لا ينبغي للرؤساء الثلاثة (الجمهورية والنواب والحكومة) أن يلوموا غير أنفسهم عمّا يجري الآن في البلاد من أحداث تنال من سلطاتهم ومن هيبة مناصبهم، وتُنذر بمخاطر جسيمة في هذا العراق المهدَّد كيانه بالفناء إما بحرب أهلية مركبة، بين القوميات وبين الطوائف وبين قوى كل طائفة، أو بالتقسيم إلى ثلاثة كيانات ستكون متحاربة أيضاً، أو باستمرار حال الدولة الفاشلة التي هو عليها الآن، بل منذ عشر سنين في الأقل.
في عزّ الأزمة المشتدّة الآن، وجّهَ رئيس الحكومة مساء الخميس كلمة إلى الشعب العراقي جدّد فيها تعهداته المتكررة منذ ثمانية أشهر بالإصلاح السياسي والتغيير الإداري من دون أن يتقدّم خطوة واحدة في اتجاههما.
بعد يوم اقتفى رئيس الجمهورية أثر رئيس الحكومة ووجّه كلمة حضّ فيها على “إجراء إصلاحات حقيقية وشاملة .. والابتعاد عن المحاصصة”. في اليوم الثالث (أمس) أطلّ رئيس مجلس النواب”المقال!” عبر الشاشة أيضاً ليُعلن تأجيل جلسات البرلمان ويدعو الاطراف السياسية للحوار والتوصل الى حل للأزمة الراهنة.
الرؤساء الثلاثة في كلماتهم هذه لم يتحدثوا في ما ينفع ويفيد حقاً في الخروج من الأزمة الحالية، ووضع القدم على أول الطريق المفضية إلى حل الأزمة العميقة المتواصلة منذ أكثر من عشر سنين، والمتفاقمة سنة بعد أخرى والمُنذرة بـ “جرّ البلاد الى المجهول والسقوط في الهاوية” على حدّ تعبير رئيس الحكومة في كلمته.
ليس في وسع الكلام أن يفعل شيئاً، والكلمات التي أجهد الرؤساء الثلاثة أنفسهم ومستشاريهم في انتقاء مفرداتها وصياغة جملها وفقراتها ستكون وكأنها لم تكن، شأن كلّ الكلام المماثل الذي قالوه، وغيرهم، من قبل في مناسبات عدة وظروف مختلفة.
مجرد الكلام الذي لا يُسمن ولا يغني من جوع، ليس هو ما كنا ننتظره من الرؤساء الثلاثة، فهذا مما لا يلزم أي عراقي أو عراقية.. كنا ننتظر أفعالاً.. إجراءات عملية تفتح كوّة في نهاية النفق الذي نحن فيه الآن ليدخل منها شعاع أمل بالبدء بما أعاد رئيس الحكومة التعهد به ودعا اليه رئيس الجمهورية: الإصلاح والتغيير وإلغاء المحاصصة.
في سائر دول العالم بوسع رؤساء الجمهورية والبرلمان والحكومة، إذا ما اتفقوا على شيء، أن يحققوه، بفعل السلطة الموضوعة بين أيديهم والصلاحيات التي يتمتعون بها. فمن ذا الذي يُمكنه أن يُصلح النظام السياسي ويُغيّر الحكومة ويُلغي المحاصصة ويُكافح الفساد الإداري والمالي إذا كان رؤساؤنا غير قادرين عليه ويطلبون من غيرهم تحقيقه؟ وبماذا يُلزمنا رؤساء من هذا النوع إذا كانوا لا يستطيعون فعل شيء؟
بالطبع نحن نُدرك أن رؤساءنا هم في وضع العاجز عن القيام بهذا، لأنهم محكومون ليس بالدستور وأحكامه وإنما بنظام المحاصصة الذي يُمكن له أن يُطيح بهم وبسلطاتهم بمثل ما وضعهم في مناصبهم.
ما يتعيّن أن يدركه الرؤساء الثلاثة أن لا مناص الآن من إلغاء نظام المحاصصة. وبرغم كل شيء فان في إمكانهم الدفع بعجلة الإلغاء إلى الأمام، مستندين إلى قوة الزخم التي يقدّمها الحراك الشعبي المتواصل للشهر التاسع على التوالي. لكن هل هم يريدون إطاحة نظام المحاصصة عن حق؟
*نقلاً عن العربیه