كشف الأمير رضا محمد رضا بهلوي، نجل الشاه الإيراني الراحل، أن نظام ولاية الفقيه دأب على خداع الإيرانيين بلعبة الإصلاحات التي يدعيها، مشيراً إلى أن أي تغيير أو إصلاح في ظل هذا النظام يبدو مستحيلا.
وأوضح بهلوي أن نظام طهران الحالي يبقى نظام شعارات، وأن الفساد يستشري فيه، وتسيطر مافيا الاستخبارات على جميع مفاصله، وقد بُني على فكرة إيجاد سيطرة إقليمية تحت راية خليفة “عصريّ”، يتخذ من الحكومة الدينية حجة للوصول إلى هدفه.
وكشف بهلوي عن معاناة الإيرانيين مالياً، وعن مشاكل اقتصادية تجاوزت الحدود، من الفقر والفاحشة والانتحار، وهجرة العقول إلى جميع أنحاء العالم، فضلاً عن أطفال يموتون بالتحسس من التلوّث، وسرطان الدماغ بسبب أمواج التشويش على القنوات الفضائية.
الأمير رضا يتحدث إلى “الوطن” عن أوضاع الإيرانيين في الخارج، وعن المعارضة الإيرانية وتطلعاتها، مسلطاً الضوء على كثير من الألاعيب والتدخلات التي يمارسها نظام ولاية الفقيه محاولاً تصدير مشاكله إلى الخارج هروباً من الأزمات التي تعصف به في الداخل.
الأمير رضا يكشف عبر عدة حلقات كثيراً من الأسرار التي تستحق التأمل.
• أشكركم لإتاحة الفرصة لي للقاء بكم وإجراء هذا الحوار..
النظام الإيراني يهتم بالانتخابات ليس حرصا على الديمقراطية وإنما لاكتساب الشرعية
بداية دعنا نتحدث عن أوضاع إيران الداخلية، ثمّ ننتقل للحديث عنكم، وعن علاقاتكم بمجتمع الإيرانيين المقيمين في أميركا، والمهاجرين الإيرانيين في الدول الغربية بشكل عام، ثمّ نعرّج على علاقات إيران بدول العالم، كيف ترون أوضاع إيران السياسية خاصة في عهد روحاني؟
تعاملنا نحن الذين نقف في جبهة نظام علماني يريد الوصول إلى الديمقراطية، ويُعد فصل الدين عن السياسة عاملا رئيسا فيه، مع النظام الإيراني الديني الأيديولوجي، يتم منذ البداية على أساس أن هذا الأخير لا يمكن إصلاحه، وأنه نظام دأب على خداع الشعب بلعبة الإصلاحات.
الشعب يسعى للحصول على حقوقه المشروعة تدريجياً، ومنذ اليوم الأول اتّضح أن النظام ودستوره، أي نظام ولاية الفقيه ودوائره المختلفة، ليس منتخباً من الشعب، ويمكنه تجاهل كل القوانين في أي لحظة، وفي ظله تبدو أي عملية تغيير وإصلاح مستحيلة، فنحن هنا نواجه نظام شعارات أكثر منه نظام فعل وعمل.. لقد شغلوا الناس لعشرين عاماً بهذه القضية، ابتداء من عهد خاتمي وانتهاء بروحاني، إن أمعنتم النظر ستجدون أن الاختلاف بين الأفراد ليس كبيراً، وأن طبيعة النظام لا تسمح لأحد بإحداث أي تغيير، فضلاً عن أنّ جميع من يمرون عبر هذه “المصفاة” هم فقط من لديهم الأهلية في نظر النظام.
على أي حال، لا يمكن القول إن النظام الإيراني يمتلك أدنى بُعد شعبي وديمقراطي، أضف إلى ذلك الفساد المستشري فيه، ومافيا الاستخبارات التي تسيطر على جميع مفاصله، ولا تسمح بتأمين أجواء سياسية واقتصادية صحية، وهي بشكل عملي تحكم قبضتها على النظام برمّته، وهو للأسف يسعى لحماية مصالحه وليس المصلحة العامة، من أجل إطالة عمره، ومن أجل تحقيق هذا الغرض يقوم بقمع الشعب من جهة، ومن جهة أخرى يضغط على المنطقة بأكملها بفكرة تصدير الثورة، وأنتم تشاهدون الآن ما يحدث في اليمن، والعراق، ولبنان، وسورية.
وأعتقد أن أصدقاءنا في المنطقة يعلمون هذا بشكل كامل، لذا القضية التي نواجهها هي نفس القضية التي تتكرر باستمرار، بالأمس القريب أجريت انتخابات البرلمان، ورأينا أن نسبة مشاركة الناس فيها كانت الأدنى على الإطلاق، وهو أمر كان لي فيه تأثير بالطبع، فقد طلبت من الناس أن يدركوا ويعوا أن التصويت لمثل هذا النظام ليس له أي ميزات سوى إضفاء الشرعية على نظام يريد أن يقول للعالم: لأن الناس يصوتون فنحن شرعيون، في حين أنّ تصويت الناس لا يلعب دوراً في تحديد مصيرهم.
