لا تعليم جيد، من غير معلم جيد/ عبداالله المدني

كاتب هذه السطور من أشد المؤمنين بضرورة إحداث ثورة في مناهج التعليم في الخليج بمختلف مستوياته كي تستجيب هذه المناهج لمتطلبات العصر وتتخلص من كل ما لم يعد له ضرورة، ويثقل كاهل التلميذ المتلقي، ويشتت جهده. وفي هذا السياق دعوت مرارًا وتكرارًا في كل محاضراتي وندواتي ومقابلاتي التلفزيونية إلى الاقتباس من النموذج الآسيوي، وخصوصًا في ما يتعلق بإضفاء القدسية على التعليم، بمعنى تنشئة الطفل منذ نعومة أظفاره على مبدأ أن التعليم والتفوق فيه أمر مقدس وأن أي إهمال أو تقصير فيه هو بمثابة خيانة عظمى للوطن والمجتمع والأسرة، وبالتالي التخلص إلى الأبد من الفكرة التقليدية المنطوية على أن التعليم مجرد وسيلة للحصول على وظيفة ودخل يؤمنان لصاحبه منزلاً وسيارة وزوجة.

2466

غير أن الثورة التي نطالب بها في المناهج التعليمية وأسلوب التعليم لن تكتمل، ولن تفضي إلى نتائج إيجابية ما لم نعد الوسيلة الناقلة للمعلومة، وهي المعلم /‏‏ المعلمة إعدادًا جيدًا ومحكمًا. وبعبارة أخرى فإنه كلما كان المعلم ذا فكر مستنير ومنفتح على ثقافات العالم، وبعيدا عن الأساطير والأدلجة والتزمت، كلما زادت فرص حصول الطالب /‏‏ الطالبة على بيئة تعليمية نموذجية يستخدم فيها عقله بحرية، ويطلق فيها العنان لمواهبه في الابداع والابتكار والإجابة على الأسئلة الصعبة.
وفي مجال إعداد المعلم الجيد للوفاء باحتياجات التعليم العصري الجيد، يمكننا ايضا الاستعانة بالتجربة الآسيوية. فإذا كانت سنغافورة الصغيرة قد بزت دول العالم الأكثر تقدمًا مثل الولايات المتحدة والبلدان الأوروبية في مجال صياغة أفضل برامج ومقررات المناهج العلمية، وعلى رأسها الرياضيات التي هي أس كل العلوم، فإن الهند برزت في السنوات الأخيرة كأحد أكبر وأفضل الدول المصدرة لمعلمي المدارس والمعاهد والكليات على مستوى العالم.

وهذا البروز الهندي، ليس عماده العدد الهائل من السكان المتعلمين، وتاريخ الهنود الطويل مع اللغة الانجليزية فقط وإنما تقف وراءه سياسات وخطط مدروسة هدفها جعل عملية تصدير المعلمين إلى الخارج مصدرًا إضافيًا لزيادة الدخل القومي وحصيلة البلاد من النقد الأجنبي. وضمن هذه الخطط والسياسات تقوم الدولة أولاً بالإعلان عمن يريد السفر إلى الخارج للتدريس، ثم تجري له المقابلات الشخصية الطويلة وتدقق في سيرته، ثم تعمد إلى مراقبته عن بعد أثناء تلقيه دورات تدريبية في مدارس نموذجية خاصة. وبعد أن تتأكد من صلاحيته وتوفر كافة الشروط فيه ترسله إلى الدول التي تقدمت للجهات الرسمية برغبتها في توظيف مدرسين هنود.

كل هذه الأسباب، وفوقها تفوق الهند في العلوم والرياضيات وتدريس الإنجليزية وعلوم الحاسوب، وسمعة المدارس الهندية في انتهاج سلوكيات صارمة، وقدرة المدرس الهندي على التكيف مع البيئات الثقافية المتنوعة بسبب قدومة أصلاً من بيئة ثقافية واجتماعية ملونة بألوان شتى، ناهيك عما عرف عن الإنسان الهندي بصفة عامة من أنه ذو طبيعة مسالمة، ولا يتدخل في الشؤون الداخلية للبلاد التي يعمل بها.. كل هذا جعل الطلب على المعلم الهندي في تزايد مستمر.
وآخر بلدين تقدمتا بطلب لإعارتهما مدرسين هنود كانتا سنغافورة وماليزيا، وهما بلدان متقدمان على المستوى الآسيوي، وهناك أنباء عن تقدم فيتنام بطلب مماثل، من بعد طلبات من الصين وتايلاند ومملكة بوتان وفنلندا وبلجيكا وألمانيا وفرنسا لإرسال معلمين لتدريس اللغة الإنجليزية تحديدًا.

لكن ماذا عن بلدان الخليج؟ تشير الأرقام والبيانات الرسمية الهندية أن دول الخليج ولاسيما قطر ودولة الإمارات العربية المتحدة هي من ضمن الدول التي تتزايد طلباتها على المعلمين الهنود عامًا بعد عام، للعمل في المدارس الخاصة وذلك بسبب انخفاض تكلفة استيراد المعلم الهندي مقارنة بتكلفة استيراد المعلم الأوروبي أو الأمريكي. غير أن بعض الدراسات الهندية المنشورة حول تجربة معلمين هنود عملوا في منطقة الخليج تفيد بأن التجربة كانت لها مزايا وعيوب كأي تجربة أخرى. أما المزايا فقد كانت مالية في المقام الأول، تلتها ميزة سرعة الاندماج في المجتمع وعدم الإحساس بالتغرب. وأما العيوب فقد انحصرت في صعوبة قدرتهم على التكيف مع بيئة تعليمية أقل انضباطًا من مستوى الانضباط الذي اعتادوا عليه في مدارس بلادهم.

ونختتم بالحديث عن عيب آخر لم يرد في الدراسة المذكورة هو تقليل بعض طلبة المدارس الخليجية الخاصة بالتضامن مع أولياء أمورهم من شأن المدرس الهندي. وفي هذا السياق حدثني مؤخرا أحد الأصدقاء من رجال الأعمال ممن يحتفظون بعضوية مجلس إدارة إحدى أشهر المدارس الخاصة في البحرين قائلاً انه اقترح الإتيان بمعلمة هندية لتدريس الرياضيات للمرحلة الثانوية بعدما لم تفلح جهود العثور على معلمة أوروبية في حدود المبالغ المرصودة كرواتب ومكافآت. ويضيف: عثرنا على معلمة هندية اكثر من مناسبة بسبب امتلاكها لدرجة الدكتوراه في العلوم، واستقدمناها، لكننا فوجئنا في اليوم التالي بمن يحتج من أولياء الأمور على جنسيتها قائلاً: كيف ندفع مبالغ طائلة لتعليم أبنائنا في مدارس خاصة ثم تأتون لهم بمدرسين من الهند؟

إنها لعمري عقدة الخواجة عند البعض! لكن حسبنا أنه لايزال في البحرين والخليج من يفضل اختيار مدارس الجالية الهندية مكانًا لتعليم أولاده، مفضلاً إياها على ما عداها بسبب الضبط والربط السلوكي، والمعلمين الأكفاء.
أستاذ في العلاقات الدولية متخصص في الشأن الآسيوي من البحرين

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *