النووي والسجادة الإيرانية/عبد الرحمن الراشد

منذ أن اتجهت ريح المفاوضات نحو الاتفاق بين الغرب وإيران، والكثير تحمسوا له بأنه انتصار للقيادة الإيرانية، وثمن للصبر والإصرار. واستعاروا مجازًا، فوصفوا برنامج إيران النووي بالسجادة الإيرانية التي تستغرق حياكتها المتفوقة سنوات، وتتطلب المثابرة. في رأيهم أن النظام صبر وثابر وفي النهاية ظفر بالنتيجة.

7

ومع احترامي للقيم الثقافية الإيرانية العظيمة، الاستعارة هنا خاطئة. فالفارق كبير بين حياكة السجادة وبناء المشروع النووي، لأن الثانية فاشلة. الحكاية، مجردة من الأوصاف وبعيدًا عن المدح أو الذم، هي كانت محاولة من النظام للتفوق العسكري ببناء قدراته العسكرية، وهو بالفعل سعى وأصر وثابر بعناد، لكنه في النهاية تراجع عن مشروعه بعد خراب دام طويلاً وأوشك على الانهيار. تراجع عن البرنامج النووي العسكري وتعهد بألا يعود إليه لمدة خمسة عشر عامًا، على الأقل، وأن يقبل بالرقابة الدولية على منشآته، وبعضها تراقب بالكاميرات على مدار الأربع وعشرين ساعة طوال الأسبوع، ولعقد ونصف مقبل!
مشروع النظام الإيراني كان بناء برنامج نووي هدفه الحقيقي عسكري للدفاع عن نفسه كما يقول، أو للهيمنة على المنطقة كما يعتقد الكثيرون. في سبيله، ضيع نحو عشرين عامًا من المحاولات، وأنفق مليارات الدولارات، وأصيب بخسائر هائلة من الفرص الاقتصادية، وفرض على شعبه نظامًا قاسيًا.. كل ذلك عناد من أجل تحقيق المشروع، وفي الأخير وافق على اختصاره إلى برنامج نووي لأغراض سلمية، الأمر الذي كان بإمكانه تحقيقه، تحت إشراف المنظمة الدولية، دون الحاجة إلى كل هذه المعاناة والخسائر الرهيبة.
ففي العالم عدد من الدول تستخدم الطاقة للأغراض السلمية، وبرامجها أكبر حجمًا من مشروع إيران، ولم تضطر إلى ركوب مثل هذا الطريق الصعبة والمكلفة. الآن، تخلت إيران عن عنادها، وعن مشروعها الأصلي؛ بناء برنامج نووي لأغراض عسكرية على الأقل إلى خمسة عشر عامًا من الآن، وذلك حسب الاتفاق الموقع. وهي عندما تحاول حينذاك، هل يظن النظام أنه لا يزال باقيًا في الحكم بعد عام 2030. الله وحده أعلم، وحتى بعد ذلك الحين عليه أن يبدأ مشوارًا صعبًا جديدًا.
إذًا، حياكة السجادة النووية لم تكتمل، بل وضعت على الرف، فأين هي الحكمة في كل المشروع؟
ما فعله النظام في طهران كان حالة عناد غبية، واحدة من أكثر المشاريع السياسية والوطنية فشلاً في التاريخ المعاصر. لقد حُرم من تطوير قدراته البترولية والصناعية، وهو بدوره حرم مواطنيه من الحياة الكريمة، وعاش عيشة أهل كوريا الشمالية، رغم أن في إيران موارد أعظم من دول عاشت بحبوحة كاملة مثل جاراته دول الخليج العربية.

إنه مشروع غبي بقيادة عنيدة، تذكرنا بحالة صدام حسين الذي أصر على مشروع البناء العسكري الضخم بدعوى حماية العراق، وهو في الواقع كان يريد التمدد والهيمنة. كلفه كل شيء وخسر في النهاية كرسيه ورأسه. العناد نفسه الذي تلبس النظام الإيراني في حربه الدامية مع العراق في الثمانينات، في الأخير تراجع الطرفان وقبلا بإيقاف الحرب ووقف النزيف!
ما أراه في طهران إلى اليوم، بكل أسف، فشل في التعامل مع الواقع في محيط إيران ومع العالم كله. ولا تزال القوى المتشددة في طهران تفكر بالطريقة نفسها التي كانت تتحدث بها في عام 1979، أنه يمكن غزو العالم وتغييره. إيران دولة كبيرة، من ثمانين مليون نسمة، بإمكانيات اقتصادية هائلة، لا تحتاج إلى أسلحة وجنرالات حرب حتى تفرض مكانتها. ولو أنها اختارت طريق التعايش مع كل الدول المجاورة، وركزت على تنمية العلوم والاقتصاد لتمكنت من الهيمنة على المنطقة اقتصاديًا وعلميًا، كما تفعل الكثير من دول العالم المتقدم.

إيران اليوم تحتفل بانفتاح العالم عليها، والصحيح هو انفتاحها على العالم، وتقول إن الاتفاق اعتراف بمكانة إيران، والصحيح أن القيادة في طهران هي التي لم تعرف كيف تزن مكانتها، فهي لا تحتاج إلى جيش للحصول على اعتراف العالم بها! وتتحدث عن الفرص الاقتصادية الضخمة التي سينجبها الاتفاق، وهذا صحيح لكنها ضيعت ربع قرن وهي تلبس النظارات السوداء لا ترى الفرص داخل بلدها وحولها.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *