لوزون: دعمنا الثورة ونبحث عن دولة تتسع للجميع/ عبد الستار حتيتة

ظل رافاييل لوزون القيادي اليهودي الليبي متمسكًا بملابسه «الجرد» وهو اللباس التقليدي الشعبي الليبي، الذي يتميز به الرجال، ويلبس في المناسبات الدينية والقومية حتى خارج البلد كزي وطني يختص بالليبيين، دون غيرهم، ويكتسب هذا الزي عندهم نوعًا من التميز الواضح بين أنماط الأزياء الأخرى.

2642

لوزون تحدث عبر الإنترنت لـ«الشرق الأوسط» وهو معتمر «الجرد»، ويبث من خلال كلماته حنينه إلى عودة استقرار إلى ليبيا، وأن تكون بلدًا للجميع وكل الأطياف، كاشفا في نفس السياق تفاصيل لقائه الأول مع معمر القذافي، ورئيس مخابراته، أبو زيد دوردة، والمسؤول الشعبي في الشؤون الخارجية، سليمان الشحومي، قبل عدة أشهر من ثورة 17 فبراير (شباط) التي أطاحت بالنظام السابق في عام 2011. وقال في حوار مع «الشرق الأوسط»، عبر الإنترنت، إن يهود ليبيا دعموا «ثورة فبراير»، وأن لهم حق المواطنة، وأنه يجب بناء دولة ليبية تتسع للجميع.

وأعرب لوزون، الذي يشغل حاليًا موقع رئيس الجالية الليبية اليهودية في لندن، ونائب رئيس جمعية يهود ليبيا في العالم، عن إحباطه مما آلت إليه الأوضاع في ليبيا بعد أكثر من خمس سنوات من سقوط نظام القذافي، وقال إنه كان هناك أمل في ترتيب الأمور وبناء ليبيا جديدة، ولكن «تخلصنا من طاغية وأصبح لدينا مائة ألف طاغية»، في إشارة إلى تعدد القيادات والفوضى التي تضرب البلاد حاليًا.

وشدد لوزون على أن حل القضية الليبية «بيد الليبيين وحدهم»، و«ليس أي طرف خارجي»، وأبدى استغرابه من ترحيب الليبيين بجهود المبعوثين الدوليين، الإسباني برناردينو ليون، ومن بعده الألماني، مارتن كوبلر، بينما يرفض بعضهم، في المقابل، تقديم مبادرات من اليهود الليبيين لـ«حل الأزمة».

وتحدث لوزون عن ثلاث زيارات قام بها إلى ليبيا، اثنتان كان يتنقل فيهما بسيارات «المراسم» التابعة لرئاسة الدولة، في عهد القذافي، وواحدة بعد «الثورة» تعرض خلالها للاختطاف والاحتجاز على يد جهاز الأمن الوقائي في مدينة بنغازي التي ولد فيها عام 1954.

وخرج الرجل من ليبيا ضمن موجة هجرة جماعية لليهود الليبيين، عام 1967. وقال إن عدد اليهود الليبيين في إسرائيل يبلغ حاليا نحو مائة ألف نسمة، وما زالوا يتحدثون اللهجة الليبية في بيوتهم، ومن أشهرهم وزير المالية موشي كحلون.

وإلى نص الحوار..

* زرت ليبيا عام 2010، فهل عاودت الزيارة لها مرة أخرى بعد سقوط نظام القذافي؟

– نعم.. فقد زرت ليبيا في شهر يوليو (تموز) من تلك السنة. زرت بلدي ووطني ومسقط رأسي وولادتي؛ ليبيا، وذلك بعد أن جرى تهجيرنا منها ظلما في أحداث عام 1967. الزيارة كانت بدعوة شخصية من الرئيس معمر القدافي. كنت سعيدًا جدًا بهذه الزيارة. لقد بكيت وأنا أزور مُدن ليبيا وقُراها.. أتفقدُ المناطق التي عشنا وعملنا فيها أنا، وأهلي، وأقاربي.. ثم تم توجيه دعوة ثانية لي من القذافي أيضًا، وذلك لحضور احتفالات عيد الفاتح في سبتمبر (أيلول) 2010 (ذكرى تولى القذافي السلطة في أول سبتمبر عام 1969) واستقبلوني رسميًا. قابلت القذافي وقلت له: أنا لا أريد أي تعويضات مالية أو أي شيء آخر. أريد حقي في العودة إلى بلدي كمواطن ليبي بكامل الحقوق والواجبات.

* وماذا كان رد القذافي؟

– معمر القدافي قال لي: أنا لم أطرد أي يهودي، وهذه الأحداث حصلت أيام المملكة الليبية. وقال لي أيضا: نسِّق مع سليمان الشحومي (كان أمين الشؤون الخارجية بأمانة مؤتمر الشعب العام أيام النظام السابق)، ونسِّق مع أبو زيد دوردة (الرئيس السابق لجهاز الأمن الخارجي «المخابرات» الليبية). وقال كذلك: لا توجد مشكلة في تسوية الملفات، وترتيب أوضاع اليهود الليبيين. القذافي ذكر لي أنه قد أمر بتجديد المعبد اليهودي بالمدينة القديمة وترميمه. فقلت له: نريد عمل مؤتمر ثقافي مشترك داخل المعبد للتقريب بين الليبيين، فقال: نسِّق مع سليمان الشحومي وأبو زيد دوردة.

* كان هذا في الزيارة الأولى؟

– نعم.. وعند زيارتي الثانية لليبيا، أي في سبتمبر، أرسل لي أبو زيد دوردة سيارة مراسم خاصة لتنقلني من مقر إقامتي في الفندق، إلى مكتب سليمان الشحومي الذي استقبلني ورحب بي بشكل ممتاز. ثم حضر أبو زيد دوردة أيضا إلى مكتب الشحومي. قلت لهما: أريدُ الحصول على أوراق رسمية ليبية.. حقي كمواطن ليبي. وأخرجت له (للشحومي) أوراقي الرسمية التي تعود لأيام المملكة الليبية. وتفاجأ الشحومي بأنني من مواليد منطقة سيدي حسين، في بنغازي، لأنه هو أيضا من مواليد هذه المنطقة. كما أن كلا منا يعود أصله إلى مدينة مصراتة.

* وماذا كان الرد بشأن رغبتك في استخراج أوراق المواطنة لك بشكل رسمي؟

– الشحومي قال لي سنوجه لك دعوة أخرى، في فبراير 2011، وستجد كل أوراقك التي طلبتها جاهزة. ولكن حصلت «الثورة»، واختلطت الأمور.

* يقال إن جدك كان معروفًا في الأوساط الليبية أثناء فترة «الجهاد» ضد الاستعمار الإيطالي لليبيا في أوائل القرن الماضي؟

– جدي رافاييل، الذي أحمل اسمه، كان من الداعمين للمجاهدين بالمال، وبكل الإمكانيات، ضد الاحتلال الإيطالي في ذلك الوقت. كما كان مستشارًا للزعيم الليبي وقتذاك، رمضان السويحلي. وعندما أصدر الطليان أمرا بالقبض على جدي، هرب إلى بنغازي، وساند أيضا حركة الجهاد هناك. كان يقوم بدوره كأي مواطن ليبي تجاه وطنه. وتوفي، رحمه الله، في مدينة ميلانو الإيطالية سنة 1957 بسبب المرض حيث سافر للعلاج.

* كيف تعاملت مع «ثورة فبراير» منذ بدايتها؟

– لقد دعمنا هذه الثورة منذ انطلاقها. وكل الجالية اليهودية الليبية كانت تتابع يوميا الأحداث التي تحصل في ليبيا. كانوا قلقين على ليبيا. وأكثر من 95 في المائة كانوا ضد القدافي، وضد أي نظام ديكتاتوري.

* وهل ترى أن «الثورة» حققت الأهداف التي قامت من أجلها؟

– في الحقيقة كانت لدينا آمال كبيرة جدا، ولكن هذه الآمال، الآن، تراجعت بسبب الانفلات الأمني.

