«الزينبيون» و«الفاطميون» عملاء إيران الجدد/عبدالله المدني‎

اتضح أن نظام الملالي في طهران أجبن من أن يخوض معاركه الطائفية بنفسه، لذا فهو يسخر الأموال المتأتية من مداخيله النفطية، لا لتنمية بلده وشعبه كما تفعل كل الأنظمة الحصيفة، وإنما لشراء المرتزقة من اصحاب المذهب الشيعي ودفعهم إلى أتون معاركه الخارجية. فمن بعد شراء خدمات حزب الله اللبناني العميل، والحوثيين في اليمن، والأحزاب العراقية الطائفية للعمل نيابة عنه، ها هو يستغل أمية وفقر وحاجة أتباع المذهب في باكستان وأفغانستان ويشكل منهم ميليشيات مسلحة، ويدفعهم إلى ساحات القتال في سوريا الجريحة في مهمة لا ناقة لهم فيها ولا جمل.

2614

لا يهم أرباب النظام القمعي الحاكم في طهران كم من هؤلاء سيقتل، وكم جثة ستحترق وستتفحم، وكم عائلة ستتيتم وتتفرق. فالغاية عنده تبرر الوسيلة. وهذه الغاية ليست سوى الهيمنة الإقليمية. ومن أجل هذه الغاية ظهر على مسرح الأحداث في سوريا، وتحديدا في ساحات المعارك في حلب، وحول مرقد السيدة زينب في دمشق، ما يسمى بـ «لواء الزينبيين»، وهو مكون من مجموعة من المقاتلين الباكستانيين، يديرهم الحرس الثوري الإيراني، ويتحدثون لهجات بشتونية خاصة متداولة في منطقة كورام القبلية التي تسكنها قبائل شيعية مثل «توري» و«بنجش»، علمًا بأن هذه القبائل تمتعت بدعم إيران طوال السنوات التي كانت فيها حركة طالبان في السلطة، وبالتالي صارت لطهران دالة عليهم، فتأمرهم وهم يستجيبون، خصوصا وأن طهران راحت تستخدم في عملية استمالتهم للسفر من باكستان إلى سوريا عبر أفغانستان وإيران والعراق عوامل مثل: تراجع التهديد الطالباني لهم، وتنامي التهديد الداعشي لمذهبهم، وضرورة بذل التضحيات من أجل الدفاع عن المراقد الشيعية المقدسة في سوريا والعراق، واعتبار سقوط نظام الأسد بمثابة كارثة لكل الشيعة حول العالم، ناهيك عن إغرائهم برعاية أسرهم ومنحهم الهوية الايرانية إذا ما لقوا حتفهم في المعارك (أقر البرلمان الإيراني في 12 مايو 2016 مشروع قانون يمنح زوجة وأبناء ووالدي المقاتلين غير الإيرانيين ممن كلفوا من قبل إيران بمهام عسكرية أو خاصة في اي دولة اخرى الجنسية الإيرانية خلال سنة من تقديم طلب بذلك).

وهناك من ينفي أن يكون العامل المذهبي والعقائدي هو الدافع وراء انتقال هؤلاء إلى سوريا للدفاع عن النظامين الإيراني والسوري، قائلاً إن الدافع هو دافع مادي بالدرجة الأولى، بمعنى أنهم يبيعون خبراتهم القتالية التي اكتسبوها أثناء الحروب الأفغانية لنظام طهران مقابل المال الايراني القذر، خصوصا وأنهم وأسرهم يعانون من فقر مدقع ويفتقرون للخدمات الصحية والتعليمية، والحرس الثوري الإيراني ألزم نفسه بدفع رواتب لكل عنصر تصل إلى نحو 120 ألف روبية باكستانية (1100 دولار) كل ستة أشهر.

