في العام 1988، قصف الرئيس المخلوع صدام حسين شعبه في منطقة حلبجة بإقليم كردستان بالأسلحة الكيماوية. وأسفر القصف عن مصرع الآلاف وانتشار الفوضى وتشرد العديد من الأسر. وكان من بين الضحايا رضيعة، صارت امرأة في الوقت الحالي، والتي ترعرعت في إيران ثم عادت أخيرا إلى العراق للبحث عن أي أقارب لها على قيد الحياة.
الغريب في الأمر أن رحلة بحث مريم باروتشيان عن والديها وذويها بدأت عبر بث تلفزيوني مباشر أمام ملايين المشاهدين.
وفي القاعة حيث من المقرر الإعلان عن حالتها، هناك 4 أسر تتلهف كل واحدة منها إلى ادعاء بنوة مريم.
وترجع قصة مريم إلى عام 1988 عندما كانت رضيعة تعرض موطنها حلبجة لقصف كيماوي من قبل صدام حسين استخدم فيه خليط من غاز الخردل وغاز الأعصاب لقمع المتمردين الأكراد.
وأجليت مريم، التي دخلت العقد الثالث من عمرها الآن، مع أسرتها من موقع القصف إلى طهران في مروحية، وهو ما علمته قريبا، وبشكل ما انفصلت عن أمها التي فقدت البصر جراء القصف.
وتبنت أسرة إيرانية تقيم في مدينة ساري بالقرب من البحر الأسود الطفلة مريم، وهي الأسرة التي فقدت ابنتها البالغة من العمر 14 سنة بسبب إصابتها بسرطان الدم.
تقول فاطمة، التي تبنت مريم: “ذات يوم تلقيت اتصالا من دار رعاية اجتماعية علمت من خلاله أن هناك أطفالا وصلوا إلى البلاد من منطقة الحرب. وطلبوا مني الذهاب لاختيار أحد الأطفال”.
وأضافت أنها هي التي أطلقت على الطفلة العراقية اسم “مريم” لأنه اسم ابنتها المتوفاة حتى تعيدها إلى الحياة من جديد في شكل الطفلة العراقية القادمة من منطقة الحرب.
وتقول مريم: “ذات يوم كنت أهم باللعب مع بعض الأطفال في حديقة منزل أقارب لنا، لكن الأطفال رفضوا مشاركتي اللعب”.
وأضافت أنه “عندما سألتهم لماذا؟ أخبروني بأنني متبناة، لكني لم أفهم معنى الكلمة”.
لكن الأطفال أخبروها بأن “متبناة” تعني أنها ليست ابنة أبويها، وأنها لو دققت النظر في صورها معهما فسوف تكتشف أنها لا تشبههما.
منذ ذلك الحين، أحست مريم بالعار لعدم معرفة ذويها الحقيقيين.
تقول مريم: “عندما مات والدي، الرجل الذي رعاني، كنت أبكي على قبره، فسألني الناس عن سبب بكائي مع أنني لست ابنته”.
وبدأت رحلة البحث بالفعل بعد توجه مريم إلى عدد من المدن الإيرانية بحثا عن ذويها بين تجمعات الأكراد. كما كانت على علاقة طيبة ببعض موظفي الرعاية الاجتماعية الإيرانيين العاملين في مطار طهران، وهي العلاقة التي تمكنت من استغلالها في الاستفادة من اتصالاتهم القوية بجمعية حلبجة لضحايا القصف الكيماوي التي نجحت في وقت سابق في لم شمل 7 أطفال على أسرهم العراقية من خلال مطابقة عينات الحامض النووي.
تقول مريم: “أخبروني كثيرا، عندما كنت طفلة، بأن أبي وأمي غير معروفين لأحد، وأنني ربما أكون ابنة غير شرعية، أو نتيجة لزواج مؤقت، أو وجدوني في سلال القمامة أو في دورة مياه، لكنني الآن على يقين من أنني من هنا وأستطيع أن أرفع رأسي”.
وعرض الطبيب المتخصص في الأمراض الوراثية فارهاد برزنجي في مدينة السليمانية اجراء تحليل الحامض النووي لمريم وأن يطابقه على عدد من الأسر بلغ 58 أسرة، ثم ضيق نطاق الاحتمالات ليصل إلى رقم لا يتجاوز عدد أصابع الأيادي.
وقضت مريم بعض الوقت مع الأسر التي ربما تكون ابنة إحداها وفقا لنتيجة مطابقة تحليل الحامض النووي التي أثبتت تقارب العينات بينها وبينهم.
تقول مليحة قربان، وهي سيدة في العقد الثامن من عمرها، إنها تتذكر تعرضها للإغماء أثناء القصف الكيماوي على حلبجة وبين يديها رضيعتها.
وأضافت: “استفقت من الإغماء في مستشفى كنجفار وأنا مضطربة إلى درجة أنني ساعتها لم أتذكر إن كان لدي رضيعة أم لا”.
وبعد هذه المدة، اكتشفت أنها لا تتذكر ملامح وجه ابنتها الرضيعة. وبسؤالها عما إذا كانت مريم هي ابنتها المفقودة، قالت “أتمنى. هي ابنتي باذن الله، أتمنى أن يتحقق حلمي”.
وبالنسبة لمريم، كان الأمر عاطفيا. واندفعت بين ذراعي المرأة وهي تبكي بهدوء، وقالت: “وجود الأم إحساس عظيم، إذا كانت أمك الحقيقية. وعندما احتضنتها، تمنيت أن تكون أمي الحقيقية”.
وساد الحضور حالة من الهرج والتهليل والتصفيق. واقتيدت امرأة ترتدي نظارة سوداء باتجاه مريم. وكررت غيلاس اسم ابنتها “هاوناز”، وهي تحتضنها وسط دموع وصراخ.
وتعرفت مريم على شقيقها الأكبر، الذي أتى من هولندا لمقابلتها، وكذلك أخوها وأختها غير الشقيقين. كما أن أخ أصغر فُقد منذ هجوم عام 1988.