في أعقاب عِقدَین من الأنشطة الذریة والجهود الخفّیة التي بُذلِت في هذا المضمار في إیران، وبعد 12 عاماً من المحادثات غیر المثمرة مع مجموعة دول 5+1 التي لم یَنتُج عنها سوی یأس الدول الغربیة من التَوصُّل إلی اتفاقٍ مع الجمهوریة الإسلامیة. وقد أدّی ذلک إلی فَرض الحظر الدولي علیها. ولکن في النهایة اُرغِمت علی التَراجُع والانحساب من مواقفها.
وعلی أي حال وبعد أن تسلّم حسن روحاني السلطة، قرّر مرّة أخری أن یُجري التفاوض مع دول مجموعة 5+1، وأن یقبل شروط الدول الغربیة بشأن تعلیق معظم الأنشطة الذریة في إیران.
ففي فترة الثمان سنوات التي تولّی فیها السلطة محمود أحمدي نجاد، بادرت حکومته إلی إطلاق هتافات دعائیة تحریضیة (من ضمنها ضرورة إبادة إسرائیل من علی الأرض)، وواصلت حکومته آنذاک أنشطتها الذریة بعنادٍ إصرار.
وعلی إثر ذلک، تمّت المصادقة في مجلس الأمن الدولي علی أربع قرارات لِفَرض الحَظر علی الجمهوریة الإسلامیة، فیما بادرت أمریکا وحلفاؤها الأروبیون، وحلفاؤها في المنطقة إلی فرض أنواع الحظر المضاعَف والمستقلّ ضد نظام طهران.
وبالرغم من أن الجمهوریة الإسلامیة تَحمَّلت الحظر لمّدة سنتین، إلاّ أن حظر شراء البترول من إیران الذي فرضه الاتحاد الأروبي منذ شهر یولیو/ تموز 2012م، وحَظر التبادُل البنکي الذي صدر في نهایات نَفس السنة، أرغم النظام الحاکم في طهران علی الحضور إلی طاولة المفاوضات.
الجدیر بالذکر أنه سبَقَ لحسن روحاني في فترة رئاسة خاتمي للجمهوریة، أن أجری مفاوضات مع الدول الغربیة وإتفق معها علی تعلیق أنشطة إیران الذریة. أما هذه المرّة فقد وعَد روحاني خلال خُطَبِه الانتخابیة بأنه سوف یحلّ مشکلات إیران مع العالم الغربي. ولذلک وعقب فوزه بمنصب رئاسة الجمهوریة، بدأ التفاوض مع الغرب.
تجدر الإشارة إلی أن آیة الله علي خامنئي مرشد الجمهوریة الإسلامیة الذي کان قبل ذلک یعارِض أيّ تفاوضٍ وتفاهمٍ مع الدول الغربیة، وافق هذه المرّة علی أن تُجري حکومة روحاني مفاوضات مع مجموعة دول 5+1، وأیضاً من أجل أن یمنع أیة معارضة داخلیة، طَلَب خامنئي من الأصولیین والمتطرّفین بأن یمتنعوا عن معارضة روحاني بسبب الإجراءات التي یتخذها في هذا المجال.
وکان قبل ذلک قد صرّح خامنئي بأنه لیس متفائلاً بنتیجة المفاوضات. وفي الحقیقة اتّخذ مرشد النظام موقفاً مزدوجاً ومتناقضاً، لکي یُصبح بإمکانه أن یُغَیّر إتّجاهه ونَهجهُ متی ما شاء.
هذا وکانت الجولة الأولی من المفاوضات بین إیران ومجموعة دول 5+1، قد تّمت وأسفرت عن توقیع اتفاقیة جنیف في 24 نوفمبر/ تشرین الثاني 2013م. وبموجب هذا الاتفاق، وافقت الجمهوریة الإسلامیة بأن تقوم بتعلیق وإیقاف نشاطاتها الذریة في معظم القطاعات ومن ضمنها تخصیب الیورانیوم بنسبة 20% التي یمکن أن تُستَخدم في إنتاج القنبلة الذریة، ووافقت علی تحویل الاحتیاطي المخزون من الیورانیوم المُخَصَّب بنسبة 20% إلی اوکسید.
ومقابل ذلک حصلت الجمهوریة الإسلامیة علی المیزات التالیة:
ـ أن تمتنع الدول الغربیة عن تصعید الحظر القائم ضد نظام طهران، وأن تزیل جزءاً منه.
ـ وأن تزیل الاحتجاز عن4,2 ملیار دولار من الأموال الإیرانیة المجمّدة في البنوک الغربیة، وهو مبلغ ضئیل جداً من الخسائر الجسیمة التي أصابت إیران بسبب الحظر المفروض علی شراء البترول الإیراني. ولکن ومع ذلک تأمل حکومة روحاني بأن یساعد هذا الإجراء البسیط علی تسویة المشکلات المتبقیة.
الجدیر بالذکر أن تفاصیل اتفاق جنیف لم تُعلَن بشکلٍ شفاف من قِبَل الحکومة مطلقاً. فالمسؤولون في الحکومة ومن ضمنهم محمد جواد ظریف وزیر خارجیة الجمهوریة الإسلامیة، إدَّعوا بأن إیران سوف لن تقوم بإجراء أي تغییر في أنشطتها الذریة، وأنها سوف لن تُوقِف إنتاج الیورانیوم المخصَّب بنسبة 20%.
وهکذا ومنذ البدایة بدأت کتلة الأصولیین إبداء معارضتها ضد اتفاق جنیف، حتی أن نوّاب مجلس الشوری الإسلامي (ومن أجل لَفت نظر الحکومة) أعلنوا إنه لم یتم حتی الآن إشعار مجلس الشوری عن تفاصیل الاتفاق.
تجدر الإشارة إلی أنه استناداً إلی اتفاق جنیف، کان قد تقرَّر أن تتولّی إیران إجراء التزاماتها المبدئیة خلال ستة شهور. ولو لقیت هذه الإجراءات تأیید الوکالة الدولیة للطاقة الذریة ومفتّشیها، فسوف تبدأ الجولة الثانیة من المفاوضات في شهر مارس من عام 2014م للتَوصُّل إلی الاتفاق النهائي.
وفي هذا الإطار عارضَ الاتفاق بشکلٍ علني المرشد علي خامنئي الذي کان بطبیعة الحال علی عِلمٍ بتفاصیله، وأعلن أنه لیس متفائلاً بنتائج المفاوضات. کما قال بعض الأصولیین نقلاً عن خامنئي بأنه شخصیاً قرأ تفاصیل الاتفاق بدقّة، لکنه یری بأن هذا الاتفاق لیس في صالح الجمهوریة الإسلامیة.
ولقد إتّضح فیما بعد بأن دول 5+1، أضافت علی الشروط التي ینبغي علی نظام طهران تنفیذها، مسائل أخری تخصّ دعم الجمهوریة الإسلامیة للإرهاب، وانتهاک حقوق الإنسان. وقد أدت هذه المساءل إلی اغضاب مرشد النظام الإسلامي.
وعلی أي حال، بدأت حکومة روحاني تنفیذ اتفاق جنیف منذ العشرین من ینایر/ کانون الثاني 2014م، حیث قامت في المرحلة الأولی بایقاف عملیات تخصیب الیورانیوم بنسبة 20%. ولکن مع بَدء هذه الإجراءات، اشتدَّت معارضة الأصولیین أیضاً، حتی أن بعض الصحف المتطرّفة جداً أعلنت أن یوم العشرین من ینایر/ کانون الثاني، هو یوم حدادٍ، وأعربت عن مواساتها ومشاطرتها الشعب في أساه!!
هذا وبالرغم من جمیع هذه المعارضات والتهجُّمات الشدیدة ضد حکومة بالاستقالة، فقد استمرّت الحکومة في تنفی تعهّداتها الذریة بشکلٍ بادرت الوکالة الدولیة للطاقة الذریة بتأیید تلک الإجراءات في تقریرها الشهري
ولکن وفي الوقت الذي کانت حکومة روحاني تستعد للمشارکة في الجولة الثانیة من المفاوضات من أجل التوصُّل للاتفاق النهائي، حدثت تطوّرات قد تؤدّي إلی تقلیس الآمال، إذ من المُحتَمل أن لا تُصبح الجمهوریة الإسلامیة قادرة علی التَوصُّل إلی عَقد إتفاقٍ نهائي مع العالم الغربي.
إن ما یُسبِّب هذا الشک والارتیاب هو أن البلدان الغربیة التي لها الید العلیا في المفاوضات، وتعلم جیداً بأن الجمهوریة الإسلامیة مضطرّة بسبب الحَظر المفروض علیها، علی التفاوُض والتَوصُّل إلی الاتفاق، فمن أجل ذلک طلبت الدول الغربیة من الجمهوریة الإسلامیة إیقاف دَعم وحمایة الجماعات المسلحة کحماس وحزبالله والجهاد الإسلامي، وکذلک أن تکفَّ عن إنتهاک حقوق الإنسان في إیران.
في حین أن للجمهوریة الإسلامیة توقّعات أخری من هذه المفاوضات والاتفاقیات. إذ تعتقد بأنه نظراً لجلوسها خلف طاولة المفاوضات وتقلیص أنشطتها الذریة، لذلک یجب علی المجتمع العالمي إزالة جمیع أنواع الحظر المفروض علیها، وإنهاء الضغوط التي تمارسها الدول الغربیة ضدّها.
موقف خامنئي السلبي
کان مرشد نظام ولایة الفقیه، علي خامنئي، قد أعلن مرّات عدیدة عن وجهة نظره السلبیة والتشاؤمیة إزاء المفاوضات والاتفاق مع الدول الغربیة، والتي تسبّبت في أن تتَعرّض حکومة روحاني للتهجّمات الشدیدة من قبل الأصولیین.
أما الآن وفي مستهل الجولة الثانیة من المفاوضات، أعلن خامنئي بکل صراحة: بأنه حتی لو اُثمرت المفاوضات عن نتیجة فإنّ الحظر المفروض علی إیران سوف یبقی ساری المفعول. وحتی لو تمّ التوصُّل إلی الاتفاق النهائي حول المسألة الذریة، فإن الدول الغربیة سوف تواصل عِدائها ضد الجمهوریة الإسلامیة.
