خرج مواطن بحريني عن صمته الذي دام عشر سنوات كاملة بعد أن ترك عمله الذي استمر بالسفارة الأمريكية بالبحرين عدة شهور، ثم تركها بعد أن أشعرته طبيعة العمل المكلف به بأنه عميل يتجسس على وطنه.. قرر المواطن محمد عبدالحميد كياني كشف كل الحقائق من خلال حديث أدلى به للزميلة «جلف ديلي نيوز» بعد أن امتلأ غيظا عندما قرأ تقرير الخارجية الأمريكية الأخير ضد البحرين.
قال: إن كل تقارير السفارة الأمريكية عن البحرين مثيرة للجدل، ومجافية للواقع، وتنطوي على مغالطات، وتقلب الحقائق، وتتجاهل أي إنجازات إصلاحية أو حقوقية عن البحرين. وأكد أن هذه التقارير كلها متحيزة، وتحمل أجندة طائفية، وتطبخ بإحكام خلف أسوار السفارة الأمريكية بالماحوز، معتمدة على موظفين محليين يتحولون فيما بعد إلى عيونها التي ترى بها نصف الواقع.. وللأسف كل هذه التقارير تعتمد عليها الخارجية والإدارة الأمريكيتان.
وقال محمد الذي كان يعمل مساعدا سياسيا للسفير الأمريكي آنذاك إنه كان يشارك بشكل مباشر في طبخ هذه التقارير التي كانت تفتقر تماما إلى المصداقية، وتمعن في رسم صورة مشوهة عن البحرين؛ لأن كل المعلومات التي تستقيها وتبني عليها هذه التقارير لا يتم تمحيصها، ويشوبها الانحياز المؤسساتي الواضح لصالح المعارضة ورموزها، وهذا هو ما يفسر الخلل الكبير والاصطفاف الواضح الذي يطغى على التقارير التي تزود بها الدوائر العليا في واشنطن. وقال: كانت المهمة المسندة إلي هي مطالعة ونقل ما تنشره الصحف المحلية.. على أن أبدأ بصحيفة «الوسط»، حيث أبلغوني أن هذه أوامر عليا.. وكان التركيز على الأوضاع السياسية الداخلية وكل ما له علاقة بأمريكا.. وأضاف: من بين مهماتي أيضا: مراقبة سير الانتخابات، وحضور تجمعات المعارضة.
(التفاصيل الكاملة)
ظلت وزارة الخارجية الأمريكية تصدر تقارير مجحفة عن الأوضاع في مملكة البحرين لما فيها من تجن وآحادية وانعدام التوازن كما أنها لا تعكس بالتالي الخطوات الرائدة التي تحققت على أرض الواقع في ظل المشروع الاصلاحي الذي أطلقه حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة. لقد تجلى ذلك بصورة أشد في التقرير الذي صدر مؤخرا عن وزارة الخارجية الأمريكية.
ظلت السفارة الأمريكية تعد تقارير مثيرة للجدل عن أوضاع حقوق الانسان في مملكة البحرين، وهي تقارير أقل ما يقال عنها إنها مجافية للواقع لما تنطوي عليه من مغالطات وقلب للحقائق وتجني وتجاهل لما أطلق من مبادرات وما تحقق من إنجازات إصلاحية وحقوقية.
كيف لا تكون هذه التقارير مجافية للواقع، متجاهلة لما حققته مملكة البحرين من إنجازات شهد بها القاصي والداني، ومتحيزة لشق المجتمع وتحمل أجندة طائفية دون بقية الأطياف.. وهي تطبخ خلف أسوار السفارة الأمريكية التي تُفرط في الاعتماد على موظفين تنتدبهم من السوق المحلية وفق مقاييس معينة ليتحولوا بعد ذلك إلى عيونها التي ترى بها نصف الواقع، وآذانها التي تسمع بها نصف الحقيقة وذاكرتها التي تنقل الصورة مشوهة.. والحقيقة غير الحقيقة إلى الدوائر العليا في وزارة الخارجية في واشنطن – هذه الحقائق المقلوبة هي التي تطبخ مرة أخرى في وزارة الخارجية في واشنطن وتستند إليها الإدارة الأمريكية بدورها في صنع مواقف متجنية وبيانات سياسية مجافية عن البحرين – كل البحرين.
