لا شك أن فرض الوصاية على المرأة، لصالح تسلط المجتمع الذكوري، والموروثات الاجتماعية القديمة، والمعتقدات الماضوية يُعد انتقاصًا لحريتها وحقوقها!
إن النهوض بالمرأة وتحريرها من دعوات التمييز والتهميش، مرهون بتشريعات منصفة تعكس مساواة المرأة بالرجل، وتقدم المجتمع بما ينسجم مع القيم الديمقراطية وحقوق الانسان.
وبالتالي لا يمكن أن تمارس المرأة دورها الحقيقي في المجتمع إلا بنيل حقوقها على كل المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وبتفكيك ثقافة الاستبداد، وهو ما يتطلب دورًا واعيًا من المرأة والرجل المستنير، وكفاحًا مستمرًا في سبيل التقدم الاجتماعي، والعدالة والمساواة والتنمية.
تقول الكاتبة التقدمية فريدة النقاش: «هناك قوتان في الساحة، وفي كل بلد على حدة، وبطريقة تخص هذا البلد أو ذاك، القوة الأولى، هي قوة التيار الذي يخلط بين السياسة والدين، أما الثانية فهي قوة الرأسمالية الليبرالية الجديدة».
وكلا القوتين تنظران إلى المرأة بارتياب، الأولى تنظر للمرأة كعورة، ولا بد من فرض الوصاية والرقابة عليها، والثانية ترى المرأة سلعة، يمكن ان تستخدمها عندما تشاء، لتحقيق ارباح كبيرة، وفي هذا السياق تستخدم الثقافة والاعلام استخداما واسعًا ضد النساء لتوظيف أجسادهن في الاعلام والافلام الاباحية، وفي الاغاني الهابطة، بهدف التسويق، في ابلغ تعبير عن المتاجرة بالبشر!
إن مساندة المرأة في مجتمعنا بصورة فعالة في وجه دعوات التعسف والظلام يتطلب تشريعات وقوانين حديثة، تدعم قضايا الاصلاح والتطوير والتحديث والحقوق والمكتسبات والديمقراطية.
فعليه، فإن رفع الحيف عنها، يبدأ من فعالية هذه القوانين، في المساواة والالتزام بالحقوق والواجبات وتجريم التمييز ضد المرأة وكافة اشكال العنف الواقع عليها، في ظل قانون للأحوال الشخصية عصري وموحد.
إن مطالبة الجمعيات النسائية والنشطاء الحقوقيين بإلغاء المادة (353) من قانون العقوبات، ينسجم تمامًا مع الالتزام بحقوق المرأة، خاصة وان المادة المذكورة تنص على اسقاط العقوبة عن مرتكب جريمة الاغتصاب اذا قام بإجراء عقد زواج صحيح بينه وبين المجني عليها، وذلك بهدف تحقيق الحماية التي اقرتها اتفاقية جنيف الرابعة للنساء بصفة خاصة ضد الاعتداء على شرفهن ولاسيما ضد الاغتصاب.
وعلى الصعيد القانوني تقول المحامية فاتن الحداد – المصدر الأيام العدد 9849 الأحد 27 مارس 2016 – بالرغم من العديد من التعديلات التي طرأت على قانون العقوبات الصادر عام 1979، الا ان هناك قصورًا يتعلق في بعض التشريعات الواردة فيه، ولعل ابرزها تلك المتعلقة بجرائم الاغتصاب، والاعتداء على العرض، وتحديدًا المادة (353).
وهنا كما تشير ان العديد من الحالات تتجه لزواج المغتصب من الضحية للتكتم والخوف من نظرة المجتمع، الأمر الذي يعتبر بشكل من الاشكال حماية للمغتصب من تنفيذ العقوبة أو من المحاكمة، اذ ان العقوبة تسقط في حال زواج المغتصب من الضحية.
وعلى هذا الاساس ترى – وغيرها من الحقوقيين والجمعيات النسائية الديمقراطية – إعادة النظر في القصور التشريعي، بحيث يمكن للقانون أن يسهم في الحد من تفشي الجرائم بالمجتمع، موضحة ان هناك مواد اخرى، وردت في القانون تتطلب اجراء تعديلات تتوافق مع المتغيرات المتسارعة فيما يتعلق بالجرائم، ووضع العقوبات التي تتلاءم مع حجم الجريمة من جهة أخرى، والتي من شأنها ان تكون رادعًا عنها. في حين أكدت المحامية منار التميمي، على ضرورة ان تشمل الحماية الجنائية الذكور والاناث على حد سواء، خاصة وأن هذا الموضوع محط جدل فقهي، وأن هناك امكانية اكراه المرأة للرجل على «مواقعتها» وفي هذا السياق تقول: «بالنظر للعقوبة المقررة بالمادة 344 والتي تصل للاعدام، والعقوبة المقررة بالمادة 346 المقابلة لها والتي لا يزيد حدها الاقصى عن سبع سنوات في جريمة هتك العرض، يمكننا القول بان ذلك عيب في التشريع، اذ ان الفعل مؤثم في كلتا الحالتين».
يعني ذلك، لا يمكن الحديث عن حماية المرأة من جريمة الاغتصاب دون تشريع يجرم المغتصب.
إذن، فالحديث عن حقوق المرأة هو حديث عن جملة من الحقوق الاساسية التي تتمتع بها المرأة، سياسية كانت ام مدنية واجتماعية واقتصادية من دونها يعني اضطهاد للمرأة!
وهنا نستحضر ما قاله ماركس عن المرأة «لمعرفة مقدار تقدم أو تخلف أي مجتمع لا عليك سوى معرفة مكانة المرأة عندهم».
وإذا كانت الأمية، أكبر التحديات، التي تواجه المرأة، في البلدان العربية، فان دعاة الفكر المتأسلم، الذين ينظرون للمرأة بمقاييس مجحفة تعتبرها كائنًا ناقصًا، ورمزًا للغواية اكبر المخاطر التي لا تعزز اقصاء واستعباد المرأة بأشد الطقوس تخلفًا فحسب، بل تقف وبخطابها الديني المتزمت عائقًا لكل مظاهر التطور والتحديث والحداثة، التي تتطلب متغيرات ديمقراطية واسعة، وفي مقدمتها، حقوق المواطنة للمرأة والرجل على حد سواء.
فلنرفع القبعة لنساء بلادي ونساء العالم، في عيدهن الثامن من مارس يوم المرأة العالمي.