اشتبك الرئيس الأميركي دونالد ترمب مع القاضي الاتحادي الذي أوقف مؤقتًا تنفيذ إجراءاته الصارمة، بمنع رعايا سبع دول إسلامية من دخول أميركا، بينها دول أعضاء في جامعة الدول العربية. وتذرع ترمب بأنه يخشى من عمليات إرهاب دموية، قد يقوم بها مواطنو هذه الدول في الولايات المتحدة.
واصل ترمب حملته على الإسلام المتزمت (التي لم يسبق لرئيس أميركي أن شن مثلها)، واصفًا إياه بـ«الإسلام الراديكالي». وفي إشارته إلى عمليات قتل جماعي، قام بها «متطرفون مسلمون»، قال إن هؤلاء يقتلون الأبرياء في الأندية الليلية. والمكاتب. والكنائس. وانضم إليه في عمليته مساعدوه ومستشاروه الجدد. وفي مقدمتهم الجنرال المتقاعد مايكل فلين مستشاره الأمني. وستيفن بانون مستشاره الاستراتيجي.
سبق لي أن كتبت مرارًا في «الشرق الأوسط» عن حملات الكراهية والعداء للإسلام. وتوقعت أن تتواصل في أميركا وأوروبا، في إطار نظرية «صراع الحضارات» للمفكر الأميركي صموئيل هنتنغتون، مستغلة عمليات العنف في مجتمعات القارتين، ضد المدنيين وقوات الأمن. وقام بها شباب مسلمون يحملون جنسيات أوروبية وأميركية.
وقلت إن الحملات الأمنية ضد العنف الديني قد تصل إلى احتجاز جماعي مؤقت أو دائم للمسلمين. وإبعادهم إلى الخارج، تمامًا كما حدث لليابانيين الأميركيين في الحرب العالمية الثانية الذين احتجزوا في معسكرات واسعة. ويحدق خطر الاعتقال بنحو 25 مليون عربي ومسلم مقيمين في أوروبا. وليس معروفًا عدد العرب والمسلمين في أميركا. والتقديرات تشير إلى أنهم يشكلون واحدًا في المائة من عدد السكان.
ولعل احتجاز مئات الركاب العرب والمسلمين في المطارات الأميركية، هو دليل على أن هناك تخطيطًا يتصاعد، ليصل إلى احتجاز جماعي. غير أن الرئيس ترمب يقول إنه لا يقوم بحملة ضد الإسلام والمسلمين، إنما هي إجراءات لحماية الأميركيين. أما النظام الديمقراطي الأوروبي، فيستبعد تمامًا عمليات الاعتقال الجماعي.
من المفيد إطلاع القارئ على ما يقوله الرئيس الأميركي ومساعدوه، ليكون على وعي وبيّنة بنوايا الإدارة الجديدة المعلنة والخفية. وبمدى ما وصلت إليه حملة الكراهية والعداء للإسلام في الغرب.
هؤلاء المساعدون يربطون بين «داعش» و«القاعدة» وجماعة «الإخوان المسلمين» وتنظيمات العنف الديني التي خرجت من رحمها. وكلها تحاول استقطاب 1.7 مليار مسلم في العالم، لأسلمة أوروبا. وتدمير أمن أميركا، حسب ادعاءات أجهزة الأمن والإعلام في القارتين.
وتعتبر إدارة ترمب إجراءات منع مواطني الدول الإسلامية السبع، بمثابة أول نصر تحققه مدرسة الكراهية. أما تسجيل جماعة «الإخوان المسلمين» كتنظيم إرهابي، فيجري بحثه في البيت الأبيض حاليًا. ولعل الغرض منه رفع معنويات الأنظمة الإسلامية والعربية المعادية لـ«الإخوان»، مثل مصر. ودولة الإمارات العربية المتحدة.
يزعم ترمب أن أميركا محاصرة بالإسلام الراديكالي، داعيًا إلى وقف هجرة المسلمين إلى بلاده «التي تواجه تهديدًا من أكبر التهديدات التي واجهتها في القرن العشرين»، ولأن آيديولوجيا الإسلام «يجب ألا تنتشر داخل مجتمعنا». وقد ازدهر هذا الاعتقاد الأميركي، بعد نسف برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك (2001). ووصل الآن مع ترمب إلى صميم مركز صناعة القرار السياسي الرئاسي.
