أتمنى أن يكون هناك تعاون سينمائي بين الشباب العربي والإيراني
كشفت الشاعرة والمترجمة الإيرانية مريم حيدري في هذا اللقاء الذي جمعنا بها على هامش فعاليات مهرجان وهران الدولي للسينما العربية بوصفه عضو في لجنة تحكيم الأفلام القصيرة، العديد من الجوانب المهمة والمخفية عن مدونة السينما الإيرانية، ليكون هذا الحوار بمثابة وثيقة مهمة تعكس وتكشف جوانب خفية من هذه السينما العالمية.
أصبحت السينما الإيرانية من بين أقوى سنيمات العالم…أين يكمل سر هذا التألق والقوة ؟
ليس هناك سبب واحد ومحدد وحسب، بل هناك أسباب وحيثيات وفق كل مخرج، فكل من المخرجين الإيرانيين الذين اشتهروا عالميا وحصدوا الجوائز في المهرجانات السينمائية العالمية لهم رؤيتهم المختلفة وعالمهم الخاص. قد يمكن القول إن السينما الإيرانية ظهرت ونجحت على الصعيد العالمي بسبب إسدال الستار عن الوجه غير المألوف للمجتمع والثقافة الإيرانيين، وكل هذا بأساليب سهلة وممتنعة برع فيها المخرجون كما تعرفون في الأساليب السينمائية لدى كيارستمي على سبيل المثال أو أصغر فرهادي أو جعفر بناهي أو رخشان بني إعتماد باعتبارهم أشهر السينمائيين الإيرانيين.
برأيي هناك سرّ في مثل هذه السينما والرؤية وهو أن هذه السينما لا تريد ولا تسعى إلى قول شعارات أو تحديد أهداف، إنها تريد أن تحكي بمصداقية وهدفها أن يصدقها المشاهد، أن تروي القصة عبر معطيات الفيلم لتكون في النهاية قصة حقيقية يتعاطف معها المشاهد دون تدخل مزيد من المشاعر والرومنطيقية. إنها تكسر الأطر والأفكار المسبقة التي قد كان يأتي بها المتلقي. في مقابل هذا المشاهد تجلس السينما الإيرانية وتقول له: لا.
حضور الأفلام الإيرانية لا غبار عليه في كبرى المهرجانات، حيث باتت تحضي بالترحيب الدائم والمتسمر وحتى حصد الجوائز كيف تفسرين هذا الأمر؟
قسم كبير من الجواب على هذا السؤال هو في السؤال السابق وأسباب نجاح السينما الإيرانية. وكما قلت هناك أسباب ورؤى مختلفة لدى كل مخرج إيراني ناجح قد لا نجدها في الآخر. أصغر فرهادي بنظرته الثاقبة في المجتمع الإيراني، والغور في قضايا قد تبدو بديهية وبسيطة في الحياة المعاصرة، وخلق أسئلة منها، ثم الحيرة أمام هذه الأسئلة كما حال الإنسان المعاصر؛ یبتعد فرهادي عن الأسئلة العظيمة ويدخل الواقع الاجتماعي والأسري في إيران والذي يشترك في كثير من النواحي مع الواقع الاجتماعي في العالم.
وكيارستمي وإن اعتبرناه أول اسم إيراني اشتهر عالميا برؤيته الخالية من التكلف، وإيقاعه الشاعري، بالمشاهد الطويلة، والأطر البسيطة التي لم يرتبها من قبل في كثير من الأحيان، ومشاهدة أمور دقيقة في الحياة الإنسانية، والمشاعر، ومخاطبة الذهن البشري. ثم الجرأة في طرح كثير من القضايا الاجتماعية والسياسية من قبل السينمائيين في إيران، والتي جعلت المشاهد العالمي مؤمنا بشجاعة السينمائي الإيراني، دون أن تحط هذه الشجاعة من قوة نظرته الفنية، تماسك هذه السينما وانسجامها، اعتدالها في الخطاب وتجنبها الذكي عن الشعارات التي كان يمكن أن تُطلق من خلالها ويتقبلها العالم بشكل سريع وعابر، ثم التعبير عما تريد بشكل تقني ومتقن.
يُصر المخرج كيارستمي على إضفاء الشعرية على الكثير من أفلامه من بينها مثلا ثلاثية كوكر وبدرجة كبيرة فيلم “أين منزل صديقي”…وهذا ما تجسد أيضا في أعمال المخرج محسن مخملباف وبهرام بيضائي هل يعود هذا إلى حضور الوعي السينمائي والمرجعية النظرية أم الأمر يعود إلى طقوس إخراج خاضعة لهوى كل مخرج؟
طبعا لا يمكن أن نقول سينما كل من هؤلاء المخرجين الثلاث هي سينما شبيهة ومشتركة. كيارستمي كما قلنا لديه رؤي شعرية ممزوجة بالبساطة وحتى تقترب كثير من أفلامه لبساطتها في المشاهد والديكور إلى الوثائقية. مخملباف مهم في طرحه الشجاع للموضوع وكسر قوالب سينمائية بشكل حديث جدا، رغم أنه في بعض أفلامه المتأخرة يقترب من رؤي شعارية تشبه البيان السياسي، لكن أفلامه الأولى تعتبر من أهم الأفلام الإيرانية الجريئة في تناولها الموضوع. أما بهرام بيضائي فهو یتناول في كثير من أعماله الأساطير والتاريخ، ويركز على التفاصيل الصغيرة، خلافا مثلا لكيارستمي.
تعتمد السينما الإيرانية في مجملها على الميزانية المنخفضة وفي نفس الوقت تركز على أداء الممثلين القوي وهذا ما دعت له الموجة الفرنسية في نهاية الخمسينيات والستينيات، بالمناسبة، إلى أي مدى تساهم الميزانية سواء المرتفعة أو المنخفضة في نجاح السينما ؟
طبعا السينما من الجهة المادية فن مكلف ومدرّ للأموال في نفس الوقت. وصناعة أي فيلم في أدنى تخمين تحتاج إلى ميزانيات كبيرة. وقد خلقت السينما الإيرانية في بعض الأحيان أجواء من التقشف الذاتي لنفسها أو تكيفت مع قلة التمويل والميزانيات، ما يمكن مشاهدته بشكل أكبر في السينما الوثائقية الإيرانية التي هي ناجحة بدورها عالميا رغم اكتفاء صناع هذه السينما بمبالغ بسيطة لإنجاز أفلامهم. في نفس الوقت هناك أموال طائلة تمنح لأعمال سينمائية في إيران والتي غالبا ما تكون مواضيعها تاريخية أو دينية.
كيف يستقبل الجمهور الإيراني الأفلام الإيرانية؟ وهل هناك شباك تذاكر وصناعة حقيقية؟
نعم، طبعا هناك شباك تذاكر وبشكل واسع في إيران. وهناك عشرات الأفلام التي تصنع سنويا، ويقبل عليها الجمهور العادي من الأفلام الكوميدية حتى الاجتماعية. هناك كثير من دور السينما في إيران، والصالات التي تجدها مليئة لا سيما في العطل. مواقع إلكترونية للصالات الكبيرة وحجوز عبر الإنترنت، ثم توزيع الأفلام السينمائية بعد عرضها في الصالات السينمائية في صيغة الأقراص المضغوطة (سي دي) وبيعها في السوبرماركتات.
هل نستطيع القول بأن السينما الإيرانية باتت مستقلة فعلا من ناحية عدم اللجوء مثلا إلى تقنيين أجانب من مصورين أو خبراء صوت وخلافه؟
نعم. هناك اكتفاء ذاتي في هذا الجانب، ويكاد لا يستعان في فيلم سينمائي إيراني بطاقم أجنبي، وهذا الأمر ليس جديدا، بل هكذا كان الحال منذ عقود.
والسؤال الأهم بالنسبة لي وهو، هل صنعت الأفلام الإيرانية هوية سينمائية خاصة بها ؟
طبعا لا يمكن جمع كل المخرجين الإيرانيين تحت راية واحدة تحمل سمات مشتركة، وقد يكون تلخيص الرد على هذا السؤال بأن السينما الإيرانية هي التي تطرح قضاياها بشكلها الخاص. إنها تعبّر عن واقع مجتمعها وناسها، وهمومهم، وهموم المخرجين باعتبارهم نخبة في المجتمع بشكل صادق، ببراعة وذكاء، وبأسلوب قد يكون شاعريا أو لا يكون كما ذكرنا في أساليب كل من المخرجين المعروفين لكنه أسلوب بسيط أو سهل وممتنع في نفس الوقت.
لماذا لا تكون هناك مزاوجة وأعمال شراكة بين السينما الإيرانية والسينما العربية؟
للأسف هذا ما يجب أن يكون ولكنه لم يحدث حتى الآن، كما هو الحال في الأدب وفي الفنون الأخرى. رغم أن الشعب الإيراني والعربي، كما كل شعوب المنطقة من أكراد، وأتراك وأفغان وآخرين، هم أقرب إلى بعضهم من العرب أو الإيرانيين إلى الغرب، إلا أننا نرى أن التواصل بينهم قليل قياسا بالتواصل مع أوروبا وأمريكا.
أتمنى أن يصبح الأمر مهما في المستقبل القريب للسينمائيين الإيرانيين والعرب ويكون هناك اتصال، وتعاون مشترك على المدى الطويل.
وهل هناك معرفة لدى الجمهور الإيراني بالسينما العربية؟
للأسف قليلة جدا هذه المعرفة، إلا من قبل السينمائيين الذين يحضرون المهرجانات، أو المتابعين لهذه السينما بشكل خاص. لا تصل الجمهور الإيراني اليوم أفلام من السينما العربية رغم المعرفة القديمة التي تعود إلى الستينيات والسبعينات، إذ كانت هناك دور سينمائية تعرض الأفلام المصرية في طهران. ومازال يتذكرها الجيل السابق.
كلمة أخيرة
الشكر لمهرجان وهران للفيلم العربي الذي منحني فرصة لقاء كثير من السينمائين العرب الرائعين الذين أحبهم من صميم قلبي، وأتمنى أن أشاهد في المستقبل مزيدا من الأفلام العربية التي تعكس هموم العالم العربي بشكل جميل، وقبل ذلك أن ينتهي العالم العربي والإسلامي من همومه الكبيرة التي أصبحت اليوم هي تراجيديات العالم. وفي الأخير أن يحصل التعاون بين الجيل الشاب من السينمائيين الإيرانيين والشباب السينمائي العربي لأني أرى أن هناك تقاربا كبيرا، وطاقات، وهموما ودوافع مشتركة يمكنها أن تخلق عالميا فنيا جميلا وقريبا من سكانه السينمائيين ومتابعي هذا الفن.
نقلا عن :الجسره