هذه هي الحقيقة التي كشف عنها فجأة موظف سابق في السفارة الأمريكية في المنامة. ففي حوار حصري مع الزميلة الجلف ديلي نيوز خرج هذا الموظف السابق عن صمته الذي تواصل عشر سنوات ليكشف أمورا كثيرة عما يدور في كواليس السفارة والكيفية التي تجمع بها المعلومات والطريقة التي تسلق بها وتطبخ لترفع بعد ذلك إلى الدوائر العليا في واشنطن – وتحديدا وزارة الخارجية الأمريكية.
السيد محمد عبدالحميد كياني لم يكن بالموظف العادي الذي كان يعمل على الهامش أو يجهل ما كان يدور خلف أسوار السفارة الأمريكية. فقد كان يتبوأ منصبا مهما كمساعد سياسي للسفير الأمريكي خلال النصف الثاني من سنة 2002.
يبلغ السيد كياني التاسعة والثلاثين من عمره.. وقد أوكلت إليه مهمة جمع المعلومات عن «الواقع» البحريني، كما أنه كان يشارك بشكل مباشر في طبخ هذه التقارير المتجنية عن مملكة البحرين.
يقول السيد كياني في حواره الحصري إنه بحكم الدور الذي أوكل إليه فقد كان يعايش كل شيء من الداخل، حيث إنه كان يحضر التجمعات ويشارك في المظاهرات المناهضة للحكومة كما كان يلتقي رموز المعارضة بانتظام ويستقي منهم المعلومات التي تحمل وجهة نظرهم وتعكس أجنداتهم عن الأوضاع السياسية في مملكة البحرين.
لقد اندمج السيد كياني في هذا الدور الموكل إليه حتى أنه بات يشعر بأنه تحول إلى ما يشبه العميل الذي يتجسس على وطنه لحساب السفارة الأمريكية وهو شعور ينوء بحمله كل من له ذرة وطنية أو روح انتماء أو قطرة دم تجري في عروقه من هذا الوطن.
كان التقرير الذي أصدرته مؤخرا وزارة الخارجية الأمريكية عن أوضاع حقوق الانسان في مملكة البحرين القشة التي قصمت ظهر البعير وجعلت السيد كياني يخرج عن صمته ويصدع بالحقيقة – حقيقة مطبخ تقارير حقوق الانسان خلف أسوار السفارة في الزنج.
يقول السيد كياني في حديثه الحصري مع الزميلة الجلف ديلي نيوز: «في الحقيقة لم أتفاجأ كثيرا بالتقرير الصادر مؤخرا عن وزارة الخارجية الأمريكية كما أنني لم أصدم كثيرا بما فيه من انحياز وتجني وافتراء».
لقد أعدت وزارة الخارجية الأمريكية هذا التقرير – كعادتها دائما – بالاعتماد على المعلومات والبيانات التي أمدتها بها السفارة الأمريكية في البحرين. تناقلت الصحف فحوى هذا التقرير أول مرة في شهر مارس 2014 وقد أثار آنذاك ضجة كبيرة في صفوف الرأي العام والنشطاء ونواب الشعب الذين عبروا عن امتعاضهم الشديد لما اتسم به من تجن وما تضمنه من أنصاف حقائق بل وأكاذيب وافتراء، الأمر الذي جعله فاقدا لكل مصداقية أو شفافية.
مع بداية شهر مايو الجاري ردت وزارة الداخلية على التقرير الذي صدر عن وزارة الخارجية الأمريكية وفندت كل نقطة فيه بطريقة منهجية موثقة، داحضة بذلك ما جاء فيه من معلومات افتقرت إلى الدقة، وأنصاف حقائق هدفها رسم صورة مشوهة وقاتمة عن أوضاع حقوق الانسان في مملكة البحرين.
