كان اليهود في العهد العثماني معفون من الخدمة العسكرية بكونهم من أهل الذمة ودفعوا، حسب ما تقتضي الشريعة الإسلامية الجزية مقابل تأمين الدولة لحماية أرواحهم وممتلكاتهم وحرية عبادتهم. وفي عام 1855، في عهد التنظيمات الذي شمل تعديلات وإصلاحات في الكثير من شؤون الإمبراطورية العثمانية، ألغيت الجزية وحل محلها “بدل عسكري” وتجنب الشباب اليهود من الالتحاق بالخدمة العسكرية وأخذت الطائفة اليهودية على عاتقها مسؤولية دفع مبلغ معين إلى السلطات الحكومية سنويا بدل خدمة أبنائها في الجيش بعد تقسيطه على الرجال حسب أحوالهم المالية. وفي الواقع بقي الحال على وضعه ولم يطرأ تغييراً على ما كان عليه سابقاً.
وفي عام 1909، صدر الدستور التركي بعد الانقلاب الذي قام به حزب الاتحاد والترقي الذي ساوى بين رعايا الدولة على اختلاف أديانهم ومذاهبهم وأجناسهم فألغي “البدل العسكري” وفرضت الخدمة العسكرية على جميع المكلفين. ولم تعد الطائفة اليهودية بعد ذلك مسؤولة عن جمع البدل ودفعه للسلطات بل تحتم على كل فرد أن يدفعه شخصياً إذا ما أراد تجنب الخدمة العسكرية. ودخل العديد، ممن لم يكن باستطاعتهم دفع البدل، المدرسة الرشدية والمدرسة الإعدادية العسكرية ليتخرجوا منها ضباطاً. وقدرت المستشرقة البريطانية السيدة جريترود بيل Gertrude Bell، التي شغلت وظيفة سكرتيرة المندوب السامي في العراق، عدد هؤلاء ﺒ-100i، بينما يقول آخرون إن عدد المنتسبين أقل بكثير وتجاوز العشرة ثم أخذ في التضاؤل سنوياًii.
ومن الجدير بالذكر أن المسلمين لم يكونوا يوما ما من المحبذين لتجنيد اليهود وتدريبهم على حمل السلاح واستعماله وكانت نظرتهم تجاه اليهودي نظرة استعلاء واستهزاء كجبان لا يصلح للحرب. واستمدوا ذلك مما جاء عن اليهود في القرآن الكريم: “غُلّت أيديهم ولُعنوا بما قالوا”iii. وفي العراق شُبِّه الجندي اليهودي مختبئا وراء بندقيته ويتساءل وجلاً “طقت لو بعد؟” وسخر آخرون منه بسؤالهم: “وأش قال قلبك حسقيل من طقة الطقاقة؟”iv. وعبّر آخرون عن استيائهم من تجنيد اليهود بشعار استهزاء نحو السلطان العثماني: “على شان الحرية عسكرك يا محمد رشاد موسوية”v.
