إيران تقول على لسان مسؤوليها منذ قيام الثورة إنها تتدخل في الشؤون الداخلية لدول الجوار وما بعد الجوار، وهي تقول ذلك، ومن ثم تفعل وكأنها تقول.
والعرب بالمقابل تطالب إيران قولاً واحداً بأن لا تتدخل، وترفض هذا التدخل قولاً وتندد به وتوضحه بياناً وتضمّن ذلك قرارات في الجامعة العربية، وغيرها من المنظمات التي توثق موقفها بالقول الثابت في الحياة، وليس لها آخرة من هذه الأقوال المكررة.
إيران تدرك نواقص أقوالنا تجاهها وضعف أفعالنا التي لا تتعدى ردود أفعال ضد الأقوال الإيرانية التي تحرض أبناءها دائماً على التدخل في الشؤون الداخلية للدول باسم المصلحة القومية الإيرانية.
ولم نرَ في المقابل قراراً قائلاً بالمصلحة القومية العربية للتدخل في شؤون الدول العربية الأخرى لوقف التدخل الإيراني بمساندة الدولة التي تمارس إيران فيها تدخلها الصريح بالقول والبارود ضربة واحدة بلا انفصال.
سليماني الإيراني يجوب الأراضي العربية المستباحة لإيران ويذرعها كيف يشاء، وهو لم يحصل في أدنى فترات الضعف العربي وموقف العرب كما هو رفض واعتراض وتنديد لهذا الاستفزاز الذي لا يستطيع إيقافه كل أعضاء الجامعة العربية التي تريد من أميركا وأنصارها إيقافها، كيف وقد ارتبط الغرب وعلى رأسه أميركا بدعم المصلحة القومية الإيرانية التي تتوافق في هذه الفترة مع النووي الإيراني الذي أطلق سراحه مؤخراً وسراح المصالح الأخرى تباعاً.
دعونا نتكلم سياسة في هذه المرحلة المأزومة من حياة الأمة العربية، هل العرب كلهم مجتمعون على أن إيران أصبحت خصماً لدوداً وليس نداً قومياً مقابل القومية العربية؟!
وإذا ذهبنا أبعد من ذلك وفقاً للمعادلة الإيرانية التي تحكم اليوم الأوضاع في اليمن التي نحارب «الحوثيين» و«القاعديين» براً وجواً وبحراً هناك، تكمن إيران خصماً أيضاً أم عدواً واضحاً يحمل بندقيته وقنابله وكل ما تحت يديه من فنون القتال على الأرض.
نتحدث دبلوماسياً عن إيران الجارة المسلمة الصديقة الجغرافية التي يصعب زحزحتها عن هذا الموقع الذي ليس لنا يد فيه، ولكننا ابتلينا به، وهو من باب شرور الزمن الذي يجب معرفة كيفية مواجهته دون أن نفقد أنفسنا من خلاله.
الجيش الإيراني وصلت جحافله إلى العراق الخاضع للسياسة الخارجية الإيرانية ومن بعده سوريا التي أصبح فيها الأسد الرهان الإيراني في جولة المغامرة والمقامرة السياسية، التي مكّنت روسيا من إحكام السيطرة على رقاب المعارضين إرهابيين كانوا أو تحريريين، أي بمعنى تحرير البلاد برفقة نظام سامَ أهله أشد ما اخترعه العقل البشري من أنواع العذاب.
وفي لبنان منذ عقود «حزب الله»، يعطل شهرزاد عن لغة الكلام السياسي واستعاضت به الطائفية التي غلفت الحياة السياسية بكل تناقضاتها ومآسيها.
إيران تنتخب أشد متطرفيها في التشدد للتحكم في مفاصل السياسة الخارجية والداخلية، حتى تحديد مصير المرشد القادم، والعرب تكره كلمة الانتخاب بعد حلول ظلام «الربيع العربي» على ليلها البهيم أصلاً من قبل حلول هذا الغول. فكان من نتاج هذا الربيع المذموم نماء شجرة «داعش» التي تنادي الإيرانيين من جديد هلموا لاقتلاعي، فقوَّى ظهور «داعش» شوكة إيران في حلق العرب بدل أن تقوى شوكة العرب لصد الجميع عن اللعب بنار الطائفية الحارقة لكل مسميات الجيرة العربية والإسلامية معاً، فهذا ما تم زرعه منذ عقود لم ننتبه إلا بعد أن حمضت ثمار تلك الشجرة المسمومة ولو ادعى البعض سقيها بمبادئ الإسلام المظلومة من أهلها، ومن ثم تراكم ظلم الآخرين عليها.
بماذا يمكن للعرب أن يواجهوا إيران التي نشرت سرطانها السياسي، وبموافقة من الجسم العراقي واللبناني والسوري والمتمثل في أنظمتها السياسية لتقبل هذا السرطان وانتشاره هناك، بعد أن تم منع استخدام قوى المناعة الذاتية في الدفاع عن أوطانها من هذا العبث الإيراني في المنطقة كلها.
فالعرب قاطبة ليسوا أنداداً أمام إيران وألاعيبها السياسية المكشوفة من قبل مسؤوليها بكل صفاقة! وإنما تعتبر إيران العرب أمة مستضعفة بحاجة إلى منقذ من لدنها، لأنها هي صاحبة شعار نصرة المستضعفين في الأرض من جذور دستورها وليس في هوامش تعليقاتها!
وليس للعرب هذا الدور تجاه شعوبها التي ذاقت منذ عقود ظلم وظلمات بعض أنظمتها السياسية التي لم تلتفت يوماً إلى بعدها الوطني الذي يمكن أن يكون علاجاً واقعياً للكثير من أدوائها، وهي اليوم تدفع الثمن جملة وتفصيلاً وقد أدركت إيران هذه الحقائق الملموسة فبدأت بنشر نفوذ تدخلاتها التي لا يوقفها العرب وقد وقف الغرب معها.
نقلا عن: ایلاف