المسيحيون اللبنانيون أول من تصدى للمشروع الإيراني/شارل جبور

احتفل اللبنانيون في 26 أبريل (نيسان) الماضي بالذكرى الحادية عشرة لخروج الجيش السوري من لبنان، وهذا الحدث التاريخي حصل في الاتجاه المعاكس للأحداث في المنطقة، حيث إن واشنطن، وردًا على أحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001، أسقطت نظامي «طالبان» والرئيس صدام حسين في خطوة، بمعزل عن خلفياتها، أدت إلى كسر الحاجز أمام تمدد النفوذ الإيراني في المنطقة، وتكفي المقارنة بين الدور الإقليمي لطهران قبل عام 2003 وبعده.

3804

فإخراج الجيش السوري من لبنان شكل ضربة قوية لطهران، لأن الدور البعثي السوري كان يشكل الغطاء العربي للدور الإيراني الذي كان يتلطى بالمظلة العربية السورية لتنفيذ أجندته المذهبية في المنطقة، ومن دون تلك المظلة كان سينكشف على حقيقته بأنه مجرد دور مذهبي يستخدم المكون الشيعي لمد نفوذه داخل الأنظمة العربية، هذه الحقيقة التي ظهرت إلى العيان بعد إخراج الجيش السوري من لبنان.
ورغم محاولة طهران تعويض المظلة السورية بمظلة المقاومة، فإنه سرعان ما تكشف دور تلك المقاومة بكونها رأس حربة المشروع الإيراني، وذلك بعد ثلاث سنوات على خروج الجيش السوري من لبنان، وتحديدًا في 7 مايو (أيار) 2008 عندما استخدم «حزب الله» سلاحه في شوارع بيروت، ومن ثم مع دخوله الحرب السورية تنفيذًا للأجندة الإيرانية حيث انفضح أمام كل العرب والمسلمين.
فالنظام السوري هو من حال دون تنفيذ اتفاق الطائف من خلال احتلاله للبنان ورعايته لميليشيا «حزب الله» التي استثنيت من تسليم السلاح إلى الدولة بحجة دورها المقاوم، علمًا أن الطائف واضح في هذا الصدد لجهة أن استعادة الأراضي المحتلة من إسرائيل منوطة بالدولة حصرًا، كما لجهة عدم استثناء أي ميليشيا من تسليم سلاحها، وخلاف ذلك لا مانع كان من أن ينص بوضوح على استثناء الحزب تحت عنوان المقاومة.
وما يجدر قوله في هذا الخصوص أن أحد الجوانب الأساسية للصراع في لبنان إبان الحرب كان من طبيعة طائفية، ولا يمكن للفريق المسيحي أن يوافق على استثناء أي مكون طائفي آخر من تسليم سلاحه تحت أي حجة أو ذريعة، خصوصًا أن «حزب الله» هو مكون شيعي بامتياز ولم يكن أساسًا مع اتفاق الطائف، بل جاهر برفضه هذا الاتفاق.
ورغم إدراك المسيحيين في لبنان أن المقاومة فكرة جذابة وتحظى بتأييد عربي وإسلامي في ظل الغضب ضد إسرائيل، فإنه لم ينطلِ عليهم يوما أن هذا المشروع يستخدم عنوان المقاومة لانتزاع هذه الورقة من الدول العربية ووضعها بيد إيران، وأن النظام السوري تكفّل بوظيفة تأمين الغطاء العربي للمشروع الإيراني.
وقد نجح النظام السوري بمهمته إبان احتلاله للبنان لجهة رعايته «حزب الله» وتمكينه عسكريًا وماليًا وسياسيًا بغطاء الشركاء في الوطن باستثناء القوى المسيحية الأساسية التي كانت مغيبة من الاحتلال السوري، ولدى خروج الجيش السوري من لبنان استكمل الحزب الوظيفة نفسها التي كان يتولاها النظام السوري. ونجح «حزب الله» أيضًا بفعل حرب 2006 في أن يحظى بمزيد من التأييد العربي والإسلامي، ولكن كل هذا التأييد تبدد بعد انخراطه في الحرب السورية ومواجهته المملكة العربية السعودية بسبب مساندتها ودعمها لمطالب الشعب السوري، فتحول بالنسبة إلى العرب والمسلمين من حزب مقاوم إلى حزب إرهابي.
وما يقتضى تسجيله وللتاريخ أن المسيحيين في لبنان، وفي طليعتهم «القوات اللبنانية»، كانوا أول مكون عربي يتصدى للمشروع الإيراني، إنْ من خلال التمسك باتفاق الطائف ورفض أي سلاح خارج الدولة تحت أي عنوان، أو عبر مواجهة النظام السوري كدولة احتلال وتنفذ مشروعًا لا علاقة له بالعرب ويتصل بالنفوذ الإيراني، ولولا الاعتراض المسيحي الذي بدأ باكرًا منذ مطلع التسعينات وتوِّج مع صرخة البطريرك الماروني السابق مار نصر الله بطرس صفير في عام 2000 بدعوته الجيش السوري للخروج من لبنان، لما كان حصل التقاطع الوطني في الداخل ليتقاطع بدوره مع التطورات الخارجية.
فالمسيحيون اللبنانيون بهذا المعنى كانوا أول من أسس للمواجهة مع المشروع الإيراني، الأمر الذي تأخذه الرياض، التي تقود المواجهة اليوم ضد هذا المشروع، في الاعتبار من خلال العلاقة الاستراتيجية التي أرستها مع الدكتور سمير جعجع، لأن إخراج الجيش السوري الذي كان مطلبًا مسيحيًا وتحول إلى مطلب مسيحي – إسلامي لاحقًا أدى إلى كسر أول حلقة نفوذ لهذا المشروع، ومهّد للثورة السورية، فيما لو لم تنكسر الحلقة السورية في لبنان لكان يصعب توقع كسرها في سوريا.
فالدينامية المسيحية كانت السباقة في تعرية المشروع الإيراني وأسست للمواجهة العربية الشاملة ضد هذا المشروع، مما يعني أن المسيحيين الذين كانوا رواد الثقافة العربية لعبوا دور الريادة مجددًا، حفاظًا على الدور العربي.
ولا يمكن فصل إخراج الجيش السوري من لبنان في 26 أبريل 2005 عن المعركة الدائرة منذ أكثر من خمس سنوات في سوريا، ولا عن المواجهة العربية – الإيرانية، لأن كل هذه المعارك والمواجهات حلقات مترابطة، وبالتالي يسجل للشعب اللبناني عمومًا والمكون المسيحي خصوصًا، أنه كان السباق في إعلان المواجهة مع هذا المشروع، وكسر إحدى أبرز حلقاته من خلال إخراج الجيش السوري من لبنان.

*نقلاً عن العربیه

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *