اليوم لو سألت أي عراقي رجل او امرأة ..غني او فقير ..كيف الحال ؟؟ يجيبك فورا ..(ماكو امان )..وكلمة الامان عند العراقي تعني كل شيء ..تعني الحاضر والمستقبل ..تعني الامن الشخصي والامن الاجتماعي …الامن المالي والغذائي والاجتماعي والثقافي وكل ماله علاقة بحياة المواطن …
وسبب هذه الاجابة القلقة والمتخوفة عند العراقي هو انعكاس لواقعه وأحساسه الداخلي بفقدان الامن والامان في وطنه..وفي زمن سادت فيه الفوضى والفلتان والغياب الواضح لسلطة القانون ..والذي سببه من تولى السلطة وزمام الامور ومن ادعياء الدين واعداء الحياة و العدل والاحسان ..
من منا لم يقرأ او يسمع بحديث النبي (ص) للناس، ويخبرهم فيه بأن الإنسان يعيش سعيدا بالحياة إذا تحققت له ثلاثة أمور :
1 -الأمن في وطنه ،
2 -والصحة في جسده ،
3 -وتأمين لقمة العيش له ولاطفاله ،
فهل حققت الاحزاب الدينية الحاكمة ومحاصصتها الطائفية للعراقي هذه الأمور الثلاثة ؟؟
الجواب ببساطة لا والف لا ..فلا امن ولا صحة ولا عمل ..بسبب الفساد المستشري وموت الضمائر ..وفقدان مكارم الاخلاق ..وغياب سلطة القانون وتطبيق نظام غير عادل سموه نظام المحاصصة الطائفية والعرقية ..وحارة كلمن ايده اله ..وانا هنا لا اتجنى على حزب معين او طائفة معينة وانما اصف حال مل من ليس لديه ( دنكة او حزب يستند اليه ) وهم الغالبية العظمى من شعب العراق ..
واليكم هذه القصة الواقعية وهي واحدة من ملايين القصص التي نسمع بها يوميا وما لم نسمع به الكثير ولكنها موجودة .. ومن يريد ان يحللها ويستفيد منها سيجد الكثير من العبر والدروس في خباياها ..
سمعت ان احد المدرسين واسمه الحركي تعبان ويدرس في احدى اعداديات الرصافة …يبلغ من العمر حوالي الخمسين سنة ..ومتزوج وعنده ولد واحد وعزيز عليه ..ووصفوه لي بانه ليس بحرامي او مرتشي وانما يقبل الهدايا لمساعدة التلاميذ وانجاحهم في مادته التي يدرسها ..
وكان يتميز بطيبة الاخلاق ودماثنها ..ومحبوبا من زملاءه ..فجمع ثروة لا باس بها من هدايا اولياء امور طلبته ..وحاله تعتبر منصفة اذا قورنت بحال مدير اعداديته الذي وصفوه لي بانه حرامي وجشع و لغاف و وصف العراقيين لآمثاله ( ماكو يمه ارحميني ..اي حرامي اكشر ) ويحارب كل مدرس نزيه ونظيف ..باسم الحرص الزائف على الواجب والقانون ..
أي يمكن وصف حال الاستاذ صاحبنا التعبان لغاف ولكن بأنصاف وكما يقول العراقيين ( حاله حال الاخرين وحشر مع الناس عيد ) . و(من عاشر القوم اربعين يوما صار مثلهم ) ..او ( لا تربط الجرباء قرب صحيحة خوفا على الصحيحة تجرب ) ..
ومختصر مفيد واقل ما يقال عن حال التعليم بالعراق (تسر العدو وتحزن الصديق ) ..
المهم نرجع لقصة صاحبنا المدرس الاستاذ تعبان ..فقد كان كمثقف وابن المدينة فهو لا يعترف بالعشائر وقوانينها وسلطتها ولكن ظروف الحياة وفقدان الامن والقانون اجبرته ان يعترف بها رغما عن انفه ..وبنفس الوقت ورث عن ابيه المذهب السني وبما انه يدرس في منطقة غالبيتها من الشيعة ويعرف جيدا ان القانون غايب وقانون العشائر هو السائد والماشي فاراد ان يحمي نفسه ..وبمساعدة احد زملاءه المدرسين …سجل انتماءه ونسبه الى احدى العشائر كي يلجأ اليها لحمايته عند الحاجة …( فالمسكين ضعيف ووجد ان الاستقواء على الزمن بهذه الطريقة هي الانسب والافضل مقابل اشتراك شهري بسيط يدفعه للعشيرة ) وهذه الطريقة معروفة ومتبعة عند الضعفاء من العراقيين ..فكم من (علي) سمى نفسه (عثمان) وكم من (عمر) سمى نفسه (عباس) ..بسبب الفتنة الطائفية ..وحوفا من القتل بسبب الاسم ..والاشتباه ..
