تعودت فى شهرى نوفمبر وديسمبر كل عام أن أحتفل بذكرى انتصارات مدينتى بورسعيد فى معركة 1956.. وكلما أوغلت فى قراءة تفاصيل العدوان الذى قادته بريطانيا ومقدماته التى وصل تبجحها واستهانتها بمصر وشعبها إلى المطالبة بإخلاء سيناء لصالح العدو الصهيونى واستسلام مصر!! المزيد من القراءات يظهر المزيد من حجم الخسة والغدر بالإضافة إلى ما ارتكبته القوات البرية والبحرية والجوية الغازية لثلاثى العدوان من جرائم بحق المدينة وأبنائها الذين ردوها بعجائب ومدهشات المقاومة التى ازلت قوات الغزو وأجبرتها على الرحيل بعد ما لم يتجاوز 45 يوما.. كان العدوان حلقة من حلقات تاريخ استعمارى أسود وبدلا من أن تحاسب بريطانيا عليه وسائر القوى الاستعمارية عادوا يدبرون حلقة من أكثر حلقاته انحطاطا وشراسة!!
لقد ذهب الرئيس عبد الفتاح السيسى إلى العاصمة البريطانية وهو عارف بالتاريخ والجغرافيا.. ذهب وهو يعرف جيدا أين يضع أقدامه.. عارف بالإضافة إلى التاريخ الاستعمارى القديم والحديث أنها أهم أوكار الجماعات الارهابية وعلى رأسها جماعة الإخوان، وأنها دولة المقر للتمويل ولحرب أكاذيبهم وتآمرهم على المصريين وثورة 30/6.. ذهب ليواجه المخططات الإجرامية ضد المنطقة وفى القلب منها مصر فى عمق »دار الحماية«.. ليس الرئيس السيسى من يذهب »بحسن نية«..!! لقد ذهب ليقطع عليهم أمام العالم استكمال الدائرة الشيطانية التى يستخدمون من أجلها كل ما يستطيعون ولو كان حادثا مأساويا لطائرة! ويستبقون إعلان نتائج التحقيقات بأكاذيب وادعاءات وخيالات واتهامات وإدانات!! أظن أن ما حدث أثناء الزيارة لم يفاجيء الرئيس فكل شيء متوقع منهم ـ وإن كان قد أغضبه رغم سيطرته القوية على الموقف.. أثق أنه لم يتوقع أن يصل التدنى الاستعمارى إلى ما وصله من افتقاد للياقة والأصول الدبلوماسية حتى لو كانت شكلية.. أكد الرئيس أنه رجل دولة يمتلك فهما استراتيجيا وإدراكا لحقائق التاريخ والجغرافيا وقدرات التعامل معها ـ لم يغب عن الرئيس ما نسيه بعضنا أنه ذاهب لكسر محاولات إحكام طوق مؤامرة كبري، وأننا فى معركة حلقاتها ممتدة مع قوى استعمارية مخططاتها تمتد وتتمادى من عمق التاريخ القديم والحديث، وحلقات صراعها لم تتوقف بين أصحاب الحقوق وأصحاب المصالح.. أطرافها نفس الأطراف.. فقط تمر بدورات مختلفة ـ أظن أنها مائة عام فقط على سايكس ـ بيكو الأولي.. النسخ الجديدة تختلف تفاصيلها وإن ظلت الأهداف واحدة ولن تختلف بإذن الله فى النتائج وفى خروج مصر من الحلقة الجديدة عزيزة منتصرة كما خرجت فى 23 ديسمبر 1956 يوم الذروة للنصر الذى صنعه المصريون بأيدى أبناء بورسعيد وعاشته شعوب العالم الحرة التى ساندت مصر فى معركتها ـ وبالتحديد فى الخامسة إلا الربع من مساء الأحد 23 ديسمبر غادرت ميناء المدينة آخر السفن الحربية البريطانية حاملة فرقة يورك شاير.. مستذلين مهانين بعد أن حاصرتهم المقاومة وحولتهم بكل ما أتوا به من عتاد برى وبحرى وجوى إلى سجناء داخل المدينة ودفعهم الخوف من الفدائيين إلى وضع ثلاث بوارج حربية لحماية انسحابهم وأكثر من 300 من قناصتهم فوق أسطح المنازل المحيطة بالميناء، بينما كانت القوات الدولية تحميهم من وراء الأسلاك الشائكة.. هذه هى مصر المنتصرة التى لا يستطيع أحد أن يتطاول عليها أو على رئيسها..!!
وإذا كان فى مقدمة ما انتصرت به مصر فى معركة 56 هو الاصطفاف الوطنى شعبا ورئيسا وجيشا وشرطة فماذا عن حلقة العدوان الأخطر والأكثر شيطنة وإجراما التى تدور الآن.. ألا تستحق اصطفافا أعظم؟!
ملحوظة: 1 ـ الاصطفاف بما يعنيه من تجمع وتوحد أبناء الوطن لا يعنى مصادرة حق الخلاف والاختلاف كما كتبت من قبل.. الخلاف الذى يصحح ويقوى ويدعم ويبنى ولا يمزق أو يشتت أو يهدم أو يصنع صراعات وفتنا.
