كتب الانثروبولوجي السعودي المعروف الدكتور سعد الصويان في مدونته الإلكترونية قائلاً: «بذل المستشرقون والرحالة الأجانب جهودًا لا يستهان بها، وكانت لهم إسهامات سباقة فيما يتعلق بدراسة لهجات الجزيرة العربية وجمع الشعر العامي أو ما يسمى بالشعر النبطي، وخصوصًا بين أبناء البادية في شمال الجزيرة وصحراء الشام تحديدًا».
وأضاف قائلاً إن هذه الدراسات الأدبية واللغوية «تشكل بدورها فرعًا من الدراسات الاثنولوجية بمفهومها الأعم (……..). مثل هذه المصادر، وإن كان أصحابها قصدوا منها أساسًا أن تكون أبحاثًا في علم اللهجات العربية أو في اللغات السامية المقارنة أو في الاستكشافات الجغرافية وهلم جرا، إلا أنها لا تخلو أحيانًا من بعض القصائد و(السوالف) التي ترد كشواهدٍ أو كمادة خام».
ولعل أحد أشهر هؤلاء الذين يشير إليهم الدكتور الصويان هو الرحالة «جورج أوغست فالين Georg August Wallin» الشهير بـ «فالين العربي» و«الشيخ عبدالولي» الذي يعد أول مستشرق يقوم بتدوين ودراسة نماذج من أشعار البادية. إذ جمع بعضًا من هذه الأشعار أثناء إقامته في منطقة الجوف السعودية في عام 1845 وهو في طريقه إلى حائل. أضف إلى ذلك أنه سجل في مذكراته وصفًا دقيقًا لكل ما صادفه في تنقلاته في شمال الجزيرة العربية والحجاز.
إن المستشرقين والمستكشفين الأجانب الذي حلوا في منطقة الخليج والجزيرة كثر بطبيعة الحال، وكانت أهدافهم متنوعة وكذا جنسياتهم، كما تراوحت كتاباتهم ورواياتهم ما بين الاعتدال والإنصاف والتعصب والانحياز.
لم يكن غريبًا، بطبيعة الحال، أن يظهر في المنطقة مستكشفون ورحالة بريطانيون وفرنسيون وأمريكيون وألمان أو حتى سويسريون ودانماركيون، لكن أن يأتيها مستشرق ومستكشف من بلد يقع في أقاصي الشمال الأوروبي كفنلندا فهو الغرابة بعينه. غير أن هذا هو ما حدث بوصول فالين الذي له قصة جديرة بأن تروى بسبب ما صاحب رحلته من مشاق وجهد ومغامرة.
ولد فالين في أرخبيل آلاند الواقع في بحر البلطيق ما بين السويد وفنلندا في أكتوبر سنة 1811، وفي الثامنة عشرة من عمره التحق بجامعة هلسنكي الفنلندية لدراسة اللغات الشرقية، فتمكن في عام 1836 الحصول منها على درجة الماجستير في الآداب التي أتاحت له فرصة العمل كأمين لمكتبة الجامعة وفي الوقت نفسه مواصلة دراسته لوضع أطروحة علمية عن اللغتين العربية والفارسية.
الذين كتبوا عنه وصفوه بالشخصية الموهوبة القادرة على العمل على أكثر من جبهة. وهذا صحيح وتؤكده سيرته العلمية التي ورد فيها ما مفاده أنه أثناء دراسته الجامعية كان يوجه جزءًا كبيرًا من وقته وطاقته للموسيقى والألعاب الرياضية والآثار وعلم النبات، لكن ذلك لم يمنعه من تحقيق نجاح لافت في دراسته وأبحاثه الأكاديمية في اللغات بدليل أنه اكتسب مهارات التحدث بالألمانية والروسية والفرنسية والانجليزية (إضافة إلى اللغتين الفنلندية والسويدية) في زمن قياسي. ليس هذا فحسب وإنما اهتم فالين أيضا باللهجات العربية الدارجة فتمكن في عام 1839 من إنجاز كتاب باللاتينية تحت عنوان «أهم الفروق بين لهجات العرب المتأخرين والمتقدمين».
