السياسة ولعبة المصالح! / فهد المضحكي

772
في عالم السياسة كل شيء ممكن «في هذا العالم ثمة أهداف خارجية قصيرة المدى ومصالح بعيدة المدى»، في عالم السياسة لا تدرك كيف تتشابك المصالح وتتداخل، وبحكم تحقيق هذا الهدف تجرى التحالفات على حساب المبادئ والاخلاق، ولم تتوقف المواجهات إما بحجة المطالبة بالحقوق وتكريس القيم الديمقراطية أو الدفاع عن أنظمة سياسية لا تحترم حقوق الانسان تعيش حالة من الفوضى السياسية.

أكثر الشعارات السياسية خطورة تلك التي تدعو الى امتلاك الحقيقة المطلقة، وتضيق بالرأي الآخر، وتقبل بالديمقراطية كنوع من التكتيك وتجتهد ضد ممارستها وتطبيقها لتعارضها مع سلطة «المقدس» والنص!

إذن فان كل الاطراف تحاول توظيف السياسة لمصالحها وهكذا فالسياسة هي طريق الى المصالح ومن هذه الناحية ليس من الممكن المراهنة على أنظمة سياسية لا علاقة لها بالديمقراطية عدا أنها تشكيلة من الشعارات الموسمية تنتهي صلاحيتها بفتوى دينية او بانقلاب على الدستور والقيم الديمقراطية والانسانية.

ومع ذلك ثمة مصالح شرعية ترى في التغيير والديمقراطية مصدرًا شرعيًا للسلطة وتوافرها ضرورة لإدارة شؤون الدولة والمجتمع.

غير أن المسألة المهمة تبقى في كيفية الوصول الى المصالح، بالطبع سيكون من الخطأ الاعتقاد ان كل المصالح مبعث إشكالية.

ما من شك ان ثقافة العنف والارهاب تعبر عن ثقافة التعصب والاصولية التي تمجد الماضي لأغراض ومصالح سياسية وعقائدية.

والاخطر من ذلك كما يقول الدكتور صلاح قنصوه تصور هذه الثقافة للزمان، فهو بُعد واحد وهو الماضي، وهو الاصيل ويستبعد الحاضر بوصفه سقوطا وانحرافا عن الماضي، بينما المستقبل هو استخلاص او استعادة للماضي بإلغاء الحاضر الذي لا يعدو أن يكون محض شوائب تعلقت بالماضي الاصيل! وكما أسلفنا قد تلجأ بعض الانظمة السياسية لتحقيق مصالحها الى اجراءات أمنية غير مشروعة والى تقليص مساحة الحريات والحقوق، وتلجأ اخرى الى الابتزاز والترهيب والكيل بمكيالين وفي سبيل مصالحها الاستراتيجية تتحالف مع الانظمة الرجعية وتتصالح مع قوى الارهاب.

ليس من السهل أن نغطي هذه الاشكالية في سطور قليلة غير ان الامر المؤكد هو أن الولايات المتحدة تقود هذا التوجه، وما الفوضى الخلاقة التي اتبعتها في الشرق الاوسط في عهد بوش إلا مثال على ذلك.

نقول هذا الكلام ليس دعما لما يقال عن نظرية المؤامرة المرتبطة بعوامل وأوضاع داخلية وخارجية ومصالح وتواطؤ داخلي، وبتبريرات للتغطية على الفشل في حل الازمات الداخلية، وعدم القدرة على نقد الذات، فظاهرة الاعتقاد المطلق «بالمؤامرات» أهم ما يميز الدول العربية والاسلامية التي تبحث عن أسباب تعلق عليها الفشل والعجز واليأس!

على أية حال لولا التواطؤ الداخلي لما نجحت هذه النظرية!!

لسنا هنا بصدد مناقشة أبعاد نظرية المؤامرة كنموذج للاستغلال والقهر وتعميق التبعية السياسية والاقتصادية، وإنما ما يهمنا هنا تلك المصالح غير المشروعة وبصورة أكثر المصالح السياسية التي قد تجعل من الشعوب سلعة تباع في سوق النخاسة بثمن زهيد، وهي لا تختلف من حيث الاهداف عن لعبة المثقف الانتهازي أو الحزب السياسي الذي يرى المبدأ الميكافيلي «الغاية تبرر الوسيلة» التربة الخصبة لتحقيق أهدافه ومصالحه! وإذا أردنا أن نبحث على سبيل المثال في لعبة المصالح فان الوثائق الجديدة لوكالة المخابرات الامريكية تكشف الوجه الاخر للثورة الايرانية، حيث قدمت (المصدر جريدة الشرق الاوسط 5/‏6/‏2016) أجوبة وإن كانت متأخرة عن ملابسات غامضة جرت في عام 1979 انتهت بإسقاط نظام الشاه وصعود نظام ولاية الفقيه بدلا عنه! وبحسب الوثائق فان التأييد الامريكي للخميني جاء بعد اتخاذ القرار حول إسقاط الشاه، كما أن خبراء الادارة الامريكية اعتبروا قيام حكم قائم على ثنائية (الملالي والعسكر) الوصفة المناسبة لنظام الحكم الجديد في ايران.

ووفق هذه المعلومات التي تذكرها الوثائق فإن الخميني في مفاوضات الاولى أعرب عن قلقه من انقلاب الجيش، وتضيف الوثائق ان «ابراهيم يزدي» ممثل الخميني في الحوار مع الامريكان طمأن الامريكي على مستقبلهم في ايران مقابل التصدي لمحاولات الجيش الانقلابية! واذا كانت المفاوضات بين الطرفين من أهدافها بيع النفط الايراني الى امريكا فان من أهدافها ايضا التخلص من حزب توده والقوى الديمقراطية الايرانية! وفي لعبة المصالح هذه ليس خافيا على احد علاقة جماعة الاخوان المسلمين بالاستخبارات الامريكية منذ خمسينات القرن الماضي!!
هل دعمت أمريكا الاخوان للوصول للحكم في مصر؟

سؤال يجيب عليه رئيس تحالف المصريين الامريكيين الدكتور «مختار كامل» ان الولايات المتحدة تهتم بمصالحها، وتعاملاتها السياسية هي تعاملات في اطار تحقيق المصالح، وبنفس هذا المنطق تم تأييد الاخوان المسلمين للوصول الى الحكم، ما هي هذه المصالح؟

يقول كامل: أولاً أمن اسرائيل، وثانيا الموقف من ايران ويقول ايضا كانت جماعة الاخوان حريصة بعد سقوط نظام مبارك على إرسال رسالة تؤكد أن جماعة الاخوان تضمن كافة المصالح الامريكية مصانة، وتم عقد صفقة مهمة كانت غزة جزءا واضحا من بنودها وهو ما يضمن أمن اسرائيل وتحويل المواجهة مع ايران الى مواجهة عقائدية. هكذا تداخلت مصالح الملالي في ايران مع مصالح «الشيطان الأكبر» الامريكي، وعلى ذات الطريق سارت جماعة الاخوان المسلمين.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *