إذا كان للأغنية السعودية جناح عبرت به الحدود إلى الخارج، أو كان لها رائد أحدث نقلة جوهرية في تاريخها، أو كان لها مجدد طور أشكالها وإيقاعاتها، فهو دون أدنى شك الفنان الراحل طارق عبدالحكيم بن عبدالكريم (أبوسلطان) الذي يستحق أن يوصف بـ «الأب الروحي للأغنية السعودية»، ليس فقط بسبب الاعتبارات السابقة، وإنما أيضا بسبب إقدامه على تزعم الحركة الغنائية والطربية في المملكة العربية السعودية في الزمن الصعب، واستبساله في القفز على كل المعوقات والحواجز الاجتماعية من أجل وضع اللبنات الأولى لحركة فنية منظمة قادرة على حفظ التراث الموسيقي في شبه الجزيرة العربية وتعزيزه وتطويره والأخذ بيد عشاقه نحو سلالم المجد والشهرة.
والحقيقة أن من يحاول التأريخ لأبي سلطان سيجد صعوبة جمة بسبب حجم أعماله الخالدة ومدى تأثيره وتشعب أنشطته وتفرع علاقاته، وسرعان ما سيكتشف أن لقب «الأب الروحي للأغنية السعودية» قليل على الرجل، وأن ألقابا أخرى يمكن أن تقترن باسمه مثل: موزع السلام الوطني السعودي الذي لحنه المصري عبدالرحمن الخطيب؛ أول مؤسس للفرقة الموسيقية في الجيش السعودي، أول مبتعث سعودي إلى المعهد العربي للموسيقى بمصر، رئيس أول بعثة عسكرية سعودية تزور الولايات المتحدة للتعرف على معاهد الموسيقى العسكرية الأمريكية، أول من أسس فرقة موسيقية تعزف بالنوتة، وأول فنان سعودي يقدم ألحانا لنجوم الطرب المصري، وأول عربي يحصل على جائزة اليونسكو في الموسيقى؛ لذا لجأ المؤرخ الفني السعودي الأستاذ محمد صادق دياب إلى وصف طارق عبدالحكيم بـ «عميد الأغنية السعودية وعمدتها وعمادها وعمود خيمتها»
ميلاد أبي سلطان كان في عام 1920 بمصيف الطائف الذي قال عنه دياب في مقال له بصحيفة الشرق الأوسط (15/2/2008): «كانت مدينة الطائف تتوسد أحلامنا، فتنأى كلما اقتربنا منها كفتاة تمارس البغدَدة على عشاقها، والطريق إليها يتلوى كخصر راقصة أشعلتها مواجع الطبول». ولهذا السبب اعتــُبر فناننا معلما من معالم الطائف لاسيما أن مقاهيها الشعبية (خصوصا مقهى بورسعيد) كانت تتعمد إذاعة أغانيه من باب التباهي بابنها، فضلا عن أن طارق نفسه كان يتردد على مقهى بورسعيد و«يجلس في صدره وسط كوكبة من أصدقائه الفنانين الرواد من أمثال: حسن جاوة، سعيد أبوخشبة، حسين هاشم، عثمان خميس، عبدالرحمن مؤذن، إسماعيل الكردوس، سعيد زقزوق وغيرهم.
وبقدر ما أحبه أبناء مسقط رأسه، فإن أبا سلطان بادلهم الحب بالحب والود بالود، مجسدا ذلك في واحدة من أشهر أغنياته التي لم تبهت مع الأيام ومازالت تثير الأشجان، وهي رائعته الخالدة «ياريم وادي ثقيف»، حيث يقع وادي ثقيف في جنوب مدينة الطائف، وتسكنه منذ ما قبل ظهور الإسلام وحتى اليوم قبيلة ثقيف وهي قبيلة كبيرة من قبائل هوازن.
