مسعود الزاهد
حاملة الطائرات يو اس اس أبراهام لينكولنرابط مختصر شاركPDF
التصعيد بين الولايات المتحدة وإيران لم يبق حبيس التراشق بالتصريحات والتهديدات بل نقلت حاملة الطائرات أبرهام لينكولن والقاذفات الاستراتيجية من طراز بي52 ومنظومات الدفاع الجوي الصاروخي باتريوت، نقلت الأزمة بين واشنطن وطهران إلى أعلى مستويات التفاقم منذ خروج الرئيس دونالد ترمب قبل عام من الاتفاق النووي وأغلق الباب من خلفه بإحكام وأبلغ الجميع بأن مفتاح هذا الباب له 12 رمزا وهي الشروط التي وضعتها الولايات المتحدة أمام إيران للتفاوض حول اتفاق نووي جديد.
يتفق الجميع أن الأزمة الراهنة بين الجانبين تعد الأكثر حدة منذ إحتلال السفارة الأميركية في طهران قبل أربعة عقود تقريبا بواسطة “الطلبة السائرين على نهج الخميني” الذين أخذوا الموظفين الأميركيين فيها رهائن لمدة 444 يوما.
وتشير أغلب المؤشرات إلى أن الأزمة الراهنة تسير نحو المزيد من التصعيد إلى أن تؤدي إلى الانفراج أو الحرب.
قرار الحرب بيد من؟
أكد المسؤولون الأميركيون بأنهم لا يريدون الحرب مع إيران بل يريدون من طهران أن تغير سلوكها وأفضل من يمكنه أن يوضح الموقف الأميركي بهذا الشأن هو المبعوث الأميركي الخاص بإيران، برايان هوك الذي علق على تخلي طهران عن بعض التزاماتها في الاتفاق النووي فقال يوم الأربعاء الماضي، إن الولايات المتحدة تراقب التهديدات والتصرحات الإيرانية في أعقاب التراجع عن بعض التزاماتها وفق الاتفاق النووي.
وقال في تصريح لقناة الحرة الأميركية إن النظام الإيراني “لديه رؤية ظلامية وهو راع رئيسي للإرهاب”، وبالرغم من إرسال حاملة الطائرات الهجومية أبراهام لينكولن والقاذفات الاستراتيجية إلى الشرق الأوسط رداً على مؤشرات ما وصفها بالـ”المؤشرات والتحذيرات” المثيرة للقلق من إيران إلا إنه أكد “أن الولايات المتحدة لا تريد الحرب مع إيران ولكنها ستواصل ممارسة أقصى الضغوط على الجمهورية الإسلامية إلى أن تغير سلوكها”، مشدداً على “أن أي هجوم إيراني على والولايات المتحدة وحلفائها سيتم مواجهته بقوة”.
هذا الموقف يظهر بجلاء أن الحرب ليست الخيار الأول للولايات المتحدة ولكن في الوقت نفسه ليس الخيار المستحيل، فيما إذا اصطدمت طهران عسكريا بقطعات بحرية أميركية خلال محاولتها لإغلاق مضيق هرمز وإبقائه مغلقا باللجوء إلى القوة العسكرية، هنا قد تغير الولايات المتحدة موقفها من خلال الرد على الإجراء الإيراني، لأنها لا بد أن لا تقف موقف المتفرج من الإجراء الإيراني الذي سيضع مصداقية الولايات المتحدة كقوة عظمى على المحك، ولكن وفقا لتصريحات المسؤولين الأميركيين لن تكون بلادهم البادي في الحرب وبهذا فإن قرار الحرب أو البحث عن حل يأتي من طهران، لأن واشنطن جاءت بقوتها العظمى العسكرية إلى الخليج وهي سبق وأن وضعت شروطها الـ12 أمام إيران منذ عام.
إيران قد تراهن على ما تعتبره عوامل قوة لها في المنطقة وخاصة في العراق وسوريا ولبنان واليمن لتواجه بها الولايات المتحدة، حيث هناك أكثر من خمسين تنظيم ميليشاوي في العراق مرتبط بشكل أو آخر بإيران وثمة ميليشيات في سوريا وحزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن.
ولكن الولايات المتحدة تعي جهوزية إيران لإستخدام هذه الميليشيات ضدها من خلال الضربات بالنيابة على شاكلة الحروب التي خاضتها بالنيابة عن طهران في أكثر من بقعة وتملصت إيران من المسؤوليةوالعقاب، ولكن شدد وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو مرارا أن الولايات المتحدة سترد على إيران في حال تعرض مصالحها للخطر من قبل طهران أو ميليشياتها وأكد ذلك يوم الخميس الماضي حين حذر إيران بالقول، “إن الولايات المتحدة سترد بسرعة وحسم على أي هجمات تشنها إيران أو وكلاؤها ضد المصالح الأميركية في المنطقة”.
وجاء تهديد وزير الخارجية الأميركي ضمن إشارته إلى “تزايد التهديدات من قبل إيران في الأسابيع الأخيرة”، موضحا: “ينبغي على النظام في طهران أن يعي أن أي هجمات من جانبه أو وكلائه مهما كانت هويتهم ضد المصالح الأميركية أو المواطنين الأميركيين سنواجهها برد سريع وحاسم من جانبنا”.
وجاء ذلك في بيان لبومبيو على الموقع الإلكتروني للخارجية الأميركية: “يجب ألا تخطئ إيران وتترجم اعتدالنا بهذا الخصوص كانعدام للعزم”.
كثرت وتنوعت التهديدات الإيرانية
رغم كثرة التهديدات الإيرانية وتنوعها على لسان قادة عسكريين ومدنيين إلا أن طهران وصلت إلى يقين أن الرئيس الأميركي الذي انسحب من الاتفاق النووي السيئ كما سمّاه وفرض أشد العقوبات على طهران، يختلف عن سلفه الذي وقع الاتفاق مع إيران ومنحها فرصة الاحتفاظ بأجهزتها ومفاعلها النووية التي يمكنها أن تفعلها بعد 15 سنة من توقيع الاتفاق.
موقف ترمب واضح وصريح فهو لا يستهدف الأنشطة النووية فقط بل الأنشطة الصاروخية وما يعتبره تدخل إيران في المنطقة وتهديد حلفاء واشطن فيها.
وفي الوقت الذي تواجه فيه إيران أشد العقوبات في تاريخها فإن أساطيل أميركا وقاذفاتها ترابط في المنطقة الخليج، والتهديدات الإيرانية لا تسمن ولا تغني من جوع أمام أقوى وأشد قوة عسكرية في العالم ويرى البعض بما أن توازن القوى ليس لصالح طهران على الإطلاق فإنها قد تعيد حساباتها وتبحث عن طريق لتخرج نفسها من مأزق التهديدات والتصريحات النارية، وهنا نلقي الضوء على تصرحات أحد مهندسي الاتفاق النووي وهو محمد جواد ظريف خلال زيارته الأخيرة إلى أميركا وحديثه في “رابطة آسيا” ومقابلته مع “فاكس نيوز” و”سي بي اس” حيث أكد على ضرورة كبح الأزمة التي تزداد خطورة بين أميركا وإيران ودعا لحل جميع الخلافات مع واشنطن في كافة المجالات وليس بخصوص النووي فقط، وهذه الدعوة تظهر بأن المسؤولين الإيرانيين بشكل عام يعون جيدا شدة الأزمة البالغة الدقة والحساسية مع أميركا وهنا قد تبحث طهران عن طريقة للدخول في تفاوض مع إدارة ترمب مع حفظ ماء الوجه كما دخلت من قبل في التفاوض لأول مرة مع أميركا وأفضى ذلك إلى الاتفاق النووي وحينها وصف المرشد الأعلى قرار التفاوض مع “الشيطان الأكبر”، بـ”المرونة الشجاعة”.
الأزمة الاقتصادية قد تفتح طريق التفاوض
الاقتصاد الإيراني يعيش أسوأ حالاته منذ ظهور نظام “الجمهورية الإسلامية” في عام 1979، هناك تقارير جمة حول انتشار البطالة والانخفاض الشديد للقوة الشرائية، وارتفاع سعر العملات الأجنبية بأضعاف مضاعفة خلال عام واحد، ومؤشرات خط الفقر تشير إلى وجود حوالي 40 مليون تحت هذا الخط.
هذه الأمور بمجملها تنذر بثورة الجياع دون وجود مسببات خارجية وتهدد بقاء النظام، خاصة أن إيران شهدت انتفاضة ضد الوضع المعيشي الذي عم 75 مدينة في نهاية 2017 ومطلع 2018 أي قبل انسحاب أميركا من الاتفاق النووي وفرض العقوبات المشددة.
كما يعلم الكثير من أصحاب القرار في إيران أن إغلاق مضيق هرمز ليس نزهة بحرية تقوم بها قوات الحرس الثوري مع تواجد الأساطيل الأميركية وأن أي تحرش بهذه الأساطيل قد يشعل فتيل حرب قد تقرر طهران شروعها ولكن لن يكون قرار إنهائها بيدها، وهذا الأمر قد يدفع الجماهير في إيران إلى العصيان والتمرد في ظل حرب لا ناقة لها فيها ولا جمل، لذا يقول المنطق على طهران أن تمنح العامل الاقتصادي والمعيشي وإنهاء الأزمات التي يعاني منها المواطنون الأولوية القصوى، وهذا لا يمكن أن يحدث في ظل العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة على طهران وعلى من يتعامل معها.
والمنطق نفسه يقول إن إيران لو لبت نداء العقل ستذهب إلى طاولة المفاوضات بغية إنهاء أزماتها الداخلية بغية كبح التضخم وإيجاد فرص للعمل والقضاء على الفقر وزيادة الإنتاج وتحسين وضع العملة، وكل ذلك لا يتحقق إلا إذا “غيرت طهران سلوكها”، و”أوقفت أنشطها الصاروخية”، و”توقفت عن دعم الميليشيات التابعة لها”.
بالطبع هذا لا يعني أن إيران بعد ذلك تحترم الديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق الشعوب غير الفارسية والأقليات الدينية والمذهبية، إلا أن هذه الأمور تبقى مطالب تثير الصراع بين السلطة الشديدة المركزية المتمثلة في ولاية الفقيه والجماهير بين الحين والآخر.
إيران قد تقاوم
السناريو الآخر الذي قد تتبناه طهران، هو تحمل هول العقوبات والبحث عن طريق للالتفاف على العقوبات والصبر وفقا “للاقتصاد المقاوم”، حتى تنتهي ولاية ترمب والمراهنة على أن يخسر الانتخابات الرئاسية المقبلة، ولكن حتى لو خسر ترمب الانتخابات، لن يكون من السهل للرئيس المقبل أن يسمح لإيران أن تهدد حلفاء واشنطن وتستمر بالتجارب الصاروخية ودعم الميليشيات في المنطقة وتهديد مصالح أميركا وحلفائها للخطر، وإذا فاز ترمب لولاية ثانية قد يصبح الأمر أكثر شدة بالنسبة لإيران.