* وما رؤيتك لحل الأزمة السياسية والأمنية في ليبيا في الوقت الراهن؟

– حل الأزمة الليبية بيد الليبيين وحدهم، وليس بيد أي طرف خارجي. الطرف الخارجي يركز عينيه على خيرات ليبيا، وعلى ثرواتها، ويرغب في امتصاصها، ثم، بعد ذلك، يرمي بنا (كليبيين) إلى المجهول.

* هل تعتقد أن أي مقترحات قد تتقدم بها للمساهمة في حل القضية الليبية يمكن أن تلقى قبولا من الليبيين؟

– الغريب في الأمر أن الشعب الليبي يرحب بجهود برناردينو ليون، وهو من إسبانيا، ومن بعده مارتن كوبلر، وهو من ألمانيا، كمبعوثين من الأمم المتحدة، وفي المقابل يستنكر بعض الليبيين، بل يعارض، أن نقدم نحن كيهود ليبيين مبادرات لحل الأزمة بين أهلنا.. نحن جزء من نسيج الشعب الليبي، ولا يمكن مسح تاريخ يهود ليبيا بقرار سياسي. نحن موجودون في ليبيا مند أكثر من ألفي سنة، أي قبل مجيء العرب والأتراك، ولنا حق المواطنة في بلدنا.. الدين لله والوطن للجميع. نحن مع جميع الليبيين، ولسنا مع طرف ضد الطرف الآخر.

* وهل تتعامل مع الوضع الليبي اليوم من منظور اجتماعي وعاطفي فقط، أم أن لك رؤية سياسية محددة لحل الأزمة؟

– أتعامل مع الوضع في ليبيا يوميًا. وأتابع الأخبار باهتمام كأي مواطن ليبي آخر قلق على بلاده. لقد قدمنا المساعدات الطبية والمالية، وما زلنا مستعدين لتقديم كل الإمكانيات المتاحة من أجل ليبيا. يجب بناء دولة ديمقراطية في ليبيا تسع جميع الليبيين دون إقصاء لأي طرف يلتزم بالقانون ويحافظ على سيادة واستقلال الدولة. كان لدينا أمل في ترتيب الأمور وبناء ليبيا جديدة، كما نحلم جميعا في بنائها، ولكن تخلصنا من طاغية وأصبح لدينا مائة ألف طاغية. الأمل وحده لا يكفي، بل يجب وضع خطط وبرامج عمل للخروج من الأزمة وإعادة الأمن والاستقرار في ليبيا.

* ما عدد اليهود ذوي الأصول الليبية في بريطانيا تحديدا وفي العالم عموما؟

– اليهود الليبيون في بريطانيا قرابة 200 شخص، ولديهم وجود وحضور سياسي واقتصادي، ومنهم الوزير المفوض روبرت خلفون، في مكتب رئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون. وفي إيطاليا هناك نحو 5 آلاف شخص تقريبا، وينشطون في التجارة والاقتصاد. وفي إسرائيل نحو 100 ألف يهودي ليبي، من أشهرهم وزير المالية موشي كحلون الذي كان قبل ذلك نائبا في البرلمان الإسرائيلي.

* وأين يتركز وجودهم في الوقت الحالي؟

– يعيشون في مناطق محددة، تجمعهم الروابط الثقافية، حتى داخليا، فتجد يهود مصراتة يعيشون في قرى مع بعضهم بعضا، ويهود غريان وطرابلس وبنغازي، وهكذا.. كل منطقة تختار أبناءها، وتعيد بناء وتأسيس مجتمعها بناء على الموروث الثقافي، وجميعهم يعيش بطريقة ليبية، ويتكلم داخل منزله باللهجة الليبية، ونقيم أفراحنا وأعراسنا بالطريقة الليبية.

* وما الصلات التي ترى أنها ما زالت تربط اليهود الليبيين بالوطن الأم؟ وهل أصبح هناك جيل جديد من اليهود الليبيين لا يعرف وطنه الأصلي؟

– نحن متمسكون بثقافتنا، ومحافظون عليها.. ننقلها للأجيال. ولو سألت أي يهودي ليبي الآن في أي دولة في العالم فإنه يجيبك عن مدن وقرى ليبيا بالتفصيل، وهو لم يزرها أبدًا، ولكن ليبيا تسكن في قلوبهم.. يسافرون بها أينما سافروا ورحلوا. سوف تستغرب من مدى تمسك اليهود الليبيين بليبيا لدى كل الأجيال. مطلب الأغلبية الساحقة من اليهود الليبيين هو الاعتراف بالحق وهو أننا كنا هنا.. إننا جزء من هذا الوطن، وإننا ظُلمنا. هذا الاعتراف من شأنه مداواة وعلاج وشفاء الكثير من الجراح والآلام. الجميع يرغب في زيارة ليبيا، وفي أن يعملوا معها وفيها، ويساهموا في تنميتها وتطويرها اقتصاديًا وفي كل المجالات.

* ما الذكريات التي تحتفظ بها عن ليبيا منذ كنت في بنغازي قبل أربعة عقود؟ وما الأغاني والألحان الليبية التي ترى أنها أثَّرت وما زالت تؤثر في وجدانك حتى اليوم؟

– لقد عشت في بنغازي أحسن وأجمل سنين عمري، 14 سنة من طفولتي، لم أشعر يوما بتمييز أو بسوء معاملة. كان مجتمع بنغازي عائلة واحدة. وأتذكر أثناء زيارتي إلى بنغازي في عام 2012 أنني، وبمجرد أن رأيت البحر، دخلته بسرعة، وعمت فيه، وغطست للسباحة في «مصيف جليانة»، فرحا بعودتي لمسقط رأسي. حتى الحرس المرافق لي طلب مني العودة، فهناك خطر، ولا يستطيعون تأميني في وسط البحر. فقلت لهم: لا أريد أي حماية.. أريد أن أسبح في البحر وفي التاريخ، وأستعيد ما ضاع من أيامي بعيدًا عن وطني وعن مدينتي التي اقتطعونا واقتلعونا منها كما تنتزع الشوكة من الصوف.

لقد توفي والدي الذي كان من مواليد بنغازي سنة 1994، وعمره 69 سنة، في إيطاليا، وكانت ليبيا لا تفارق خياله وذاكرته يوميا. ولقد حصل حادث اختطاف لي على يد جهاز الأمن الوقائي ورئيسه وشخص آخر مسؤول في مدينة بنغازي، وبقيت عندهم 7 أيام، ودمعت عيناي، لكنهم عاملوني بشكل جيد. في النهاية أصبحنا أصدقاء، وأنا أحترمهم. لقد كنت أشاهد في التلفزيون مدى تعاطف الليبيين معي، من خلال كثرة الاتصالات الهاتفية التي تستقبلها القنوات التلفزيونية للسؤال عني، واستنكار ما حصل لي، حتى استغرب الخاطفون وسألوني من أنت؟ ومن تكون؟ فقلت لهم: أنا ليبي قبلكم، وأكثر منكم. وأفرجوا عني. أنا إلى الآن أستمع إلى أغاني الفنان علي الشعالية، والفنان محمد صدقي. الفن الليبي بشكل يومي في البيت وفي السيارة. أيضا أغاني سمير الكردي. اللحن الليبي هو ما يطربني ويشدني ويحرك وجداني.

* كلمة أخيرة توجهها إلى الليبيين؟

– أنا علاقاتي مع إخوتي الليبيين، في كل مدن ليبيا، ومن مختلف المكونات الاجتماعية والقبلية، وعلى أعلى مستويات السلطة في مختلف الحكومات.. أتلقى منهم التهاني والتبريكات، وأرسل لهم المعايدة في المناسبات الوطنية والدينية.. يجمعنا وطن وتاريخ مشترك وقلق على مستقبل بلادنا. أنا مع ليبيا، وسأعمل من أجل ليبيا بكل إمكانياتي. يجب على الليبيين الانتباه والعمل بحكمة من أجل إنقاذ الوطن، والجنوح للسلم، والابتعاد عن العنف.

نقلا عن :ایلاف