تحولت قضية سياقة المرأة للسيارة عند المعارضين من كارثة عظمى تجر كل المفاسد وتنذر بخراب المجتمع إلى قضية تافهة (اشغلتونا بها، أينكم من العضل أينكم من المطلقات والمعنفات.. الخ). هذا التحول في الرأي والبحث عن أسباب في كل مرحلة يؤكد أن اعتراض المعارضين لم يكن مستندا على رأي فقهي مقنع بل بدافع من موقف سيكولوجي أو سلطة الجمود والمعتاد أو العناد.
كل الشعوب ينتابها القلق من الظواهر الاجتماعية والمخترعات الجديدة. في اللحظة التي يحضر فيها هذا الجديد يتناوله أصحاب الاختصاص كالقانونيين والاقتصاديين وخبراء الأمن والسياسيين بالبحث والنقاش ويكون رجل الدين طرفا من الأطراف المشاركة بالرأي. معظم القوانين والبرامج التي نستخدمها في البلاد الإسلامية تأتي من دول غير مسلمة. عملية الموازنة بين خيرية الجديد وبين شريته لا يعود إلى مصدره وإنما إلى طبيعته. لا يترك لطرف واحد من أطراف متعددة فضلا أن يكون هذا الطرف أقلهم خبرة وعلما به.
نحن نعيش في عصر يدار بكل المعارف. عندما نتحدث عن الصابون. نحن نتحدث عن النظافة ونتحدث عن البيئة ونتحدث عن الصحة ونتحدث عن التجارة والأنظمة والقوانين. لا يمكن أن يقفز رجل دين من بين الصفوف ويحرم استخدامه لمجرد أن ظن وتخيل أنه سوف يؤدي إلى فساد في المستقبل. لم نعرف أن تحريما واحدا من تحريمات رجال الدين المتعجلة في التاريخ الإسلامي صمد. من تحريم استخدام المطبعة إلى تحريم قيادة المرأة للسيارة. التحريمات المتعجلة جعلت الشعوب الإسلامية متأخرة خطوات عن كثير من الشعوب.
الحياة تمضي قدما. الإنسان لا يكف عن ابتداع وسائل وطرائق وأفكار وقوانين جديدة. كل جيل يختلف عن الجيل الذي سبقه بتبني الجديد الذي بين يديه. لا يتخلف عن هذا سوى الشعوب التي تحول المخاوف إلى عداء وتجعل من كل جديد تهديد لوجودها.
فقر الشعوب الإسلامية للخبراء في شؤون الحياة الحديثة يجعلها تعول على الخبير الديني ثم تتخذ قرارات سريعة تتراجع عنها باستمرار. نقاش الظواهر الجديدة أمر حتمي. لا يمكن ادخال تكنولوجيا جديدة قبل أن تستكمل بعض البنى الأساسية العلمية والقانونية وقراءة الثغرات الاجتماعية.. الخ. يكون التفاعل مع الجديد بنقاش مشترك بين كل الأطراف. رأي رجل الدين واحد من هذه الأطراف وآخر من يتحدث. التحريم والتحليل قضية معقدة وخطيرة تحتاج إلى معرفة بالمآلات. لا يمكن إطلاقها في سؤال شيخ في جلسة عابرة أو مدبرة. الرأي الديني يأتي على ملف أشبع دراسة ومناقشة في المجالس العلمية وبيوت التشريعية الأساسية كالجامعات ومجلس الشورى وشعب الخبراء في الدوائر المعنية.
قرار خادم الحرمين حفظه الله لم يأت انتصارا لتيار على آخر وإنما جاء لتأكيد أن مسيرة التقدم في هذا الوطن لا تعرف التوقف.
نقلاعن العربیه