وأشار مرشد النظام الإسلامي إلی موضوع حقوق الإنسان وقال: إن المسألة الذریة وحقوق الإنسان ماهي إلاّ ذرائع تهاب منها وتتذّرع بها القوی السلطویة والمتغطرسة العالمیة التي تخاف من الحرکات الاستقلالیة التي تَتّخِذ من الشعب الإیراني کنموذج تَحتَذي به.
هذا وتدلّ تصریحات مُرشد الجمهوریة الإسلامیة علی أن الغربیین قد أثاروا مسألة حقوق الإنسان في المفاوضات، وهو أمرٌ لا یطیقه نظام طهران. الجدیر بالذکر أن خامنئي أشار إلی مساءل تدلّ علی أنه شخصیاً لیس علی استعداد للتوصُّل إلی الاتفاق مع الدول الغربیة، ویُفَضِّل بأن تواصل إیران طریقها، وأن لا تخضع للشروط التي حدّدها العالم الغربي.
وکان خامنئي خلال تأکیده علی عدم تفاؤله إزاء ما تتمخّض عنه المفاوضات، قد أبلغ رؤساء السلطات الثلاث (التنفیذیة والتشریعیة والقضائیة) في البلاد، عن مشروع جدید بإسم «اقتصاد المفاومة والصعود»، حیث یدلّ ذلک علی أنه یعتزم تهیئة البلاد للمزید من المقاومة والصمود أمام المزید من الضغوط الاقتصادیة التي تمارسها الدول الغربیة.
هذا ویضمّ اقتصاد المقاومة الذي أعلنه خامنئي مؤخراً 24 بنداً تَشتِمل علی مواضیع اقتصادیة متعدّدة من ضمنها إدارة الشؤون الاستهلاکیة، والتأکید علی ترغیب الرأسمالیین الأجانب علی توظیف رؤوس أموالهم في إیران.
الجدیر بالذکر أن إیران تتصارع حالیاً مع أنواع الحظر الدولي العنیف الذي یستهدف تقیید وتقلیص البرناج الذري الإیراني. لکی خامنئي أکّد في تصریحاته علی أن السیاسات التي یتبنّاها «اقتصاد المقاومة والصمود» لیست مؤقّتة، بل هي کتدبیر استراتیجي یفید جمیع الدورات والعهود.
ویقود مرشد النظام: هناک أربعة عوامل جذریة لها أدوار في إبلاغ سیاسات «اقتصاد المقاومة والصمود» وهي:
ـ وجود الإمکانیات الوفیرة المادیة والمعنویة في البلاد.
ـ حلّ المشاکل الاقتصادیة المزمنة..
ـ مجابهة أنواع الحَظر الدولي المفروض علی إیران.
ـ وتقلیل تأثیر الازمات الاقتصادیة العالمیة علی الاقتصاد الإیراني.
إن الجمهوریة الإسلامیة لا تزال تواجِه أزمة اقتصادیة خانقة مع نموٍّ سلبي وتضخُّمٍ ماليٍ شدید. لکن آیة الله خامنئي یطلق الوعود ویقول إنه إثر تنفیذ السیاسات الخاصة بـ «اقتصاد المقاومة والصمود»، سوف نشاهد «الرخاء وتحسین حیاة عموم الشعب وبخاصة الشرائح المعوزة». وأکدّ خامنئي في النهایة علی أن الهدف من إصلاح وترمیم الشؤون الاستهلاکیة لیس تَحمُّل الشدّة والمشقَّة والحیاة الصارمة، بل ینبغي أن یتم الاستهلاک طبقاً لنَمطٍ إسلامي یدلّ علی التَدبُّر والتعقَّل. إن تصریحات مرشد النظام الأخیرة وبخاصة تعلیماته بشأن اقتصاد المقاومة تدلّ علی أن البلاد بدأت تستعدّ لمواصلة النقاش مع الدول الغربیة.
زیارة کاترین أشتون إلی إیران
قبل حوالي أسبوع من بَدأ الجولة الثانیة من المفاوضات بین الجمهوریة الإسلامیة ودول مجموعة 5+1 في فیینا، قامت کاترین أشتون مسؤولة السیاسة الخارجیة في الاتحاد الأروبي بزیارة طهران بدعوة من وزیر خارجیة النظام الإسلامي استغرقت یومین أجرت خلالها محادثات حول المفاوضات الصعبة والعسیرة القادمة.
هذا وفي أعقاب المحادثات التي أجرتها السیدة أشتون في هذه الزیارة مع المسؤولین الإیرانیین في مجال المسائل الذریة، شارکت في مؤتمر إخباري مشترک مع محمد جواد ظریف حیث أعرب الجانبان في هذا المؤتمرعن أملهما إزاء التوصُّل إلی الاتفاق النهائي. کما أشارت السیدة أشتون إلی موضوع حقوق الإنسان في إیران أیضاً.
