كان حريّاً بأكثر سياسيينا صداقة لإيران وقرباً منها أن يكونوا أول المحتجين على التصريحات التي أدلى بها منذ أربعة أيام مستشار الرئيس الإيراني روحاني لشؤون الأقليات الدينية والإثنية، علي يونسي، فهي تمثل إهانة سافرة لهم قبل غيرهم.
بلغة متعالية قال يونسي في مؤتمر منتدى “الهوية الإيرانية” إن “إيران اليوم أصبحت امبراطورية كما كانت عبر التاريخ وعاصمتها بغداد حالياً، وهي مركز حضارتنا وثقافتنا وهويتنا اليوم كما في الماضي”، مشدداً على ان “العراق ليس جزءاً من نفوذنا الثقافي فحسب، بل من هويتنا.. وهو عاصمتنا اليوم”، داعياً مواطنيه والسياسيين في بلاده الى التفكير “عالمياً” والعمل “إيرانياً وقومياً”، للهيمنة على منطقة الشرق الأوسط.
لا يمكن التعامل مع أقوال يونسي بانها مجرد هذر في لحظة سكر أو زلة لسان مثلاً، فالرجل شخصية مسؤولة في النظام الايراني، وهو كان يتحدث أمام مؤتمر تحضره وفود من بلدان شتى. انه كلام معيب بكل المقاييس، وما كان له أن يجري على لسان مسؤول كبير في دولة إيران، ففيه تجاوز فاقع على سيادة الدولة العراقية وإهانة للوطنية العراقية. وما كان للكلام أن يمرّ على أسماع زعماء الأحزاب الإسلامية (الشيعية) مروراً عابراً كما لو انه لم يكن.
كلام يونسي يصبّ في صالح دعاية داعش وغيره ممن يبررون نشاطهم الإرهابي في العراق بتوطّد النفوذ الإيراني واتساع نطاقه، وهو ما انفك المسؤولون الإيرانيون، ومعهم مسؤولون عراقيون، ينفون وجود قوات إيرانية على الأرض العراقية، وان كل ما موجود هو 100 مستشار يقدّمون مساعدة طلبتها الحكومة العراقية. لكن تصريحات يونسي، وهو وزير استخبارات سابق، تقول بلسان فصيح ان العراق قد تحوّل الى كوكب يدور في الفلك الإيراني، وان إيران ترى في العراق جزءاً من إمبراطورية فارسية جديدة على غرار الامبراطورية القديمة (الساسانية) التي كانت تتخذ من قطعة قريبة من بغداد (طيسفون) عاصمة شتوية لها.
لا معنى لتصريحات يونسي ولا ضرورة إيرانية أو عراقية لها، عدا كونها تعبيراً عن شعور بالعنجهية القومية، وهو أمر يستفزّ الغالبية العظمى للعراقيين، وبخاصة في هذا الوقت حيث ينغمر العراقيون في حرب مصيرية مع (داعش) الإرهابي ويتطلعون الى دعم نزيه ومساعدة كريمة من جيرانهم وأصدقائهم وليس الى طعنة في الظهر كما يفعل يونسي.
سكوت زعماء الأحزاب الإسلامية (الشيعية) على تصريحات يونسي غير اللائقة يعني قبولاً ضمنياً بهذه التصريحات، يعزّز من الاعتقاد بان الإسلاميين، شيعة وسنّة، لا وطن لهم، وان الشعور الطائفي متمكّن منهم.
أظن ان من اللازم أن يبادر زعماء الإسلام السياسي (الشيعي) الى التنديد بما جاء على لسان يونسي، أو في الأقل معاتبته، والطلب اليه أن يحفظ الأدب ويلزم الحدود ولا يتجاوز على سيادة العراق واستقلاله الوطني ولا على مشاعر الغالبية العظمى من أبنائه وبناته.