من اطرف التعليقات التي صدرت، بعد اعلان الادارة الأميركية والإتحاد الأوروبي رفع العقوبات عن ايران، ذلك الذي ورد على لسان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو. قال نتانياهو المعروف بـ”بيبي” ان اسرائيل لن تسمح لإيران بامتلاك السلاح النووي يوما.
حسنا، من قال ان ايران تريد امتلاك السلاح النووي؟ هذا السلاح ليس اكثر من مادة ابتزاز ايرانية لا اكثر. هناك مشروع توسّعي ايراني في المنطقة يُعتبر السلاح النووي من ادوات تنفيذه وتحقيقه. ليست المشكلة مع ايران في سلاحها النووي بمقدار ما انّها، جانب منها، في الخدمات المتبادلة بينها وبين اسرائيل على الصعيد الإقليمي.
متى كان هناك خلاف حقيقي بين اسرائيل وايران؟ ايران تستخدم الخطاب المعادي لإسرائيل و”يوم القدس” للمتاجرة بالفلسطينيين وقضيتهم والمزايدة على العرب ولتبرير سياستها العدوانية في المنطقة. في المقابل، تستخدم اسرائيل الخطاب السياسي الإيراني المعادي لوجودها للحصول على مزيد من المساعدات الأميركية والظهور في مظهر الضحيّة، في حين تمارس ارهاب الدولة بكلّ ما في كلمة ارهاب من معنى.
هل من ارهاب يفوق ارهاب احتلال الأرض الفلسطينية وحرمان شعب من ابسط حقوقه الوطنية ومحاولة فرض امر واقع على الأرض ؟
كان ملفتا التصعيد الإيراني على الصعيد الإقليمي في الوقت الذي كانت الوكالة الدولية للطاقة النووية تستعد لإعطاء الضوء الاخضر لرفع العقوبات عن ايران. لا يمكن فصل هذا التصعيد عن المحاولة المكشوفة للتأكد من أنّ الأدارة الأميركية تحصر كلّ ازمات المنطقة بالملفّ النووي الايراني. بكلام اوضح، تريد ايران التأكّد من ان الإدارة الأميركية ترى بعين واحدة وان الهمّ الوحيد للرئيس باراك اوباما يتمثل في ادراج اسمه في كتب التاريخ بصفة كونه اوّل رئيس اسود للولايات المتحدة من جهة وفي تطبيع العلاقات الأميركية ـ الإيرانية من جهة اخرى. تأكدت ايران من انّ ادارة اوباما لا تريد ان ترى سوى بعين واحدة وذلك بتغاضيها عن التصعيد مع المملكة العربية السعودية في قضية رجل الدين الشيعي نمر النمر. اعدمت السلطات السعودية النمر بعد ادانته بموجب قوانينها. ردّت ايران باحراق السفارة السعودية في طهران والقنصلية في مشهد. هل صارت الولايات المتحدة تعترف بأن ايران مرجعية كلّ شيعي على الكرة الأرضية؟
هذا على الأقلّ ما يفهم من رد الفعل الأميركي على التصعيد الإيراني تجاه السعودية التي تعتبر، الى اشعار آخر، مواطنيها الشيعة مواطنين سعوديين مثلهم مثل ايّ مواطن آخر عليه الخضوع للقوانين المعمول بها في المملكة. كلّ ما يمكن قوله بعد رفع العقوبات عن ايران ان طهران نجحت في اختبارها لعدم جدّية ادارة اوباما. تبيّن انّ هذه الإدارة تطبق سياسة جديدة في الشرق الأوسط تتغاضى عن كلّ ما هو اساسي فيه. هذه السياسة تلتقي في نهاية المطاف مع المشروع الإيراني الذي لا تعترض عليه اسرائيل، نظرا الى انّه قائم على الإستثمار في اثارة الغرائز المذهبية. لعلّ الدليل الأهمّ على مدى التورّط الإيراني في لعبة اثارة الغرائز المذهبية ما نشهده في العراق وسوريا. كلّ ما تقوم به ايران في البلدين يصبّ في خدمة “داعش” المستفيد الأوّل من الإرهاب الذي تمارسه الميليشيات المذهبية التابعة لإيران في هذين البلدين اللذين يبدو مستقبلهما على كفّ عفريت.
ماذا تفعل ايران في العراق غير المشاركة في عمليات تطهير ذات طابع مذهبي تستهدف السنّة العرب؟ ماذا تفعل في سوريا غير المشاركة في ذبح الشعب االسوري من منطلق مذهبي ايضا؟ لا يمكن تجاهل ما تفعله ايران في اليمن ، هذا البلد الذي لم يكن فيه في اي يوم من الأيّام تمييز بين زيدي وشافعي. فجأة صار هذا التمييز عنوانا اساسيا من عناوين الحرب الدائرة في اليمن، وذلك بفضل ما قامت به ايران التي دعمت الحوثيين وحولتهم الى ميليشيا مذهبية على غرار “حزب الله” في لبنان. سمّتهم “انصار الله”. باتت ايران تتفاخر بعد احتلال “انصار الله” لصنعاء وسيطرتهم على مناطق عدّة في اليمن، وصولا الى عدن في مرحلة ما، بأنّها تتحكّم باربع عواصم عربية هي بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء. يبدو لبنان المكان الذي تظهر فيه العدوانية الإيرانية بوضوح ليس بعده وضوح، في هذه المرحلة بالذات. كلّ شيء معلّق في لبنان بسبب ايران. ممنوع انتخاب رئيس للجمهورية وممنوع على الحكومة ممارسة مهمّاتها وممنوع على القضاء ان يساوي بين المواطنين.
هناك مجرم مدان، نقل متفجرات من دمشق الى بيروت لتنفيذ عمليات اغتيال صار طليقا، لمجرّد ان ايران تريد ذلك. كلّ ما تريده عمليا هو القول لكلّ من يعنيه الأمر ان لبنان صار تحت وصايتها… فيما الإدارة الأميركية تتفرّج. من الطبيعي بقاء ادارة اوباما في موقع المتفرّج. بالنسبة الى الرئيس الأميركي ليست هناك ازمات في المنطقة قابلة للحل نظرا الى ان عمر هذه الأزمات “مئات السنين”. هذا ما ورد في خطابه الأخير عن “حال الإتحاد” وهو الخطاب الأخير له في هذه المناسبة السنوية. ليس لديه اي حلّ لأي ازمة. هناك اميركا جديدة بعد وصول اوباما الى الرئاسة. اميركا هذه تعترف بايران كقوة اقليمية مهيمنة من حقّها التدخل في كلّ بلد عربي وان تعتقل امواطنين اميركيين ثمّ تطلقهم في عملية ابتزاز مكشوفة، بل مكشوفة جدا. هذا هو الشرق الأوسط كما تراه ادارة اوباما التي تتجاهل ان العرب ما زالوا في قلب المعادلة الإقليمية وليس خارجها. يعرفون تماما ما هي ايران والأدوار التي تلعبها … ويعرفون خصوصا ما هي طبيعة النظام القائم فيها. انّه نظام يستطيع التدمير ولا يستطيع البناء في اي حقل من الحقول ومجال من المجالات.
لا اوهام عربية تجاه نظام في حال هروب مستمرّة الى الخارج نظرا الى عجزه عن معالجة اي مشكلة من مشاكل الداخل. قبل ايران، مارس الإتحاد السوفياتي السياسة نفسها. اين الإتحاد االسوفياتي الآن؟ لا يوجد سبب يدعو الى تصديق الأوهام الأميركية تجاه ايران، وهي اوهام لا يمكن الّا ان تزول يوم تأتي ادارة جديدة في واشنطن تدرك ان العرب يتعاطون مع المشروع التوسّعي لطهران بجدّية وان في الإمكان النظر الى المنطقة بعينين واسعتين وليس من زاوية ان ما كُتب قد كُتب… وان ايران اقرب الى قدر من اي شيء آخر. قدر الشرق الأوسط ليس قدرا ايرانيا باي شكل من الأشكال.