في خطاب سياسي مهم حول جنوب آسيا يشي بتحول استراتيجي محتمل، وجّه الرئيس الأميركي دونالد ترامب تحذيراً إلى باكستان بسبب منحها ملاذاً آمناً لحركة «طالبان» الإرهابية، وأكد أن الولايات المتحدة لن تنسحب من أفغانستان. وفي حين حضّ القيادة الأفغانية على إجراء إصلاحات، وأعلن أن القوات الأميركية ستبقى في الدولة التي مزقتها الحرب، من دون أن يحدد عدد القوات. ومن خلال التخلي عن موقف إدارة أوباما، تدفع سياسات ترامب الجديدة أفغانستان إلى زيادة عدد قواتها ومنح هذه القوات سلطة التعامل مع هجمات المتمردين.
وفي باكستان، وجّه الرئيس الأميركي رسالة حازمة أكد فيها أن الولايات المتحدة لطالما قدمت لباكستان مساعدات عسكرية بمليارات الدولارات، ولكن إسلام آباد واصلت إيواء إرهابيين يسببون خسائر ضخمة في أفغانستان.
وعلى الرغم من أن هذه ليست رسالة جديدة، إلا أن ترامب امتنع عن إعلان قطع المساعدات العسكرية لباكستان، ولا يزال من غير المعروف كيف يعتزم ترامب الضغط على إسلام آباد كي تتخذ موقفاً قوياً من حركة «طالبان»، ولاسيما أن الجهود السابقة أخفقت، بينما واصل المسلحون، وخصوصاً المنتمون إلى شبكة «حقاني»، التمتع بملاذات آمنة على الحدود الوعرة بين أفغانستان وباكستان.
وتأتي سياسات ترامب في جنوب آسيا في ظل تغيرات استراتيجية في المنطقة، إذ تلعب الصين دوراً أكثر وضوحاً، ومع تقارب واشنطن بدرجة أكبر مع نيودلهي، تعزز إسلام آباد تقاربها مع بكين، ولم تعد تعتمد على الولايات المتحدة وحدها. وخلال العامين الماضيين، زادت باكستان من وتيرة تعزيز علاقاتها مع الصين، التي عكفت على تنفيذ مشاريع بنية تحتية ضخمة هناك، وبزغت كحليف رئيس لباكستان على الساحة العالمية.
وفي حين رفضت بكين رفضاً قاطعاً حصول الهند على عضوية منظمة الموردين النوويين، دفعت من أجل قبول باكستان في المنظمة.
ورسالة ترامب القوية إلى باكستان تأتي أيضاً على خلفية التوترات بين البلدين بشأن كابول، فواشنطن تشعر بأن باكستان لم تكد تبذل سوى جهود محدودة لكبح جماح العناصر الإرهابية. وفي هذه الأثناء واصلت باكستان توجيه اللوم إلى الهند بسبب استمرار حالة عدم الاستقرار والتصادم مع القيادة الأفغانية بشأن المصالح الباكستانية، ولا يبدو أن دولاً كثيرة تصدق تلك المزاعم.
والواقع في أفغانستان هو أن «طالبان» وأذرعها الإرهابية تنفذ هجمات في أفغانستان، وتجد ملاذاً في المناطق الحدودية بباكستان.
وتنبع الاضطرابات الدائرة في أفغانستان من أنشطة حركة «طالبان» وشبكة حقّاني، فهاتان المنظمتان تتخذان من منطقة وزيرستان القبلية في شمال باكستان بعد تنفيذ هجماتها الإرهابية. وما يمكن أن يكون مثيراً لقلق باكستان هو إعلان ترامب أن الولايات المتحدة تريد من الهند لعب دور أكبر في إرساء دعائم الاستقرار في أفغانستان. وفي الحقيقة، ذهب ترامب إلى حد تحذير نيودلهي بهدف تقديم مزيد من المساعدات الاقتصادية إلى كابول. بل وربط المساعدات الهندية إلى أفغانستان بأمور التجارة الهندية الأميركية.
ومع تأكيده على أن الهند جنت مليارات الدولارات من التجارة مع الولايات المتحدة، شدّد ترامب على أن نيودلهي يمكن أن تبذل المزيد من أجل مساعدة أفغانستان في مجالات المساعدات والتنمية الاقتصادية.
ويبدو أن ذلك سيفضي إلى مزيد من القلق في باكستان، التي حاولت مراراً وتكراراً إخراج الهند من أفغانستان. وحتى الآن، أحجمت نيودلهي عن اتخاذ دور مباشر في عملية السلام الأفغانية، على الرغم من أنها لعبت دوراً مهماً في عملية إعادة الإعمار وأنفقت أكثر من ملياري دولار.
وقد حاولت أيضاً توسيع دورها من مجرد المساعدة في إعادة الإعمار إلى تدعيم التبادل التجاري من خلال توقيع اتفاقية شراكة مبدئية، تنص على تدريب ومساندة غير قتالية للجيش الأفغاني. وعلاوة على ذلك، بدأت نيودلهي توجيه رحلات شحن جوي إلى أفغانستان من أجل التغلب على مشكلات الطرق البرية، التي تمر عبر باكستان، وذلك بهدف دفع عجلة التجارة بين البلدين. وقد قدمت أيضاً طائرات هيليكوبتر إلى أفغانستان في أول صفقة من نوعها بين البلدين.
وتشي السياسة الجديدة التي أعلنها ترامب بشأن جنوب آسيا بالتخلي عن السياسات السابقة، عندما كانت الولايات المتحدة تفضل الهند، ولكن ليس لإغضاب باكستان. ومن الواضح أن ذلك قد تغير الآن مع دفع الولايات المتحدة بنيودلهي للاضطلاع بدور أكبر في أفغانستان.
وعلى الرغم من ذلك، يوضح قرار ترامب عدم قطع المساعدات العسكرية عن إسلام آباد، مثلما كان متوقعاً، أن باكستان لا تزال دولة مهمة بالنسبة لأميركا. ففي نهاية المطاف تتقاسم باكستان روابط ثقافية وثيقة مع أفغانستان، ويمكنها ممارسة مزيد من الضغوط على «طالبان».
وعلى رغم من أن الروابط بين باكستان و«طالبان» تشكل مصدر انتقاد، إلا أنها أكبر أصول باكستان في خضم معركة تبحث عن سلام دائم في أفغانستان. وطالما أن قناة الاتصال مهمة لإحلال السلام الدائم في أفغانستان، فلن تتخلى إسلام آباد عن علاقاتها بـ«طالبان» من أجل الولايات المتحدة قريباً.
نقلاعن العربیه