ولما نشبت الحرب العظمى سنة 1914 أعلن النفير العام وأُخذ جميع طلاب المدارس السلطانية والعالية وخرّيجيها ومنحوا رتبة ضابط بعد التدريب وأرسلوا إلى ساحة الحرب وهكذا أصبح عدد غير قليل من الشباب اليهودي العراقي ضباطاً في الجيش التركي وحاربوا في مختلف الميادين. ودعي الشباب اليهودي، أسوة بغيرهم من الرعايا الأتراك، إلى الخدمة في الجيش المحارب. فالتحق الكثيرون واختفى البعض أو هربوا. وذكر عباس العزاوي في كتابه “تاريخ العراق بين احتلالين” أن قيادة الجيش التركي في العراق أعدمت سنة 1915/1916 خمسة
عشر جندياً فروا من ساحات القتال منهم 9 مسلمين و 5 يهود ومسيحي واحدvi. ويذكر مئير بصري في كتابه “أعلام اليهود في العراق الحديث” بعض الضباط اليهود الذين كانوا يحاربون في الأناضول وفروا من الجيش منهم المحامي عبودي ستي وروبين داود سلمان. وقد حكم عليهم بالإعدام غيابياً، لكنهم تمكنوا من التخفي والوصول إلى بغداد عن طريق البادية بعد مشاق جسيمة.vii وعلى أثر احتلال بريطانيا للبصرة في أواخر عام 1914 هرب إليها عدد كبير من الشبان المسلمين واليهود خوفاً من التجنيد. وقدم لنا الأستاذ مئير بصري في كتابه شيئاً من تلك المخاطر والمشقات التي عانى منها الفارّون من الخدمة العسكرية أثناء تخفّيهم وهروبهم إذ يقول:
“…وقد كتب أبراهام شهرباني أنه جُنِّد في بغداد في الجيش التركي فأرسل مع رفاقه الجنود سيراً على الأقدام وتحت وابل من المطر حتى بلغوا الفلوجة حيث استراحوا وقضوا ليلتهم. ثم واصلوا سفرهم إلى استانبول عن طريق حلب. وقرر أن يهرب فآوته أسرة يهودية في عاصمة آل عثمان وأعطته وثيقة عسكرية مزوّرة استطاع أن يخرج بها من وحدته، معرضاً نفسه لعقوبة الإعدام إذا اكتشف أمره وقد ركب القطار في محطة حيدر باشا مع الجنود المجازين، ووصل إلى حلب عن طريق قونية.
ذهب الرجل إلى الكنيس في حلب وساعدته عائلة يهودية ورتبت له ولثلاثة جنود فارين آخرين دليلاَ بدوياَ يأخذهم إلى بغداد عن طريق البادية. ارتدى هؤلاء الملابس البدوية وساروا أياماَ وليالي في الصحراء الموحشة، ينزلون لدى القبائل العربية الرحّالة أحياناَ ويتعرضّون للاعتقال والتسليم إلى السلطات التركية، وكثيراَ ما تركهم الدليل فلبثوا في مكانهم خائفين حذرين. ونهبهم الأعراب وجرّدوهم من ملابسهم عدا الرداء الداخلي الذي لا يَقيهم برد ليالي الصحراء الشديد، وكثيراً ما رأوا الموت دانيا منهم فصلّوا الصلاة الأخيرة.
عاد الدليل بعد لأي وأخذهم إلى خيام بعض الشيوخ حيث تناولوا الطعام وحظوا بالضيافة البدوية المألوفة وأُعطوا بعض الملابس. وفي مضارب أحد الشيوخ الآخرين عرفهم القوم أنهم جنود فارّون فحاولوا تسليمهم إلى الجيش التركي في دير الزور وقبض المكافأة المقررة، لكن النسوة أخذن يصرخن ويولولن ويندبن ضياع التقاليد العشائرية الكريمة.
واستطاع أبراهام ورفاقه الهرب وتحمّلوا الجوع والعطش الشديد الذي كاد يقصي على حياتهم، حتى اقترح أحدهم أن يحفروا حفراً يتلقون موتهم فيها لكي لا تكون جثثهم طعاماً لوحوش الصحراء. ثم ساروا على غير هدى حتى بلغوا خياماً بدوية أخرى وجدوا فيها الماء والطعام.
وكان في الخيمة شرطيان تركيان حاولا أن يقبضا عليهم، لكن صاحب الخيمة حماهم وهدد الشرطيين بالقتل إذا اعتديا على ضيوفه ثم أخذهم ودلهم على الطريق الذي يوصلهم إلى الرمادي، وكان الإنكليز قد احتلوا هذه البلدة، فلما بلغوها تيسرت لهم العودة إلى أهلهم في بغداد.
(المعلومات المتقدمة عن أبراهام شهرباني ملخصة من مقال لجوش حوريش عنوانه “سفر بر” منشور في نشرة جماعة بني النهرين الصادرة في نيويورك سنة 1992.: Josh Horesh، “Safar Barr” (The Political of the Congregation Bene Nahrayin، vol. 1)
وأُرسل الجنود إلى ساحات المعارك في الأناضول وفي سيبيريا وجنوب روسيا، فقتل منهم من قتل وأسر من أسر فلم يظهر لهم أثر. وذكر الأستاذ مئير بصري أسماء العديد من الضباط اليهود العراقيين من الذين خدموا في الجيش العثماني إبان الحرب العالمية الأولى، منهم viii:
– الملازم ثاني حسقيل شاؤول جوري – ولد في بغداد عام 1895 ودرس الحقوق، حارب في صفوف الجيش التركي وعاد من تركية سنة 1921 وخدم في الجيش العراقي عدة سنين ورفع إلى رتبة ملازم أول وكان ضابط مستودع المدفعية في القلعة.
– المقدم سالم صالح عيزر المعروف باسم سالم الضابط – ولد سنة 1895 في بغداد ودرس في المدرسة الرشدية والمدرسة الإعدادية العسكرية ثم ارسل إلى استانبول سنة 1914 وتخرج في المدرسة العسكرية برتبة ملازم ثان، أسره الإنكليز في الحرب واعتقلوه في الهند. وانظم إلى الضباط العراقيين الذين التفوا حول الملك فيصل في سوريا ثم عاد من سورية بطريق البحر في آذار 1921 فانتمى إلى الجيش العراقي عند تأسيسه في تلك السنة، وخدم في الديوانية برتبة رئيس (نقيب) من عام 1934 إلى 1938، وكان قبل ذلك قد اشترك في معارك قمع التمرد والفتن في الألوية الشمالية وغيرها. ثم أعيد إلى الجيش بعد حركة رشيد عالي الكيلاني سنة 1941 بعد أن اجتاز امتحانات دورة القيادة والأركان ورقي لرتبة مقدم وأصبح آمر فوج بمعسكر الرشيد وكان تحت امرته في الفوج ملازم أول يدعى عبد الكريم قاسم الذي أأطاح فيما بعد بالحكم الملكي واستبدله بالنظام الجمهوري في العراق. وفي سنة 1947. أحيل سالم على التقاعد عقب قرار تقسيم فلسطين. وفي عام 1961 استقبل عبد الكريم قاسم في مكتبه المقدم المتقاعد سالم وطلب الأخير منه أن يسمح له بالسفر إلى لبنان للاستجمام والنقاهة واستجاب الزعيم عبد الكريم قاسم طلب آمر فوجه السابق وقال له ضاحكاً: “أنا أعلم حق العلم بأنك تنوي الالتحاق بأهلك في فلسطين [إسرائيل] ولا بأس بذلك (ما يخالف)”. ومن لبنان قدم إلى إسرائيل ليلتحق بأهله. توفي عام 1964.
– الملازم أول يامين يوسف نسيم – ولد سنة 1895 في بغداد ودرس في المدرسة الرشدية والمدرسة الإعدادية العسكرية ثم مضى إلى استانبول سنة 1914 وانتمى إلى المدرسة العسكرية وتخرج برتبة ملازم ثان، وقد شهد معارك جناق قلعة والقفقاس وعاد إلى بغداد في أيار 1919 عن طريق حلب. التحق بالجيش العراقي عند تأسيسه سنة 1921 ورفع إلى رتبة ملازم أول.
– – ولد سلمان شينا في بغداد سنة 1899 ودرس في المدرسة الإعدادية وجند ضابطاً في السنوات الأخيرة من الحرب العظمى وعين مترجماً لدى قائد الطيران الألماني (1917) وأسره الإنكليز في المواجهات التي دارت عند زحفهم نحو بغداد فنفوه إلى الهند. وأطلق سراحه عام 1919 فعاد إلى بغداد ودرس الحقوق فمارس المحاماة.
انتخب نائباً عن بغداد سنة 1947 وجدد انتخابه في حزيران 1948 وظل نائباً حتى مغادرته العراق في أواخر عام 1951. توفي في تل أبيب سنة 1978.
يهود عراقيون تحت راية الشريف حسين بن علي قائد الثورة العربية الكبرى
حقائق غُيِّبت عن أنظار المؤرخين والباحثين
في شهر تموز من عام 1916 رفع شريف مكة الحسين بن على (1835-1979) علم الثورة العربية ضد الدولة العثمانية لجانب بريطانيا العظمى، التي أمدته بالعتاد والسلاح بوساطة ضابط المخابرات البريطاني لفتنانت كولونيل توماس إدوارد لورنس ((Thomas Edward Lawrence الذي كان حلقة الوصل بين الثوار في الحجاز وقيادة الجيش البريطاني في مصر برئاسة الجنرال اللنبي..(Allenby)والتحق بالثوار ضباط عرب من الذين كانوا في خدمة الجيش التركي كانوا قد أسرهم البريطانيون أثناء المعارك التي دارت بين القوات التركية والبريطانية ونقلوهم إلى معسكَرات للأسرى في الهند ومصر. وفاق عدد الضباط العراقيين الذين لبوا دعوة شريف مكة بكثير على عدد زملائهم الضباط العرب من سائر البدان العربية الذين انضموا للثورة. إذ قدر عدد الجنود الأسري العراقيين بمعسكرات الاعتقال البريطانية بعدة آلاف بما في ذلك ضباط برتب عالية. وواكب هؤلاء الضباط الأمير فيصل (1883-1933)، نجل الشريف حسين بن على في مسيرته مع الثوار من المدينة المنورة إلى دمشق، وخدموا تحت لوائه بسورية عندما تُوج ملكاَ عليها ثم غادروها إلى العراق بعد أن احتل الفرنسيون سوريا وأخرجوه منها. عاد هؤلاء الضباط إلى العراق ليتقلدوا فيه المناصب العالية، وأرسوا دعائم صرح المملكة العراقية الحديثة وساروا بها نحو التقدم والترقي. وتبوأت نخبة منهم رئاسة الوزارة العراقية كنوري السعيد (1958-1887) وعلي جودت الأيوبي (1886-1969) وجعفر العسكري (1886-01936) وجميل المدفعي (1890-1956) وناجي شوكت (1894-1974). وآخرين غيرهم تبوأوا مراكز عالية كمولود مخلص (1885-1954) الذي شغل منصب رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الأعيان
وكان بين رواد معسكرات الاعتقال مئات من الجنود اليهود الذين أسرتهم القوات البريطانية إبان المعارك التي دارت رحاها بين الطرفين. ولا يوجد لدينا إحصاءات دقيقة عن عدد الأسرى اليهود في تلك المعسكرات لقلة المصادر التي تناولت موضوع خدمة يهود العراق في الجيش العثماني أثناء الحرب العالمية الأولى. ومن القلائل الذين تطرقوا لهذا الموضوع هو عضو مجلس النواب العراقي سابقاً، المحامي، سلمان شينا (1899-1976) في كتابه ” من بابل إلى تسيون” (מבבל לציון) الذي صدر في إسرائيل عام 1956، حيث قّدَّر عدد الأسري اليهود الذين كانوا معه في معتقل الأسرى في الهند، ما بين 200 إلى 350ix.
جُند سنمان شينا في الحرب العالمية الأولى كضابط احتياط، وعين مترجماً في سلاح الطيران التركي في الجبهة العراقية برئاسة الجنرال الألماني “فون بيكر”. أُسَرته القوات البريطانية في
المعارك التي دارت رحاها بينها وبين القوات التركية في جنوب العاصمة العراقية قُبيل احتلالها، وتقل إلى الهند إلى معسكر الاعتقال مع آلاف الأسرى الآخرين. لم يتطرق شينا في كتابه إلى مساعي الإنكليز لإقناع الضباط الأسرى العرب للالتحاق بمسيرة الثورة التي اندلعت في الحجاز، لكنه جاء على ذكر أسماء البعض من زملائه في الأسر من بينهم ناجي شوكت الذي انضم، كما أسلفنا، إلى الثوار في الحجاز وتقلد مناصب رفيعة في المملكة العراقية. بما في ذلك رئاسة الحكومة
أما نوري السعيد فقد فاجأنا بمعلومة، لم تكن معروفة لدى الباحثين والمؤرخين، عن انضمام مائة جنود عراقيين يهود برئاسة ضابطين يهوديين إلى ثوار الحجاز وخدمتهم تحت راية شريف مكة الحسين بن علي. ففي محاضرة ألقاها في دار الضباط أمام طلاب كلية الأركان في الجيش العراقي عام 1947 قال:
“وقد لفت نظري وجود مائة من اليهود العراقيين وعلى رأسهم ضابطان يهوديان جاؤوا من معتقلات الأسرى للعمل تحت راية الملك حسين. وقد حاولت القيادة البريطانية والفرنسية فصل هؤلاء المتطوعين عن بقية إخوانهم واستخدامهم في جبهة فلسطين فلم تفلح إذ أصروا على الخدمة تحت الراية العربية في الحجاز”x.
ثم عاد نوري السعيد في سياق محاضرته ليتطرق إلى هذه السرية من الجنود اليهود بعد عدة أشهر من لقائه الأول بهم، إذ قال:
“وفي تشرين الثاني [1917] قررنا الزحف بمجموع قواتنا إلى الكوبرة ثم إلى أبي اللسن وتركنا سرية المتطوعين اليهود العراقيين لحراسة المدخرات في العقبة على أن يكون الزعيم عبد الوهاب الشيخ محمد قائداً لموقع العقبة وآمراً للتموين ووضعنا تحت إمرته عدداً من الضباط والكتبة”xi.
ولا شك عندي إن عدم إرسال الجنود اليهود إلى خوض المعركة، إلى جانب زملائهم الآخرين وإبقائهم في المؤخرة بمهام حراسة وأعمال إدارية، ما هو إلا دلالة واضحة على نضرة الاستعلاء نحو اليهود والاستهزاء بهم كجبناء لا يصلحون للحرب، كما أشرنا سابقاً.
وتجدر الإشارة هنا إلى النظرة الإيجابية الواضحة التي أبداها نوري السعيد في سياق محاضرته نحو اليهود العراقيين الذين انضموا متطوعين للخدمة تحت راية شريف مكة، ومن خلالها يمكننا أن نتلمس شعوره المماثل نحو يهود العراق عامة. فقد كان حتى ذلك الحين من المتعاطفين مع الطائفة اليهودية في العراق والمدافع عنهم ضد التيارات المتطرفة المعادية لهم. ثم انقلب هذا الميل والتعاطف بعد أشهر قليلة إلى نقمة ومعاداة:
تغيرت سياسة نوري السعيد نحو اليهود بعد أحداث “الوثبة”، تلك المظاهرات التي قام بها معارضو الحكومة من اليمين واليسار في شهر كانون الثاني من 1948 ضد معاهدة بورتسموث والتي استمرت عدة أسابيع وذهب ضحيتها المئات من أفراد الشرطة والمتظاهرين وسقطت إثر ذلك حكومة صالح جبر وحلت محلها حكومة برئاسة محمد الصدر المتآلفة مع حزب الاستقلال المتطرف بمعاداته لليهود. ومما أثار حفيظة نوري السعيد هو دور الشباب اليهود البارز في مظاهرات الوثبة التي نظّمها الحزب الشيوعي، وتعاطُف رؤساء الطائفة اليهودية مع المتظاهرين بما في ذلك موكب تظاهري كبير جاب شوارع العاصمة يتقدمه رؤساء الطائفة،
أضف إلى ذلك ثلاثة أيام حداد أعلنتها رئاسة الطائفة الإسرائيلية استقبلت فيها في مدرسة فرنك عيني وفود المُعزّين بمقتل الشاب اليهودي شاؤول طويق الذي لقي مصرعه في بغداد بالمظاهرات التي نظمتها عصبة مكافحة الصهيونية، الموالية للحزب الشيوعي، في الثامن والعشرين من شهر حزيران 1946، أي نحو سنة ونصف السنة قبل أحداث الوثبة، كل ذلك لإبداء التضامن والتعاطف مع شهداء الوثبة ومع المتظاهرين ضد الحكومةxii.
لقد بات ذكر يهود العراق إيجابيا بعد الهجرة الجماعية وحتى الإطاحة بحكم البعث عام 2003 في الصحف والمجلات والمؤلفات العراقية منعدما ويميل إلى الصفر، فجميع الأنظمة التي حكمت العراق في تلك المدة، ما عدا فترة حكم عبد الكريم قاسم، كانت معادية ليهود العراق ومجحفة بحقهم. ولم يتجرأ أحد من الأدباء والكتّاب والمثقفين آنذاك أن يتطرق للكتابة عنهم مراعياً الإنصاف وقول الحقيقة. وامتنعوا من الإشادة بخصالهم الحميدة وأدوارهم المجيدة في بناء العراق الجديد وألصقوا بهم الكثير من التهم وشوّهوهم.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن الكتب التي وضعها الضباط العراقيون الذين التحقوا بالثوار أمثال ناجي شوكت وعلي جودت الأيوبي، لم يأتوا على ذكر زملائهم اليهود العراقيين الذي انضموا للخدمة تحت راية شريف مكة، فغيّبوا دورهم وامتنعوا عن الإشادة بهم، على نقيض مما فعل نوري السعيد عام 1947. ولا غرو، لأن تلك الذكريات نشرت بعد إقامة دولة إسرائيل. ومن الجلي إن الامتناع عن ذكر المواطنين اليهود كان ميِّزة شملت غالبية الكتاب والأدباء في عراق ما بعد الهجرة الجماعية. فمثلاً توفيق السويدي، الذي شغل منصب رئيس الحكومة العراقيّة إبّان النظام الملكي، ذكر في كتابه مذكراتي، الذي يقع في 640 صفحة، سيرته الذاتيّة والأحداث والمواقف السياسيّة التي كان له ضلع فيها على مدى نصف قرن من الزمن ولكنّه تغاضى أو تجاهل ما قامت به وزارته التي أصدرت قانون إسقاط الجنسيّة العراقيّة عن المواطنين اليهود في العراق والذي نزح بموجبه إلى إسرائيل ما بقارب ربع أهالي العاصمة العراقيّة بغداد، ولم ينطق ببنت شفة عن أثر هذا الإجراء الخطير الذي خسر العراق من جرّائه قوة بشريّة فعّالة كانت في مقدّمة المثقّفين والتجّار في العراق والذي عزّز إسرائيل بقوّة بشريّة كانت بأمسِّ رئيس الحزب )، 1968-1897( چيردالچَاكامل أما.xiiiالحاجة إليها عسكريّاً واقتصادياًالوطني الدمقراطي، فقد تجاهل في مذكراته دور الصحافي اليهودي نعيم صالح طويق (-19891916)، الذي واكب دربه السياسي في العقد الرابع والخامس والسادس من القرن المنصرم بكل ما يتعلق بتحرير وإصدار جريدة الأهالي. وهو الذي كان يصفه بساعده الأيمن. ومع ذلك لم يأت في مذكراته على ذكره وذكر اليهود الذي ساهموا في الكتابة بجريدة الأهالي في بداية دربها حين كان لهم القسط الأوفر )، 1989-1916( وكذلك كان موقف الشاعر محمد مهدي الجواهري.xivفي رواج وشعبية الجريدةصاحب جريدة الرأي نحو صديقه الصحافي سليم البصون (1927-1995) محرر جريدته وكاتب مقالتها الافتتاحية، فهو الآخر غيًّب ذكر صاحبه في كتاب مذكراته المحتوي على 1000 مع الجواهري وامتنع عن نشر بصداقته ومن الجهة الأخرى لم يجاهر سليم بصون. xv،صفحةكتابه “الجواهري بلسانه وبقلمي” تجنباً من إحراج صاحبه وربما النيل منه. لذا صدر هذا الكتاب عام 3120 في بغداد بعد أن رحل الأثنان إلى جوار ربهم. وفي هذا الصدد يقول داود (خضر) البصون، نجل المرحوم سليم البصون، إن التأخير في نشر الكتاب الذي دام سنين
طويلة نجم لآن العائلة أرادت أن تخفي وتظلّل على العلاقة المتينة بين الاثنين كي لا يصيب xviفي السنوات التي عاشها متنقلا بين العراق وسوريا وتشيكوسلوفاكيامكروه جواهري ال
لا شك عندي لو أن نوري السعيد كان قد اُلقى محاضرته بعد أحداث الوثبة لكان هو الآخر قد امتنع من ذكر المتطوعين اليهود للخدمة في الثورة العربية الكبرى تحت راية شريف مكة ولكان بمنأىً عن الإشادة بيهود العراق وعن ذكرهم إيجابياَ، ولَغيَّبه كما غيَّب الآخرون ذكر مناقب اليهود العراقيين ومزاياهم. أنه لأمر مؤسف جداً لأن طمس هويتهم وتغييب أدوارهم في بناء العراق الحديث ما هو إلا طمس وتشويه لفصل ناصع من تاريخ العراق. i London، pp.187،Amurath to Amurath، Gretrude Bell ii 14،.345.-13، 189. Vol. 16 1913-. Vol. 15، 1912York-American Jewish Yearbook، New iii سورة المائدة، 5. iv י. מאיר (יהושפט)، מעבר למדבר، (הוצאת משרד הביטחון، תשל”ג)، עמ’ 14. (يوسف،مئير-يهوشفاط- من وراء الصحراء، وزارة الدفاع، 1973) v (Ms. 1967)،. 90،yMy Communal Life، Or Death of Communit،Kabir-I. Al vi عباس العزاوي، تاريخ العراق بين احتلالين، الجزء الثامن، ( بغداد، 1955)، ص. 227. vii مير، بصري، أعلام اليهود في العراق الحديث، الجزء الثاني،.( أورشليم – القدس، (1993). ص. 11-17. viii نفس المصدر. ix סלמאן، שינה، מבבל לציון، (תל-אביב، תשט”ו)، עמ’ 14، 39، 40.: (سلمان، شينا، من بابل إلى صيون، تل- أبيب، 1956). x محاضرات نوري السعيد عن الثورة العربية، محلة الگاردينيا، سويسرة، 26 يوليو 2016. xi نفس المصدر. xii תוינה، אברהם، גולים וגאולים، חלק ששי، רמלה، תשל”ז-1977، עמ’ 108. (ابراهام، توينا، سبايا وأحرار، الجزء السادس، الرملة، 1977. xiii توفيق، السويدي، مذكراتي، نصف قرن من تاريخ العراق والقضية العربية، دار الكتاب العربي، بيروت 1969. xiv الچَادرچي، كامل، مذكرات كامل الچَادرچي وتاريخ الحزب الوطني الدمقراطي، بيروت، 1970، أنظر أًيضأً قزاز، نسيم، “مؤامرة سكوت وتشويه الحقائق” الشرق، مجلة فصلية، السنة ال19، العدد 3، شفا عمرو، تموز-أيلول 1989، ص. 48-51. xv xv الجواهري، محمد مهدي، مذكراتي، دار الرافدين، 1988. xvi البصون، سليم، الجواهري، بلسانه وبقلمي، دار ميزوبوتاميا للطباعة والنشر، بغداد،
نقلاعن ایلاف