أسفرت الانتخابات الرئاسیة في دورتها الحادیة عشرة في إیران التي جَرت یوم 14 یونیو/ حزیران 2013م، عن فوز حجة الإسلام حسن روحاني في الجولة الأولی بأغلبیة أصوات المقترعین.
واستناداً إلی الإحصاء الذي أعلنه وزیر الداخلیة في الیوم الذي أعقب إجراء الانتخابات، فَمِن 50 ملیون مواطن توفّرت فیهم شروط الاقتراع، شارک 35 ملیون شخص في عملیات الاقتراع، وقد أحرز حسن روحاني، 18 ملیون صوت أي الأغلبیة المطلقة من الأصوات وفاز في هذه الانتخابات.
وکان الفارق بین الأصوات التي أحرزها حسن روحاني، وبین المرشَّح المنافس له الذي جاء في المرتبة الثانیة، قد بلغ ما یقارب 12 ملیون صوت، إذ أحرز محمد باقر قالیباف 6 ملایین صوت فقط. ولم یشارک في هذه الانتخابات ما یقارب 15 ملیون شخص من الذین توفَّرت فیهم شروط الاقتراع.
وخلافاً للدورة السابقة للانتخابات الرئاسیة (عام 2009) حیث کان قد جری الإعلان عن نتائج الانتخابات في المدن والمناطق المختلفة في إیران بصورة تدریجیة (وکان مسؤولو مرکز الانتخابات في وزارة الداخلیة یقومون بتلفیق الإحصاءات مرحلة بعد مرحلة)، فإنه هذه المرّة وبعد صَمتٍ استغرق یوماً واحداً، ومع تأخیرٍ استغرق ست ساعات، أعلن وزیر الداخلیة نتیجة الانتخابات کلّها دفعة واحدة خلافاً للدورة الماضیة قبل أربع سنوات حیث کان مسؤولو الدوائر الانتخابیة یتولّون الإشراف علی تجمیع وفَرز الأصوات.
ومنذ البدایة خلال الانتخابات الرئاسیة الماضیة، أبلغ المراقبون عن وقوع تزویر في الانتخابات. وقد تسبّب ذلک في اندلاع الاحتجاجات الشعبیة الواسعة النطاق في الشوارع، والقمع الشدید الذي مارسه النظام الحاکم ضد المحتّجین. في حین لم یکن هناک هذه المرّة أي إشرافٍ أو مراقبة من قِبَل ممثّلي المرشحین في الدوائر الانتخابیة، کما لم یندلع أي احتجاج إثر إعلان وزیر الداخلیة لنتائج الانتخابات.
والحقیقة هي أن النظام الجمهوري الإسلامي، وعبر التجربة المَریرة التي مّرَّ بها في انتخابات الدورة الماضیة، والاحتجاجات الواسعة النطاق التي عمَّت شوارع العاصمة طهران والمدن الکبری والتي تسبّبت في الإساءة إلی سمعة النظام وإزالة شرعیّته، قام هذه المرّة ومنذ البدایة بإعداد المسرح لکي یُجري انتخابات هادئة، وإعداد الساحة مُسبقاً للقضاء علی أي احتجاج.
ففي دورة الانتخابات الماضیة (2009م) بادر آیة الله علي خامنئي مُرشد النظام إلی إجراء انقلاب انتخاباتي في أعقاب الانتهاء من عملیة الاقتراع [التي کانت حسب ما ذکرته جمیع الإحصاءات في صالح میرحسین موسوي] وعبر التلفیق والتزویر أعلن عن فوز أحمدي نجاد في تلک الانتخابات. أما هذه المَرّة فقد أجری خامنئي انقلابه عن طریق مجلس صیانة الدستور في مرحلة دراسة أهلیّات الجاهزین للترشیح لإحراز منصب رئاسة الجمهوریة. في هذه المرحلة رفَض المجلس المذکور أهلیّة اثنین منهم إذ کان بإمکان وجودهما إثارة التوتُّر والفوضی في المجتمع، ولذلک تمّ حرمانهما من فرصة الترشیح لخوض المعرکة الانتخابیة.
وفي هذا الإطار وفي جوِّ أثار استغراب ودهشة الجمیع، أعلن مجلس صیانة الدستور أن أکبر هاشمي رفسنجاني، أبرز شخصیة في الثورة الإسلامیة وفي النظام الإسلامي، والذي توّلی رئاسة مجلس الشوری دورتین، ورئاسة الجمهوریة دورتین، ویتولّی رئاسة هیئة تشخیص مصلحة النظام منذ 16 عاماً وحتی الآن، غیر مؤهَّل للترشیح والتنافس لإحراز منصب رئاسة الجمهوریة في هذه الانتخابات!