وأغنية «ياريم وادي ثقيف» كتب كلماتها الأمير الشاعر عبدالله الفيصل قبل 60 عاما، وغناها أبوسلطان من ألحانه في عام 1951 في وقت لم يكن بعد قد تعلم النوتة الموسيقية، فدخلت هذه الأغنية الجميلة التاريخ كأول قصيدة مغناة للأمير عبدالله الفيصل، وأول لحن يضعه طارق عبدالحكيم في مشواره الفني، وأول أغنية سعودية وخليجية تغنيها مطربة عربية، بل وأول أغنية سعودية تذاع من إذاعة مصرية. وحول الشق الأخير أخبرنا أبوسلطان في حديث قديم له قائلا: «لقد كنت صديقاً للأمير عبدالله الفيصل، وكان حينها يكتب الشعر، وقال لي اسمع هذه الأبيات وهي قصيدة (يا ريم وادي ثقيف)، وبعد أن سمعتها أعجبت بكلماتها ووضعت لحنها عام 1951 قبل أن أذهب إلى مصر في عام 1952، ولم أكن أعرف النوتة لأكتبها ولكنني حفظت اللحن. وبعد أن تعلمت كتابة النوتة في مصر طورت اللحن وسجلته في مصر وغنته نجاح سلام وأخذت نسخة من الأسطوانة وذهبت بها إلى مدير إذاعة صوت العرب آنذاك أحمد سعيد، ولمــّا سمعها أعجب بها. وهي أول أغنية سعودية وخليجية تدخل أستوديو إذاعة صوت العرب».
وطالما أتينا على ذكر هذه الأغنية التي كانت بمثابة فتح مبين لفناننا وسببا لشهرته خارج حدود بلاده، خصوصا بعد أن أدتها نجاح سلام ثم هيام يونس فطلال مداح، فمن الضروري أن نقرأ ما كتبته أروى تركستاني في بحث لها منشور في مجلة القافلة (يناير/فبراير 2014 المجلد 63): «من يتأمل أغنية يا ريم وادي ثقيف يجد أنها تتميز بمقام الراست، الذي يبدو أن الفنان الراحل طارق عبدالحكيم كان يؤثره، ذلك أن ثلاثاً من أشهر أغنياته، وهي: (يا ريم وادي ثقيف) و(تعلّق قلبي طفلةً عربية) التي غنتها هيام يونس و(أشقر وشعره ذهب) التي غنتها سميرة توفيق، كلها من مقام الراست، الذي يشيع في الغناء الشعبي في شبه الجزيرة العربية، لما يوحيه من إحساس بالطرب الشديد. فإذا اجتمع المقام الجميل مع الإيقاع المناسب، وتوّجهما لحن جميل أمكن للعمل أن يعمَّر طويلاً في وجدان الناس».
وتستطرد الباحثة تركستاني في تحليلها فتقول: تعد هذه الأغنية من نوع الطقطوقة ــ أي الأغنية التي تتكون من مقاطع متلاحقة (الأغصان)، يتكرر فيما بينها، بعد كل مقطع (غصن) مذهبٌ هو عادة مطلع الأغنية. وهذا الأمر ينطبق على هذه الأغنية، إذ إن المذهب: يا ريم وادي ثقيف، يتكرر لحنا وغناء بعد كل من الأغصان الأربعة: إنت المنى والأمل في مهجتي لك محل؛ ويا ليت وصلك يعود وأسعد بلثم الخدود؛ وعبدك ضناه الغرام ساهر وغيره ينام؛ وإيه مقصدك في ضناي الوصل غاية مناي».
وتقول السيرة الذاتية لفناننا، التي يمكن استقاء جزء منها مما كتبته أميمة الفردان في صحيفة الشرق الأوسط (8/6/2007) وجزء آخر منها مما ظهر في برنامج «روافد» من قناة العربية في سنة 2009، أنه ولد لأب من أشراف الحجاز البسطاء العاملين في الزراعة ممن خدموا في الجيش الهاشمي وأم من فرع الحمدة (الحميدي) من قبيلة ثقيف، وأن والده هاجر إلى العراق في أوائل القرن العشرين تاركا خلفه زوجته وصبيين وابنة. ولما كان الصبي الأكبر هو طارق فقد آلت إليه مسؤولية رعاية الأسرة والإنفاق عليها، وهي المسؤولية التي تحملها مبكرا عبر العمل مع خاله في فلاحة الأرض وبيع خيراتها من الخضار والفاكهة من خلال «بسطة»، في الوقت الذي لم ينقطع فيه عن الدراسة. إذ كان مثل غيره من أقرانه آنذاك يقطع يوميا مسافة 20 كلم مشيا على الأقدام للوصول إلى مدرسته الابتدائية، حيث كانت الدراسة آنذاك تتوقف عند الصف السادس ابتدائي. وفي فترة يفاعته عمل فناننا أيضا كمساعد سمسار وكمحاسب عند أحد أثرياء الطائف (الشيخ عبدالوهاب حلواني)، يسجل مبيعاته ويجرد دخوله ويسدد حساباته.
لكن يبدو أن قلة المردود المالي من كل هذه الأعمال مع زيادة الأعباء المالية الملقاة على عاتقه دفعتاه في عام 1939 إلى الالتحاق بالسلك العسكري في الطائف (مركز الجيش السعودي آنذاك) من أجل ضمان مستوى معيشي معقول، وأيضا تحقيقا لحلم والدته في أن يصبح ضابطا كوالده، ناهيك عن أنه كان يريد أن يدحض ما كان يردده البعض من أنه فاشل ولا قدرة له على تحمل الحياة العسكرية والإيفاء بمتطلباتها.
حدث هذا على الرغم من ولع أبي سلطان الشديد في تلك الفترة بالفنون والموسيقى بحكم نشأته في بيئة الطائف الغناءة وترديده الغناء أثناء العمل في الحقل، وبدليل أنه كان حريصا على حضور حفلات الفلكلور الشعبي المقامة في حواري الطائف والمشاركة فيها، الأمر الذي ساهم كثيرا في تعرفه على الفنون الشعبية وتشربه لألوانها الفلكلورية العديدة. ولعل ما رسخ عشق الموسيقى والفن في وجدانه وجعله يطلع أكثر على ألوان جديدة من الفلكلور هو زمالته لابن أحد وجهاء مكة وأثريائها هو الشيخ حسن ابن وزير الدولة آنذاك الشيخ محمد سرور الصبان، حيث ساهمت هذه الزمالة في تعرفه على جهاز الفونوغراف والأسطوانات والاستماع منها على أصوات جميلة، وأيضا ساهمت في تعرفه على المنشدين المكيين وتأثره بأداء كبيرهم حسن جاوة، فضلا عن مصاحبته للشيخ حسن الصبان وهو يعزف العود. ومما يذكر في سياق تعلق الرجل بالطرب والموسيقى أنه سافر من الحجاز إلى البحرين في سنة 1939 ليسجل بعض الأعمال القديمة كالمجرور والمجالسي والحدري وشيئا من ألحانه الأولى على أسطوانات لدى شركات التسجيل الفنية بالمنامة.
أسس أول معهد لموسيقى الجيش
تخرج أبو سلطان من الكلية الحربية في عام 1942 ضابطا في سلاح المدفعية ضمن دفعة الكلية الثانية التي ضمت 32 خريجا. وأثناء عمله في الجيش، ظلت عبارة «أنت فنان»، التي قالها بحقه ذات يوم ضابط مر ببسطته في الطائف تعليقا على طريقته الجميلة في صف خضاره وفواكهه، ترن في أسماعه وتعطيه دفعة معنوية للاستزادة من كل جديد في عالم الموسيقى دون كلل. وتشاء الأقدار أن يسمع به الأمير منصور بن عبدالعزيز وزير الدفاع السعودي في عهد الملك المؤسس عبدالعزيز طيب الله ثراه، فيستدعيه ويطلب الاستماع إلى ما عنده من مقطوعات ويكلفه بتكوين فرقة موسيقية للجيش نظرا لعدم وجود مثل هذه الفرقة في الجيش السعودي آنذاك. ولكي يضمن الأمير منصور تأسيس الفرقة على أساس صلب ومتين، أوفد طارق عبدالحكيم إلى مصر لهذه الغاية في عام 1952، فوافق فناننا على هذا التكليف رغم تردده في بادئ الأمر لأنه خاف أن يتعرض للسخرية من الناس حينما يعلمون أن قائد مدفعية فوج ثاني متحرك ابتعث لدراسة الموسيقى.
وعن هذه الواقعة تحدث فناننا عن رقي أخلاق الأمير منصور حينما قابله واستمع منه، وكيف أنه شجعه على السفر إلى مصر قائلا: «إنت روح واغتنم الفرصة وادرس موسيقى مصر، وتعال أسس لنا موسيقى الجيش لأنك في يوم من الأيام راح تنحال على التقاعد ومش راح تبيع مدافع.. راح تبيع موسيقى ويكون لك شأن في البلد إن شاء الله».
وهكذا سلم فناننا، وهو في رتبة ملازم، قيادة سلاح المدفعية لزميل له اسمه جميل شيناوي، تاركا خلفه عند زملائه علامات استفهام حول تركه لسلاح المدفعية، وحلّ في القاهرة مع نهايات العهد الملكي فعاصر حريق القاهرة الكبير وانقلاب يوليو 1952 وطرد الملك فاروق وإزاحة اللواء محمد نجيب وسطوة إذاعة «صوت العرب» على أجواء الأثير العربي.
في القاهرة عاش أبو سلطان ثلاث سنوات من عمره يصل الليل بالنهار، متنقلا ما بين معهد موسيقى الجيش المصري والمعهد العالي للموسيقى العربية. وخلال هذه الفترة استطاع إقامة علاقات صداقة وصحبة مع ثلة من الموسيقيين المصريين الذين كانوا يترددون عليه في شقته مثل: أحمد الحفناوي وعبدالفتاح منسي وأحمد عطية شرارة، إضافة إلى مدير إذاعة صوت العرب أحمد سعيد.
ومما لا شك فيه أن اقتران اسمه بأسماء هؤلاء النجوم الكبار في دنيا الطرب المصري فتح له الأبواب ليوسع دائرة نشاطه ويتجه في الستينات شمالا صوب لبنان الذي التقى فيه فنيا مع المطربة الموهوبة هيام يونس من خلال أغنية «تعلق قلبي بطفلة عربية»، علما بأن الفنان الشاعر مطلق مخلد الذيابي تنازع مع طارق عبدالحكيم حول ملكية اللحن فتدخلت وزارة الإعلام السعودية وحسمت القضية لصالح الأول، لكن الأغنية ظلت في الذاكرة الجمعية مرتبطة باسم الثاني.
وفي لبنان أيضا كان اللقاء الفني الكبير بين ألحان طارق وصوت وديع الصافي وكلمات عنترة بن شداد من خلال أغنية «لا وعينيك» التي تـُعتبر أول أغنية يؤديها الصافي من ألحان غيره، وكان اللقاء الفني أيضا بينه وبين المطرب السوري فهد بلان (أغنية محبوب قلبي) وبينه وبين سميرة توفيق (أغنية أشقر وشعره ذهب)، وبينه وبين المطربة الكبيرة صباح في أغنية «البعد والحرمان».
وأثناء دراسته في القاهرة تعرف فناننا على الموسيقار محمد عبدالوهاب الذي نصحه بأن يصطحب معه في عودته لبلاده بعض مدرسي الموسيقى كي يساعدوه في تدريس العزف على الآلات المختلفة لمواطنيه، وبالتالي تأسيس نواة لفرقة موسيقية ومعهد موسيقى للجيش العربي السعودي.
غير أن العملية لم تكن بتلك السهولة في بلد اعتاد على تحريم الموسيقى، بما فيها الموسيقى التي كانت تصاحب مجيء المحمل المصري والمحمل الشامي. ومن هنا بدت مجرد فكرة تأليف لحن السلام الوطني وعزفه عسكريا أمام الملك عبدالعزيز أمرا مثيرا للمتاعب لولا تفهم ودعم وزير الدفاع الأمير منصور الذي كان مصمما على إدخال الموسيقى في الجيش.
بعد عودته من مصر استقر أبوسلطان في الرياض إذ عكف على تأسيس أول معهد لموسيقى الجيش وتخريج موسيقيين يعزفون على النوتة وتكوين فرق موسيقية موزعة ما بين قوات الجيش والأمن العام والحرس الملكي والحرس الوطني ونادي الضباط. وهكذا ترقى الرجل سلالم الرتب والمناصب العسكرية حتى صار عميدا وقائدا لموسيقى الجيش قبل أن يتقاعد في عام 1968، ويتفرغ بالتالي للتلحين والغناء مع مزاولة أنشطة تراثية بحكم منصب كلفه به الأمير فيصل بن فهد وهو منصب مدير إدارة الفنون الشعبية في الرئاسة العامة لرعاية الشباب والرياضة. وبحكم هذا المنصب جال أبوسلطان العالم معرفا الشعوب والأمم العربية والأجنبية بالموسيقى والفنون الشعبية السعودية، ومقدما نفسه كخير سفير لبلده بالخارج، إذ جال على سبيل المثال في الدانمارك والنمسا وألمانيا وإسبانيا وتركيا، بل غنى وقدم عام 1986 الرقصات الفلكلورية السعودية في قاعة لم يغن بها أحد قبله هي قاعة داغ همرشولد في هيئة الأمم المتحدة.