2 ـ الاصطفاف كما هو مسئولية المواطن فهو مسئولية الدولة بكل ما يحتاجه من مصارحات ومكاشفات ومصداقية تدخل المواطن شريكا وعارفا وواثقا بما يحدث فى بلده وتضاعف أرصدة اطمئنانه.. وأن يقدم كل من ينتمى انتماء أصيلا لبلده فروض وواجبات المشاركة فى حمل وتخفيف التحديات التى تترصده وفى مقدمتها الحصار المجهز للاقتصاد المصري.. إن لم تكن هذه الأزمات المصيرية التى تعيشها مصر تقتضى هذه المشاركات فمتى تكون؟! كنت أتصور أن يبادر كل من استفادوا برءوس أموال مصر والثروات الطبيعية التى هى ملك لكل أبنائها أن يسارعوا لتقديم الاستحقاقات المادية التى تقدر بأرقام خيالية صنيعتها التحالفات الفاسدة للسلطة والثروة على عصر الرئيس الأسبق المتهم فى تبديد أموال قصور رئاسية بينما التهديد بإبادة شعب وانهيارات أمنه القومى والحيوى والصحى والغذائى والمائى والتعليمى لا حساب عليه ـ بينما فشلت أيضا جميع محاولات معرفة مقدار ما تم تهريبه من أموال للخارج وتحويل قضايا فساد مالى كبرى إلى حيازة بندقية أو اثنتين!! هل إذا قدموا الاستحقاقات التى تكافئ ما أخذوا وتربحوا واستثمروا وتكسبوا كانت مصر قد شهدت هذه الدرجات اللاإنسانية والمهينة من الفقر والمرض والبطالة وانهيار الريف والصعيد وافتقاد 80% من قرانا للبنية الأساسية وجميع الشروط الآدمية للحياة؟!
الاصطفاف الوطنى يتطلب مظله قوانين تقيم وتفرض وبلا تفرقة أقدم أحلام المصريين ومنذ فجر تاريخهم وهو إقامة العدل وإعلاء قيمة المواطنة والقضاء على جميع أشكال التمييز وإعلاء دولة سيادة القانون الذى يغيب فى أحيان ويعجز عن التطبيق فى أحيان أخرى أو يطبق حسب درجات المواطنة وتوفير جميع ضمانات ألا تعود بعض المؤسسات الأمنية إلى ممارسة قديمة تنسب وتسيء للدولة وتعطى لكارهيها والمتآمرين عليها ما يدعم أكاذيبهم وادعاءاتهم!!
الإصطفاف الوطنى يتطلب دعم وحماية الحريات المسئولة وإيقاف الهذيان والانفلات الإعلامى بصدور القوانين المنظمة للإعلام الحامية للمهنة المحددة لمواصفات وشروط وصلاحيات من يحمل صفة إعلامى وتمنع تحول الإعلام بكل أهميته وخطورة الأدوار والمسئوليات المطلوبة منه والحريات التى يجب أن تتاح له إلى مهنة بلا كرامة ومستباحة ومباحه!!
الاصطفاف يقويه ويدعمه اختيار مسئولين على كفاءة ونزاهة وصلابة وعلى قدر هذه اللحظات المصيرية التى تعبرها يملكون رؤى ابداعية توقف انهيارات التعليم والصحة والمحليات ـ سأل أحد الاعلاميين مواطنا يشكو من غرق قريته فى مياه الصرف ـ لماذا لم تذهب للمحافظ ـ فرد على الفور: »أنا مواطن إيش وصلنى للمحافظ.. الاصطفاف الوطنى يتطلب نسف وإحداث ثورة فى المحليات جوهرها احترام المواطن«.
لا أظن أن اصطفافا ناجحا ممكن أن يتحقق بدون استيعاب للشباب وإدخالهم أضلاعا أصيلة فى تنمية بلدهم. يجب الاعتراف بأنه مازال الشباب وإقامة جسور تفاهم وتواصل معهم نقطة ضعف وأدوار غائبة لوزارة الشباب ووزارة الثقافة والخطاب الدينى وسائر الأجهزة والمؤسسات ذات الصلة بهم.
آمنت دائما بأن المصريين والمصريات تجمعهم الشدائد وتطلق أفضل ما فيهم ـ ورغم كل ما تعرضوا له من عصف وتدمير لقواهم الذاتية ولحقوقهم المبدئية… إنهم يعرفون جيدا إنهم يواجهون معركة مصيرية من أكثر ما واجهوا من خسة وغدر.. يعرفون بحسهم الحضارى والتاريخى والإنسانى والإيمانى أنهم بقدرة قوة اصطفافهم ودعم دولة 30/6 لتواصل قوة وصلابة هذا الاصطفاف سيصنعون نصرا جديدا يضاف إلى ما يمتلئ به تاريخهم فى حلقة جديدة يقودها الرئيس بالشعب ومع الشعب.. وقد أسعدتنى زيارته المفاجئة لشرم الشيخ وإعلانه للعالم من هناك التزام مصر بإعلان صادق لنتيجة التحقيقات فى حادثة مؤلمة راح ضحيتها هذا العدد من أبناء شعب صديق وبلا شرف أو ضمير غير موجدين أصلا تحاول القوى الاستعمارية القديمة والحديثة بالإضافة إلى العدو الأبدى الصهيوني… ثالث قوى العدوان على بورسعيد 1956… أن تجعله من أوراق وأدوات مخططاتهم وتآمرهم!!
ليتنا نحسن الاحتفال بأعياد النصر هذا العام وبيننا وبينه أيام ونعلى رسائله التى أرسلها للعالم عن مصر التى لن تهزم أبدا بإذن الله وبإرادة وصلابة أبنائها وقيادتها وجيشها الوطني.
نعم… أنوار شرم الشيخ.. وأنوار مصر كلها لن تنطفئ أبدا.