خاصة وأنه کان باستطاعة رفسنجاني وعبر مشارکته في الانتخابات أن یستقطب أصوات دعاة الإصلاحات والکثیر من الناقدین والمعارضین للنظام الإسلامي لصالحه. وکان النظام أو بالأحری المرشد، یخشی ذلک ویخاف من أن تعمّ المظاهرات الشعبیة شوارع طهران والمدن الإیرانیة المختلفة مرّة أخری.
والحقیقة هي أن آیة الله خامنئي [الذي أصبح مرشداً للنظام حسب توصیة وتدخُّل هاشمي رفسنجاني] یَعتبر رفسنجاني منافساً له. ولذلک کان خلال الأعوام الماضیة وبخاصة خلال السنوات الأربع الأخیرة وحتی الآن یحاول إقصاءه وحذفه من الساحة.
ومن جهة أخری رفض مجلس صیانة الدستور أهلیّة إسفَندیار رحیم مشائي رئیس مکتب أحمدي نجاد وزمیله القریب منه. لأن مشارکة مشائي في التنافس الانتخاباتي، کان بالإمکان أن تثیر ضجّة أیضاً.
وعلی أي حال فإن من بین 686 طالبَ ترشیحٍ لإحراز منصب رئاسة الجمهوریة في إیران، بادر مجلس صیانة الدستور إلی تأیید أهلیّة 8 أشخاص فقط حیث کان ستة من هؤلاء المرشَّحین من الأصولیین وهم: محمد باقر قالیباف، وسعید جلیلي، ومحسن رضائي، وعلي أکبر ولایَتي، وغُلام علي حدّاد عادل، ومحمد غَرَضي. في حین کان في مواجهتهم حسن روحاني ومحمد رضا عارف.
وکان محمدرضا عارِف [نائب محمد خاتمي رئیس الجمهوریة السابق في فترة الإصلاحات] شخصیة إصلاحیة، کما تمّ تقدیم حسن روحاني کشخصٍ إصلاحي أیضاً. وخلال المنافسات وبخاصة المناظرات التلفزیونیة، تَفوَّق حسن روحاني علی الجمیع ومن ضمنهم منافسه الرئیسي الأصولي محمدباقر قالیباف.
ومن جهة أخری انسحب المرشَّح غلام علي حدّاد عادل رئیس مجلس الشوری الإسلامي سابقاً من جولة المنافسات. ولم یکن یحظی اشتراکه في الانتخابات ـ بأیة أهمیّة تُذکَر. أما انسحاب الشخص الآخر وهو محمد رضا عارف، فقد کان له تأثیر کبیر في مصیر الانتخابات وفوز روحاني.
الانسحاب المصیري
خلال الانتخابات الرئاسیة والتنافس بین المرشحین، ومن أجل تشکیل جبهة موحَّدة من الإصلاحیین لمواجهة الأصولیین، کان الکثیر من دعاة الإصلاحات والناقدین لحکومة أحمدي نجاد ـ یتحدّثون عن ضرورة انسحاب محمدرضا عارف لصالح حسن روحاني. وأخیراً وبناءً علی طلب محمد خاتمي رئیس الجمهوریة السابق والشخصیة البارزة في کتلة الإصلاحیین، أعلن محمدرضا عارف، انسحابه من ساحة الانتخابات لصالح حسن روحاني.
وهکذا تمّ ترسیخ موقف روحاني بوصفه شخصیة إصلاحیة من جهة [في حین لا یمکن وصفه علی أنه من دعاة الإصلاحات بناءً علی خلفیاته التي سوف یتمّ إیضاحها لاحقاً]، ومن جهة أخری بقي في الساحة مرشَّح إصلاحي واحد لکي یواجه خمسة مرشَّحین کلّهم من التابعین لکتلة الأصولیین، وکان یتردد أن آیة الله خامنئي قد اختار سعید جلیلي، لکي یستحوذ علی منصب رئاسة الجمهوریة.
هذا وعلی إثر انسحاب محمدرضا عارف من الساحة، أصبحت أصوات المقترعین الإصلاحیین والساخطین والمستائین من النظام کلها من نصیب حسن روحاني. ولکن من بین المرشحین الأصولیین الخمسة، لم یُعلِن أيٌّ منهم الانسحاب من ساحة المنافسة. وکان من الواضح أن أصوات جمیع مؤیّدي الأصولیین والموالین لخامنئي، سوف یتم توزیعها بین المرشَّحین الخمسة، وبذلک سوف تهبط حظوظ الأصولیین للفوز.
