الأزمات العربية كشفت عن مكامن خلل كشفها استمرار الإرهاب وتمدده في العالم العربي، فعلى الرغم من الحشد الدولي الكبير لمحاربة «داعش» في سوريا والعراق، نشهد اليوم تمدد هذا التنظيم الإرهابي في ليبيا، ما يهدد أمن واستقرار الدول المجاورة لهذا البلد المنكوب، خصوصًا بعد هجوم سبعين إرهابيًا متشددًا على ثكنة عسكرية ومركزي أمن في مدينة بن قردان التونسية الحدودية مع ليبيا.
تمدد «داعش» في ليبيا يعد مصدر تهديد جدي لتونس والجزائر ومصر، وقد يمتد إلى الدول الأفريقية جنوب الصحراء.
السؤال: لماذا تمدد «داعش» في ليبيا؟ وهل مشكلة ليبيا مرتبطة بوجود تنظيم داعش؟ وهل التدخل الغربي في ليبيا، وعلى رأسه التدخل الأميركي والفرنسي والبريطاني، سيحل معضلة الإرهاب ويؤدي إلى استقرار هذا البلد، أم أن معالجة الإرهاب تتطلب دراسة متأنية ودقيقة لواقع ليبيا داخليًا؟.. وهل علينا أن نتساءل لماذا فشلت المصالحة الوطنية بعد مرور عدة سنوات على سقوط الطاغية القذافي؟ لماذا الاحتراب والحروب الداخلية في ليبيا؟ ولماذا يصر الليبيون على الانتقام من القبائل والشرائح المحسوبة على نظام القذافي؟ وإلى متى تستمر سياسة الانتقام؟ لماذا لا تزال عقلية الاستئصال والإصرار على اجتثاث الآخر متأصلة فينا؟ المشكلة لا يمكن اختصارها في تنظيم داعش الإرهابي.. المشكلة متعلقة بالعقلية والفكر العربي – الإسلامي.. كيف يمكن الخروج من المأزق التاريخي الذي وقعنا فيه.. كيف يمكن بناء دولة المؤسسات والقانون والتسامح؟
يخطئ من يظن أن المعضلة تتلخص في المسؤولين فقط. المصيبة أيضًا في الشعوب التي تربت على الحقد والكراهية وعلى الاهتمام والاكتراب بالوطن.. الشعوب لا يزال ولاؤها للقبيلة والطائفة والعائلة والدين والمذهب، وكل طرف يدعي أنه يمثل مصلحة الوطن. كل شعوب العالم التي مرت بأزمات وحروب داخلية، مثل جنوب أفريقيا وكمبوديا وأميركا اللاتينية، خرجوا من أزماتهم، لأن ثقافتهم مختلفة عن ثقافتنا، ومعظم أنظمتنا لا تؤمن بتداول السلطة ولا باحترام حقوق الإنسان، ولا تتوفر لديها عدالة اجتماعية ومبدأ تكافؤ الفرص للجميع.
مرة أخرى لماذا يتحارب أبناء الوطن الواحد في ليبيا أو العراق أو اليمن أو غيرها؟.. السبب الحقيقي يعود إلى فقدان المصالح المشتركة بين فئات المجتمع الواحد، سواء أكانوا مسلمين أم مسيحيين أم شيعة أم سنة. عندما ترتبط مصالحنا وإنسانيتنا مع بعض، يشعر كل طرف بأن مصالحه مرتبطة بمصلحة الطرف الآخر من منطلق وطني وإنساني.
السؤال: هل ازدياد التدخل الغربي في ليبيا سيحقق الهدف المعلن عنه وهو ضرب «داعش» قبل أن يزيد من تمدده ليس في مدينة سرت فقط، بل أيضًا غرب العاصمة طرابلس وفي الجنوب؟
هنالك جدل في فرنسا بين وزارة الخارجية التي تمثل جناح الحمائم (المسالم) الذي يرى أن على فرنسا الحذر وعدم التدخل، لأن فرنسا تمددت أكثر من اللازم في تدخلها لمحاربة الإرهاب في كل من مالي، وأفريقيا الوسطى، وبلدان الساحل الأفريقي (النيجر وتشاد)، وسوريا والعراق.. حيث يرى المسالمون بأن من مصلحة فرنسا التركيز على وضعها الداخلي في محاربة الإرهاب واجتثاث جذوره. أما وزارة الدفاع التي يمثلها الصقور فهم يرون أهمية التدخل في إطار التحالف الدولي ضد الإرهاب.
وزيرة الدفاع الإيطالية ذكرت أن نشر قوات برية في ليبيا فكرة سخيفة، لكن لا يمكن للدول القريبة تقديم دعم أمني إلى الليبيين مثل بعث مستشارين ومدربين عسكريين مع ترك العمليات البرية ضد تنظيم داعش للقوات المحلية.
وزير الداخلية الليبي المقترح في حكومة السراج أكد أن مكافحة الإرهاب على رأس الأولويات. وأوضح أن دول التحالف الغربية حذرة جدًا من التدخل بشكل مفاجئ في ليبيا.. فحربهم ضد الإرهاب في سوريا ستكون مثل تدخلهم في العراق وسوريا.. محدود جدًا… ما نتخوف منه فعلاً هو أن تعمد الدول الغربية على إقناع العرب بشكل عام والخليج بشكل خاص على التدخل في ليبيا تحت غطاء محاربة تنظيم داعش الإرهابي.. ويطلبون منا تزويد الأفراد بالمال لمحاربة «داعش».. علينا أن نكون واضحين بأن الأولوية لمحاربة الإرهاب ستكون في محاربته في بلداننا ومحاربة الإرهاب في ليبيا تقع على الشعب والحكومة الليبية، ولا أحد غيرهم، التدخل الغربي في ليبيا سيفاقم المشكلة أكثر، لأن البيئة الاجتماعية في ذلك البلد المنكوب معادية للغرب.
نقلأعن :إيلاف