تنظيم «داعش» هو الآن بمثابة السلعة التي يحتاجها كل طرف من أطراف الصراع في الشرق الأوسط للمتاجرة بها لتحقيق مصالحه ورغباته. بهذا المعنى، يبدو أبو بكر البغدادي مفيداً للجميع، وصالحاً للاستخدام من قبل الجميع.
الإيرانيون وجدوا في «داعش» ضالتهم، هذا تنظيم إرهابي تتيح الفظائع التي يرتكبها أن ينسى الأميركيون إرهاب التنظيمات التي قاتلتهم بأموال الإيرانيين وبأسلحتهم في الثمانينات من القرن الماضي. صار بإمكان باراك أوباما أن يقول اليوم إن شراكته مع حسن روحاني في الحرب على الإرهاب تسمح له بعقد الصفقة النووية مع طهران، فـ «داعش» هو الآن العدو الأول الذي يستحق في سبيل مواجهته أن تمحو الإدارة الأميركية من ذاكرتها كل التنظيمات الحليفة لإيران، والتي تعبث بأمن المنطقة من العراق إلى لبنان وصولاً إلى اليمن وعدد من دول الخليج. هكذا يسوّق حكام طهران أنفسهم اليوم على أنهم في مقدمة صفوف التحالف الدولي في الحرب على الإرهاب، ويجول وزير خارجيتهم الظريف على عدد من دول الخليج التي استقبلته ليدعوها إلى «التعاون لمواجهة تهديد الإرهاب والتطرف»، في محاولة منه للقفز فوق التحفظات العميقة التي لدى دول مجلس التعاون حيال الاتفاق النووي مع إيران، وخصوصاً لأنه يطلق يد طهران في المنطقة بموافقة ورعاية أميركيتين، في مقابل كسب ودها في الحرب مع «داعش»، مع أن هذا التنظيم ولد من رحم «القاعدة في بلاد الرافدين»، الذي كان يعمل بغطاء من النظامين الإيراني والسوري لمقاتلة الجنود الأميركيين في العراق، كما أن عدداً من قياداته أطلقوا من سجون النظام السوري، كما تعرف الاستخبارات الأميركية من دون شك.
الآن جاء دور رجب طيب أردوغان. الرئيس التركي أيضاً لم يكن بريئاً من المسؤولية عن تضخم «داعش» وتسهيل عبور الرجال والنساء ومشاريع الزوجات القادمين من كل صوب في دول الغرب عبر الحدود التركية للالتحاق بصفوف التنظيم، إما للقتال أو لخدمة المقاتلين أو للزواج من شبانهم وإنجاب «الأشبال» لـ «دولة الخلافة». تردد أردوغان كثيراً في المشاركة في مواجهة «داعش» على رغم الطلبات والانتقادات الأميركية والأطلسية، إلى أن جاء الظرف التركي الداخلي بعد الانتخابات الأخيرة، التي حقق فيها الأكراد في تركيا تقدماً ملحوظاً حرم أردوغان من الأكثرية المطلقة التي كان يحلم بها.
يعرض أردوغان اليوم خدماته على الغرب لمواجهة «داعش»، سواء بقطع المنافذ عبر الحدود أو من خلال السماح لطائرات التحالف الدولي باستخدام القواعد التركية بعد طول تردد. لكن ليونة أردوغان المستجدة لها ثمنها، فالرئيس التركي يطالب في مقابل هذه المشاركة برفع اليد الغربية عن حماية الأكراد، سواء في سورية أو في العراق، خوفاً من أن يشكل نفوذهم المتزايد في سياسات البلدين وفي مستقبلهما، حافزاً إضافياً للأكراد في تركيا لإزعاج أردوغان وإضعاف حزب «العدالة والتنمية». وهو يريد أن تكون الحرب الغربية على الإرهاب حرباً في الوقت ذاته على «حزب العمال الكردستاني» وعلى «داعش»، ويصنف كل من يرفع شعار الحقوق الكردية على أنه في صف «حزب العمال»، ما يشمل زعيم «حزب الشعوب الديموقراطي» خصم أردوغان الأبرز حالياً في تركيا، صلاح الدين دميرطاش.
معظم الأطراف في المنطقة مستفيدة من «داعش»، وتوظف خطره، كلّ منها لمصلحته، إلا الدول العربية التي يشكل التنظيم أكبر خطر على أمنها ومصالحها ومستقبل أجيالها، وبالأخص على الصورة التي يقدمها «داعش» إلى العالم عن هذه الدول وعن المنتج التعليمي والثقافي الذي يخرج من مجتمعاتها.