وأفاد تقریر لوکالات الأنباء الإیرانیة بأن مسؤولة الشؤون الدفاعیة والسیاسة الخارجیة للاتحاد الأروبي أشارت إلی اتفاقیة جنیف ووصفتها بأنها «هامة جداً»، لکن أهمیتها لیست کأهمیّة الحلّ الشامل والنهائي، وأعربت عن أملها في أن یُسفر تأیید وحمایة الشعب الإیراني من جهة، والإجراءات التي یتخذها الجانبان من جهة أخری، عن تَوصُّل الجانبین إلی الاتفاق النهائي.
لکن وزیر خارجیة الجمهوریة الإسلامیة ألقی بِکُرَة الاتفاق النهائي، في ساحة دول مجموعة 5+1 (وهي أمریکا ـ بریطانیا ـ فرنسا ـ الصین ـ روسیا ـ وألمانیا). وفي هذا الإطار قال ظریف: «إننا نفّدنا إلتزاماتنها، وإن مواصلة المسیرة تعتمد علی الجانب الآخر الذي یجب أن یُنَفِّذ تَعهُّداته، وأن یحضر إلی طاولة المفاوضات حتی یکون بإماکننا أن نتوصَّل إلی الاتفاق الذي یُرضي الجانبین».
وأضاف ظریف قائلاً: «لقد قررّت الجمهوریة الإسلامیة بأن تتوصَّل إلی الاتفاق حول المسألة الذریة، وإن بإمکاننا تنفیذ هذه المهمّة خلال الأربعة أو الخمسة شهور القادمة.
وأکدّ ظریف علی «أنه یجب علی الدول التي تُفاوِض الجمهوریة الإسلامیة أن تعلم بأن نظام طهران یوافق علی عقد الاتفاقیة تحترم حقوق الشعب الایراني فقط».
وفي المؤتمر الإخباري المشترک مع کاترین أشتون، قال وزیر خارجیة الجمهوریة الإسلامیة: «لقد أجرینا مع أشتون مباحثات حول المسألة الذریة والمفاوضات المقبلة. کما تمّ التباحُث حول الأوضاع في المنطقة ومستقبل روابط نظام طهران مع الاتحاد الأروبي، وکذلک التعاون في مجال مکافحة الإرهاب ومکافحة المخدّرات. کما جری البحث حول الأمن في أفغانستان، والأوضاع الخطیرة والمقلقة في سوریا.
أما السیدة أشتون فقد قالت «إنني کرئیسة السیاسة الخارجیة في الاتحاد الأروبي أشکر دعوتکم لي لزیارة طهران والاحترام الذي حَظیتُ به، والمباحثات المفیدة التي جرت بیننا». کما أشارت السیدة أشتون إلی مسألة حقوق الإنسان التي تمّ البحث حولها مع السید ظریف.
وردّاً علی سؤال مراسل تلفزیون طهران الذي قال: «یری الشعب الإیراني بإن مسألة تخصیب الیورانیوم هو حق من حقوقه. فما هو رأیکم حول حقّ التخصیب؟ قالت مسؤولة الشؤون السیاسیة في الاتحاد الأروبي: «إنني ألفِتُ انتباهکم إلی الاتفاق المؤقت الذي توصَّلنا إلیه في جنیف، وکیف تقدّمنا إلی الأمام. فالعلائم الموجودة في الاتفاق سوف تدّلکم علی الجواب».
لقد کانت هذه الزیارة هي الأولی التي تقوم بها کاترین أشتون إلی طهران منذ عام 2009م حیث تولّت مسؤولیة الشؤون الخارجیة والسیاسة الدفاعیة في الاتحاد الأروبي. الجدیر بالذکر أن السیدة أشتون حَلَّت مکان «خافیر سولانا» الذي کان قد قام بزیارته الأخیرة إلی إیران في عام 2008م.
هذا وتدلّ تصریحات السیدة أشتون في هذا المؤتمر الإخباري، علی أنها بالإضافة إلی مسألة انتهاک حقوق الإنسان في إیران، فقد أثارت موضوع دَعمم الجمهوریة الإسلامیة للإرهاب أیضاً في مباحثاتها مع المسؤولین الإیرانیین.
لقاء أشتون مع ناشطي حقوق الإنسان یثیر الغضب ولاستفزاز
ولکن وبالرغم من وجهات النظر المتفائلة، فقد حدث تطوُّرٌ أثار ضجّة کبری خلال زیارة السیدة أشتون لإیران. ففي یوم 8 مارس / آذار 2014م (یوم المرأة العالمي)، بادرت أشتون إلی عقد لقاءات مع سبعة نساء من الناشطات للدفاع عن حقوق المرأة من ضمنهنّ «نَرجِس محمدي» المتحدَثة بإسم جمعیة الدفاع عن حقوق الإنسان، وکذلک جوهر عشقي اُم «ستّار بهشتي» المدون الذي اُلقي القبض علیه، وقُتِل تحت التعذیب في السجن. ولقد جرت هذه اللقاءات والمحادثات بین أشتون / والنساء الإیرانیات في مبنی سفارة النمسا في طهران. ولیس من شکٍّ في أن هذه اللقاءات قد تمّت عبر اتفاق مُسبَق عبر تخطیط وزارة خارجیة الجمهوریة الإسلامیة.
أما موضوع التخطیط المُسَبق، فقد اتخذت حکومة روحاني موقف الصمت ولم تُدلِ بأي إیضاح بشأنه. ولکن استناداً إلی تصریحات کبار مسؤولي النظام، اتّضح فیما بعد بأن اللقاء مع الناشطین في مجال حقوق الإنسان کان أحد شروط کاترین أشتون لزیارة إیران والذي وافقت علیه حکومة روحاني.
وفي أعقاب ذلک اللقاء شنَّ کبار مسؤولي نظام طهران والأصولیین وکبار رجال الدین والصحف المتطرّفة، تهجمات أثارت ضجّة لا تزال مستمرة حتی الآن.
فکبار مسؤولي النظام إتّهموا کاترین أشتون بأنها اجتمعت سرّاً مع المعارضین الذین یعتزمون الإطاحة بالنظام، کما أعربوا عن احتجاجهم ضد سفارة النمسا التي قامت بالإعداد لذلک اللقاء.
وفي هذا الإطار أیضاً بادر صادق آمُلي لاریجاني رئیس السلطة القضائیة إلی التهدید (بأن هذه السلطة سوف تتخذ إجراءاتها بصورة مباشرة بالنسبة لهذه المسألة) وتساءل کیف یدخل أعداؤنا إلی إیران ویجتمعون مع مثیري الفتنة؟ (هکذا یشیر النظام الحاکم إلی المعارضین وأصحاب الافکار التنویریة)، فلو استمرت هذه الأوضاع، فسوف تتخّذ السلطة القضائیة الإجراء اللازم).
إن التهدید الذي أطلقه رئیس السلطة القضائیة، یعني بأن النظام الإسلامي الحاکم في إیران لیس فقط ینتهک حقوق الإنسان الإیراني، بل ولا یعترف حتی بحقوق الإنسان الأجنبي.
أما علي لاریجاني رئیس مجلس الشوری الإسلامي (وشقیق صادق آمُلي لاریجاني رئیس السلطة القضائیة)، فقد إحتجّ بشدّة علی لقاء أشتون مع الناشطین المدافعین عن حقوق الإنسان، کما وجّه الانتقاد إلی حکومة روحاني أیضاً.
ومن جهة أخری احتجّ بشدّة أحمد خاتمي إمام المصلّین المؤقّت في مراسم صلاة یوم الجمعة بطهران (وهو من رجال الدین المتطرّفین في النظام) احتجّ ضد المسؤولین في الحکومة بسبب زیارة أشتون لإیران وقال: لقد أعلنت کافة وکالات الأنباء بالإضافة إلی أشتون نفسها بکل صراحة عن لقائها مع بعض مثیري الفتنة (أي معارضي النظام الإسلامي). في ذلک الوقت لم یعترف مجلس الشوری، ولا الحکومة عن مسؤولیة أيٍّ منهما إزاء ما حدث. في حین أن المسؤولیة تقع بالکامل علی عاتق الحکومة.
وعلی أي حال ینبغي أن یلتزم الجمیع بالخطوط الحمراء التي حدّدها مرشد النظام من ضمنها الابتعاد التام عن الذین أثاروا الفِتَن في البلاد.
یبدو أن لقاء مسؤولة السیاسة الخارجیة للاتحاد الأروبي مع مثیري الفتنة، یدلّ علی أن أحد التیارات یرید إمحاء ذکریات الفتنة من الأذهان لنسیان ما ارتکبه مثیرو الفتنة من جرائم.
ـ لو یقوم أحد مسؤولینا بزیارة فرنسا أو أیة دولة أروبیة أخری علی سبیل المثال، ویطلب منهم أن یعقد لقاءاً مع معارضي النظام الحاکم هناک، فإن ذلک النظام سوف لن یسمح مطلقاً بذلک. فکیف یکون بإمکان المسؤولین الأروبیین الإلتقاء بالمعارضین للنظام الإسلامي یهذه السهول.
تشیر أشتون باستمرار إلی انتهاک حقوق الإنسان في إیران. ویدلّ هذه علی أن الذریعة التي سوف یتذرّع بها الغرب لمواصلة المعارضة ضد الجمهوریة الإسلامیة في أعقاب حلّ المسألة الذریة، هي مسألة حقوق الإنسان.
یجب أن یعلم المسؤولون في بلادنا بأن تمهید السبیل لهؤلاء الأجانب للقاء مثیري الفتنة، سوف یتحوَّل إلی ذریعة ضد النظام. لذلک یجب علینا بأن لا نُمَهِّد الطریق لکي یستخدم العدو هذا الاتهام ضد الجمهوریة الإسلامیة.
الضجّة الإعلامیة
هذا وبالإضافة إلی موجة الاحتجاجات التي أشرنا إلیها، فقد اندلعت ضجّة دعائیة کبری ضد لقاء السیدة أشتون مع ناشطي حقوق المرأة في إیران، ولا تزال هذه الضجّة مستمرّة حتی الآن. فبعد یومین من مغادرة أشتون لإیران، شاهد أهالي طهران لوحات إعلانات کبیرة منقوش علیها تصاویر السیدة أشتون إلی جانب صدّام حسین (دیکتاتور العراق السابق الذي یمقته ویکرهه الشعب الإیراني بشدّة) وعبارة «الصِدق والحقیقة الأشتونیة».
إن هذه اللوحات الکبیرة المنصوبة علی مستوی واسع في مناطق مختلفة في العاصمة طهران، تذکّرنا بلوحات الإعلانات التي کانت قد نُصِبَت في طهران في أعقاب الجولة الأولی من المفاوضات الذریة ولقاء المسؤولین الإیرانیین مع المسؤولین الأمریکیین، وکانت تلک اللوحات تحتوي علی تصویر رجلٍ سیاسي أمریکي مع کلبٍ مُفتَرِس وکان مکتوب تحت التصویر «هذا هو الصِّدق الأمریکي»!!
هذا وکانت أمانة العاصمة طهران قد نَصبَت لوحات الإعلانات هذه، في المناطق المزدحمة. وبالتزامن مع ذلک، نشرت الصحف المتطرِّفة الاتجاه، تقاریر حول لوحات الإعلانات الضخمة الجدیدة التي تعکس تصاویر للسیدة کاترین أشتون وصدام حسین احتجاجاً علی دعوة أشتون لزیارة إیران.
فقد نشرت صحیفة «الشرق» التي تصدر في طهران صُوَراً عن لوحات الإعلانات المنصوبة في شوارع العاصمة وکتبت تقول: إن زیارة أشتون مسؤولة السیاسة الخارجیة في الاتحاد الأروبي التي تمّت في الأیام الأخیرة من فصل الشتاء، واجتماعها بعددٍ من النساء الناشطات في طهران، أثارت ردود فعلٍ واسعة النطاق. ففي هذا الإطار أقامت مجموعات من المحتجّین مظاهرات أمام سفارة النمسا في طهران، وأطلقت هتافات ذکرت فیها: «أشتون خادمة واشنطن وعمیلتها».
أما صحیفة «قانون» التي تصدر في طهران فقد أکّدت علی أن أمانة العاصمة هي الوحیدة من بین بلدیّات المدن الإیرانیة التي نَصبَت في شوارع طهران لوحات الإعلانات الضخمة التي تحتوي علی شعارات ضد کاترین أشتون.
وأضافت صحیفة قانون قائلة: إن أمانة العاصمة طهران هي الوحیدة من بین بلدیات المدن الإیرانیة التي تعتقد بأن لها الحق في التدخُّل في السیاسة والإعلان عن وجهة نظرها في المجال السیاسي وبخاصة في السیاسة الخارجیة للبلاد. فبعد أن تمّ نَصب لوحة إعلانات ضخمة في شوارع طهران وکان منقوشاً علیها تصویر رجل سیاسي أمریکي مع کلبٍ مفترس وعبارة «هذا هو الصدق الأمریکي»، جاء دور التهجُّم علی کاترین أشتون بسبب لقاءاتها غیر السیاسیة مع ناشطات حقوق الإنسان في طهران.
التهجمّات الإعلامیة الموجَّهة نحو بان کي مون
هناک حَدَثً آخر یخصّ حقوق الإنسان أثار حفیظة الجمهوریة الإسلامیة، وهو تصریحات بان کي مون الأمین العام لمنظّمة الأمم المتحدة وانتهاک الجمهوریة الإسلامیة لحقوق الإنسان، والتي أدّت هذه المرّة إلی اندلاع موجة إعلامیة ضخمة ضد «بان کي مون».
فقد قال الأمین العام الأمم المتحدة: «إن حکومة روحاني لم تُنَفِّذ تعهّداتها حتی الآن، ولم تتوسَّع في إطلاق الحریات في إیران» کما أکدّ المذکور علی تصاعُد مومجة الإعدامات في إیران.
وأفادت وکالة أنباء رویترز بأن بان کي مون کان قد صرّح مؤخراً في جنیف قائلاً: بالرغم من الوعود التي أطلقها حسن روحاني في فترة الترشیح للتنافس من أجل إحراز منصب رئاسة الجمهوریة في الانتخابات الرئاسیة الأخیرة في إیران، وفي أعقاب انتخابه کرئیسٍ للجمهوریة، لم تتّخِذ حکومته الجدیدة أيّ إجراء مثیر للاهتمام في مجال إطلاق المزید من حرّیة التعبیر. علماً بأن وسائل الإعلام الإیرانیة لا تزال توجِه التقیید والاحتجاز والإغلاق.
کما أعرب الأمین العام للأمم المتحدة عن قلقه إزاء التصاعُد الشدید لعدد الإعدامات في إیران، وأکّد علی أن معظم هذه الإعدامات تخصّ جرائم المخدرات، ولکن کان من بین الذین اُعدِموا، مسجونون سیاسیون ومواطنون من الأقلّیات القومیة.
هذا وکانت منظمة الأمم المتحدة قد أعلنت یوم 21 فبرایر/ شباط عام 2014م، إنه في عام 2013م، جری في إیران إعدام ما بین 500 و625 شخص شنقاً حتی الموت، من ضمنهم 57 شخصاً جری إعدامهم بشکلٍ علني أمام الجمهور. وأضافت المنظمة الدولیة بأنه تمّ إعدام أکثر من 40 شخصاً آخر في إیران خلال النصف الأول من شهر ینایر/ کانون الثاني 2014م.
وفي هذا الإطار قال بان کي مون: «إن الحکومة الجدیدة في إیران لم تُغَیِّر نظرتها بالنسبة لتنفیذ عقوبة الإعدام، ویبدو أنها تتابع خطوات الحکومات المنصرمة، تلک الحکومات التي کان تستنِد علی عقوبة الإعدام کاُسلوب لمکافحة الجریمة!!».
وبالرغم من أن بان کي مون رحّب في تصریحاته بالإفراج عن 80 سجیناً سیاسیاً في إیران قبل ما یقارب السبعة شهور، لکنه قال: «إن هناک عدداً کبیراً من المسجونین السیایین في إیران حالیاً.»
هذا وذکرت منظمة الأمم المتحدة بأنه منذ شهر دیسمبر/ کانون الأول عام 2013م وحتی الآن تمّ اعتقال 35 صحفیاً و16 ناشطاً علی شبکة الإنترنت باتهامات مختلفة، ودَعَت إلی إطلاق سراح الناشطین والمحامین والصحفیین، والمسجونین السیاسیین، وأیضاً إنهاء الإقامة الجبریة لمیرحسین موسوي ومهدي کرّوبي.
هذا وبالرغم من الطلبات المتکرّرة للأمم المتحدة، فإن الجمهوریة الإسلامیة ومنذ عام 2005م وحتی الآن لم تسمح لمفتشي قسم حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، من السفر إلی إیران.
ومن جهة ثانیة، وإثر انتشار تصریحات بان کي مون، بدأ بعض مسؤولي النظام الإسلامي بالتهجُّم علیه بشدّة. وقد وصف المسؤولون والصحف الإیرانیة أیضاً، أمین عام الاُمم المتحدة بأنه «أداة بید واشنطن»، کما وجّه البعض الآخر اتهامات قبیحة وموهنة ضدّه نشیر هنا إلی نموذجین منها:
انتقد «علي أکبر ولایتي» مستشار مرشد الجمهوریة الإسلامیة للشؤون الخارجیة، التصریحات التي أدلی بها الأمین العام لمنظمة الأمم لمتحدة حول أوضاع الحریات في إیران، واتّهمه بأنه علی ارتباط بأمریکا.
وأفاد تقریر لوکالة أنباء طلاّب إیران «إیسنا» بتاریخ 12 فبرایر/ شباط 2014م نقلاً عن ولایتي ردّاً علی تصریحات بان کي مون قائلاً: یُعتبر المذکور أسوأ أمین عام من بین الأمناء العامین للاُمم المتحدة، لأن تصرّفاته دلت علی أنه لم یکن قادراً علی اتخاذ أیة خطوة مؤثرة من أجل تسویة أزمات ومشکلات العالم الإسلامي.
وقال ولایتي إن بان کي مون قد وضع نفسه تحت تصرُّف الامریکیین بالکامل. وأکّد ولایتي في نهایة تصریحه علی أن بان کي مون یُعتَبر من أکثر الأمناء العامّین عجزاً في تاریخ منظمة المتحدة منذ عام 1945م وحتی الآن، ولا یتمتّع بأیّة میزة أو صفة خاصة سوی إنه «أداة بید الأمریکیین».
هذا وبالتزامن مع تصریحات ولایتي مستشار مرشد النظام الإسلامي، تهجّمت صحیفة کیهان بشدّة ضد الأمین العام للأمم المتحدة، ووصفته بأنه «وضیع وحقیر».
ففي مقاله الافتتاحي في صحیفة کیهان الصادرة في طهران، وصف «حسین شریعت مَداري» ممثّل علي خامنئي في هذه الصحیفة وکاتب المقال الافتتاحي، وصفَ بان کي مون بأنه «عمیل وعدیم الشخصیة» وقد أثبت بأنه لیس لدیه أي تفویضٍ لإبداء الرأي بشأن المسائل الدولیة، ولیس بإمکانه التحدّث عن أي موضوع، وأن ما ادّعاه حول انتهاک حقوق الإنسان في إیران لیس إدّعاءاً جدیداً.
هذا وطلب کاتب المقال الافتتاحي في صحیفة کیهان من أمین عام منظمة الأمم المتحدة بأن یعتذر رسمیاً من الجمهوریة الإسلامیة.
ومن جهة أخری إتّهم «حسین شریعت مداري» في مقاله الافتتاحي في صحیفة کیهان، حسن روحاني والمقربین إلیه بأنهم یشعرون بالتفاؤل بالنسبة لمستقبل الروابط مع أمریکا من دون أي مُبَرِّر. وأضاف المذکور قائلاً: یجب توجیه هذا السؤال إلی رئیس الجمهوریة الإسلامیة: «هل أن الاتهامات التي وَجَّهها مؤخراً الأمین العام لمنظمة الأمم ضد نظام طهران، أو التصریحات الحاقدة التي یطلقها باستمرار المسؤولون في أمریکا والتي تُعَبِّر عن عدائهم ضد الإسلام والثورة والنظام الإسلامي، لا تکفي لکي تقوموا بتغییر أسلوبکم (أنتم وبعض أعضاء حکومتکم)، وتتخّذوا من آیة الله خمیني وخلفة آیة الله خامنئي کقُدوة لکم حیث کانا قد أعلنا أن أمریکا هي الشیطان الأکبر».
الاتفاق الذري رهینة أوضاع حقوق الإنسان
إن هذه التطورات والتهجّمات الإعلامیة العنیفة التي جرت قبیل بَدء الجولة الثانیة من المفاوضات الذریة، ضد السیدة کاترین أشتون وبان کي مون، والمواقف التي أعلنها المرشد علي خامنئي بشأن التفاوض مع الدول الغربیة، والاستعداد لتطبیق «سیاسات اقتصاد المقاومة»، کلها تدلّ علی أن الجمهوریة الإسلامیة من أجل عدم تکرار البحث حول موضوع حقوق الإنسان، علی استعداد بأن تتغاضی عن عَقد الاتفاق الذري، وأن تتحمّل المزید الحَظر.
وبالرغم من أن المسؤولین الحکومیین لم یُدلوا بإیضاحات للشعب حول تفاصیل الجولة الأولی من المفاوضات الذریة، والاتفاق المدئي الذي توصّلت إلیه الجمهوریة الإسلامیة مع دول مجموعة 5+1، فإن التطوّرات التي حدثت خلال الشهور الأخیرة، تدلّ بوضوح علی أن الدول الغربیة بالإضافة إلی أنها طالبت بتعلیق الأنشطة الذریة الإیرانیة، أثارت أیضاً موضوع تحسین أوضاع حقوق الإنسان في إیران، وهو شرط لا یستطیع النظام الإسلامي قبوله.
فالجمهوریة الإسلامیة حتی لو تقوم بایقاف جمیع أنشطتها الذریة، ولو تُدَمِّر محطات تولید الطاقة الذریة، وتُوقِف دعمها للإرهاب، فإنها سوف ترفض الإلتزام بحقوق الإنسان، لأن الجمهوریة الإسلامیة وطوال الخمسة والثلاثین عاماً الماضیة، استطاعت المحافظة علی دیمومتها عبر قَمع المعارضین للنظام الإسلامي الحاکم وسَجنهم وتعذیبهم وإعدامهم.
الجدیر بالذکر أن المسؤولین في الجمهوریة الإسلامیة ومن ضمنهم المرشد علي خامنئي شخصیاً أعلنوا مراّت عدیدة بأنهم لا یعترفون بالبیان العالمي لحقوق الانسان، وأنهم یرفضونه بذریعة أن نصّ البیان المذکور یتعارض مع التعالیم الإسلامیة. إنهم یعتبرون البیان في الحقیقة کأداة في ید أمریکا والبلدان الغربیة لتسدید الضربات نحو المسلمین وبخاصة ضد النظام الإسلامي الحاکم في إیران.
ولکن ورغم هذه الذرائع والتصریحات الا منطقیة، فإن ما یثیر خوف وهَلَع قادة الجمهوریة الإسلامیة هو ما یلي:
لو اُطلِقَت في إیران حرّیة التعبیر والصحافة، وحرّیة العقیدة المیول السیاسیة والدینیة، ولو یتمّ إیقاف سَجن وتعذیب وإعدام المواطنین، فإن النظام الإسلامي سوف یتحَوّل إلی نظامٍ غیر دیني، وسوف لن یکون بإمکان قادة النظام الحاکم، مواصلة حکمهم الدیکتاتوري، یضطرّون مُرغَمین إلی الخصوع لرأي الشعب، وفي هذه الحالة سوف تتم إزالة نظام الحکم الدیني.
لهذا السبب وبالنظر إلی الشروط التي أثارتها مجموعة دول 5+1، حول تحسین أوضاع حقوق الإنسان في إیران، یبدو من المُستبعد أن تتوصَّل المفاوضات إلی الاتفاق النهائي، بل وقد یتبعه خطر اندلاع الاشتباکات العسکریة.
وفي هذا المجال کانت کاترین أشتون قد أعربت قبل یومین من بَدء مفاوضات الجولة الثانیة، عن تشاؤمها إزاء حصول الاتفاق.
ومن جهة أخری أفادت التقاریر الإخباریة بأن المرحلة الأولی من مفاوضات الجولة الثانیة التي جرت في فیینا، انتهت من دون أیة نتیجة. وفي أعقاب تلک المفاوضات، شارک محمد جواد ظریف وزیر خارجیة الجمهوریة الإسلامیة وکاترین أشتون في مؤتمر إخباري، ودون الإدلاء بأيّ أیضاح حول المحادثات، أو الردّ علی أسئلة الصحفیین، تم الاکتفاء بالقول إن الجولة اللاحقة من المفاوضات سوف تقام من السابع إلی التاسع من إبریل/ نیسان 2014م.
إن مثل هذه التطورات، تُقَلِّل الآمال من التوصُّل إلی الاتفاق النهائي، ویبدو أن مسألة حقوق الإنسان قد تکون المانع الرئیسي أمان نجاح المفاوضات.