رحيلك غدى أجمل أناشيد الحياة
في أسفارك على مر السنين
حملت حفنة من تراب فلسطين
صور من يافا والبروة
وغصن الزيتون ملطخ بقطرات الدم
هذه الكلمات نقلت من الفارسية إلى العربية لمقدمة قصيدة الشاعر والكاتب الإيراني المعارض الدكتور علي نوري زاده، في رثاء الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش الذي توفى في مدينة هيوستن بولاية تكساس الأميركية في 9 أغسطس/آب 2008…
يقول نوري زاده أنه ترجم إلى الفارسية قصيدة عاشق من فلسطين لمحمود درويش قبل 44 عام، وقبل 33 سنة حالفه الحظ عندما قابل محمود درويش في حانة أبو نواس في بيروت، حيث ألقى درويش هذه القصيدة الجميلة أمام نوري زاده.
لقد قام نوري زاده بترجمة الآثار الأدبية والثورية لشعراء فلسطينيين، منها “حماسة فلسطين” (مجموعة قصائد لشعراء فلسطينيين) عام 1970، “خارج من الأساطير” (مجموعة قصائد محمود درويش) سنة 1971، “مع غصن الزيتون” (من الآثار الأدبية الفلسطينية) عام 1977، “مختارات من قصائد غسان كنفاني” عام 1977، “أدب المقاومة” (مختارات من قصائد شعراء المناضلين في فلسطين) سنة 1979، ومختارات من قصائد الشاعر الكبير نزار قباني. كما ترجم إحدى قصائد الشاعر الإيراني الكبير أحمد شاملو إلى العربية وألقاها أمام نزار قباني.
الفلسطينيون والمثقفون وأدباء العالم يقومون بتكريم وتجليل الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش الذي كان بحق سفير بلده حاملاً هموم ومعاناة شعب مضطهد ومقهور إلى العالم من أجل تحريره من قيود الظلم والإضطهاد، وفي المقابل تقوم قوات الأمن في الجمهورية الإسلامية بتدمير قبر الشاعر الكبير أحمد شاملو وقمع محبي هذا الشاعر ومنعهم زيارة مرقده. إليكم التفاصيل في التقرير التالي:-
في مجلة المعارضة الإيرانية “الموجز” العدد 203 من شهر إغسطس/آب 2008 كتب الشاعر والكاتب والمحلل السياسي الدكتور علي نوري زاده في مقاله تحت عنوان ” تموز الإعدامات وتدمير مدفن الشاعر الإيراني الكبير أحمد شاملو”، في الشهر الماضي وبمناسبة الذكرى الثامنة لوفاة الشاعر الكبير أحمد شاملو قرر عشاق شعره الذهاب إلى “امامزاده طاهر” حيث مرقد الشاعر، لتلاوة الفاتحة على روحه والإستماع إلى خطب عدد من الشعراء والمثقفين، غير أن قوات الأمن تصدت لهم بقسوة وعنف، حيث بدت الصورة حسب قول قريبة للشاعر الراحل، كصورة هجوم جنكيزخان المغول على جمع من الناس العزل.
فيما قرأت إمرأة قصائد شاملو وشريكة حياته، أنها لا تعتقد بأن أي ايراني شريف يمكن أنه يرفع سلاحه في وجه عشاق الشاعر، غير أن رجال الأمن وأنصار حزب الله أغاروا هذه المرة على المقبرة (التي سبق أن كسروا اللوحة الحجرية التي تحمل اسم الشاعر وتاريخ ولادته ووفاته على قبره تسع مرات) وعلى الباصات التي كانت تنقل حوالي ألف شخص إلى المقبرة.
إن جريمة شاملو هي بعض قصائده ومنها القصيدة التي أنشدها بعد وصول الملالي إلى السلطة، وقال الشاعر فيها:
يشتمون رائحة فمك
لعلك قد قلت أحبك
وهناك في مفترق الطريق
لحم اﻠ “بلبل” المشوي على شعلة خشب القرنفل
إن الذي جاء، لم يأتِ لكي يشعل شمعة
لا، لإطفاء النور
فلابد أن نخفي الشمس في السرداب
وها هو إبليس يضحك ويقتل مدعياً أنه يمثل الله
لابد أن نخبيء الله حفاظاً عليه…
يقول نوري زاده بأن ما رويته ليس إلا جزءاً ضئيلاً من المأساة التي يعيشها شعبي المضطهد والمقهور تحت ظلم نظام يدعي رأسه أنه نائب المهدي المنتظر فيما رئيس جمهوريته يترك عادة صحناً فارغاً على طاولة الغداء لإمام الزمان مدعياً بأن المهدي يرافقه اينما يذهب، وإن مهمته تقتصر على ايصال البلاد إلى نقطة تستدعي ظهور المهدي لبسط العدل ونشر المذهب الشيعي بسيفه الجبّار…!
الحقد والكراهية ضد الشعر والأدب، والشعراء والأدباء، وضد التاريخ والثقافة والتراث الفارسي من جانب حكام نظام الجمهورية الإسلامية ليس بجديد. لقد تعرضت ايران في الماضي لغزوات عديدة من المغول وجيوش الإسكندر، وقوات غازية بقيادة خالد بن الوليد وسعد بن أبي وقاص تحت ذريعة نشرالإسلام، الذين قاموا بقتل وإبادة ملايين الناس، ودمروا القرى والمدن والمعالم التاريخية، وسلبوا ونهبوا وأسروا النساء والأطفال ليبيعونهم في أسواق الجواري والعبيد، وثم قاموا بحرق الكتب التاريخية والتراثية وحاولوا القضاء على اللغة الفارسية، ولكن جهود العلماء والفلاسفة أمثال إبن سينا وعمر الخيّام، والشعراء حافظ وسعدي الشيرازي والشاعر الملحمي الكبير الفردوسي، صاحب أكبر ملحمة تاريخية “الشاهنامة” الذي أحيا اللغة الفارسية وصانها من غزوات الأعداء.
لقد سألوا أحد حكماء مصر لماذا تبدلّت لغتكم بعد الغزو الإسلامي، فرد قائلاً بأن ما كان لدينا حكيماً وشاعراً مثل الفردوسي حتى يحافظ على لغتنا.
إصدار الفتاوي من جانب آيات الله في الجمهورية الإسلامية الذي بدأها الإمام الخميني لإبادة المثقفين المعارضين والسياسيين والفتاوي التي تصدر من جانب شيوخ الدين السنة والسلفية من أجل هدر دماء الكتاب والمثقفين الذين يعارضون أفكارهم الظلامية، لن تثني عزم وإرادة العلماء والكتاب من مواصلة تنوير الرأي العام، لأنهم يتسلحون بالمنطق والمعرفة ويؤمنون بالديمقراطية وإحترام رأي الآخر وليس التهديد بقتل الذين يخالفونهم في الرأي.
بعد سنوات من وفاة الشاعر الإيراني الكبير أحمد شاملو، آلاف من محبّي هذا الشاعر يزورون مرقده ليحيوا ذكراه وليعلنوا للعالم أن الشعب الإيراني لن يقبل الظلم ولا يرضخ لقمع وإضطهاد الحكام في الجمهورية الإسلامية.