بيل غيتس العرب.. إماراتي/ عبداالله المدني

قبل عدة سنوات فاجأ البليونير الأمريكي «بيل غيتس» مؤسس شركة مايكروسوفت، والذي يعد أحد أثرى اثرياء الولايات المتحدة الأمريكية، العالم بتخصيص نصف ثروته أو ما يعادل 26 بليون دولار للأعمال الخيرية والاجتماعية، وخصوصًا للإنفاق على مكافحة أمراض الإيدز والملاريا والسل في الدول الفقيرة، ومساندة الجامعات الأمريكية المرموقة في أبحاثها العلمية الهادفة الى خير البشرية، ودعم الطلبة المعسرين في مشوارهم الدراسي العالي. وفي الوقت نفسه دعا غيتس أقرانه من أثرياء العالم إلى الاقتداء به، فبذر بذلك بذرة طيبة سرعان ما أتت ثمارها بدليل مسارعة زميله البليونير الأمريكي «وارن بافيت» للتبرع بمبلغ 37 بليون دولار للإنفاق على الخدمات التعليمية والصحية في الدول الفقيرة. وبهذا دشن غيتس ما يمكن تسميته بظاهرة مساهمة الأثرياء ورجال الأعمال في جزء من الأعباء التنموية المنوطة بالدولة.

2644

والحقيقة أن هذه الظاهرة راحت تمتد إلى العالم العربي، فظهر فيه عدد من الأثرياء الذين قرروا بمحض إرادتهم التنازل عن جزء من ثرواتهم للأعمال الخيرية الكبيرة الهادفة إلى تحسين مستويات معيشة مواطنيهم، ومكافحة ظواهر الفقر والبطالة، ودعم المواهب الفتية وأعمال الابتكار الخلاقة، ومساعدة الأيتام والمرضى والمشردين والمعاقين والشباب اليافع على تحقيق أحلامهم في حياة ناجحة ومستقبل زاهر. من بين هؤلاء برز الأمير «الوليد بن طلال بن عبدالعزيز آل سعود» الذي أعلن عن عزمه التبرع ببلايين الدولارات من ثروته للأعمال الخيرية والمشاريع الانسانية والهبات في أكثر من 90 بلدًا حول العالم خلال السنوات الخمس والثلاثين القادمة، وذلك من خلال «مؤسسة الوليد للإنسانية» التي يشغل منصب رئيس مجلس أمنائها. كما برز البليونير السعودي «سليمان الراجحي» الذي تبرع بنحو 5.7 بليون دولار لدعم القضايا التعليمية والصحية والاجتماعية والدينية،

مكتفيًا من ثروته لنفسه بنحو 600 مليون دولار، ورجل الأعمال المصري «نجيب ساويرس» الذي تبرع بمبلغ خمسين مليون دولار ينفق من خلال «مؤسسة ساويرس للتنمية الاجتماعية» على توفير فرص عمل للشباب ومكافحة الفقر وتنمية القرى والنجوع الفقيرة وإنشاء المدارس وتعزيز حوار الأديان، ورجل الأعمال اللبناني «عزمي ميقاتي» الذي أسهم بجزء من ثروته في حل مشكلات البطالة والفقر والمرض والاهتمام بالأبحاث الطبية الهادفة إلى توفير العلاج الناجع لمواطنيه وإنشاء المدارس وتوفير فرص العمل للشباب، ورجل الأعمال الكويتي عبدالعزيز سعود البابطين الذي لا يكف عن دعم الجامعات والمؤسسات التعليمية العليا في داخل بلده وخارجه بهدف إبراز الوجه المشرق للحضارة والآداب العربية وتوفير العلم النافع للأجيال القادمة، وبناء المراكز ودور العبادة الاسلامية في مدن أوروبا وجمهوريات آسيا الوسطى.

وبطبيعة الحال فإن مثل هذه المبادرات الخيّرة لا تقتصر على هذه الشخصيات فقط. فهناك أسماء أخرى عديدة، لكن تبرعاتها ومساهماتها الخيرية أقل أو تتجه نحو مشاريع محددة.
وإذا ما أتينا إلى أثرياء دولة الإمارات العربية المتحدة، ممن حباهم الله بنعمه وخيراته الوفيرة، من بعد عسر وحياة شاقة ومسيرة عصامية، فقرروا أن يسخّروا جزءًا من ثرواتهم في إسعاد مواطنيهم وإخوتهم العرب من خلال مشاريع خدمية وتنموية نجد أن القائمة تطول وتزخر بأسماء عديدة.
فإضافة إلى صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة /‏ رئيس مجلس الوزراء /‏ حاكم دبي الذي قام قبل مدة بإطلاق الرؤية العالمية للوقف من خلال مركز سموه العالمي لاستشارات الوقف والهبة بهدف تحويل دبي إلى مركز عالمي لتحفيز وتمكين الأوقاف والهبات، هناك رجل الأعمال جمعة ماجد الماجد الذي أطلق في عام 1989 مع مجموعة من نظرائه من رجال الأعمال في دبي جمعية نفع عام تحت اسم «جمعية بيت الخير» مختصة بالعمل داخل دولة الإمارات،

وفق أسس إدارية وفنية مبتكرة، في رفع معاناة مواطنيهم ممن يمنعهم حياؤهم من السؤال، علمًا بأن الماجد كان قد سبق مبادرته هذه بإنشاء المدارس الاهلية منذ أكثر من 25 سنة لاحتضان البنين والبنات من الصف الأول وحتى الثاني عشر في دبي والشارقة وعجمان، وأردفها بتأسيس كلية الدراسات الإسلامية كمؤسسة تعليمية خاصة وذلك بهدف مساعدة مواطناته على نيل العلم النافع دون الحاجة للسفر الى الخارج، ثم قام بعمل دؤوب استهدف جمع الوثائق والمخطوطات والكتب النادرة من كل أنحاء العالم وترميم العتيق منها وجعلها متاحة للباحثين والدارسين العرب.

وهناك أيضًا البليونير الإماراتي ماجد الفطيم (صنفته مجلة «فوربس» في عام 2015 في المرتبة السادسة ضمن الأثرياء العرب بثروة بلغت 6.2 بليون دولار) الذي قدم تبرعات سخية من حلال ماله للإنفاق على البرامج الصحية، من خلال تأسيس مراكز لغسل الكلى وأقسام العناية المركزة للأطفال حديثي الولادة وإطعام الفقراء والمحتاجين.
ومؤخرًا أطلق بليونير إماراتي آخر هو العم عبدالله أحمد الغرير (صنفته مجلة «فوربس» في عام 2015 في المرتبة الرابعة ضمن الأثرياء العرب بثروة بلغت 6.4 بليون دولار) «مؤسسة عبدالله الغرير للتعليم» بهدف تقديم منح دراسية في التخصصات الأكاديمية الملبية لاحتياجات الدولة العصرية للشباب الإماراتي والعربي، وتقديم مساعدات لدعم البرامج المعنية بجودة التعليم الأساسي في الوطني العربي، وذلك من أجل خلق قادة للمستقبل مسلحين بالكفاءات والقدرات الضرورية للمساهمة في نهضة أوطانهم ومجتمعاتهم

وقد خصص الغرير لهذا العمل النبيل ميزانية مبدئية بمقدار ثلث إجمالي ثروته على مدى السنوات العشر المقبلة، الأمر الذي أثنى عليه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم عبر تغريدات على موقع تويتر قال في إحداها: «عندما يحمل رجال الأعمال بعضًا من مسؤوليات الأمة، وتتعاون معهم الحكومات والمؤسسات لتغيير الواقع للأفضل، فأوطاننا بلا شك على طريق تنموي صحيح»، وقال سموه في تغريدة أخرى: «أعجبني في وقف عبدالله الغرير أنه حدد بوضوح منذ البداية مجالات وقفه في دعم التعليم والمعرفة والابتكار، وهي أهم ما يحتاجه العالم العربي اليوم».

وجاء إطلاق هذه المبادرة في حفل أقيم في مقر جامعة زايد بدبي في السابع من يوليو 2016، وشهد الحفل توقيع شراكات مع جامعات رائدة مثل جامعة خليفة في أبوظبي، والجامعة الأمريكية في الشارقة، والجامعة الأمريكية في بيروت، والجامعة الأمريكية في القاهرة. وفي الحفل سجل عن الغرير قوله: «إن هذه المؤسسة ليست سوى مساهمة ضئيلة مقابل الفرص التي منحتها هذه الدولة لعائلتنا.

ونأمل أن تمثل الفرص التي سنقدمها للشباب الإماراتي والعربي بداية رحلتهم نحو مزيد من النجاح والعطاء الخيري في المنطقة»، وأضاف ما معناه أن مؤسسته ملتزمة بتوفير منح لما لا يقل عن 15 ألف من الشباب العربي الواعد للحصول على تعليم في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة على مدى الأعوام العشرة القادمة، إضافة لدعم خمسة آلاف طالب إماراتي متفوق في المرحلة الثانوية في المدارس الحكومية ورفع جاهزيتهم لدراسة العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات في أفضل الجامعات في الإمارات والمنطقة والعالم.

وتعليقًا على مبادرة الغرير هذه كتب بدر عبدالله المديرس في صحيفة الوطن الكويتية (8/‏7/‏2016) قائلاً إن هذه المبادرة ليست بمستغربة على عبدالله الغرير وأخيه الأكبر سيف الغرير وأبنائهما، مستعيدًا التذكير بدورهم في فترة الغزو العراقي لدولة الكويت، حينما استقبلوا أشقاءهم الكويتيين النازحين بالترحاب ووفروا لهم السكن الرغيد والتعليم والعلاج المناسبين والتسهيلات الأخرى مجانًا وبغير حدود

فمن هو الغرير الذي لا نبالغ لو وصفناه تجاوزًا بـ«بيل غيتس العرب»؟
عبدالله بن أحمد الغرير هو عميد عائلة الغرير، من بعد وفاة والده أحمد الذي أسس شركة الغرير في دبي في عام 1960 وجعلها تتمدد في الإمارات السبع وبقية دول الخليج، ثم أورثها لأبنائه: سيف وعبدالله وماجد ومروان وجمعة. وتعتبر عائلة الغرير اليوم واحدة من أغنى العائلات التجارية في دولة الإمارات إلى جانب شخصيات وعائلات أخرى مثل الفطيم والقرقاش ومهدي التاجر وخلف الحبتور ومحمد الفهيم وجمعة الماجد وحسين سجواني.

وعبدالله الغرير متزوج من عائلة بن ثاني الفلاسية، وله ستة أبناء أكبرهم سعود، لكن أشهرهم هو عبدالعزيز بن عبدالله الغرير الحاصل على درجة البكالوريوس مع مرتبة الشرف في الهندسة الصناعية من جامعة كاليفورنيا بوليتكنيك الامريكية في عام 1977. وتعود شهرة الأخير إلى كونه يشغل منصب عضو مجلس الإدارة والمدير التنفيذي لبنك المشرق، أحد أكبر مصارف الإمارات من حيث الأصول وحجم الأعمال وانتشار الفروع في الإمارات وقطر والكويت والبحرين ومصر ولندن ونيويورك والهند، علمًا بأن هذا المصرف أسسه عبدالله الغرير مع أخيه سيف الغرير في عام 1967 ويترأس الأول مجلس إدارته حاليًا، ووصلت أصوله الإجمالية في نهاية عام 2003 إلى أكثر من سبعة بلايين دولار أمريكي، بما جعله ثالث أكبر المصارف الإماراتية على الإطلاق.

كما تتأتى شهرة الابن عبدالعزيز من كونه يشغل في الوقت نفسه منصب نائب رئيس مجلس إدارة مركز دبي المالي العالمي، ناهيك عن أنه شغل سابقًا منصب رئيس المجلس الوطني الاتحادي في فصله التشريعي الرابع عشر، ومنصب عضو الهيئة الاستشارية للمجلس الأعلى لدول مجلس التعاون الخليجي، وكان عضوًا في مجالس إدارات شركة إعمار العقارية، وشركة دبي للاستثمار، وشركتي فيزا كارد وماستر كارد العالميتين.

تنحدر عائلة الغرير من سلالة تجارية إماراتية معروفة، ويقال إنها اكتسبت هذا الاسم لأنها كانت غرة العشائر العربية الأصيلة. وهناك من يفرّق ما بين آل غرير الموجودين في الإمارات، وآل غرير الموجودين في البحرين والكويت، وآل غرير الموجودين في العراق والأردن من حيث النسب. فبالنسبة للفريق الأول يعود نسبهم إلى قبيلة السودان (مفردهم السويدي)، علمًا بأن قبيلة السودان فرع من حلف بني ياس الذين ينحدرون بدورهم من قبيلة كندة القحطانية المعروفة. وبالنسبة للفريق الثاني تعود جذوره ونسبه إلى قبيلة بني خالد المعروفة، حكام الأحساء قديمًا، ممن اشتهروا بلقب آل حميد نسبة إلى جدهم قديم لهم، كما اشتهروا بلقب آل غرير نسبة إلى غرير بن عثمان بن مسعود بن ربيعة

وفي هذا السياق يقول الأكاديمي السعودي الدكتور سعد الصويان نقلاً عن كتاب «بنوخالد وعلاقتهم بنجد» من تأليف عبدالكريم بن عبدالله الوهبي (منشورات دار تثقيف بالرياض في عام 1989) أن أول من حكم الأحساء من آل غرير هو «براك بن غرير»، وأن حكمهم استمر قرابة مائة وثلاثين عامًا إلى أن انضوت دولتهم تحت الحكم السعودي في العقد الأول من القرن الثالث عشر للهجرة. كما يضيف الصويان ما مفاده أن الوثائق البرتغالية والعثمانية التي تناولت أحداث الأحساء أكدت على أهمية الدور الذي لعبه آل حميد وآل غرير من قبيلة بني خالد في هذه الأحداث منذ انتهاء الدولة الجبرية في عام 932 للهجرة وحتى تمكن براك بن غرير من بسط سلطته على الأحساء والاستقلال بولايتها بعد أن طرد العثمانيين منها أواخر العقد الثامن من القرن 11 الهجري. ويستطرد الصويان قائلاً: «وقبل استقلاله بولاية الأحساء بعدة سنوات كان اسم براك بن غرير يرد في الوثائق العثمانية كزعيم قوي يحسب له حساب».

أما الغرير المتواجدون في مناطق مختلفة من العراق فهم جزء من عشائر الدليم صاحبة البصمات الخالدة في صنع الحدث العراقي، ويعتقد أن عشايرة الغرير الأردنية هم أبناء عمومتهم، وبالتالي لا صلة لهؤلاء بغرير الإمارات أو البحرين أو الكويت.
ولآل غرير تواجد في معظم أقطار الخليج العربية، وإن كانت أوضاعهم فيها ليست مشابهة لأوضاعهم في دولة الإمارات لجهة الثراء والنفوذ الاقتصادي.
ويملك الغرير، إضافة إلى ملكية بنك المشرق وحصص في بنك الكويت الأهلي، شركة عائلية قابضة يدير أعمالها أبناؤه بمساعدة فريق من أعلى الكفاءات وفق أحدث أساليب الإدارة الغربية، وتشتمل على أقسام عدة منها قسم لتجارة الأغذية والأطعمة وإنتاج المياه المعدنية المعروفة باسم «مسافي» وإدارة الأسواق المركزية الكبرى، وآخر للانشاءات وإدارة الأصول العقارية والسكنية، وثالث للضيافة وإدارة الفنادق والمنتجعات

ورابع للتعدين والطاقة والبلاستيك، وخامس للأعلاف مختص بتوفير احتياجات المزارعين ومربي الدواجن ومصنعي الألبان، وخامس للطباعة والنشر والتعليم. والمعروف أن دخول شركة الغرير في مجال الأغذية والأطعمة بدأ في عام 1976 حينما أسست «شركة مطاحن الدقيق الوطنية» في دبي، ثم راحت تطورها وتنوع أعمالها وتدعمها بأحدث التقنيات، فأصبح لمنتجاتها حضور قوي في أسواق 20 دولة موزعة على مناطق الخليج والشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجنوب آسيا

بقي أن نقول إن مبادرة الوجيه عبدالله الغرير جاءت بالتزامن مع احتفال دولة الإمارات الشقيقة بـ«يوم زايد للعمل الإنساني»، وهو يوم يستذكر فيه شعب الإمارات ما كان يشدد عليه دومًا مؤسس دولتهم وباني نهضتها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان من ضرورة الاهتمام بالوقف الخيري والقيام بأعمال الخير والبر. ففي عام 1993 على سبيل المثال اجتمع سموه برجال الأعمال والتجار في «صير بني ياس» وواجههم بأسئلة صادمة وصريحة مثل: هل بنى أحدكم عيادة أو مستوصفًا؟ هل قدم أحدكم وقفًا للأيتام أو العجزة أو الأرامل أو المعاقين؟ ماذا ستفعلون بأموالكم الموجودة في البنوك؟ ماذا سيضركم لو قدمتم أعمالاً تنفعون بها المواطن والوافد من باب نفع الإنسانية.