بعد أن قام نوري المالكي وقاسم سليماني بتأسيس “الحشد الشعبي” على أسس طائفية وانتقامية، أعلن القيادي في الحرس الثوري محمد علي فلكي عن تأسيس “جيش التحرير الشيعي” من عناصر سورية ولبنانية وعراقية ويمنية
تأسست إيران الخمينية على مرتكزات طائفية وأيديولوجية إقصائية، ليس تجاه محيطها الإقليمي فحسب، بل تجاه أبناء الوطن الواحد داخل حدود ما يسمى بالجغرافيا الإيرانية. لذلك نجد أن طهران تصر على الطائفية بنص الدستور الإيراني في مادته الثانية عشرة التي تؤكد على شيعية الدولة، وأن هذه المادة غير قابلة للتغيير، وبذلك فهي تسن الطائفية منطلقا عاما لسياستها الداخلية والخارجية على حد سواء.
تدرك إيران جيدا أن العزف على الشيعة والتشيع هي البوابة اليتيمة التي يمكن خلالها التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة العربية والتغلغل فيها، إلا أنها تنكر حقيقة ذلك، وتزعم بأنها تدعم من تسميهم “المستضعفين”، دون النظر إلى انتمائهم المذهبي، وهذه محاولة بائسة للهروب من الحقيقة، ولتحقق نجاح هذه الخطة تقوم إيران بالهروب إلى الأمام، عبر اتهام الآخرين بالطائفية، ولكنها لتجنب غضب الغالبية المسلمة، فإنها لا تجرؤ على اتهام كل أتباع المذهب السني بالطائفية، بل تعمد إلى سياسة التفتيت وخلق المصطلحات للخروج من المأزق، فتارة تتهم ما تسميه “الوهابية”، وأخرى “السلفية”، وثالثة “التكفيريين”.
لكن، عندما تسأل أتباع النظام: من هم السنّة المعتدلون من وجهة نظر إيران؟، فإنك لا تجد إجابة مطلقا.
الإشكالية الكبرى، هي أن تكثيف إيران لخطاب اتهام الآخرين بالإرهاب والطائفية، وجد أرضا خصبة لدى بعض الدول الغربية لعدة أسباب، ربما ليس هذا المقال مجالا لاستعراضها. لكن هناك تناغم إيراني غربي فيما يتعلق بقضايا مثل الطائفية والحرب على الإرهاب “السنّي” ونحو ذلك.
لكن، إلى متى يمكن أن تستمر إيران في هذه السياسة؟
منذ البداية، كانت طهران تدرك جيدا أن هذه الألاعيب لن تستمر للأبد، ولكنها كانت تنتظر الفرصة المناسبة لنزع القناع وإبراز أهدافها وسياستها الطائفية.
تعدّ الأزمة السورية، والأوضاع في عراق ما بعد 2003، في ظل توجهات روسية واضحة للحضور بشكل فاعل وقوي في منطقة الشرق الأوسط، مقابل تقهقر -بل انسحاب تدريجي- أو في أحسن الأحوال تأرجح في السياسة الأميركية تحت إدارة الرئيس أوباما، من أهم محفزات النظام الإيراني للكشف عن سياسته الطائفية وتسمية الأشياء بأسمائها.
المتابع للتحركات الإيرانية، يدرك أنها بدأت بتشكيل الميليشيات الطائفية في العراق على استحياء، ثم رفعت وتيرة ذلك عبر إرسال بعض الجماعات إلى الداخل السوري، مثل لواء أبو الفضل العباس، وغيره، وفي المحصلة وصل عدد الميليشيات الإيرانية في العراق إلى 54 ميليشا تقريبا.
رأت إيران أن هناك حاجة لمزيد من المقاتلين في الداخل السوري، في ظل تقدم ملحوظ للثوار السوريين، فتم تشكيل لواءين من المرتزقة، هما: الفاطميون من الأفغان، والزينبيون من الباكستانيين، وجميع هؤلاء من أتباع المذهب الشيعي، وتم استقدامهم من مدن باكستانية وأفغانية من استخبارات الحرس الثوري الإيراني في تلك الدول.
لم تكتف إيران بذلك، بل خطر في بال أجهزتها الأمنية خطة جنونية، تتمثل في استغلال المهاجرين الأفغان الموجودين على الأراضي الإيرانية، ومعظمهم يقيم بصورة غير شرعية، بسبب الحروب التي شهدتها بلادهم خلال العقود الماضية. تعرف السلطات الإيرانية يقينا نقطة ضعفهم المتمثلة في تصحيح أوضاعهم في البلاد، وقبول أبنائهم في المدارس، ومعالجة مرضاهم في المستشفيات، لذا بدأت بمساومتهم خلال تصحيح أوضاعهم، مقابل التوجه إلى معسكرات الحرس الثوري شمال إيران وأصفهان، للخضوع لدورات تدريبية عسكرية قبل شحنهم عبر طائرات السلاح إلى سورية.