من هذا المنطلق، الكثيرون أبدوا تفاعلهم مع هذا التجمع ولم يذهبوا ولم يصوتوا، البعض منهم صوتوا بطبيعة الحال، وأكثرهم كانوا مجبورين على ذلك، فهم موظفون حكوميون، وإن لم يصوتوا سيتم طردهم من وظائفهم، حتى أنهم أجبروا السجناء على التصويت هذه المرة، إذن هذه مسرحية روتينية يجريها النظام، ولحسن الحظ لم تعد تخدع أحداً.
طهران تحتاج بشدة إلى خلق الأزمات للتدخل في شؤون الآخرين
النظام الإيراني يتدخل اليوم في الشؤون الداخلية لدول الجوار، والدول الأجنبية الأخرى، هل يتبع النظام نفس الهدف الذي أشرتم إليه سابقاً؟
النظام يتبع عدة أهداف، أحدها تصدير الأيديولوجية كي يستطيع البقاء، مثل هذا النظام يحتاج بشدة إلى خلق الأزمات كل لحظة، أي أنه لا يستطيع استغلال الفرص من أجل النفوذ الإقليمي والتدخل في شؤون الآخرين إلا في أجواء متأزمة وغير مستقرة.
إنّ فكرته مبنية على إيجاد سيطرة إقليمية تحت راية خليفة عصريّ، على سبيل المثال خليفة شيعي، وهو يتخذ من الحكومة الدينية حجة للوصول إلى ذلك، وسعيه للحصول على السلاح النووي لا يعني بالضرورة أنه ينوي مهاجمة إسرائيل، وإنما لكي يتمكن من خلال التهديد النووي من إيجاد جبهة عسكرية تقليدية (حسب مفهوم الجيوش غير النووية) لا يمكن لأحد أن يواجهها.
لقد كان النظام يضع هذه السياسة نصب عينيه دائماً، سواء كانت تجاه دول المنطقة أو الجيران أو ما وراء ذلك، لقد كانت هذه الأزمات المختلقة وهذا الإرهاب المتطرف البداية التي أدت بعد كل تلك السنوات إلى ظهور حركة مثل الدولة الإسلامية، أساس القضية منذ اليوم الأول هو عندما زرع النظام الإيراني هذه البذرة وأصبح عرّابها.
خامنئي يسكب الماء البارد على الرؤوس وينفي وجود المحافظين
هناك مصطلحان يتم تداولهما في إيران ويطرقان مسامعنا باستمرار، وهما “الإصلاحيون” و”المحافظون”، برأيكم هل كلاهما واحد أم أن هناك فروقات بينهما؟
مؤخراً سكب خامنئي ماء بارداً على رؤوس الجميع عندما صرح أن جميع أبناء النظام هم إصلاحيون، وأنه لا يوجد هناك محافظون، وأنهم جميعاً حزب الله، لكنه ذكر في النهاية أن كل فرد يدخل دائرة النظام لا يمكن له فعل أي شيء باستثناء بذل الجهد من أجل حفظه، سواء كان هذا الفرد يسمى روحاني أو خاتمي أو أحمدي نجاد أو أياً كان، الجميع يتعهدون حماية النظام، والنظام بدوره لا يتحمل أي شخص يحاول اتخاذ موقف غير ذلك، هكذا يتعامل النظام مع أبنائه فكيف به إذا كان معارضاً للنظام، وهي الفئة التي تشكل بالطبع غالبية الشعب.
توجه صريح لإشغال الآخرين والهروب من أزمات الداخل
يقول البعض إن النظام الإيراني نفسه يريد الهروب من الداخل إلى الخارج، أي أنه يعلم أن هناك مشكلة تواجهه في الداخل، لذلك يتحدث دائماً عن وجود عدوّ خارجي، وأنه يجب عليه الحرب خارج حدوده حتى يُبقي العدوّ بعيداً عنه، على سبيل المثال قال ولايتي إنهم إن لم يحاربوا في سورية فسيصل الإرهابيون إلى “كرمانشاه”، أي أن النظام الإيراني كان يؤكد دائما على هذه الفكرة طيلة 37 عاماً، وأنه طالما هناك عدوّ فعلى الجميع الصمت، الأولوية للخارج، والشعب لا يمكنه التفوه بأي كلمة، ما رأيكم بذلك؟
على مرّ التاريخ سعت الأنظمة الشمولية للتمدد خارج حدودها، بحيث يكون لها مواقع “طلائعية” من خلال إقامة علاقات إقليمية، فعلى سبيل المثال كان للاتحاد السوفييتي تأثير على كثير من الدول، ومنها على سبيل المثال دول المعسكر الشرقي، وهي دول تبعد عن حدوده كثيراً.
