة في حل القضية الليبية يمكن أن تلقى قبولا من الليبيين؟

– الغريب في الأمر أن الشعب الليبي يرحب بجهود برناردينو ليون، وهو من إسبانيا، ومن بعده مارتن كوبلر، وهو من ألمانيا، كمبعوثين من الأمم المتحدة، وفي المقابل يستنكر بعض الليبيين، بل يعارض، أن نقدم نحن كيهود ليبيين مبادرات لحل الأزمة بين أهلنا.. نحن جزء من نسيج الشعب الليبي، ولا يمكن مسح تاريخ يهود ليبيا بقرار سياسي. نحن موجودون في ليبيا مند أكثر من ألفي سنة، أي قبل مجيء العرب والأتراك، ولنا حق المواطنة في بلدنا.. الدين لله والوطن للجميع. نحن مع جميع الليبيين، ولسنا مع طرف ضد الطرف الآخر.

* وهل تتعامل مع الوضع الليبي اليوم من منظور اجتماعي وعاطفي فقط، أم أن لك رؤية سياسية محددة لحل الأزمة؟

– أتعامل مع الوضع في ليبيا يوميًا. وأتابع الأخبار باهتمام كأي مواطن ليبي آخر قلق على بلاده. لقد قدمنا المساعدات الطبية والمالية، وما زلنا مستعدين لتقديم كل الإمكانيات المتاحة من أجل ليبيا. يجب بناء دولة ديمقراطية في ليبيا تسع جميع الليبيين دون إقصاء لأي طرف يلتزم بالقانون ويحافظ على سيادة واستقلال الدولة. كان لدينا أمل في ترتيب الأمور وبناء ليبيا جديدة، كما نحلم جميعا في بنائها، ولكن تخلصنا من طاغية وأصبح لدينا مائة ألف طاغية. الأمل وحده لا يكفي، بل يجب وضع خطط وبرامج عمل للخروج من الأزمة وإعادة الأمن والاستقرار في ليبيا.

* ما عدد اليهود ذوي الأصول الليبية في بريطانيا تحديدا وفي العالم عموما؟

– اليهود الليبيون في بريطانيا قرابة 200 شخص، ولديهم وجود وحضور سياسي واقتصادي، ومنهم الوزير المفوض روبرت خلفون، في مكتب رئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون. وفي إيطاليا هناك نحو 5 آلاف شخص تقريبا، وينشطون في التجارة والاقتصاد. وفي إسرائيل نحو 100 ألف يهودي ليبي، من أشهرهم وزير المالية موشي كحلون الذي كان قبل ذلك نائبا في البرلمان الإسرائيلي.

* وأين يتركز وجودهم في الوقت الحالي؟

– يعيشون في مناطق محددة، تجمعهم الروابط الثقافية، حتى داخليا، فتجد يهود مصراتة يعيشون في قرى مع بعضهم بعضا، ويهود غريان وطرابلس وبنغازي، وهكذا.. كل منطقة تختار أبناءها، وتعيد بناء وتأسيس مجتمعها بناء على الموروث الثقافي، وجميعهم يعيش بطريقة ليبية، ويتكلم داخل منزله باللهجة الليبية، ونقيم أفراحنا وأعراسنا بالطريقة الليبية.

* وما الصلات التي ترى أنها ما زالت تربط اليهود الليبيين بالوطن الأم؟ وهل أصبح هناك جيل جديد من اليهود الليبيين لا يعرف وطنه الأصلي؟

– نحن متمسكون بثقافتنا، ومحافظون عليها.. ننقلها للأجيال. ولو سألت أي يهودي ليبي الآن في أي دولة في العالم فإنه يجيبك عن مدن وقرى ليبيا بالتفصيل، وهو لم يزرها أبدًا، ولكن ليبيا تسكن في قلوبهم.. يسافرون بها أينما سافروا ورحلوا. سوف تستغرب من مدى تمسك اليهود الليبيين بليبيا لدى كل الأجيال. مطلب الأغلبية الساحقة من اليهود الليبيين هو الاعتراف بالحق وهو أننا كنا هنا.. إننا جزء من هذا الوطن، وإننا ظُلمنا. هذا الاعتراف من شأنه مداواة وعلاج وشفاء الكثير من الجراح والآلام. الجميع يرغب في زيارة ليبيا، وفي أن يعملوا معها وفيها، ويساهموا في تنميتها وتطويرها اقتصاديًا وفي كل المجالات.

* ما الذكريات التي تحتفظ بها عن ليبيا منذ كنت في بنغازي قبل أربعة عقود؟ وما الأغاني والألحان الليبية التي ترى أنها أثَّرت وما زالت تؤثر في وجدانك حتى اليوم؟

– لقد عشت في بنغازي أحسن وأجمل سنين عمري، 14 سنة من طفولتي، لم أشعر يوما بتمييز أو بسوء معاملة. كان مجتمع بنغازي عائلة واحدة. وأتذكر أثناء زيارتي إلى بنغازي في عام 2012 أنني، وبمجرد أن رأيت البحر، دخلته بسرعة، وعمت فيه، وغطست للسباحة في «مصيف جليانة»، فرحا بعودتي لمسقط رأسي. حتى الحرس المرافق لي طلب مني العودة، فهناك خطر، ولا يستطيعون تأميني في وسط البحر. فقلت لهم: لا أريد أي حماية.. أريد أن أسبح في البحر وفي التاريخ، وأستعيد ما ضاع من أيامي بعيدًا عن وطني وعن مدينتي التي اقتطعونا واقتلعونا منها كما تنتزع الشوكة من الصوف.

لقد توفي والدي الذي كان من مواليد بنغازي سنة 1994، وعمره 69 سنة، في إيطاليا، وكانت ليبيا لا تفارق خياله وذاكرته يوميا. ولقد حصل حادث اختطاف لي على يد جهاز الأمن الوقائي ورئيسه وشخص آخر مسؤول في مدينة بنغازي، وبقيت عندهم 7 أيام، ودمعت عيناي، لكنهم عاملوني بشكل جيد. في النهاية أصبحنا أصدقاء، وأنا أحترمهم. لقد كنت أشاهد في التلفزيون مدى تعاطف الليبيين معي، من خلال كثرة الاتصالات الهاتفية التي تستقبلها القنوات التلفزيونية للسؤال عني، واستنكار ما حصل لي، حتى استغرب الخاطفون وسألوني من أنت؟ ومن تكون؟ فقلت لهم: أنا ليبي قبلكم، وأكثر منكم. وأفرجوا عني. أنا إلى الآن أستمع إلى أغاني الفنان علي الشعالية، والفنان محمد صدقي. الفن الليبي بشكل يومي في البيت وفي السيارة. أيضا أغاني سمير الكردي. اللحن الليبي هو ما يطربني ويشدني ويحرك وجداني.

* كلمة أخيرة توجهها إلى الليبيين؟

– أنا علاقاتي مع إخوتي الليبيين، في كل مدن ليبيا، ومن مختلف المكونات الاجتماعية والقبلية، وعلى أعلى مستويات السلطة في مختلف الحكومات.. أتلقى منهم التهاني والتبريكات، وأرسل لهم المعايدة في المناسبات الوطنية والدينية.. يجمعنا وطن وتاريخ مشترك وقلق على مستقبل بلادنا. أنا مع ليبيا، وسأعمل من أجل ليبيا بكل إمكانياتي. يجب على الليبيين الانتباه والعمل بحكمة من أجل إنقاذ الوطن، والجنوح للسلم، والابتعاد عن العنف.

نقلا عن :ایلاف