زادت إيران من إغراء المترددين منهم عبر تقديم مكافئات مالية مقدارها 500 دولار شهريا، مع وعود إضافية اختيارية، وهي إمكان الإقامة في سورية بصورة قانونية بعد استعادة النظام السيطرة على كل المناطق.
يذكر أن كثيرين من هؤلاء المرتزقة هربوا من سورية برفقة المهاجرين السوريين إلى أوروبا، وكشفوا لوسائل إعلام غربية جميع هذه التفاصيل.
أما الخطة الإيرانية الأخيرة في مشروعها الطائفي الصريح في المنطقة، تتمثل في خلق نسخة من قوات البسيج “التعبئة المؤدلجة”، وكذلك الحرس الثوري في الداخل العراقي، والخطة أيضا تشمل سورية مستقبلا.
فبعد أن قام نوري المالكي وقاسم سليماني بتأسيس ما يسمى “الحشد الشعبي” على أسس طائفية عدائية وانتقامية بالدرجة الأولى، وبسط أيديهم في الداخل العراقي كميليشيات تقتل على الهوية، وتنتقم من الآخر السني، انتقلت إيران إلى المرحلة الثانية عبر إعلان القيادي في الحرس الثوري الإيراني محمد علي فلكي، عن تأسيس ما يسمى “جيش التحرير الشيعي”، من عناصر سورية ولبنانية وعراقية ويمنية، وبقيادة إيرانية. لاحظوا أن جميعهم من العرب، ومهمتهم استهداف العرب أيضا في الدول القادمين منها وبقية دول المنطقة.
الأخطر من ذلك، أن إيران لن تفوت زرع خلاياها النائمة التابعة لتلك القوة الطائفية عبر مرتزقة آخرين في دول الخليج العربي، إن لم تكن قد فعلت فعلا.
من المؤكد أن إيران لا تكترث مطلقا بالقوانين الدولية تجاه تشكيل الجماعات المرتزقة واستخدامهم، لكن السؤال أين الهيئات والمنظمات الدولية التي تبحث عن هفوة من الدول العربية والخليجية لتحرك وسائلها الإعلامية، أين هي عمّا تفعله إيران وتصرح به جهارا نهارا؟ أليس ما تفعله إيران عبر هذه تشكيل ودعم العناصر الإرهابية الطائفية، يعد خرقا صريحا وواضحا لميثاق الأمم المتحدة، خاصة “الاتفاقية الدولية لمناهضة تجنيد المرتزقة واستخدامهم وتمويلهم وتدريبهم”؟
وللتذكير فقط، تعرف هذه الاتفاقية “المرتزق” بأنه الشخص الذي يجند خصيصا، محليا أو في الخارج، للقتال في نزاع مسلح، وليس من رعايا طرف في النزاع، ولا من المقيمين في إقليم خاضع لسيطرة طرف في النزاع، وليس من أفراد القوات المسلحة لطرف في النزاع.
وتنص المادة الخامسة من هذه الاتفاقية، على أنه لا يجوز للدول الأطراف تجنيد المرتزقة أو استخدامهم أو تمويلهم أو تدريبهم، وعليها أن تقوم، وفقا لأحكام هذه الاتفاقية، بحظر هذه الأنشطة، وعلى الأمم المتحدة أن تتخذ الإجراءات المناسبة، وفقا للقانون الدولي، لمنع تجنيد المرتزقة أو استخدامهم أو تمويلهم أو تدريبهم لذلك الغرض، وأخيرا، تنص المادة في الفقرة الثالثة على ضرورة معاقبة الدول الأطراف على الجرائم المنصوص عليها في هذه الاتفاقية بعقوبات مناسبة، تأخذ في الاعتبار الطابع الخطير لهذه الجرائم.
وبعد هذا كله، نتساءل مجددا عن الموقف الأممي والحقوقي المتخاذل تجاه الأنشطة التي يمارسها النظام الإيراني، من تجنيد للمرتزقة، ونشر الطائفية، ودعم الجماعات الإرهابية؟ هل إيران استثناء لدى هذه المنظمات؟
وأخيرا، ألم يحن الوقت لقيام الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، وجامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي بفضح هذه التصرفات الإيرانية أمام العالم، وعبر وسائل الإعلام العالمية، وفي المؤتمرات الدولية، وأن يتم اتخاذ خطوات دبلوماسية وسياسية جادة لوقف هذا العبث الإيراني في المنطقة؟
نقلا عن ایلاف