إن الموقف الذي تتخذه إيران الآن بتواجدها في سورية ولبنان يبعد عن حدودنا كثيراً، والسبب هو أنهم يحاولون من جهة صرف الأنظار قدر استطاعتهم إلى مكان آخر، وعدم جذب انتباه الآخرين إلى الداخل، ومن جهة أخرى هذا يوفّر لهم حالة من الحماية، لأن أي صراع في هذه الحالة سيحدث بعيداً عن حدودهم.. قبل بضعة أشهر أعلن أحد مسؤولي النظام قائلاً: نحن نفضّل أن تكون سورية تحت سيطرتنا على أن تكون خوزستان (عربستان).
جميع حساباتهم الإستراتيجية مبنية على كيفية استمرارهم في هذا التعدّي والتجاوز، وكيفية ممارسة الضغط على الآخرين، وإشغال البعض بأمور أخرى، وفي هذه الأثناء يحاولون إيجاد موطئ قدم لأنفسهم.
النظام يقدم الوعود ومواطنوه يغرقون بالجوع
لقد أثر كلّ هذا على حياة الشعب الإيراني، وحياة الناس وأوضاعهم المعيشية تزداد سوءا يوماً بعد يوم، كيف ينظر الناس أنفسهم إلى هذه الأوضاع، كيف تنظرون أنتم إلى الأمر؟
ضع نفسك مكان أحد أساتذة الجامعات، أو أحد العمال، أو مهندس عاديّ ممن تتراوح رواتبهم الشهرية الآن بين 300 إلى 400 دولار، في حين أن حدّ الفقر الذي أعلن عنه رسمياً هو 500 دولار، لذا من جهة نشاهد أن الناس يعانون الجوع، ومن جهة أخرى يقدم النظام الوعود للناس بأن من يحارب في لبنان أو يقتل في هجوم على المصالح الإسرائيلية، فإنهم سيقومون بتعويض عائلته بمبلغ 7 آلاف دولار، أو إن تمّ تخريب بيته فسيقومون بتعويضه بمبلغ 30 ألف دولار، أي ما يعادل أجر أحد المعلمين لمدة 7 أو 8 سنوات، إذن أين أولويتكم؟ إن المشاكل الاقتصادية في إيران تجاوزت الحدود، الفقر، الفاحشة، الانتحار، هجرة العقول إلى جميع أنحاء العالم، فضلاً عن الأطفال الذين يموتون في الأحواز بسبب التحسس من التلوّث، والذين يموتون بسرطان الدماغ في طهران بسبب أمواج التشويش على القنوات الفضائية، لأن النظام يريد منع استخدام الأطباق اللاقطة، إلى غير ذلك.
يمكنني أن أعرض عليك قائمة طويلة جدا بمصائب الناس في إيران، كل ذلك في حين تمتلئ جيوب رجال الدين هناك أو “الأسياد” على حدّ تعبيرهم بموارد الدولة، وتسيطر فيها مافيا الحرس الثوري على جميع النواحي الاقتصادية للدولة، ولو أراد تاجر عاديّ، بعد فك الحصار، أن يتعامل مع شركة أجنبية، فسيجبرونه على أن يذهب إلى صلاة الجمعة ويطلق الشعارات، وإلا سيمنعونه من أي نوع من التجارة.
في مثل هذه الأجواء يحاول الناس أن يستمروا في حياتهم، لا يملكون قوت يومهم، ولا يتقاضون الأجور في الوقت المحدد، ووضع العمال منهم سيئ جداً، إذن المشاكل ليست واحدة أو اثنتين، فمثلا وضع المدارس في كردستان كارثيّ، والأمر كذلك في بلوشستان، إنّ عنصرية النظام في التعامل مع الأقليات سواء كانت قومية أو مذهبية أو دينية من شأنه أن يمهد الطريق إلى تقسيم الدولة.
ثورة الخميني أطلقت الحركات الإرهابية وأشعلت المواجهات المذهبية
قبل ظهور هذا النظام، لم نكن من قبل قد رأينا مثل هذه الحركات الإرهابية، حتى عام 1979 لم نشاهد مثل هذه الظواهر من قبل إطلاقاً؟
حتى عام 1979 لم تكن قضية المذهب مطروحة فيما يخص علاقات إيران بدول المنطقة، سواء السنية منها أو الشيعية، ولم يكن هناك اختلاف بين القوميات، سواء الكردية منها أو البلوشية أو العربية.
عندما شكلنا مع تركيا والباكستان “حلف الـسنتو” كانت علاقاتنا معهم حسنة، بينما صرحت باكستان قبل عدة أشهر مخاطبة إيران بأنها إن أرادت تأجيج الصراع في المنطقة، وإن أرادت استفزاز السعودية وغيرها من الدول فستقف في وجهها، فما الذي تغيّر في هذه الأثناء، هل الشعب هو من تغير؟ أم أن النظام هو الذي سبب هذه الأزمات؟ للأسف، لقد وصل الأمر إلى مرحلة نشاهد فيها مواجهات بين السنة والشيعة، وهو أمر كان من المستحيل حدوثه في الماضي، وما كان يجب أن يحدث من الأساس، إن الأوضاع ستصلح بعد زوال هذا النظام.
نقلا عن: الوطن اونلاین