قبل 24 ساعة من اجتماع روما يوم الأربعاء الماضي، الذي ضمّ 23 دولة منخرطة في التحالف الدولي ضد تنظيم داعش الذي بحث الوضع المتفاقم في ليبيا، كانت الأنباء تتحدث عن أمرين مهميّن:
– الأول أن مقاتلات مجهولة قصفت مواقع «داعش» في منطقتي «السبعة» و«الظهير» جنوب مدينة سرت وغربها التي سبق للتنظيم أن أعلنها ولاية إسلامية، وقد رجّح المراقبون أن تكون المقاتلات أجنبية بسبب عدم قدرة الطيران الليبي على توجيه ضربات ليليلة دقيقة، ولأن سلاح الجو الليبي لم يعلن مسؤوليته عن العملية.
– الثاني أن القوات الليبية التي تحرس المنشآت النفطية في خليج سرت، صدت هجومًا لزوارق الإرهابيين كانت تستهدف حقل الزويتية في المنطقة، ومن المؤكد وفق المراقبين أن الهجوم يأتي في سياق سلسلة من العمليات التي ينفذها التنظيم في سعيه للسيطرة على منصات النفط الغنية هناك!
الخليج النفطي يمكن أن يعطي التنظيم الإرهابي دفعًا قويًا يساعده على جعل ليبيا قاعدة هجوم في كل الاتجاهات: شرقًا نحو مصر وجنوبًا نحو تشاد ومالي والنيجر وصولاً إلى نيجيريا و«بوكو حرام»، وغربًا إلى تونس وتنظيم «عقبة بن نافع» في جبال الشعانبي، ثم إلى الجزائر والمغرب، وشمالاً إلى الشاطئ الأوروبي الذي طالما غص بزوارق اللاجئين إليه مثل جزيرة لامبيدوزا الإيطالية!
مؤتمر روما كانت قد سبقته تصريحات عن خطورة ترسيخ نفوذ «داعش» في ليبيا، وعن اتجاه أوروبي أميركي متزايد لشن عملية عسكرية تمنع الإرهابيين من الوصول إلى الخليج النفطي وترسيخ وجودهم على ساحل يمتد مسافة ألفي كيلومتر جنوب القارة الأوروبية، وسبق لصحيفة «الفيغارو» الفرنسية أن ذكرت أن التدخل العسكري ضد «داعش» في ليبيا سيتم في غضون أشهر وأن خطط الأعداد لهذه العملية وضعت على نار حامية!
ما زاد في الإيحاء بأن هناك اتجاهًا غربيًا لعمل عسكري جاد في ليبيا تأكيدات من وزارة الخارجية الأميركية قبل اجتماع روما، أن واشنطن لن تتردد إزاء أي تهديد يأتي من ليبيا وأنها تتشاور مع حلفائها الإيطاليين والفرنسيين ومع شركائها في التحالف بشأن عمل أوسع نطاقًا لمتابعة الوضع في ليبيا!
لكن المثير أن نتائج اجتماع الحلفاء الـ23 لم تأتِ متلائمة مع الأجواء المشار إليها أعلاه، لا بل بدت وكأنها تطمئن «داعش» إلى أنها لن تقوم بأي عمل عسكري لوقف تمدده في ليبيا، والمثير أكثر أن يكون الاجتماع بدأ وسط أجواء مشجعة وانتهى بتصريحات محبطة.
ففي خلال الاجتماع دعا كيري حلف شمال الأطلسي إلى إعداد خطة كفيلة بمواجهة تمدد «داعش» في ليبيا، لكنه أكد فور انتهاء المحادثات «أن أميركا لا تريد طبعًا خلافة وهمية تمتلك مليارات الدولارات من النفط الليبي»، لكن الرئيس الأميركي لا يريد التدخل عسكريًا في ليبيا وقد قال بصراحة منذ البداية إنه «لا نية لديه لإرسال قوات عسكرية إلى ليبيا، وهذا الأمر ينسحب على سوريا والعراق… وإنه لا يرى حلاً عسكريًا في الأفق»!