لقد کان الجمیع یعلم ذلک، ومع هذا فإن من المستغرب ألا تتخّذ المنظمات والجماعات الأصولیة أيّ إجراءٍ بشأن انسحاب أربعة من المرشحین والإبقاء علی مرشحٍ أصولي واحد للمنافسة علی إحراز منصب الرئاسة. بل إن حسین شریعت مَداري ممثِّل آیة الله خامنئي في صحیفة کیهان التي تصدر في طهران (وهو أحد أبرز الشخصیات الأصولیة)، انتقد بشدّة المرشّحین الأصولیین، وطلب منهم أن ینسحبوا من الساحة لصالح مرشّحٍ أصولي واحد، لکي تتمّ الحیلولة دون توزیع وتشتیت أصوات الأصولیین، ویصبح المرشح الأصولي قادراً علی التنافس مع مرشح الإصلاحیین.
ولکن وعلی أي حال لم ینسحِب أيّ من المرشحین الأصولیین، وکما کان متوقّعاً فقد تم توزیع أصوات المؤیّدین بین المرشحین الخمسة، مما أدّی إلی أن یکون فارق الأصوات التي کسبها قالیباف (الذي جاء ترتیبه الثاني في نتیجة الانتخابات) 12 ملیون صوت أقلّ من الأصوات التي أحرزها حسن روحاني، الفائز في الانتخابات.
وهکذا فاز حسن روحاني بمنصب رئاسة الجمهوریة في الجولة الأولی من الانتخابات. ولکن یعتقد الکثیرون أن النظام الإسلامي قام بهندسة الانتخابات في مرحلة «دراسة أهلیّة المرشحین» حیث جری رَفض أهلیّة اثنین من الشخصیات البارزة. ولکن في مرحلة الاقتراع، اضطر النظام للرضوخ للنتیجة أي فوز حسن روحاني.
إلاّ أن هذا التحلیل یبدو غیر صائب، لأنّ الجمیع کانوا یعلمون أن المنافسة الانتخابیة کانت بین الإصلاحیین وبین الإصولیین الذین کانوا یحظون بدعم خامنئي. لذلک ومن أجل الحیلولة دون تشتیت أصوات المؤیّدین للمرشحین الأصولیین الخمسة، فقد کان یجب أن تدفع کتلة الأصولیین بمرشحٍ أصولي واحد إلی ساحة المنافسة.
وبطبیعة الحال کان آیة الله خامنئي ومجلس صیانة الدستور والأجهزة الأصولیة الحاکمة، علی علمٍ بتلک الحقیقة. إذ کان بإمکان مرشد النظام أن یشیر إلی ذلک، وکان المرشحون الأصولیون الأربعة قادرین علی الانسحاب لکي یبقی في حلبة المنافسة مرشّح خامنئي الوحید (سعید جلیلي) حتی یکون قادراً علی التنافس ضد روحاني.
أهداف خامنئي
لقد کان باستطاعة آیة الله خامنئي أن یهیئ المسرح بحیث یبقی سعید جلیلی روحاني في ساحة التنافس لإحراز منصب رئاسة الجمهوریة، لکنه لم یفعل ذلک، وهذا لا یعني أنه لم یکن قادراً علی اتخاذ مثل هذا القرار أو أن الأمور فَلتت من یده، بل أن ذلک یعني أن خامنئي أخذ بعین الاعتبار کافة الظروف، ووَجد أن فوز حسن روحاني بمنصب الرئاسة یکون في صالحه وصالح النظام أیضاً.
وهنا تجدر الإشارة إلی أن إحصاءات وزارة الداخلیة أشارت إلی أن حسن روحاني کسب أکثر من 50% من أصوات الناخبین، وفي المقابل أحرز سائر المرشحین في المجموع أکثر من 49% من الأصوات. لذلک فقد کان من السهل جداً أن یتمّ التلاعُب في نتیجة الانتخابات. إذ کان یمکن استبدال الـ 49% بأکثر من 50%، والإعلان عن أن روحاني کسب 49% من الأصوات [کانت الجمهوریة الإسلامیة قد قامت بأکبر وأضخم من هذا التلاعُب في الدورات الانتخابیة السابقة].
