ثمة حقيقة هامة يصعب تجاهلها وهي ان الوضع السياسي في ظل تلكؤ الاصلاحات وتعثر البناء الديمقراطي يقود الى أوضاع سياسية غير مستقرة وهو ما يؤثر سلباً على التنمية الاقتصادية والانفتاح التجاري الاستثماري ويقود ايضاً الى عدم المساواة وضعف الالتزام بالحقوق والواجبات ومصادرة حرية التعبير والتنظيم وتردي الاوضاع المعيشية!
سيكون من الخطأ الفادح الحديث عن تحولات ديمقراطية وانفتاح سياسي وتعددية ما لم تتسع رقعة الحرية. واذا كان ــ كما يقول احد المفكرين ــ ان التعامل (في الدول العربية) مع الارث الثقيل المتمثل في هياكل وبُنى التسلط والاستبداد والفساد، الذي تكرس على المستوى السياسي والامني والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والديني والاعلامي، اصبح يشكل اكبر التحديات فان عدم انخراط المعارضة الديمقراطية في اللعبة السياسية يلحق الضرر بالعملية السياسية لان التغيير نحو الديمقراطية والحداثة يتطلب قوى ديمقراطية وتقدمية في حين أن قوى الاسلام السياسي ــ سلف، اخوان، خمينية ــ تهدد وجود الدولة المدنية وذلك لوجود تعارض بين هذه القوى والديمقراطية.
وفي اطار هذا الحديث ثمة مصالح اقتصادية وطبقية لا تتعايش مع الانفتاح الديمقراطي والمشاركة الشعبية في اتخاذ القرار خشية من الرقابة والمساءلة والمحاسبة، وبالتالي ولضمان مصالحها لا تتردد في تعطيل الديمقراطية، وأبرز أوجه الخطورة انها تتحالف مع القوى الاكثر رجعية!
ان الانظمة السياسية التي تحكم قبضتها بالحديد والنار غالباً ما تستغل العنف والارهاب لتوطيد سلطتها الاستبدادية في حين ان الارهاب المدان على كافة الصعد يشكل خطراً كبيراً على الامن والاستقرار والدولة والمجتمع صحيح مثل ما يرى بعض المحللين السياسيين أن ضعف وهشاشة القوى والاحزاب السياسية الموصوفة بـ «المدنية» من ليبرالية وقومية ويسارية من بين العوامل الرئيسية التي تفسر الصعود السياسي للاسلاميين في مرحلة ما بعد الثورات في دول الربيع العربي الا أن من بين أهم الاسباب التي جعلت هذه القوى مهمشة هو استبداد الدول البوليسية العربية التي طيلة عقود مارست ابشع انواع الارهاب ضد هذه الحركات التي تؤمن بان الديمقراطية هي الاداة الحضارية لادارة شؤون المجتمع وهو في الحقيقة ما يتعارض مع احتكار السلطة والنفوذ، الامر الذي حدا بهذه الدول ان تتحالف مع الاسلام السياسي بكافة اشكاله لإقصاء القوى الديمقراطية والتقدمية!!
كتب المفكر والروائي عبدالله خليفة ان المذهبيين السياسيين الشموليين مفتوحة لهم كل الساحات، وعبر اعادة انتاج الكتب الدينية القديمة، ونشر الخطوط العريضة الاسطورية، منها القائمة على قصص وتواريخ قديمة مؤثرة رمزية وامثال شائعة واقوال مسطحة والسيطرة من خلالها على الجمهور الواسع صار تحت هيمنة محافظة خطيرة تقوده الى الوراء التاريخي، بحيث لا يستطيع الا ان يتوجه نحو دول دينية شمولية تعده للمذابح، ويجافي الدول العلمانية منقذة إياه من المصير الرهيب الذي ينتظره.
ولم يتوقف خليفة عند هذه المسألة بل ذهب الى القول: ان اختطاف جمهورنا إذن كان من خلال أفعال متباينة لكنها متداخلة، ثمة دوائر تتكامل: العجز عن تغيير معاشه، وجعله في بُنى اجتماعية اقتصادية جامدة، وبغياب التنوير، وسيادة ثقافة الجهل من جهة اخرى تتشكل ظاهرة الردة المضادة عن الوطن والعقلانية والتقدم وذهب ايضاً الى ان ثقافة التسطيح هي المكملة لثقافة التخدير، ثقافة التسطيح هي الاقوى، عبر تصعيد قوى لا تدري بشيء مما يجرى في الاعماق، مقطوعة الصلة بتاريخ المنطقة وصراعاتها الاجتماعية وأدبها وفنونها ومذهبها، فهي لا تدرى حتى باعماق الاسلام الذي تجري الصراعات السياسية والاجتماعية المعاصرة في حياضه لاستخدامه في السياسة المضادة للعصر والديمقراطية،
ثم يقوم السطحيون بقيادة الاعلام والثقافة والتوجيه المعنوي ويشكلون البناء الروحي للمنطقة غير قادرين على مقاومة الاختراقات الطائفية العنيفة او قراءة مجمل هذه اللوحة المعقدة الاقتصادية ــ السياسية ــ الثقافية (المصدر الحوار المتمدن التسطيح السياسي ومخاطره 11/9/2014) تشير التجارب السياسية الى ان العمل السياسي العقلاني يستفيد في نضاله من مناخ الحريات النسبي، هذا التوجه هو في الواقع ليس بعيداً عن المؤسسات الدستورية الشرعية ومؤسسات المجتمع المدني والجماهير الشعبية للتعبير عن الحقوق المشروعة بشكل سلمي، وتشير ايضاً الى انه كلما كانت القوى السياسية ديمقراطية كلما زاد نفوذها. ومثل هذه القوى في طليعة المنظمات السياسية التي تدين الاستبداد والعنف والارهاب وتتمتع بنفوذ كبير في المجتمع، وفي النضال من اجل الحرية والعيش الكريم والعدالة والحداثة أن تلعب دوراً هاماً في الصراع السياسي والاجتماعي والطبقي
حين ترسم الحدود (إما معي أو ضدي) فهو اشارة الى التسطيح وغياب الوعي السياسي لأن شكل العلاقة قد تكون معاك وضدك في آن واحد، معك لنهجك الوطني الديمقراطي التقدمي وضدك عندما نفتقد الى القراءة السياسية العقلانية، ربما لحسابات سياسية مشروطة بالعنف وتبعية الاسلام السياسي او لتوجهات عقائدية ضالعة في الصراعات الطائفية والارهاب بصوره المختلفة منها ارهاب الانظمة، وارهاب المثقف للمثقف، وارهاب السلطة الذكورية للمرأة، والارهاب الاقليمي والدولي وكما أشرنا في مقال سابق الارهاب الامريكي الذي يستخدم سياسة العصا والجزرة، والارهاب الايراني الذي يدعو الى تصدير الثورة وتحقيق السيادة السياسية ومصالح الاقطاع الديني والاطماع التوسعية، وارهاب الكيان الصهيوني للشعب الفلسطيني الذي يتعرض للقمع والتشريد والتفرقة العنصرية والحرمان من حقوقه المشروعة… الخ وباختصار ليس ثمة فرق بين ارهاب وآخر، وان اختلفت طبيعته وأهدافه ودرجاته فهو واحد، وبالتالي فالموقف منه ومن مكافحته محلياً ودولياً ينبغي ان يكون واضحاً لا لبس فيه.