هكذا بالحرف ثم جاءت التصريحات الفرنسية والإيطالية والبريطانية تستبعد بدورها أي عملية عسكرية وشيكة في ليبيا. لوران فابيوس قال إنه رغم القلق من توسع «داعش» من غير الوارد إطلاقًا التدخل عسكريًا في ليبيا ضد تنظيم داعش، وإن هناك ضغوطًا يمارسها البعض من أجل التدخل لكن هذا ليس موقف الحكومة الفرنسية، أما تصريحات وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند ونده الإيطالي باولو جنتيلوني فكررت السياق عينه مؤكّدة عدم وجود رغبة في شن عملية عسكرية لوقف «داعش» الذي إذا وصل إلى منصات النفط في البريقة ورأس لانوف مثلاً فسيضع يده فعلاً على المليارات التي تساعده في تزخيم تهديداته ضد ثلاث قارات: أفريقيا وآسيا وأوروبا!
على أي حال ليس من الضروري أن يستعجل المراقب الحكم على نتائج اجتماع روما، ربما أراد الغربيون إعطاء الفرصة كاملة لحكومة وحدة وطنية ليبية يتم التفاهم عليها أخيرًا بحيث تعمل على جمع الصفوف وحشد ما يكفي من القوى لدحر «داعش»، وهذا قد يكون في نظر هؤلاء الحلفاء أفضل من إعطاء «داعش» ذخيرة الادعاء أن حربًا صليبية جديدة تُشن على المسلمين من خلال استهدافه، رغم أنه هو من خطف الإسلام وشوّه سمعته وأنه يذبح المسلمين في سوريا والعراق وليبيا وكل مكان!
رغم كل هذا لا أتردد في القول، إن التنصل الغربي الحماسي في روما من أي رغبة في التدخل في ليبيا لوقف «داعش»، ذكّرني بالاجتماع الذي حصل بين السفيرة الأميركية أفريل غلاسبي وصدام حسين في 25 من عام 1990 والذي قيل إنها أوحت إليه خلاله، بأن «أميركا لن تتدخل في صراع حدودي بين دولتين عربيتين»، ما اعتبره موافقة على جريمة غزو الكويت بعد سبعة أيام في 2 أغسطس (آب) 1990، فهل هذا التنصل يشكل استدراجًا لمزيد من جنون الدواعش بما يجعل التدخل مبررًا أكثر وملحًا أكثر؟
طبعًا لا حاجة إلى تكرار الحديث عن خطورة سيطرة «داعش» على أهم خليج نفطي في أفريقيا، ليس لأن سرت التي يسيطر عليها سيطرة تامة تتوسط المسافة بين بنغازي شرقًا، حيث يقاتل قوات الحكومة وبين مصراتة غربًا التي تمثل قاعدة انطلاق للتخريب في تونس، بل لأن ما يضاعف من الخطر والقلق هو التقارير التي تتحدث عن أن التنظيم يعكف على استنساخ تجربة القذافي الذي كان يشكّل جيشًا من المرتزقة الأفارقة حارب معه.
هذه التقارير التي يؤكّدها المسؤولون الأمنيون في ليبيا، تقول إن «داعش» يعكف انطلاقًا من سرت على تشكيل جيش من فقراء أفريقيا وهو يدفع لكل من هؤلاء الذين يعيشون على دولار واحد في اليوم ألف دولار في الشهر، ولهذا هناك تدفق متزايد لشباب من تشاد ومالي والسودان والنيجر وحتى من نيجيريا للانخراط في صفوفه.
صحيفة «الديلي تلغراف» البريطانية نقلت عن سكان سرت أن الأفارقة يتدفقون من جنوب الصحراء الكبرى للالتحاق بمقاتلي «داعش» طمعًا براتب يساوي ثروة بالنسبة لهم، ويقول رئيس استخبارات الجيش الليبي في مصراتة العقيد إسماعيل شكري للصحيفة عينها إن غير الليبيين يشكلون أكثر من 70 في المائة من جيش «داعش» في سرت، وبينهم كثيرون من تونس ومن السودان ومصر والدول الأفريقية المجاورة.
تجمع كل تقارير الخبراء العسكريين على القول: حذار من سقوط خليج سرت النفطي في يد «داعش» وحذار من تدعيش ليبيا لأنها ستتحوّل قنبلة عنقودية إرهابية في أحضان القارة الأوروبية!