جنازة بلا تابوت فخم، ولا حاشية، إنما نعش لُف فيه جسد الملك عبد الله بن عبدر العزيز بعباءته نفسها، بلا ثياب فاخرة, ولا مباهاة أو حتى موسيقى جنائزية ترافق الملك في رحلته الأخيرة ليلقى ربه، وليلحد في قبر عادي على طريقة السنة النبوية المطهرة، بلا مفاخرة ولا بدع ولا تقليد.. لا شيء سوى المحجة البيضاء وما تعلمناه منها، وفي مدافن لم تكن بشكلها ومظهرها ملكية كسكانها من العائلة الحاكمة في السعودية, إنما حفرة في الأرض مسطحة لا يعلو عليها شيء، كالتزام واضح بتعاليم الدين الحنيف وبصورته النقية الخالية من الشوائب والبدع والشرك.
كانت جنازة الملك صورةً رائعة للوقار الإسلامي، بلا صراخ ولا عويل ولا تمسح ولا بدع ولا غلو ولا إفراط ولا تفريط، بل كانت على السنة ببساطتها وعدم تعقيدها.
في المقابل مليارات الدولارات أُهدرت على جنازة الخميني مرشد إيران السابق ومقبرته التي حولها أتباعه إلى مزار ديني يطوف الناس حوله ويتمسحون به، بل ويصلون داخل قبره، وهو أمر محرم بإجماع الفقهاء.
مليارات الدولارات صرفت في جنازة لم تخلو من المفاخرة لرجل أدعى طوال حياته الزهد والتقشف ونصرة الفقراء والمستضعفين.
جنازة لم تخلو أيضًا من إشارات سلبية، حيث تعرى جسد الخميني بسقوط تابوته عدة مرات لتنكشف عورته على مرأى من حضروا الجنازة أو تابعوها عبر شاشات التلفاز.
موقع دويتشه فيلله الألماني ذكر في تقرير له أن تكلفة بناء ضريح الخميني والمراكز الدعائية والدينية التابعة للمقبرة في أول سنتين من وفاته (1989) بلغت ملياري دولار، إلا أنه لا توجد تقارير تكشف حجم المبالغ التي خُصصت لهذه المقبرة خلال الأربع وعشرون عامًا التي أعقبتها، لكن مراقبون يؤكدون أنها فاقت الملياريّ دولار التي أُنفقت في أول عامين.
وقامت مؤسسة “جهاد البناء” التي تأسست بعد الثورة الإيرانية للاهتمام بـ”المستضعفين” والحرس الثوري الإيراني الذي يعد أكبر مؤسسة اقتصادية في إيران، بتحويل المقبرة إلى مركز للسياحة الدينية، يضم الأسواق التجارية وفنادق الخمسة نجوم وصالات ومحلات تحيط بمقبرة عملاقة مزينة بمنارات مزخرفة وقبب مطلية بالذهب وجدران مكسوة بالفسيفساء الإيرانية، فهذه المجموعة يُطلقون عليها “حرم إمام خميني” أو كما يحلو لبعض مؤيديه “إمام المستضعفين”.
صحيفة “اطلاعات” الإيرانية ذكرت في عام 1992: “أن المساحة المسقفة لمرقد ومصلى الإمام الخميني في مقبرة بهشت زهراء تبلغ 600 ألف متر مربع طولها كيلومتر واحد، وعرضها يزيد على نصف كيلومتر، وبهذا لا مثيل لها مقارنة بكافة الأبنية الدينية الإسلامية والمسيحية واليهودية، وحتى الأديان الأخرى”.
وشُيِّد فوق القبر قبة مطلية بالذهب وزنها 340 طن، وغطاؤه حوالي 50 طنًا، وصممت أربع مآذن مطلية بالذهب، طول الواحدة منها 91 مترًا لتحيط بالقبة ولرواق المقبرة خمسة أبواب رئيسية تؤدي إلى الباحتين الشرقية والغربية وتضم المجموعة متحفًا بمساحة 15 ألف متر مربع، كما يبدو أن ثمة خطة لتحويلها إلى مدينة مذهبية على شاكلة المدن التاريخية الشيعية، مثل قم وكربلاء والنجف وغيرها.
صورتين متناقضتين، تعكس إحداهما حقيقة مبادئ حاكم سنّي، فيما تكشف الأخرى زيف شعارات إمام الشيعة في العصر الحديث، ذلك الذي ادعى الزهد طوال حياته، لكن حين دُفن، أنفق الملالي على قبره ملايين الدولارات، فيما يعاني المواطنون الإيرانيون الفقر والبطالة.