«وردك يا زارع الورد».. صوت بدايات المنافسة
يقول محمد صادق دياب إن طارق ظل متسيدا مقام الأغنية السعودية الحديثة دون منازع إلى أن استيقظ ذات يوم (في عام 1959) على صوت جميل يشدو بـ«وردك يا زارع الورد». لم يكن صاحب هذا الصوت سوى طلال مداح، الذي تمكن من خلال هذه الأغنية التي لحنها بنفسه من كلمات عبدالكريم خزام، أن يحقق شهرة مدوية في زمن قصير. وبهذا شهدت السعودية أولى المنافسات الفنية التي كان طرفاها طارق وطلال. وفي هذا السياق يعترف طلال مداح بأن نجومية طارق وسيطرة «ياريم وادي ثقيف» على عقول الناس في كل مكان، كان شغله الشاغل في بداياته. أما طارق ــ طبقا لدياب ــ فلم يهتم كثيرا بمنافسة طلال له لأسباب عدة منها شهرته المترسخة في الساحة المحلية والعربية، وأعباؤه الوظيفية كضابط رفيع في الجيش، وريادته الفنية التي تستوجب منه الأخذ بيد الفنانين الجدد وليس محاربتهم. وقد تجلى العامل الأخير بوضوح حينما لحـّن طارق لطلال أغاني «لك عرش وسط العين، وتعداني وما سلم، وعاش من شافك، وفات الأوان»، ثم حينما لحـّن للنجم الصاعد الآخر محمد عبده عددا من الأغاني أهمها «سكة التايهين ولاتناظرني بعين، ورحت يم الطبيب»، ولحـّن لعبدالله محمد أغنية «لنا الله» التي غناها أيضا محمد عبده، ناهيك عن سماحه في مطلع التسعينات للنجم المبتدئ آنذاك عبدالمجيد عبدالله بغناء واحدة من أشهر أغانيه وهي أغنية «أبكي على ما جرا لي يا هلي» من كلمات محمد بن ناصر السويلم.
توفي أبوسلطان بعد معاناة مع مرض السرطان في 21 فبراير 2012. وكانت وفاته في القاهرة، المدينة التي شهدت بداياته وارتبط بها وجدانيا، فأوصى أن يدفن بها. وهكذا انطفأت شمعة ظلت تحترق قرابة قرن من الزمان في سبيل إمتاع مواطنيه بما ينمي إحساسهم بالحب والجمال، والنهوض بالأغنية السعودية وتطويرها والانطلاق بها إلى ماوراء الحدود.
في كتاب أعده إسماعيل عيسى حسناوي في عام 1988 عن سيرة فناننا، نجد رصدا دقيقا لأعماله، فنعرف أنه لحن 500 لحن، وأن 140 مطربا ومطربة تغنوا بألحانه، وأن عدد من تعاون معهم من الشعراء بلغ 157 شاعرا وشاعرة، وأنه غنى 104 أناشيد وطنية و17 نشيدا وأوبريتا دينيا وعشرة منلوجات، وسجل 36 لحنا لأناشيد خاصة بحرب الخليج، وألف 111 مقطوعة موسيقية و14 سيمفونية و14 مارشا عسكريا، وأنه شارك في 34 مناسبة ومهرجانا موسيقيا في داخل السعودية و38 مهرجانا دوليا خارج بلاده، وأنه نال 53 شهادة تقديرية من بلاده والدول العربية والأجنبية والمنظمات العالمية، وأنه انتخب رئيسا للمجمع العربي للموسيقى التابع للجامعة العربية عام 1983 ثم أعيد انتخابه مرة أخرى عام 1987.
من مآثر أبي سلطان مشروعه العملاق المتجسد في «قلعة الفنون التراثية للعميد الموسيقار طارق عبدالحكيم» فبعد أن استقر مع أسرته في جدة تمكن، بمباركة ودعم الدولة، من تحقيق الحلم الذي ظل يراوده منذ سنوات صباه وهو إنشاء متحف شخصي له، خصوصا أنه كان منذ عودته من القاهرة حريصا على جمع وحفظ كل أعماله وصوره وآلاته الموسيقية وكل ما يتعلق بالفن والفنون من أجهزة وآلات وتسجيلات، ناهيك عن تزويد الكثيرين له بما لديهم من مقتنيات على سبيل الإهداء خلال توليه رئاسة إدارة الفنون الشعبية. والمتحف يعتبر بحق دليلا لمن يريد التعرف على حقب تطور المجتمع السعودي، قسـّمه صاحبه إلى قسم تراثي يحتوي على التحف والمشغولات والأواني والحرف والأسلحة القديمة، وقسم فني يحتوي على الآلات والأجهزة والتسجيلات الموسيقية، والأسطوانات والأشرطة النادرة، والصور الفوتوغرافية لرموز الفن في العهود المختلفة، وقسم خاص بالهوايات والمطبوعات والرياضة يحتوي على الصحف والمجلات والمخطوطات والعملات والطوابع والنياشين والأقلام والمسابيح والساعات القديمة إلى جانب الصور والكؤوس والمجسمات الرياضية من العهود الماضية.
* أستاذ العلاقات الدولية من مملكة البحرين