وكما علمتنا الحياة .. ما من مصيبة على الإطلاق تصيب الإنسان إلا بسبب منه، او بسبب خطأ في حساباته وتوقعاته .. او عدم خوفه من الله والمجتمع ..
ففي عصرية احد الايام ..دقت باب الدار على صاحبنا التعبان وبعد ان فتح الباب وجد عدد من الاشخاص وبعد السلام وترحيبه بهم لانه كان يتوقع برزق جديد يدق بابه ..فاذا بهم يسالوه …هل انت صاحب السيارة (الفيجو) المرقمة (…..بغداد ) موديل … لونها …
فاجابهم بنعم ..عندها اخبروه ..ان سيارتك دهست ابننا وهو نائم بالمستشفى ومكسورة رجله … وانت مطلوب ( لكعدة عشائرية والا انت و ابنك ستدفعون الثمن ) …اي ان الجماعة عندهم معلومات وافية عنه .. وامسكوه من يده التي توجعه ونقطة ضعفه ..
الاستاذ تعبان المسكين وقع الخبر على راسه كصاروخ كروز الامريكي…فحاول ان ينفي الخبرويقنعهم بانه لم يدهس احدا ..ولكنهم لم يقبلوا بحججه …وطلب منهم ان يشتكوا عليه بالشرطة ومع هذا رفضوا …وكلما يحاول معهم بحل فهم كالزيبق يتملصون من الاجابة وهم يكررون ..انت حر ولكننا سنأخذ حق ابننا بيدنا ..وقد اعذر من انذر …
استاذ تعبان ووكع بيد حرامي عيني عينك وصلف ونصاب شيطان وملعون ..وعندكم الحساب ..فاعطوه مهلة (عطوة ) لمراجعة فكره ..
عندها شكى همه لاحد اصدقاءه المقربين منه عن كيفية الخروج من هذه الورطة ..فنصحه صديقه قائلا :
ان انت اشتكيت عليهم عند الشرطة ..فانت ستفتح على نفسك باب المحاكم والمحامين والجرجرة والعرعرة وهاي مثل باب جهنم وسيحلبونك حلبا وتكلفك الشغلة اكثر مما يريد الحرامية والنصابين من خاوة وما تحصل على شيء ..غير المشاكل والعداوات ..لو تشيل من البيت وتنتقل من المدرسة .. وكلا منهما مر وعلقم …
عندها هداه تفكيره ان يفاتح ويستعين بشيخ العشيرة التي لصق نفسه بها ولكن المسكين ..صدم بإجابة الشيخ عندما قال له ..اننا لا نتدخل بهذه المشاكل البسيطة ومن الافضل ان تتفاهم وياهم وحلها حبيا ..
فاضطر المسكين الاستاذ تعبان وخوفا على ولده العزيز والوحيد ان يدفع الخاوة ويحمي نفسه وعائلته من شرور اناس حرامية ونصابين وبسبب غياب سلطة القانون والفوضى الخلاقة والبطالة ..
وبعد ان سمعت قصة المسكين الاستاذ تعبان رددت معي المثل العراقي ( اللي يأكله العنز يطلعه الدباغ ) واللهم لا شماتة بالمسكين فقد جمع الفلوس شوية شوية من اكراميات وهدايا التلاميذ كي ينجحهم ..فأعطاها للشلاتية النصابين دفعة واحدة ..
لقد وقفت عند هذه القصة وغيرها الكثير كي استخرج منها دروس وعبر واصف لكم ما وصل اليه حال المجتمع العراقي وحال المساكين وفقراء العراق واللي ما عندهم ظهر ولا حزب ولا عشيرة بهذا النظام الفاشل ..
وصدق امير المؤمنين (ع) ..نعمتان مجهولتان ..الصحة والامان ..
اللهم احفظ العراق واهله اينما حلوا او ارتحلوا ..