لذلک یجب القول بأن خامنئي لم یکن یرید أن یدفع بسعید جلیلي للفوز بالرئاسة بأي ثمن. إذ کان یبدو أن مرشد النظام کان یرید تحقیق عدّة أهداف من هذه الانتخابات:
کان أحد أهداف خامنئي هو إزالة وصمة العار المخزیة التي لطَخَت جبین النظام الإسلامي الحاکم أي التزویر الذي تمّ في الانتخابات الرئاسیة في عام 2009م. فقد کان میرحسین موسوي (رئیس الوزراء الأسبق) وجبهة الإصلاحیین، بل وشریحة کبیرة من الأصولیین أیضاً یعتقدون بأن التزویر قد حدث فعلاً في تلک الدورة من الانتخابات، وکان واضحاً وفاضحاً.
لکن خامنئي أصدر أمره المخزي لقوات حرس الثورة والأمن والتعبئة لارتکاب المجزرة وقَمع المحتجّین بکل وحشیة وقسوة في الشوارع المکتظّة بالمتظاهرین، وتقبّل هذا العار المُخجل، لکنه رفَضَ أن یرضخ لإعادة فَرز أصوات الناخبین من جدید او إعادة إجراء الانتخابات الرئاسیة آنذاک.
وفي هذا الإطار ورغم تکثیف الدعایات طیلة الأربع سنوات الماضیة ضد الإصلاحیین لکي تتمّ إزالة وصمة التزویر التي لطخت انتخابات عام 2009م، فإن المجتمع الإیراني لا یزال لا یثق بالنظام الإسلامي. إذ کان یعتقد بأنه سوف یتمّ التزویر في نتائج الانتخابات هذه المرّة أیضاً. علماً بأن ذلک التزویر الکبیر الماضي کان قد أزال شرعیّة النظام الحاکم.
والحقیقة هي أنه لو کان المرشَّح الذي یُرَجِّحه خامنئي قد کسب بصورة حقیقیة نسبة 60% من الأصوات علی سبیل المثال، لما کان أحدٌ قد تصوَّر بأن عملیة تزویر لم تتم هذه المرّة أیضاً. لذلک فإن أفضل سبیل یختاره خامنئي لو أراد أن یَمحو وصمة عار التزویر الذي ارتکبه في انتخابات عام 2009م، فهو أن یرضح لنتیجه انتخابات هذا العام أي فوز حسن روحاني [علماً بأن هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي شَهِدا علی أن الانتخابات في هذه الدورة کانت حرَّة وسلیمة.]
أما المسألة الأخری التي کان یستهدفها خامنئي، فهي أن یقضي بقدر الإمکان علی الانشقاق الذي استفحل بین المجموعات السیاسیة والتکتُّلات المختلفة. فقد حدثت فجوة عمیقة بین الإصلاحیین ومعهم جماعة کوادر البناء والإعمار، وذوو الإعتدال والوسط، وقسم کبیر من طلبة وأساتذة الحوزه الدینیة في قُم، وحتی قسم من الأصولیین من جهة، وبین النظام الحاکم من جهة أخری.
وحتی أولئک الأصولیین الذین کانوا جمیعاً قبل أربع سنوات یؤیّدون أحمدي نجاد، انشقّوا والتحقوا بالجماعات الأخری.
ونشیر هنا إلی أن کل ذلک یدلّ علی انهیار النظام الحاکم في إیران من داخله، في الوقت الذي تواجه فیه الجمهوریة الإسلامیة مشاکل خانقة علی الساحتین الداخلیة والدولیة، ولذلک فهي في حاجة وبشدّة إلی وحدة القوی داخل البلاد. وعلی هذا الأساس کان خامنئي یستهدف ترمیم وتغطیة هذه الفجوة وهذا الشقاق.
ومن جهة ثانیة تجدر الإشارة إلی أن النزاع الذرّي الذي تخوضه الجمهوریة الإسلامیة ضد الدول الغربیة حالیاً، قد بلغ مرحلة حسّاسة وخطیرة. فلو أراد خامنئي [وخلافاً لمواقفه المتزّمِتة التي یلتزم بها] أن یتراجع ویتصالح في المسألة الذریة، وأن یشربَ ما یُعَرف بکأس السُّم، فیجب علیه أن یتلقّی کأس السُّم هذا من ید شخصٍ کـ «حسن روحاني» الذي کان قبل ذلک قد تصالح مع العالم الغربي.
وفي هذه الظروف لم یکن أمام آیة الله خامنئي سوی اتخّاذ واحد من ثلاثة مواقف: فإما أن یختار شخصیّة أصولیة متطرّفة کسعید جلیلي (أو أصولي آخر من المرشّحین الخمسة عبر التزویر أو بأیّة طریقة اخری) لیُصبح رئیساً للجمهوریة في هذه الانتخابات الرئاسیة، وفي هذه الحالة فإن الانشقاق سیزداد بین المجموعات السیاسیة، وتزداد معارضة الشخصیات التي أدّت دوراً بارزاً في الثورة الإسلامیة کهاشمي رفسنجاني، والحوزات الدینیة، بل وفي النهایة کان سیفوز شخصٌ أضعف من أحمدي نجاد بمنصب رئاسة الجمهوریة. علماً بأن سعید جلیلي مرشَّح المرشد لم یکن أفضل من أحمدي نجاد.
أما الموقف الثاني الذي کان یواجِه خامنئي فهو أن یفتح الطریق أمام الإصلاحیین ویختار محمدرضا عارف، (المرشح الإصلاحي) لیفوز بمنصب رئاسة الجمهوریة. لکن تجربة حکم الإصلاحیین الذي استغرق ثماني سنوات، أثبتت أن خامنئي لا یثق بهذه الکتلة. أمّا کوادر البناء والإعمار والمعتدلون الوسط (بزعامة هاشمي رفسنجاني)، فلم یکن خامنئي یرغب في التعامُل معهم. ولهذا تمّ رفض أهلیّة رفسنجاني وأدّی ذلک إلی حرمانه من المشارکة في الانتخابات.
وعلی هذا الأساس کان السبیل الوحید أمام خامنئي هو أن یدفع بمرشّحٍ أصولي ذي آراء معتدلة کـ «حسن روحاني» [وکان قد تمّ تقدیمه کأصولي وفي الوقت نفسه من دعاة الإصلاحات ومعتدل.].
هذا ونشیر هنا إلی أن لخامنئي تجربة مَریرة جداً مع أحمدي نجاد وحکومته ففي الانتخابات الرئاسیة التي جرت في عام 2005م، أراد خامنئي أن یهیمن علی کامل السلطات في البلاد، ولذلک بادر إلی اختیار شخصٍ له خلفیّة عادیة وهو أحمدي نجاد الذي کان قد عَبَّر عن إخلاصه وتبعیّته وتفانیه لخامنئي، فدفعه إلی الأمام خلال منافسته لرفسنجاني، لیفوز ویتولّی رئاسة الجمهوریة (عبر التزویر).
ثم في عام 2009م وفي أعقاب التزییف والتزویر في نتیجة الانتخابات الرئاسیة في تلک السنة، واندلاع الاحتجاجات الشعبیة، وارتکاب قوات الأمن المجزرة، والقَمع الوحشي للمحتجّین ضد النظام (بأمرٍ من خامنئي)، قام المرشد بترسیخ أحمدي نجاد في منصبه کرئیس للجمهوریة لفترة ثانیة.
لکن أحمدي نجاد وخلال العامین الأخیرین من رئاسته للجمهوریة، بدأ التحدّي والمواجهة والصمود أمام خامنئي بشکلٍ سافر وأساء إلی مکانة الولي الفقیه بشدّة.
ومن جهة أخری فإن الأعوام الثمانیة التي تولّی الحکم خلالها في إیران هذا الأصولي المتطرِّف (أي أحمدي نجاد) کان یحظی بدعمِ وتأیید خامنئي، لم تثمر شيئاً سوی إنها حقّقت الفقر والبؤس والتعاسة والشقاء في الداخل، وأثارت الأزمات والتوتّرات الشدیدة الاجتماعیة والسیاسیة، وأیضاً أدّت إلی تصعید النزاع الذرّي والمزید من العزلة لإیران علی الساحة الدولیة.
وهکذا وفي النهایة اتّخذ خامنئي قراراً بعدم العودة إلی فترة الإصلاحات، بل العودة إلی فترة الاعتدال التي کان یتزعمها آنذاک رفسنجاني والتي حکمَت البلاد قبل فترة الإصلاحات.
من هو روحاني
خلال المنافسات الانتخابیة، تمّ وَصف حسن روحاني بأنه إصلاحي مُعتدل ولهذا السبب استطاع أن یکسب أکثر من 50% من أصوات الناخبین. الجدیر بالذکر أن التنبّؤات کانت تشیر إلی أن خامنئي ینوي أن یضمن فوز المرشح الأصولي سعید جلیلي أو المرشح الأصولي الآخر علي أکبر ولایتي بمنصب رئاسة الجمهوریة. لکن هذا الموضوع تسبّب في أن یُدلي الناخبون بأصواتهم لصالح المرشح الذي کان مُلتَزماً بالاعتدال.
وفي الحقیقة وکما قال غالبیة المحلّلین، فإن أصوات أولئک الناخبین کانت تدعو إلی «التغییر»، وفي الوقت نفسه کانت أصوات المواطنین تعبِّر عن معارضتهم لمرشد النظام الحاکم وسیاساته المتزمّتة والصارمة.
هذا وعلی إثر فوز حسن روحاني في هذه الانتخابات، احتشد الکثیر من المواطنین وبخاصةٍ الشباب في شوارع طهران والمدن الأخری وأقاموا الاحتفالات التي استغلّوها فأطلقوا الهتافات السیاسیة وطالبوا بالإفراج عن السجناء السیاسیین وأیضاً رَفع الإقامة الجبریة عن میرحسین موسوي ومهدي کرّوبي. وبالرغم من أن هذه الاحتفالات تَحوّلت إلی نوعٍ من المظاهرات السیاسیة، فإن قوات الشرطة والأمن لم تُبد أي ردّ فعل.
هذا ویتوقّع الشعب الإیراني أن یبادر حسن روحاني إلی تنفیذ الإصلاحات وإطلاق الحریات في البلاد، کما یتوقّع المواطنون أن یُخَفِّف التوتّرات القائمة حالیاً في العلاقات مع بلدان المنطقة ومع الدول الغربیة، وأن یقوم بإعداد الأجواء لإلغاء الحظر الدولي المفروض علی إیران في جمیع المجالات، وأن یُنهي سوء الإدارة المتفشّي في الشؤون الاقتصادیة.
أما مَن هو حسن روحاني: کان اسمه بالکامل: حسن فریدون. لکنه بادر فیما بعد إلی تغییر الاسم العائلي من «فریدون» إلی «روحاني» واشتهر باسم «حسن روحاني». وُلِد في عام 1948 في اُسرة دینیّة، وکان أبوه وجَدَّه من رجال الدین. وکان هو من المؤیّدین لآیة الله خمیني، ورافقه في کفاحه في عهد النظام السابق. ومنذ تأسیس النظام الجمهوري الاسلامي، تولّی مناصب حسّاسة.
وحین کان حسن روحاني یدرس في الحوزة الدینیة في مدینة قُم، ومارس الدراسة بالتزامُن مع ذلک في جامعة طهران في فرع الحقوق، وحصل علی شهادة بکالوریوس. وفي عِقد التسعینات دَرَس في جامعة جلاسکو في بریطانیا وحصل علی شهادة الدکتوراه في الحقوق السیاسیة من هذه الجامعة.
وفي السنوات الأولی بعد تأسیس الجمهوریة الإسلامیة کلّفه مرشد النظام بدراسة أوضاع الجیش الإیراني. وطوال سنوات الحرب ضد العراق، مارس حسن روحاني خدماته عبر مناصب مختلفة تولاّها بجانب هاشمي رفسنجاني الذي کان قد تولّی آنذاک القیادة العامة للقوات المسلّحة.
لقد تمّ تعیین حسن روحاني منذ بدایة فترة رئاسة رفسنجاني للجمهوریة في عام 1989، أمیناً للمجلس الأعلی للأمن الوطني (وهو أعلی منصب أمني في إیران)، وکان قد تولّی روحاني هذا المنصب لمدة 16 عاماً حتی انتهاء فترة حکم محمد خاتمي رئیس الجمهوریة السابق في عام 2005م، وبصفته أمیناً للمجلس الأعلی للأمن الوطني، فقد أدّی دوراً أساسیاً في جمیع الإجراءات التي اُتُّخِذَت في تلک الحقبة من ضمنها یمکن الإشارة إلی اغتیال المعارضین للنظام الإسلامي المقیمین خارج البلاد ـ عملیات القمع في الداخل ـ سلسلة الاغتیالات التي حدثت داخل البلاد ـ قَمع الحرکة الطلاّبیة و…
وکانت صحیفة «واشنطن بوست» قد شرحت مؤخراً دور حسن روحاني في قضیة تفجیر مرکز الیهود في العاصمة الأرجنتینیّة بوینس آیرِس في عام 1994. وکتبت هذه الصحیفة استناداً إلی الوثائق الموجودة وإلی البیان الذي أصدره المدّعي العام في الأرجنتین، قائلة:
«إن حسن روحاني بصفته أمیناً لمجلس الأمن الوطني، کان عضواً في اللجنة التي اتخذت قراراً بتکلیف حزب الله بالقیام بتفجیر مرکز الیهود في بوینس آیرس. ولکن لا ندري هل کان روحاني من الموافقین علی ذلک القرار أم لا؟ إلاّ أنه کان علی عِلمٍ بهذه الهجمة الإرهابیة دون شک».
هذا وفي تلک الفترة أدّی حسن روحاني دوراً إیجابیّاً في قضیة النزاع الذرّي مع البلدان الغربیة. فمنذ أن تولّی رفسنجاني رئاسة الجمهوریة آنذاک، کان المذکور یؤدّي دور کبیر المفاوضین الإیرانیین مع الدول الأوربیة الثلاث الکبری بریطانیا وفرنسا وألمانیا، وعقدت المفاوضات بهدف إزالة التوتّرات وتطبیع العلاقات، وقد حقّق روحاني بعض النجاحات في هذا المضمار.
کما توصّلت المفاوضات مع دول مجموعة 1+5 إلی اتفاق صدر علی إثره بیان «سعد آباد» في طهران عام 2003م حیث قامت الجمهوریة الإسلامیة بموجبه وبصورة طوعیة بإیقاف عملیات تخصیب الیورانیوم. ولکن وقبل شهرین من انتهاء الفترة الرئاسیة لمحمد خاتمي، واقتراب بَدء فترة رئاسة أحمدي نجاد، تمّ کَسر الختم والشمع الأحمر الذي کانت الوکالة الدولیة للطاقة الذریة قد وضعته علی الأبواب المغلقة للمنشآت الذریة الإیرانیة، واستأنفت الجمهوریة الإسلامیة عملیات تخصیب الیورانیوم.
ومع الأخذ بعین الاعتبار هذه الخلفیّات، فقد واجَه فوز حسن روحاني بمنصب رئیس الجمهوریة الإسلامیة، ترحیب الحکومات الغربیة. فقد أعلن المسؤولون في أمریکا وبریطانیا وفرنسا وألمانیا عن استعدادهم للتعاون معه.
وفي خطاباته الانتخابیة، کان قد أکدّ حسن روحاني علی أن من حق إیران أن تمارس الأنشطة الذریة السلمیة، وقال إن الحظر المفروض علی الجمهوریة الإسلامیة هو إجراء ظالم وجائر، ویجب علی الدول الغربیة أن تعلم بأن هناک سُبُلاً سلمیّة للتوصُّل الی الثقة والإطمئنان بشأن الأنشطة الذریة الإیرانیة.
تجدر الإشارة إلی أن حسن روحاني الذي تولّی مناصب مختلفة، انضمّ منذ سنین إلی هیئة تشخیص مصلحة النظام. فمنذ أن انتهت الفترة الرئاسیة لرفسنجاني، وصدر قرار بتعیینه رئیساً لهیئة تشخیص مصلحة النظام، تولّی روحاني أیضاً رئاسة مرکز الدراسات الاستراتیجیة التابع لهذه الهیئة، ولا یزال یحتفظ بهذا المنصب.
ومن جهة أخری فإن حسن روحاني وقبل أن یکون قریباً من الإصلاحیین، فإنه أقرب إلی الأصولیین ویجب أن نعتبره واحداً منهم لکن أفکاره معتدلة (یرأس هذا التیار السیاسي أکبر هاشمي رفسنجاني). علماً بأن روحاني یحتفظ بعلاقات وثیقة مع دعاة الإصلاحات أیضاً ویحظی بدعم خاتمي والإصلاحیین له. کما إن علاقاته مع الأجهزة التابعة لمرشد النظام ومع المرشد آیة الله خامنئي شخصیاً، هي علاقات جیدة.
وعلی أي حال فإن هذا الشخص الذي فاز بمنصب رئاسة الجمهوریة، والذي تثق به جمیع التکتّلات السیاسیة، من المتوقَّع أن یکون باستطاعته إیجاد توازن بین القوی في النظام الإسلامي. وکان روحاني قد وَعدَ بأن یضمّ في حکومته ممثّلین عن المیول والاتجاهات السیاسیة المختلفة.
أما علی الصعید الدولي، فإن البلدان الغربیة تتوقَّع بأن یکون بإمکان روحاني أن یُنهي النزاع الذرّي. کما تتوقَّع بلدان المنطقة أیضاً بأن یُنهي تَدخُّل الجمهوریة الإسلامیة في شؤونها الداخلیة، وأیضاً یُنهي النزاعات القائمة حالیاً. وفي هذا الإطار أعلنت المملکة العربیة السعودیة أنه لو أنهی روحاني هذه التدخلات، فسوف تتعاون معه.
وکان حسن روحاني والأمیر (الراحل) نایف بن عبدالعزیز وزیر الداخلیة السعودي آنذاک قد وَقّعا علی اتفاقیةٍ نَصَّت علی «أن الجمهوریة الإسلامیة سوف تَمتنِع عن التَدخُّل في الشؤون الداخلیة لدول الجوار». ولذلک فمن البدیهي أن تَتوقَّع دول المنطقة الآن بأن یتم إنهاء النزاعات القائمة.
البرامج والقدرات
أعلن حسن روحاني رئیس الجمهوریة الإسلامیة المُنتَخب الذي اختار لحکومِته شعار «حکومة التَدبُّر والأمل» أعلن عن برامجه التي ینوي تنفیذها في المجالات المختلفة بشکلٍ عام إثر تحقیق الفوز في الانتخابات وهي کالتالي:
تشکیل حکومة اتحاد وطني ـ وإنهاء الجو الأمني في البلاد ـ وإزالة التوتّرات في العلاقات الدولیة ـ وبذل الجهود لإزالة الحظر الدولي المفروض علی إیران ـ والسعي لمواصلة المفاوضات الذریة، وإنهاء النزاع القائم في هذا المجال ـ إجراء دراسة للأوضاع الاقتصادیة في إیران ـ وتصعید النمو الاقتصادي وتقلیص الاستیراد ـ وتوزیع الإعانات المالیة الحکومیة بصورة عادلة بین المواطنین ـ والتحکُّم في السیولة النقدیة والتضخُّم المالي ـ ومَنح الحریة للجمعیات المهنیّة ـ وإعادة تشکیل وإحیاء منظّمة التخطیط والإدارة ـ وإصلاح أوضاع الجامعات ـ وبرامج أخری اقترحها روحاني.
والحقیقة هي أن حکومة أحمدي نجاد التي واصلت الحکم ثماني سنوات في إیران، خَلَّفت أوضاعاً مُزریة سواءً في داخل البلاد أو في الساحة الدولیة. وسوف یقوم أحمدي نجاد بتسلیم حسن روحاني بَلداً مُفلِساً سیاسیاً واقتصادیاً واجتماعیاً.
ومن المسلّم به أن ترمیم وإصلاح هذه الأوضاع المزریة، یُعتَبر عملاً شاقاً وصعباً جداً، في الوقت الذي نری فیه أن نطاق عمل روحاني محدود جداً، ولیس بإمکانه تلبیة کافة التوقُّعات. وفي هذا الصدد قال محمد خاتمي رئیس الجمهوریة السابق: إنه یجب ألا نتوقَّع من روحاني أن یصنع المعجزات. کما یجب أن لا نثیر التوقّعات لکي لا یستغّلها المنافسون السیاسیون کسلاحٍ ضد روحاني.
والحقیقة هي أن تعیین السیاسات العامة في النظام الجمهوري الإسلامي، وعلی سبیل المثال أي تغییر في السیاسات الذریة ـ والتفاوض مع أمریکا ـ والعلاقات مع البلدان الإسلامیة ـ والکثیر من المسائل الأخری، هي في نطاق حقوق وسلطات مرشد النظام، ولیس بإمکان رئیس الجمهوریة أن یتدخَّل في ذلک النطاق.
أما بالنسبة لمسألة منح الحریات السیاسیة، وحریة التعبیر، وحریة الصحافة، وحرّیة وسائل الإعلام بنسبة محدودة جداً، فإن بإمکان مرشد النظام والأجهزة الحاکمة أن یطیقوا ذلک. ومن هذا المنطلق فحتی لو أراد ورغب روحاني في القیام بتنفیذ بعض الإصلاحات في المجالات المختلفة، فإن نطاق عمله ومقدرته علی تحقیق یُعد محدوداً جداً.
ولکن وعلي أي حال فإن سوء الإدارة الذي کان متفشیّاً في حکومة أحمدي نجاد منذ ثماني سنوات، أثار الفوضی والاضطراب والتشویش في الحیاة المعیشیة للمواطنین من الناحیتین الاقتصادیة والاجتماعیة. فإذا لم یستطع حسن روحاني في المراحل الأولی تغییر شيء في السیاسات العامة في إیران، فبإمکانه أن یزیل آثار سوء الإدارة الذي کان متفشّیاً في حکومة أحمدي نجاد، وهو أمر قد یساعد بعد القضاء علیه، في تحقیق الرخاء للشعب.
هذا ولیس بالإمکان أن نتوقَّع من حسن روحاني بأن یحقّق أعمالاً ضخمة، لکن من المحتمل جداً أن یشکّل حکومة مماثلة للحکومات التي کان یشکلّها رفسنجاني في فترة رئاسته للجمهوریة والتي کانت نشیطة وعملیة تسعی لإزالة مشاکل البلاد.