يقول السيد كياني في معرض تعليقه على مثل هذه التقارير التي ما أنصفت يوما مملكة البحرين وشعبها الواسع والحاضن لكل أطيافه: «لقد دأبت السفارة الأمريكية على إعداد مثل هذه التقارير التي تستند فيها على معلومات تستقيها من مصادرها دون أن تكلف نفسها عناء تقصيها وتمحيصها والتأكد من شفافيتها ومصداقيتها على أرض الواقع».
يقول السيد كياني إنه، وبحكم عمله كمساعد سياسي في السفارة الأمريكية فقد كان على دراية تامة بكم المعلومات الخاطئة التي تصل إلى وزارة الخارجية الأمريكية في واشنطن والتي تستقيها من السفارة التي تحصل عليها عبر «عيونها وآذانها» وفق منهجية تفتقر إلى الدقة والشفافية والمصداقية.
يعتبر السيد كياني أنه قد أدرك خلال الفترة التي شغل فيها ذلك المنصب أن السفارة الأمريكية تعاني من مشكلة جوهرية تتمثل في «الانحياز المؤسساتي» الفاضح لصالح المعارضة ورموزها وهو ما يفسر الخلل الكبير والاصطفاف الواضح الذي يطغى على التقارير التي تزود بها الدوائر العليا في واشنطن –وفي مقدمتها وزارة الخارجية الأمريكية.
يذكر السيد كياني على سبيل المثال كيف أن السفير السابق لدى مملكة البحرين رونالد نيومان كان يستقي أغلب المعلومات المتعلقة بالأوضاع السياسية الداخلية في مملكة البحرين من الملحق الذي كان يعمل معه والذي كان يحصل عليها بدورها بشكل كامل من مساعده السياسي.
تحرص السفارة الأمريكية على تعيين موظف بحريني في منصب المساعد السياسي علما أن مهمته الأساسية تكاد تنحصر في متابعة وسائل الاعلام باللغة العربية. لذلك فإن هذا الشخص يستطيع أن ينقل كمًّا كبيرا من المعلومات التي تعكس أجندة معينة ورؤية طرف سياسي بحريني بعينه، الأمر الذي يجعله يلعب دورا مؤثرا في تشكيل الموقف الرسمي للادارة الأمريكية ورؤيتها للأوضاع السياسية في مملكة البحرين بما يمدها به من معلومات ومعطيات مثيرة للجدل.
ينص البروتوكول المعمول به في داخل أسوار السفارة الأمريكية في المنامة على أن يتولى المساعد السياسي المنتدب محليا بالضرورة مهمة متابعة ما تقوله كل وسائل الاعلام المحلية.
يقول السيد كياني في هذا الصدد: «تتمثل مهمة هذا المساعد السياسي المحلي في مطالعة كل الصحف على أن يبدأ أولا بصحيفة الوسط – بناء على أوامر عليا صادرة إليه – ثم يوثق المعلومات المتعلقة بالأوضاع السياسية الداخلية في مملكة البحرين أو أي موضوع آخر يتعلق بالولايات المتحدة الأمريكية أو بطبيعة السياسات التي تنتهجها الإدارة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط».
يقول السيد كياني إن ما كان يقدمه من تحليل وقراءة للأحداث الداخلية في مملكة البحرين لا يقلان أهمية عما كان يقوم به الملحق، حيث إنه كان يدون الملاحظات التي تحدد الكيفية التي يجمع بها المعلومات ويوثقها قبل أن يرفعها إلى رؤسائه في العمل.
يقول السيد كياني في معرض حديثه عن دوره الحساس وقدرته على التأثير في الرؤية الأمريكية للأحداث في مملكة البحرين: «لقد وصل الأمر إلى حد أصبحت معه مقتنعا بأنني لو قلت له إن السماء مغيمة وأنها قد تمطر كريات من اللحم لوقف الملحق على الأرجح في الساحة وهو يمسك بالشوكة والسكين» – مضيفا أنه قد تحول بحكم طبيعة المهمة التي كان يقوم بها إلى ما يشبه المحرار الذي تستخدمه السفارة الأمريكية في «فهم» كل الأحداث السياسية التي تشهدها مملكة البحرين.