يقول المستشار الأمني الجنرال فلين: «الخوف من المسلمين أمر عقلاني». و«الإسلام ليس دينًا. إنما هو نظام سياسي وراءه عقيدة دينية». وقد أثار تهديده الغامض لإيران تكهنات مختلفة. بينها احتمال نشوب حرب مواجهة عسكرية بين البلدين، بعد تجربة لصاروخ (باليستي) عابر للقارات. وخطر الصواريخ الإيرانية يكمن في أنها ليست دقيقة. فقد تسقط الصواريخ الموجهة إلى إسرائيل، على عرب الضفة الغربية. أو القدس الشرقية. أو على الشيعة والفلسطينيين في جنوب لبنان.
أما المستشار الاستراتيجي بانون، فقد كان يدير موقعًا إلكترونيًا (بريتبارت نيوز) يستقطب تعليقات الكتّاب والمعلقين والساسة المعادين للإسلام. وبانون يركز على كشف التمويل السري للإسلام الراديكالي. وهو يتجاوز العلمانية الأوروبية التي تحاول تحييد الدين. ويقول «إن هناك حربًا بين هذا الإسلام والمسيحية/ اليهودية في الغرب».
وقبل انتقاله إلى البيت الأبيض، كان بانون يحرّض ضد الإسلام الأوروبي. «المسيحية تموت في أوروبا، فيما الإسلام يصعد. وينتشر». ونشرت «نيويورك تايمز» أخيرًا معلومات عن ساسة. ومعلقين. وكتّاب مرادفين لبانون. وفلين. وبين هؤلاء سيباستيان غوركا نائب المستشار الأمني فلين. وزوجته كاثرين التي أدارت مركز بحوث (ثينك تانك) ضد الإسلام. وهي تعمل الآن في مكتب المستشار الأمني في البيت الأبيض.
وهناك وليد فارس اللبناني الأميركي القريب من تيار «القوات اللبنانية» المسيحي. وسبق له أن عمل مستشارًا لترمب في شؤون مكافحة الإرهاب. ومن المتوقع تعيينه في منصب لائق. وتغص مراكز البحوث الأميركية بالباحثين المعادين للإسلام المعتدل والمتزمت. وبينهم باميلا غيلر المنتمية لجماعة «أوقفوا أسلمة أميركا». وجيف سيشنز مرشح ترمب لمنصب النائب العام القضائي. وفرانك غافني الذي يحذر من المصلين الدائمين في المساجد. ومن «المرشدين» الذين يجندون الطلبة الشباب للقتال في سوريا والعراق مع «داعش».
هل يمكن «تعريب» سياسة ترمب؟ بعض العرب يعتقدون أن بالإمكان التخفيف من سلبية ترمب وإدارته الجديدة، وذلك بالبحث عن مجالات الوفاق، وتجنب نقاط الخلاف والنزاع. وبالفعل، فقد صدرت تصريحات رسمية مصرية. وسعودية. وإماراتية. وكلها تنطوي على نوع من الارتياح إزاء مواقف أبداها ترمب أخيرًا.
وهناك اعتقاد أردني بأن الملك عبد الله الثاني تمكن في لقائه الأخير مع ترمب، من إضفاء عباءة «تعريب» شفافة على مواقفه. فقد أبدى ترمب تحفظات على الاستيطان الإسرائيلي. وطلب من نتنياهو تجميد أي إجراء، في انتظار لقائهما الثنائي في منتصف الشهر الحالي، في حين لم يصدر عنه ما يشير إلى نقل سريع للسفارة الأميركية إلى القدس المحتلة.
وتعوّل مصادر دبلوماسية عربية على اعتدال وزير الخارجية الأميركي الجديد ريكس تيلرسون. وتتابع مدى قدرته على التخفيف من تطرف ترمب، ولجم جماح بطانة مستشاريه في البيت الأبيض. وتهتم هذه المصادر بتطور النزاع الأميركي/ الإيراني، بعد التحذير الذي وجهه الجنرال فلين لإيران، بخصوص التجارب الصاروخية الإيرانية العابرة للقارات.
وكان الرد الإيراني معتدلاً. فقد أجرت إيران مناوراتها العسكرية بعيدًا عن بحر الخليج، لتفادي استفزاز الأسطول الأميركي هناك. بالقدر نفسه، تراقب هذه المصادر مساعي الكويت الدبلوماسية بين السعودية وإيران. وتعتقد أنها حققت بداية توحي بالتفاؤل، بدليل تهدئة التعاطي الإعلامي المتوتر بين البلدين.
نقلاعن العربیه