كل هذا الذي نشهده كل يوم، لم يكن مألوفاً أو وارداً قبل ربع قرن: تركيا لم تكن تشتري سلاحها من موسكو، بل تشتريه «ضد» موسكو. ووزير الخارجية الذي كان يجول على عواصم الشرق الأوسط جميعها، ومن دون أي استثناء، كان وزير خارجية أميركا، وليس روسيا. والدولة التي كان يهب الإعلام هبوباً إذا سعت إلى قاعدة عسكرية في بلد عربي، هي روسيا التي تقيم في سوريا الآن «إلى الأبد» بالاتفاق والتوافق مع غريمة الحرب الباردة.
ما من أحد في موقعه السابق. لا تركيا الأطلسية، ولا أميركا ما قبل أوباما، ولا روسيا التي يخافها البعض سراً ويخشاها البعض الآخر علناً. ها هو سيرغي لافروف يطرح نفسه وسيطاً بين العرب أنفسهم. ورئيس وزراء لبنان سعد الحريري يطلب وساطة بوتين مع سوريا كي تقبل ترسيم الحدود مع لبنان.
وكل فيتو روسي يوقعه الصينيون من دون أن يقرأوه. مضى أيضاً زمن العداء الشهير بين موسكو وبكين. يومها كان ياسر عرفات يعود من موسكو إلى القاهرة لإكمال رحلته إلى بكين؛ لأن الوصول المباشر من روسيا كان ممنوعاً. أو عدائياً.
كان العداء الأشد بين تل أبيب وموسكو. وكان يهود روسيا يشنّون حملات يومية على السوفيات. والسوفيات يتخذون مواقف صارخة ضد إسرائيل. واليوم بوتين ينسق مع نتنياهو. وإسرائيل تعتبر القاعدة العسكرية المجاورة ضمانة لا خطراً. وتضرب في سوريا بعدما يذهب الرادار الروسي إلى النوم.
لا شيء الآن كما كان عليه في الماضي. ضيف الرئيس السوري الأسبوع الماضي ليس الرئيس الروسي، ولا رئيس وزرائه، ولا حتى وزير خارجيته، وإنما وزير دفاعه، وبالثياب المرقطة. إنها رحلة داخلية ولا داعي لإضاعة الوقت في الشكليات.
ثمة خرائط سياسية تُرتسم، وجبهات متوترة يخفض توترها. وشرق أوسط جديد يحضر هو غير ذلك الذي بشرت به المسز كونداليزا رايس.
نقلاعن العربیه