ويقول الأديب اللبناني نجيب العقيقي في الصفحة 1040 في الجزء الثالث من كتابه «المستشرقون» الصادر عن دار المعارف (مصر) إن فالين عمق معرفته باللغة العربية وبالعامية المصرية من خلال سفره في عام 1841 إلى العاصمة الروسية آنذاك بطرسبرغ للتتلمذ على يد أستاذ مصري منتدب للتدريس في جامعة بطرسبرغ هو الشيخ محمد عياد الطنطاوي. وفي مدرسة الألسن الشرقية في تلك الجامعة أمضى فالين عامين استطاع خلالهما إنجاز دراسة لغوية عن العامية المصرية. ويخبرنا الصحفي اللبناني سمير عطا الله في الصفحة 72 من كتابه «قافلة الحبر: الرحالة الغربيون إلى الجزيرة والخليج (1762 – 1950)» الصادر في عام 1994 عن درا الساقي (لندن) أن فالين «قبل أن يقفل راجعًا إلى بلاده، التحق بأحد معاهد بطرسبرغ الطبية، حيث تلقى تدريبا في مجال الطب العملي».
ما أن رجع إلى هلسنكي حتى كانت أمامه منحة جامعية للسفر إلى الجزيرة العربية لمواصلة بحوثه كطالب علم، لكنه فضل أن يذهب إليها كطبيب معالج. وهكذا غادر هلسنكي في يوليو 1843 مبتدئًا رحلته بالسفر أولاً إلى همبورغ فباريس فمرسيليا، ثم إلى أسطنبول ومنها إلى القاهرة. وفي الأخيرة عاش لمدة عام أسلم خلالها، وتسمى باسم عبدالولي، ولازم رجال الدين المصريين، ودرس القرآن وحفظ أجزاء منه، وتعلم الخط العربي، وتردد على الأزهر. كما انه انتهز فرصة وجوده في مصر لزيارة أهم مدنها ومعالمها وآثارها، بالإضافة إلى ممارسة التحدث باللهجة المصرية مع عوام الناس، علمًا بأن البعض ينفي قصة إسلامه بحجة أنه لم يذكرها صراحة في أي من مؤلفاته.
غادر فالين مصر باتجاه الجزيرة العربية عبر شبه جزيرة سيناء في إبريل من سنة 1845 مرتديًا اللباس العربي، ومدعيًا أنه تاجر خيول، ومصطحبًا معه اثنين من البدو؟ وهناك من يزعم في بعض الكتابات الهادفة للنيل من الرحالة الأجانب بأي طريقة أن فالين حينما كان في القاهرة تقرب منه أحد موظفي الخارجية المصرية، وعرض عليه أن يمول رحلته إلى الجزيرة العربية، مقابل أن يزود الحكومة المصرية بتقارير عن الأوضاع السياسية هناك. ومثل هذا القول لا يوجد عليه دليل على أي حال.
المهم أن فالين عبر شبه جزيرة سيناء، ووصل إلى معان وأمضى فيها نحو شهرين وكتب عنها قائلاً: «ومعان من أكبر البلدات في طريق الحج السوري. فيها 200 عائلة تقريبًا تنحدر من 7 بطون مختلفة، وقد اختلطت بالمهاجرين النازحين اليها من القرى السورية الأخرى، وهم أقوياء البنية، سوريو الملامح، يستطيعون تعبئة قوة محاربة من 250 مقاتلاً، وقيل لي 300، وهذه القوة المحاربة تبعث في نفوس أهل معان ثقة تجعلهم يخفضون الخوة التي يفرضها عليهم شيوخ القبائل المجاورة من الشرارات والحويطات وعنزة، وقد يرفضون تأديتها».