يقول السيد كياني إن مهمته تشمل العديد من الأمور – من مراقبة سير الانتخابات إلى حضور تجمعات المعارضة حتى أنه بات يشعر بأنه تحول إلى دليل سياحي فيما كان ملحق السفارة بمثابة السائح الذي يستعان به في كل شيء لكن وفق رؤية وأجندة معينة.
يقول السيد كياني: «لا يتطلب الأمر رسوخا في العلم كي ندرك أنه إذا كان المساعد السياسي يحمل أفكارا مناهضة لحكومة مملكة البحرين ويميل إلى الأجندة التي تروج لها الطائفة التي ينتمي إليها فإن تقاريره ستفتقر إلى المصداقية والموضوعية ويغلب عليها الانحياز والأحكام المسبقة ضد الحكومة».
يقول السيد كياني إنه عندما يحين موعد وضع التقرير السنوي المتعلق بأوضاع حقوق الانسان في مملكة البحرين فإن رؤساءه في السفارة الأمريكية يشددون على ضرورة إجراء لقاءت مع ما يسمى «السجناء السياسيون» والتركيز خاصة على إعطاء مساحة كبيرة لآراء المعارضة وإبراز أفكارها وأطروحاتها. لا غرابة أن مختلف التقارير التي تصدر عن وزارة الخارجية الأمريكية وترصد أوضاع حقوق الانسان في مملكة البحرين تكون منحازة بشكل فاضح و«مثقلة بآراء أفكار المعارضة».
يقول السيد كياني في معرض تعليقه على هذه المسألة بالذات:
«من وجهة نظر حيادية فإنه لو كانت السفارة الأمريكية قد عينت بحرينيا من الطائفة السنية في هذا المنصب لربما كان قد فعل نفس الشيء وقام بذات الدور ولكان التقرير من قبيل العمل الدوري الروتيني».
يعتبر السيد كياني أنه قد حان الوقت كي تدرك وزارة الخارجية الأمريكية أن التقارير التي تصلها عن مملكة البحرين تنطوي على الكثير من المغالطات والأراجيف بسبب الخلل الكبير في المنهجية المعتمدة في إعدادها – مضيفا أن قلة مصداقية هذه التقارير إنما تعكس افتقار الأطراف نفسها التي ساهمت في إعدادها وجمع مادتها إلى المصداقية اللازمة – الأمر الذي يجعل هذه التقارير بما تحتويه من معلومات وادعاءات بلا أي مؤيدات أو براهين، مجرد دعاية للمعارضة بما تحمله من أفكار ومواقف وأطروحات.
في نهاية الأمر فضل السيد كياني مغادرة السفارة الأمريكية بعد أشهر فقط من توليه وظيفته وهو يقول إن السبب الجوهري الذي جعله يتخذ ذلك القرار هو أنه لم يكن مرتاحا في عمله نظرا لطبيعة العمل الذي كان يطلب منه القيام به والدور الذي كان يؤديه والذي أشعره بأنه أصبح بمثابة «العميل الذي يتجسس على وطنه وأبناء شعبه».
يقول السيد كياني: «لقد أصبحت أشعر بأن خيطا رفيعا بات يفصلني عن خيانة الوطن بحكم الدور الذي كنت أقوم به والمهمة المنوطة بعهدتي».
خلال الأشهر القليلة التي سبقت تعيين السيد كياني في منصبه الجديد كانت السفارة الأمريكية تواجه بدورها عاصفة من الانتقادات والاحتجاجات. ففي شهر أبريل 2002 فجّر السفير الأمريكي السابق في مملكة البحرين رونالد نيومان موجة من الغضب عندما طلب الوقوف دقيقة صمت على أرواح الضحايا المدنيين الاسرائيليين وذلك على هامش مشاركته في جلسة نموذج الأمم المتحدة في مملكة البحرين. في أواخر نفس الشهر نظمت مظاهرات أمام مبنى السفارة الأمريكية في منطقة الزنج وقد قتل خلالها المتظاهر محمد جمعة.
لقد حاولت الزميلة «الجلف ديلي نيوز» الاتصال مرار بالمسؤولين في السفارة الأمريكية غير أنها لم تلق أي رد.