إجلالا للأشهر الحرم واحتراما لموسم الحج.. أوقفوا القتال وسفك الدماء



٢٠١٩٠٧٠٦_١٠٤٥٥٥.jpg

FOR ARABIC  SECTION

ونحن نستقبل الأيام الأولى من شهر ذي القعدة؛ فاتحة الأشهر الحرم وهي أيضا ذو الحجة ومحرم ورجب، فإننا ندخل في فترة زمنية حرم الله سبحانە وتعالى فيها القتال باستثناء رد العدوان أو درئه، ولأنه يصادف فيه موسم الحج”الشعيرة المقدسة لدى الأمة الإسلامية جمعاء”، فإن لهذا التحريم مبرراته ومسوغاته الظاهرة والباطنة، إذ أن حکمة الله عزوجل هي حکمة لها أبعاد وعمق ليس من السهل إدراك کل جوانبها وقد خاطب تعالى البشرية في کتابه الکريم “وماأوتيتم من العلم إلا قليلا”.

تحريم القتال في الأشهر الحرم لتأثيره على موسم الحج.. والأمن إحدى رکائز وأساسيات الحياة الإنسانية

 من الواضح أن لشعيرة الحج قدسيتها الخاصة عند المسلمين جميعا، لذلك فإن القتال فيه سيٶثر سلبا على موسم الحج ويتسبب في انعدام الأمن الذي يعد إحدى رکائز وأساسيات الحياة الإنسانية التي أشار القرآن الكريم إليها”أي إلى الأمن” في سورة إيلاف”فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف”، وإننا لو تمعنا ودققنا النظر في هذه السورة الکريمة، فإننا نجد أن الله تعالى قد ربط نسب الإطعام وتوفير الأمن إلى نفسه، ولذلك فقد کانت لقضية الأمن أهميتها الاستثنائية في الإسلام وبشکل خاص في موسم الحج الذي لايجب تعکير صفوه لأن الناس عندما تحج إلى بيت الله، فإنها في ضيافة الرحمن وإن من يعمل على الإخلال بهذه الضيافة فإنه يتحمل وزر ذلك من دون أي شك، خصوصا إذا کان هناك مجال لعدم الإخلال ولم يکن الأمر خارجا عن الارادة والتقدير.

القرآن يؤكد في نصوصه على تحريم القتال في الأشهر الحرم

إن الله تعالى عندما حرم القتال في الأشهر الحرم کما جاء في کتابه الکريم:” يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون”.

 ومن المفيد جدا توضيح أن الذين سألوا عن الشهر الحرام في هذه الآية کانوا کفارا وکما جاء في التفاسير؛ فهم الذين سألوا الرسول عن القتال في الشهر الحرام، حتى لو أخبرهم بأنه حرام فتكوا به، واستحلوا قتاله فيه، فأنزل الله تعالى هذه الآية : ” يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه ” أي : يسألونك عن قتال في الشهر الحرام “قل قتال فيه كبير” ولكن الصد عن سبيل الله وعن المسجد الحرام والكفر به أكبر من ذلك القتال” ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم” فبين تعالى أن غرضهم من هذا السؤال أن يقاتلوا المسلمين، ثم أنزل الله تعالى بعده قوله : “الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم” فصرح في هذه الآية بأن القتال على سبيل الدفع جائز، ما يعني أن الإسلام يدعو لتجنب القتال في الأشهر الحرم، خصوصا في موسم الحج ماأمکن بل أعطاه أفضلية کما قد أوضحنا.

موسم الحج مناسبة لإعلان هدنة إکراما وإجلالا للإسلام والمسلمين

 ولأننا قد دخلنا في الأشهر الحرم ونحن على أعتاب استقبال موسم الحج، واستقبال بيت الله الحرام لضيوفه من أبناء الأمة الإسلامية من سائر أرجاء العالم، فإننا نجدها فرصة مناسبة جدا لنوجه نداءنا إلى جميع الأطراف المتناحرة من المسلمين بأن يعملوا من أجل إعلان هدنة إکراما وإجلالا للأشهر الحرم ولموسم الحج وللإسلام والمسلمين جميعا وإن هکذا خطوة مسٶولة سوف تبعث الأمل والثقة في بلداننا الإسلامية والعربية على حد سواء وتحفز على التفاٶل، خصوصا وأن الإقبال على الأحسن والأفضل يبارك فيه الله ويعمل ببرکته على تنقية النفوس والقلوب بين الاطراف المتناحرة، ولاريب من أننا نجد من المستحسن تذکير الأطراف المتناحرة وهي کما نعلم جميعا عربية، بأنه في الأخلاقيات والعادات والتقاليد العربية قبل الإسلام قد التزم العرب باحترام وتوقير هذه الأشهر فلم يتقاتلوا فيها،  وإننا إذ نوجه دعوتنا هذه إلى الأطراف المتقاتلة بأن يتوجهوا لإعلان هدنة حبا بالله وتقربا وتقوى منه وليثبتوا لله وللأمة الإسلامية من أنهم-أضعف الإيمان- لايريدون إراقة دماء إسلامية في هذه الأشهر التي حرم الله تعالى القتال فيها، وإننا ندعو من الله تعالى أن يهدأ النفوس ويجعلها تجنح للسلم والاتفاق على هدنة سوف يبارك الله تعالى بها وقد يجعلها بعونه ومشيئته بداية لمرحلة جديدة قد يکون فيها بإذنه تعالى کل الخير والبرکة للمسلمين وللعرب جميعا، وقل إعملوا فسيرى الله عملکم ورسوله والمٶمنون.

* د.السيد محمد علي الحسيني

الأمين العام للمجلس الإسلامي العربي في لبنان