بعد معان اتجه شرقًا عبر الصحراء السورية إلى مدينة الجوف السعودية التي بقي فيها مدة ثلاثة أشهر ونصف الشهر، فدخل التاريخ كأول رحالة أوروبي يدخل هذه المدينة بل شمال الجزيرة العربية بأسره. ويبدو مما سجله في كتابه «صور من شمال الجزيرة العربية في منتصف القرن التاسع عشر» الذي ترجمه سمير سليم شبيلي وراجعه يوسف ابراهيم يزبك، وهو نفس الكتاب الذي أعيدت طباعته تحت اسم «رحلات فالين إلى جزيرة العرب» من خلال دار الوراق للنشر (لندن) في عام 2008، أنه أحب الجوف وأهلها بدليل أنه أثنى على كرمهم وسجاياهم قائلاً إن أهل الجوف «يعتبرون مدينتهم في وسط الدنيا، ولهذا يطلقون عليها اسم جوف الدنيا». غير أن الرجل عشق حائل أكثر حينما انتقل إليها مرورًا بجبال أجا وبلدات جبة وقنا واللقيطة والوقيد، ونزل ضيفًا على حاكمها ومؤسس دولة آل الرشيد الأمير عبدالله العلي الرشيد، حيث طاب له المقام بحائل وقضى فيها شهرين سعيدين. وآية ذلك قوله إنه «نسي العالم كله فيها» وكاد أن يستجيب لفكرة البقاء فيها وعدم مغادرتها أبدًا، مضيفًا أنه صاحب الكثيرين من أبنائها ومنهم أحد الشعراء الذي وعده بتزويجه ابنته إن قرر البقاء.
بعد حائل والتجوال في المناطق المحيطة بها، طمح فالين لزيارة نجد، لكن عوائق وقفت في طريقه فقرر بسببها التوجه إلى مكة المكرمة مع قافلة من الحجاج، فوصلها وأدى فريضة الحج في عام 1845، بل واشترى فيها بيتًا. وقد وصف رحلته هذه بالقول «في نيسان (أبريل) وصلنا بعد ساعة وربع الساعة إلى آبار قريش في واد عميق، أرضه طبشورية بيضاء، ينحدر من الشمال الغربي إلى الجنوب الشرقي، وهي ستة آبار، مياهها على غزارتها، ضاربة إلى الملوحة. ووصلنا بعد ثماني ساعات إلى وادي القيه. وهنا تعددت اتجاهاتنا، فسرنا في أودية عميقة وضيقة، وفي ممرات وعرة في قمم الجبال، حتى وجدنا مضارب دليلي».
في الفترة ما بين عامي 1846 و1848 زار فالين شمال الجزيرة العربية مرة أخرى حيث تجول في حائل وتبوك وتيماء، كما زار فلسطين وبلاد فارس. وبحلول عام 1850 عاد إلى بلاده محملاً بيوماته ومذكراته المفصلة التي نشرتها الجمعية الملكية الجغرافية في كتاب حمل عنوان «ملاحظات دونت خلال رحلة عبر جزء من شمال الجزيرة العربيةNotes taken during a Journey through part of Northern Arabia»، بل أن الجمعية منحته ميدالية اعترافًا ببحثه الرائد. وقد شجعه ذلك على مواصلة الدراسة فنال درجة الدكتوراه في عام 1851 ثم عين على إثرها أستاذًا للأدب الشرقي في جامعة هلسنكي. لكن فالين توفي سريعًا في أكتوبر من العام التالي أي بعد 3 سنوات من عودته إلى فنلندا، وبعد يوم واحد من بلوغه الحادية والأربعين. وقيل أن سبب موته المبكر هو إصابته بمرض الزهري (السفلس). كما قيل طبقًا لما كتبه فتح الرحمن يوسف عنه في صحيفة الشرق الأوسط (26/7/2014) إنه أوصى والدته قبل موته «بأن يدفن في مقابر المسلمين وأن يكتب على شاهد قبره اسمه الجديد (عبدالولي) بالعربية».
وتأتي أهمية فالين أو عبدالولي ضمن الرحالة والمستشرقين الأوروبيين أنه امتلك الشجاعة وحب المغامرة للقدوم إلى منطقة مجهولة بالنسبة لمواطنيه كانت يحوم حولها في منتصف القرن التاسع عشر الكثير من الروايات والأساطير والحكايات الغريبة، أما المادة التي قدمها في صيغة يوميات ومذكرات فتستمد أهميتها من التفاصيل الدقيقة الكثيرة التي حفلت بها عن سكان شمال الجزيرة العربية والحجاز، وحكامهم وأنشطتهم وثقافتهم وديانتهم وعاداتهم وتقاليدهم الاجتماعية، وتضاريس مناطقهم وديانًا وجبالاً وسهولاً وصحاري ومراعي، ناهيك عن حاصلاتهم ونخيلهم وطعامهم ومياههم وبيوتهم وأسواقهم وخيولهم وجمالهم وحميرهم وثيرانهم وطيورهم الداجنة وصقورهم وغير ذلك. إذ لم يترك شاردة أو واردة إلا وذكرها مفصلة ومدعمة بالأدلة من المصادر العربية. وقد ساعده على ذلك عوامل كثيرة منها إجادته للغة العربية، وسعة اطلاعه، وعشقه لمعرفة كنه الأشياء، فضلاً عن أنه لم يأتٍ كغيره سائحًا أو مغامرًا، وإنما جاء كباحث وعالم يسعى إلى المعرفة والتحصيل.
لذا أصر على قياس المسافات بين مختلف الأمكنة التي مر بها، واستنسخ النقوش الأثرية التي صادفته، وجمع عينات من الشعر النبطي والمواد الفلكلورية واللغوية، وكتب عن الجانب العمراني قائلاً: «تبنى المنازل على مراحل عدة بمواد البناء الصحراوية نفسها، الطوب الطيني المجفف. ومن جذوع النخل أو الإثل تصنع الأبواب وأعمدة السقف، الذي غالبًا ما يكون مسطحًا. وأكثر البيوت من طابقين، غرفها قليلة، لكنها فسيحة ومريحة، ويدخلها النور من الباب».
وسجل فرضية ان تكون تلال وادي السرحان ناشئة «بفعل الرمال أو الرياح التي قذفت رمل الصحراء وجمعته في أكوام حول جذوزع الشجيرات، فأخذت هذه الأكوام تكبر تدريجيا عبر السنين، حتى إذا صارت تلالاً وجبالاً وهطل المطر بغزارة جعل هذه المنطقة أكثر أراضي الصحراء خصوبة». كما وصف نوعية مياه حائل وأساليب استخراجها من الآبار وتبريدها فقال: «يستخدم الأهالي القرب الجلدية لتبريد المياه، بدلاً عن الأواني الفخارية» مضيفًا: «يستخرج الماء من أعماق الآبار بواسطة وسائل تحريك مائية، تتكون من دولابين نصبًا عموديًا، الدولاب الأول كبير منصوب فوق منتصف فوهة البئر، يسمى المحالة، ويجري فوقه حبل غليظ يسمى الرشا، مربوط بدلوٍ كبير من جلد الجمال، والآخر صغير أسطواني الشكل، منصوب عند فوهة البئر مباشرة، يسمى الدراج، ويجري فوقه حبل رفيع مربوط بدلو على شكل حلق حيوان طويل، وطرف هذا الحبل مجدول من سعف النخل، ويربط هذا الحبل مع الرشا بسرج صغير يثبت على سنام الجمل».
كما استطرد في التعريف بالقبائل العربية التي خالطها فقال على سبيل المثال عن قبيلة «بنو بلي» في الصفحة 236 من كتابه «رحلات فالين»: «بنو بلي هم أول قبيلة من هذه البقاع تشبه لهجتها نطق سكان نجد، ونطق بدو عنزة الذي يختلف كثيرا عن لهجة المدن ولهجة العرب الأكثر اختلاطًا بسواهم، ذلك أنهم يكثرون التنوين واستعمال بعض الصيغ الصرفية والنحوية والتعابير القديمة، ولا سيما لفظهم القاف والكاف لفظا غريبا يسميه النحويون بالكشكشة».
وللتدليل على مدى دقة فالين في مراقبة الأشياء والمعالم والظواهر وتدوينها، هاكم النص التالي الذي ورد في الصفحة 104 من الكتاب آنف الذكر حيث قال: «سرنا ثلاث عشرة ساعة وثلاثة أرباع الساعة في اتجاه جنوبي – جنوبي شرقي حتى أتينا إلى آبار الشقيق الست، وهي في سهل تربته مالحة صلبة على عكس الرمل الناعم الذي تتكون منه الأراضي المحيطة بهذا السهل. وعمق الآبار من عشرين إلى خمس وعشرين قامة، وقعرها أحواض واسعة تنتهي عند السطح بفتحات، قطر الواحد منها حوالي الياردة، وهي مبنية بحجارة كبيرة ومهارة وعناية فائقة، وعلى الفوهة لاحظت رسومًا مختلفة لصلبان ولأشكال قد تكون حروفًا. والرسوم ممحوة غير واضحة.
والماء عذب جيد ومتوافر طوال السنة. وهذه هي الآبار الوحيدة بين الجوف ونجد، تقع في أرض غنية بمراعيها، حتى في أواخر فصل الصيف. ولها أهمية كبيرة لأنها صلة الوصل بين سورية ونجد، ولأن العرب الرحل يقعون فيها على المرعى في جميع الفصول. وطوال الشهرين الأخيرين من هذا الصيف نزلت على الآبار مئات من أسر الرولة وشمر والشرارات إذ وجدت مراعي تكفي إبلها العديدة. ولما بدأت الآبار تشح اضطرت هذه الأسر إلى مغادرة المكان فرحلت قبل يومين من وصولنا».
وإذا كان هذا لا يكفي دليلاً على وقوفه عند أدق التفاصيل فإليكم النص التالي من الصفحة 169 من الكتاب نفسه: «والطريق من تيماء إلى خيبر والمدينة المنورة سهل، ومياهه كثيرة. وهو يخترق بقعة يصادف فيها في أكثر الأوقات بدو الفقرا وبشر. وليس هنالك على حد علمي بين سورية والأماكن الشرقية من نجد أي اتصال مباشر. والطريق المعقول سلوكه بينهما قد يكون من الدرعية عبر القصيم وجبل شمر والجوف، ولكنه لا يطرقه سوى من اضطرته إلى ذلك ظروف استثنائية. ويأتي أحيانا عرب الرولة من حوران إلى نجد في طلب المرعى فيمرون بالجوف أو بصحراء الدهناء، إلى الشرق من سكاكا، متجهين إلى القصيم. والطريق من الدرعية إلى مصر تمر عادة عبر القصيم إلى جبل شمر وتنعطف منه إلى الأخضر أو تبوك في طريق الحج السوري».
غير أن ما لاحظه البعض حول يوميات الرجل أنها لم تخلُ أحيانًا من المبالغة في ثنايا وصفه للأحوال الاجتماعية. ولا ندري إن كان ذلك متعمدًا لكسب ثقة من استضافوه وتعامل معهم، أو أنه جاء من قبيل القناعة والمقارنة مع الأحوال في أوروبا وغيرها. فقد أشار مثلاً في معرض حديثه عن الأمن في ربوع قبيلة شمر بشمال الجزيرة العربية في منتصف القرن التاسع عشر إلى أن «أي فرد يمكنه أن يسافر عبر أراضيهم من أدناها إلى أقصاها حاملاً ماله فوق رأسه دون أن يعترضه أحد أو يخاف، مجرد خوف، من نهبه»! وهذا كلام لا يطابق واقع الحال في تلك الأزمنة. إذ أن الأمن كان معدوما في تلك الأماكن المقفرة، ولم يترسخ إلا بقيام الدولة السعودية الثالثة.
وفي مكان آخر قال إنه أصبح يرى الثقافة الأوروبية خانقة وأنه «لم يعد يستطيع أن يأقلم نفسه مع أوروبا».
وفي موضع ثالث يقول: «حينما قدمت إلى حائل دهشت كثيرًا ليس فقط لرؤيتي الصغار الذين تتراوح أعمارهم بين ثلاث واثنتي عشرة سنة في مجالسة كبار السن، ومبادلتهم الحديث، ولكن أيضا أخذ رأيهم في مواضيع تفوق مستواهم، والاستماع إلى مايقولونه باهتمام».
وعلى المنوال نفسه قال عن التعليم في صفوف أبناء الجوف:«الكتابة والقراءة منتشرتان بينهم أكثر مما هي عليه في المدن العربية والتركية»، وفي هذا، بطبيعة الحال، مبالغة واضحة لأن التعليم في منطقة الجوف لم ينتشر إلا في عهد الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه وعهود خلفائه رحمهم الله.
وأخيرا فإن للرحالة فالين مؤلفات أخرى غير التي تطرقنا إليها مثل «يوميات في الشرق»، وكتاب «أهم الفروق بين لهجات العرب المتأخرين والمتقدمين»، ولكن المؤسف إنها لم تترجم، ولم يأتنا منها سوى نتفٍ متفرقة في المقالات والاقتباسات