أرأيتم كيف يكون حال مؤيدي فريق كرة قدم سدّد الفريق الخصم هدفاً فاصلاً في مرمى فريقهم في وقت حرج من المباراة؟
هكذا بدا مريدو أردوغان من المتأسلمين العرب في الساعات الأولى الفاصلة بين ليل الجمعة وصباح السبت، حين أعلن نجاح الانقلاب، فعبر تغريداتهم على «تويتر» كدنا نرى الدموع تنهمر على وجناتهم حزناً وكمداً. وتماماً كما يحدث مع مؤيدي فريق كرة القدم حين يسدد فريقهم «المغلوب» هدفاً في الدقيقة الأخيرة من المباراة يقلب النتيجة، تحول مزاج هؤلاء من الكمد إلى غبطة، حتى خلناهم يرقصون طرباً.
على حق أولئك الذين لاحظوا أن الأتراك المؤيدين لأردوغان لم يرفعوا صوره حين استجابوا لندائه بالنزول في الشوارع لإفشال الانقلاب عليه، واكتفوا برفع العلم التركي، الذي هو رمز الدولة والوطن، فيما تحول العالم الافتراضي للمتأسلمين العرب إلى غابة صور لأردوغان، حتى أنهم أزالوا «بروتريهاتهم» الشخصية ووضعوا محلها صورة زعيمهم الذي كان على شفا حفرة من السقوط.
من حق كل امرىء أن يكون متعاطفاً مع أي نهج أو سياسة، دون أن يفقد للحظة الانتماء الوطني والقومي، لبلده ولأمته، فنحن نفهم، مثلاً، أن قطاعات واسعة من الأتراك تناصر أردوغان لأنه يدغدغ لديهم الأحلام ب «بعث» المشروع العثماني الغابر، عازفاً على الوتر القومي التركي، والرجل، في هذا، يبدو متسقاً تماماً مع نفسه، فهو صاحب مشروع قومي خاص بأمته وببلده.
لكن ما الذي يجعل بعض العرب مريداً لهذا المشروع مُصفقاً له ومُجملاً ومُروجاً؟ مع أنه في نهاية المطاف يستهدف ضمن ما يستهدف أي مشروع قومي عربي جدي آخر، وتاريخنا مع الدولة العثمانية معروف، وما منهاج أردوغان في العراق وسوريا إلا النسخة الجديدة من التعاطي التركي المتعالي على العرب.
بعد عقود من صوغ مفهوم القومية العربية، بمضمونها النهضوي الاستقلالي التحرري، إزاء الخارج بكل تلاوينه، دون أن ننسى أن إرهاصات وبواكير ذلك إنما نشأت في مواجهة العثمانيين أنفسهم، نجد بعض «الإسلام السياسي» العربي يولي شطره صوب أنقرة، فيما يولي بعضه الآخر شطره نحو طهران، حد التباهي بأن «أكله وشربه» يأتي من هناك.
نكرر القول: لا يوجد لتركيا مشروع سُني حتى يتوهم السنة العرب أنه مشروعهم، ولا يوجد لإيران مشروع شيعي حتى يتوهم الشيعة العرب أنه مشروعهم. هناك مشروع قومي لتركيا ومشروع قومي لإيران، ويستعير الأتراك والإيرانيون من أسلافهم رايات المواجهة المذهبية بين الدولتين الصفوية والعثمانية، مغررين بالعرب وهم في أضعف حالاتهم للالتحاق بمشاريع ليست مشاريعهم، وسيكونون في مقدمة ضحاياها، بل إنهم منذ الآن أصبحوا ضحايا.
–