أما رأينا فهو أن كلا العاملين حاضران في الظاهرة، وربما كان العامل العقائدي أقوى بدليل أن «الزينبيون» يميزون أنفسهم بشعار شبيه بشعار حزب الله اللبناني الإرهابي، ويطلقون على أنفسهم أحيانا إسم حزب الله الباكستاني، بل يشيدون في موقعهم الالكتروني بمرشد الثورة الايرانية علي خامنائي كزعيم «مقدس»، ويتحدثون طويلاً عن واجبهم المذهبي في الدفاع عن ضريح السيدة زينب، معربين عن اعتزازهم بحمل اسم «الزينبيون» تيمنًا بحفيدة الرسول (ص).

وعلى الرغم من مناشدة قطاعات باكستانية واسعة حكومتها التدخل لمنع استغلال طهران للباكستانيين في حروبها الاقليمية، فإن إسلام آباد بقيت صامتة وكأن الأمر لا يعنيها. ويمكن القول إن أقصى ما فعلته إزاء هذه الظاهرة المستفحلة هو رفض استلام جثث مواطنيها القتلى في سوريا، وهو ما أجبر طهران على دفنهم في أراضيها.

وإذا كانت المصادر الغربية المطلعة تقدر عدد عناصر «لواء الزينبيين» بنحو 5ـ7 آلاف عنصر، فإن الميليشيات الأفغانية الشيعية التي جلبها الحرس الثوري الايراني إلى سوريا وأطلق عليها اسم «الفاطميون» للدفاع عن نظام الأسد يقدر عددها بنحو 15 – 20 ألف عنصر، علما بأن هؤلاء كان عددهم في البداية لا يتجاوز 3500 مقاتل من شيعة الهزازة المتحدثين بالفارسية والمتمركزين في اقليم هيرات الأفغاني، لكنهم استمروا في التزايد كنتيجة لالتقاط الحرس الثوري الايراني للمزيد منهم من بين اللاجئين الأفغان المقيمين على الأراضي الإيرانية، وإغرائهم برواتب شهرية تتراوح ما بين 500 – 600 دولار مع وعد لهم بتسوية أمورهم غير القانونية في إيران ومنح أسرهم الجنسية الإيرانية أو إقامات دائمة، وذلك بهدف التعويض عن الخسائر التي منيت بها قوات الاسد وحزب الله. ومما قيل في هذا السياق ان أفغانستان لم تعرف طيلة سنوات حروبها الأهلية جماعة مقاتلة بهذا الاسم، وبالتالي فهي ميليشيات جديدة تولى الحرس الثوري الإيراني تأسيسها وتدريبها للقيام بالمهمات القذرة نيابة عنه، واختار عناصرها من أفغان كانوا يعملون في صفوف لواء أبو الفضل العباس، وأفغان لاجئين في ايران، وافغان يقضون فترة عقوبتهم في السجون الإيرانية، وأفغان التقطتهم شبكات تجنيد إيرانية متخصصة عاملة من داخل أفغانستان.

ومما قيل أيضا إن قائد «الفاطميون» السابق «علي رضا توسلي» ومعاونه «رضا بخشي»، اللذين قتلا العام الماضي في معارك مع الجيش السوري الحر، كانا مقربين من قائد فيلق القدس المجرم قاسم سليماني، وأنهما عاشا لسنوات في مدينة مشهد حيث اكتسبا عضوية الحرس الثوري الايراني. وعلى الرغم من هذا فإن التقارير الغربية وصفت «الفاطميون» بأرخص لحم تحرقه إيران في الجحيم السوري، وذلك في إشارة إلى ما يلاقونه من معاملة قاسية وتمييز لجهة الرواتب قياسًا بحالة الميليشيات اللبنانية والعراقية العميلة لطهران.
وكما في حالة تعامل إسلام آباد مع «الزينبيون»، فإن كابول هي الأخرى لم تحتج لدى طهران على ما تفعله من حماقات بحق الأفغان الأبرياء، وظلت صامتة خوفًا على ما يبدو من إثارة النظام الإيراني صاحب التاريخ الحافل في زعزعة أمن جيرانه.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *