القابلة الأميركية المأذونة ومنتجات إيران المسرطنة/حامد الكيلاني

3713
تسعة أشهر مدة الحمل للانتخابات الأميركية، وهي فترة سبات أو انتظار عالمية، فترة انتقالية وتصفية متعلقات وعرض خصومات لن يؤثر كثيرا في إيجاد منافذ أو تسريبات للأزمات في السياسة الدولية، وبالذات في نهايات الفترة الرئاسية لباراك أوباما الذي لم يقدم حلولاً أو أفكاراً في ذروة موجة حكمه، وكما يبدو سينهيها بالمزيد من ضجره لأسلوب تعاطي السياسيين مع وقائع ما يجري في الشرق الأوسط أو آسيا أو أفريقيا أو حتى أوروبا.

أميركا تؤكد أنها تخسر يوميا في حدود 11 مليون دولار لمحاربة الإرهاب معظمها في العراق مع تحشيد 60 دولة في تحالفها، لكنها لم تحقق النتائج المطلوبة على الرغم من تصريحات جون كيري، وزير الخارجية، أثناء زيارته لبغداد وتأكيده أن داعش خسر 40 بالمئة من الأراضي التي كانت تحت سيطرته.

معركة تحرير الموصل هي الأصعب بالتأكيد ومقدماتها تحفل بالمفاجآت لأن الإدارة الأميركية مترددة وغير حاسمة، فهي من احتلت العراق وبدلا من تحويله إلى بلد نموذجي في الديمقراطية تم تسليمه إلى مجموعة أحزاب معروفة بخيانتها العظمى للعراق ومساهمتها في حمل السلاح إلى جانب العدو الإيراني إبان حرب الثمان سنوات، وتركته أيضا لقمة سائغة للإرهاب الذي استغل غياب المؤسسة العسكرية المحترفة، والتقاء أهدافه مع مشروع ونيات الزعامات الطائفية مما ساهم في ميلاد قوى ميليشياوية وجدت مبررا لملء فراغ خلفه انكسار القوات المشكلة والمدربة بعد الاحتلال، وضمت بين صفوفها مجموعات غير مهنية وبلا عقيدة عسكرية، إنما تنفذ ما تمليه توجهاتها الطائفية وقواعد تدريبها الخاص الذي تلقته في إيران تحديدا.

تطمينات جون كيري بانحسار داعش وقرب الإجهاز عليه دحضتها في نفس اليوم تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، الذي أبدى مخاوفه من انتشار الإرهاب مشبها إياه بالخلايا السرطانية التي تتمدد في جسد الأرض.
تشبيه الإرهاب بالخلايا السرطانية في محله بعد أحداث بروكسل وما سبقها، واعتراف أحد المشتبه بهم بنية الأخوين ابراهيم وخالد البكراوي بالتخطيط لاستهداف بطولة كأس أمم أوروبا لكرة القدم، لكنهما فجرا نفسيهما في مطار بروكسل، وهذا مبعث قلق كبير للأجهزة الأمنية في فرنسا التي ستقام فيها البطولة للفترة من 10 مايو ولمدة شهر وكذلك للأجهزة الأمنية في أوروبا عموما.
أميركا، لم تؤدّ ما عليها من التزامات بعد احتلال العراق، وأوباما وجدها فرصة مناسبة للانسحاب العسكري ليؤكد التزاماته الانتخابية تجاه جمهورهِ، وفي ذات الوقت للتخلص من أعباء ومسؤوليات ملقاة على الولايات المتحدة الأميركية لأنها سلمت العراق إلى الأحزاب العميلة لإيران وأطلقت يدها لتنال وتثأر من فشلها واندحارها في حرب الثمان سنوات.
لا يوجد مواطن في أي بلد يتعرض للاحتلال لا يتمنى الخلاص من المصيبة والحفرة التي وقع فيها، لكن في العراق كان التهرب الأميركي للخلاص من خسائره البشرية أمام المقاومة العراقية بكل فصائلها، ولعدم أداء الالتزامات الدولية المفروضة على المحتلين من حماية الأمن والسلم الأهلي والحفاظ على المؤسسات وفرض النظام وإعلاء هيبة الدولة والقانون.
لكنهم فضلوا مناغاة الأصوات الحاكمة للأحزاب المرتبطة بإيران، فأبرموا اتفاقية شكلية تمت فيها مصادرة البلاد كليا إلى عدو العراق والعرب، فوقع المخلصون والوطنيون الأحرار والشعب في مصيدة الاحتيال المزدوج الأميركي الإيراني، وبهذا وجدت الإدارة الأميركية نفسها خارج مسؤولية تسليم ثلث أراضي العراق إلى تنظيم داعش، وما تبقى من ثلثيه الآخرين إلى مشروع ولاية الفقيه والاحتراب الطائفي، ليتحول العراق إلى دولة فاشلة تجرأت عليها إيران ومنها انتقلت لنشر أهدافها الفارسية إلى دول عربية أخرى.
العالم بكل تأكيد يتقدم في تطوره التكنولوجي وينتج المزيد من الأسلحة البرية والبحرية والجوية وبدأ باستخدام الطائرات الحربية دون طيار لاستهداف التجمعات ومنها الإرهابية في العراق، لكن ما ينقص هو إنتاج الأفكار اللازمة والداعمة للقضاء على الإرهاب الذي تمثله المجاميع المتشددة وهي إفرازات الاستهانة بالعالم الثالث واستمرار الاستخفاف به لعقود طويلة من قبل الغرب، وتنامى بوجود مساحات فراغ أمني وسياسي وإرهاب مقابل تمثله أنظمة قمع حكومية وسلطات تتجاهل حق شعوبها في الحياة الحرة الكريمة، وتجد في مفردة الحرية والتغيير وشعارات الثورة السلمية إهانة لحاكمها المستبد الذي لا بديل عنه.
الأفكار واتخاذ المواقف هما ما يجب أن يفكر بهما الأحرار والثوار وهم يحاربون التدخل الأجنبي بكل تسمياته في بلادنا، لكن عليهم استبدال الأفكار الجاهزة التي قاتلت تحت لافتاتها الشعوب، بسبب المتغيرات الكبيرة في السياسة ووسائل التدخلات وغموض الخنادق الدولية والمصالح، والنيات التي بإمكانها تحرير أوروبا مثلا بسنتين أو ثلاث كما حدث في أعتى الحروب العالمية، يقابلها إخفاق في تحرير مدينة مثل الموصل على الرغم من تحالف 60 دولة.
إذن القرار الأميركي لا يمكن أن يكون جادا في الخلاص من الإرهاب طيلة هذه السنوات، ودعم حكومة ونظام سياسي كالذي في العراق إنما هو إصرار متعمد للمزيد من الانتهاكات والإبادات والتهجير والتراجع، والإبقاء على إرهاب دولة بحجم جرائم الحاكم السوري في مماطلة حوارات معروفة النتائج، لن تفضي إلا إلى إطلاق سراح الإرادة الروسية وزعيمها فلاديمير بوتين في المنطقة وتصعيد سقف طموحاته مع حلف الناتو حول الأزمة الأوكرانية والعقوبات المفروضة عليه، أما إيران في الفترة الرئاسية لأوباما، وبعد الاتفاق النووي معها وغموض أسراره ونتائجه المستقبلية، لم تتأخر في إعلان التمادي في عدائها للعرب خصوصا وتفجير قنبلتها المذهبية الطائفية لحماية مشروعها القومي.
6 آلاف من عناصر داعش يتواجدون في ليبيا حسب ما أعلنه قائد القوات الأميركية في أفريقيا وهم يتاخمون الحدود مع تونس ومصر ومدن مهمة في الداخل الليبي، مع تقارير تفيد باحتمال انتقال عدد مماثل من الموجودين في العراق وسوريا ليبلغ العدد أكثر من 12 ألف مقاتل، وربما يحدث هذا مع معركة الموصل، لكن السؤال كيف يتم انتقال كل هذه الأعداد والدول تفرض واقعا أمنيا وتدقيقا يصل إلى درجة الإنذار القصوى لحماية حدودها وأراضيها؟ ثم ماذا لو قرر داعش أن يعمل جميعهم وفق نظرية الخلايا النائمة كما حدث في فرنسا أو بروكسل، ويعود كل منهم إلى بيته في زمن الاتصالات المفتوحة والعمليات غير المرتبطة بمنهج أو أوامر مركزية.
9 أشهر في انتظار القابلة الأميركية المأذونة وكيفية تقديمها المساعدة لميلاد عالم كل الدلائل تشير إلى أنه سيستمر في حظر الحقيقة، وسيقف حجر عثرة في طريق أمتنا العربية وبالذات في العراق وسوريا وأماكن أخرى أيضا انتشرت فيها خلايا الإرهاب المختلفة ومنتوجاتها الإيرانية المسرطنة وبموافقة مختبرات فحص الجودة الأميركية.
*نقلا عن العربیه

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *