نصح دي مستورا مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى سوريا المعارضةَ السوريةَ بتوحيد صفوفها وعرض مشروعٍ واحد. لكنه نصحها قبل ذلك بالاعتراف بالهزيمة(!). وهو يعني بذلك أنّ مشروعها الواحد بين السياسيين والمسلَّحين ينبغي أن يتضمن بقاءَ الأسد في المرحلة الانتقالية، التي جُرِّدتْ من معالمها ومعانيها السياسية. لذلك فإن اجتماعات جنيف المرتبطة بالقرار رقم 2254 لعام 2012-2013، لا يكاد يبقى منها شيء. فالمرحلةُ الانتقالية التي تفترض نقل السلطة من الأسد وتسليمها إلى فريق المصالحة من الطرفين، صارت تتطلب للوصول إليها ثلاثة أمور أخرى: إزالة «داعش» من الرقة ودير الزور، ووقف إطلاق النار على الأرض السورية من خلال تمدد وتعدد مناطق خفض التوتر، وإقرار المعارضة مجتمعةً ببقاء الأسد في المرحلة الانتقالية!
التطور الذي يتحدث عنه دي مستورا هو الحلّ الروسي. والروسي يوزّعُ الوعودَ على الجميع. لكنّ الذي يتفاوضُ معهم مباشرةً ثلاثة أطراف فعلاً: الإيرانيون والأتراك.. والإسرائيليون. ويتميز الإيرانيون والأتراك بمشاركة الروس في ضمان الحلّ أو الإجراءات على الأرض. ولا يرجع ذلك فقط لأنّ عندهم قوات على الأرض، بل ولأن الإيرانيين شركاء للأسد، بينما الأتراك شركاء للمعارضة. وبذلك فهم يعملون بمثابة مساعدين للروس من جهة، ويحمون ما يعتبرونه مصالحهم من جهةٍ ثانية.
يتصرف الروس إذن باعتبارهم سادة الساحة السورية. لكنْ من خارج الشراكة مع الإيرانيين والأتراك، هناك الوجود الأميركي مع الأكراد للقضاء على «داعش» في الرقة، بينما يتشارك الروس مع النظام السوري في التقدم باتجاه دير الزور. ولدى الروس قاعدة ضخمة في حُميميم، وقاعدة بحرية متطورة في طرطوس، وعندهم مراكز في اللاذقية وبانياس. أما الأميركيون فلديهم ثمانية مراكز صغيرة ومتوسطة، خمسةٌ منها في مناطق سيطرة الأكراد، وثلاثة على الحدود العراقية السورية وعلى أطراف البادية باتجاه الجولان. وقد تشارك الروس والأميركيون في حماية الحدود الأردنية والأخرى الإسرائيلية من التقدم الإيراني. لكنّ الإسرائيليين غير مسرورين لا من الأميركان ولا من الروس، لأنهم يريدون أن أن يبقى الإيرانيون بمسافة أبعد عن حدودهم. وبعد زيارة نتنياهو لموسكو، يجري الجيش الإسرائيلي مناورات ضخمة يقول إنها دفاعية لكفّ عادية «حزب الله» والحرس الثوري إنما على الحدود مع لبنان أساساً.
من أين يأتي الخطر على لبنان والعراق؟ يأتي من متغيرات المشهد تجاه الإرهاب. إذ المفروض أنّ الأتراك المتواجدين على مساحة ألفي كيلومتر بالداخل السوري، هم الأقرب لـ«النصرة» الآن وبخاصة في إدلب، بعد أن صار «داعش» عدواً لهم منذ عام 2016. لقد سحبت تركيا قوات المعارضة من حلب، وتقدم الإيرانيون إلى جانب الروس فيها. ودخلت في نزاع مباشر مع «داعش»، الذي عمل تفجيرات ضخمة بالداخل التركي، في حين توثقت علاقاتها بـ«النصرة» في إدلب وغيرها. وهي تحاول الآن إدخال إدلب في مناطق خفض التوتر بالتعاوُن مع الروس. والجديد في المشهد هو تدخل إيران مع كلٍ من «النصرة» و«داعش». وقد ظهر ذلك في اتفاقها معهما للخروج من جرود وحدود لبنان مع سوريا، وهي مناطق تتواجد فيها قوات الحزب بكثافة. أما الذين اتفقت معهم من «النصرة» فقد مضوا إلى إدلب. لكن الذين اتفقت معهم من «داعش» الجبال اللبنانية، فلم تستطع إيصالهم بنفس السلاسة إلى البوكمال على الحدود السورية العراقية، والتي يسيطر «داعش» على قسم منها. وهكذا فبعد أن كانت تركيا تستخدم «النصرة»، وتحاول سائر الأطراف اختراق «داعش» وإعادة توجيهها، ظهرت إيران باعتبارها صاحبة اتصالات وثيقة بـ«النصرة» و«داعش» معاً. فالحدود اللبنانية ما تزال خاضعة عملياً لمشيئة الحزب وقراره. وهناك قسم من الحدود السورية مع العراق، يريد الحزب الإيراني مركزة «داعش» للجهة السورية من الحدود فيه. لماذا يحصل ذلك ما دام هؤلاء إرهابيين في نظر الجميع؟ لأن الإيرانيين يريدون إعادة توجيههم واستخدامهم في المناطق الحدودية، بحيث يستطيع الحزب الاحتجاج بوجودهم للاحتفاظ بسلاحه. فهو في نظر نفسه يردع إسرائيل في جنوب لبنان والآن في الجولان أيضاً، و«يحمي» الحدود الشرقية والشمالية الشرقية للبنان من عودة الإرهاب إليها!
ثار معظم الساسة العراقيين على نصر الله وسليماني، لأنهم يتسببون في تقوية «داعش» على حدودهم، وهم ما خلصوا منهم بالداخل العراقي بعد! أما اللبنانيون فخضعوا لهذه السياسة، وراحوا يتناشدون الأشعار في انتصارات الجيش والمقاومة معاً. وفي الوقت نفسه يقولون للأميركان إن الجيش تصرف منفرداً، ولم يتعاونْ مع الحزب!
كانت بعض الدول، ومنها روسيا والصين، تلعب مع الإرهاب لاتقاء شره، أو لإعادة توجيهه. أما الإيرانيون فيلاعبونه من أجل إعادة استخدامه، واعتباره خطراً يستحق من أجل ردعه أن تكون هناك قوة ثورية مسلحة دائماً عملها حماية الحدود من الخطر الإسرائيلي والداعشي: «يرضى القتيل وليس يرضى القاتلى»!
نقلاعن العربیه