علي شريعتي المفكر الإيراني وملهم الثورة الإسلامية الذي توفي قبل بلوغها بعامين قال ذات يوم ” لا فائدة من ثورات تنقل الشعوب من الظلم إلى الظلام”. وكأن كلامه انطبق نفسه على الثورة الإيرانية التي تحصد المنطقة اليوم نتائجها العكسية بعدما أخذت على عاتقها محاولة التمدد عسكريا مثلما كان السائد عن الحضارة الفارسية المتمددة تاريخيا بالحضارة الغارقة في الفلسفة الكِسْروية.
ولعل مقدمة هذا المقال تخلص بنا إلى الولوج فيما يخص هاجس “بعض دول الخليج على ما يبدو” ومن يشارك هاجسنا من العرب ضمن التخوفات مما قد يؤول إليه استمرار النظام الإيراني في تحركاته هنا وهناك ورغبتهُ في تمدد الديموغرافيا الإيرانية إلى مكّة والمدينة.
وعلينا بدايةً أن نعرف أن النظام الإيراني لا يمكن التخلص منه بسهولة كما يروج بعض المتفلسفين، لكنه في نفس الوقت يعاني الكثير من الأمراض المزمنة، لذلك فالسؤال هو ما الذي يجعله باقيا رغم الحراك الخارجي ضده، والتذمر الداخلي تجاهه؟ إنها باختصار معادلة بسيطة وهي أن إحكام الحصار السياسي والاقتصادي من الخارج يؤدي لما يشبه التعاطف الشعبي بالحد الأدنى مع هذا النظام ويمثل هذا النموذج الفترة التي سبقت الرئيس الإيراني روحاني. وعن طرف المعادلة الآخر فهو أنه عند انفتاح العالم الخارجي على هذا النظام، فذلك من شأنه خلق فرصة جيدة للشعب الإيراني لمعرفة أداء حكومته التي كانت تتعذر له من عدم إعطائه حقوقه بحجة الحصار السياسي والاقتصادي، ولكن في نفس الوقت فإن ذلك من شأنه تحرر النظام وتحركه عسكريا في دول الجوار لتنفيذ مشروعه التوسعي، ويمثل هذه الفترة انفتاح الإدارة الأمريكية الأخير في عهد أوباما.
إذن: هناك خلل مزمن يؤدي إلى إطالة عمر هذا النظام طوال الفترة السابقة وجزء منه هو إما أنه يتم الإحكام بخنق النظام بدرجة عالية جدا مما يؤدي إلى كسب النظام التعاطف الشعبي -المعروف في الظروف السياسية للدول المهترئة-، وإما ترك الحبل على الغارب وبالتالي تحرر النظام وممارسة أساليبه المعادية لسياسات الجوار.
وفي سيكولوجية مثل هذه الأنظمة الدكتاتورية؛ فإن فُوّهات البراكين يجب أن تبقى خامدة، لكن هذا الخمود لا يعني عدم استعدادها للمواجهة في حال اندفعت هذه البراكين.
لا يمكن الإنكار أن النظام السوري الذي اعتقد الكثير بسقوطه سنة 2011 بأنه نظام ثقيل ولا يزال يكسب تعاطفا شعبيا بحد أدنى في دمشق يبقيه حيّا، على أن النظام السوري يردد جملة واحدة أمام العالم “إننا نتعرض لمؤامرة كونية”.
ولا يمكن الإنكار أن الشعب الكوري الشمالي المحكوم بالحديد والنار هو نفسه يعتقد في الرئيس كيم جونغ النجاة والحياة. وهو ذاته يردد نفس الكليشة ” نحن شعب لا يذعن للإمبريالية “.
كما لا يمكن الإنكار أن الأخوين كاسترو المتعاقبان على رئاسة كوبـا منذ سنة 59 قد جلبا لكوبا الشيوعية المزيد من الفقر والجهل، لكن الشعب الكوبي لم يحرك ساكنا رغم فرار الكثير منهم، وهما ذاتهما كانا يرددان ” لا للإمبريالية الغربية “.
إنني أخشى أن التعويل على الشعوب في إسقاط الأنظمة الدكتاتورية هو مثل التعويل على جبل الجليد، حيث أمدَه في مواجهة النار اللافحة لا يدوم.
عجَت اليمن عقب فبراير 2011 بمليوني شخص في ساحات صنعاء وعموم المدن اليمنية مطالبين علي عبدالله صالح بالخروج والتغيير، فأين هم اليوم مما يحدث من الميليشيات الحوثية والحرس الجمهوري في نفس تلك الساحات.
من الواضح أن كسب الأنظمة لتهدئة الشعوب هو أسهل بكثير من كسب شغفها بالتغيير، وهو بالتالي ما يجعل هذه الأنظمة والمليشيات المهترئة تعيش حالة سريرية ظاهرها الحياة وفي أجسامها الموت.
ولعل تغيير نظام طهران يحتاج عملا نوعيا وجهدا ليس بالسهل وتذكروا: فإن طهران تردد العبارة نفسها مثل كل تلك الأنظمة المهترئة ” لا لأمريكا “.
إن طهران تحارب العرب بالسلاح الطائفي الذي يفوق السلاح العسكري قدرة ونفوذا، فهل محاربتها بنفس سلاحها هو الحلّ؟
لقد شكّل قدوم الزعيم الصدري إلى المملكة هاجسا، حيث تعلم طهران أن السلاح نفسه قد يستخدم، ولكن بطريقة مختلفة، حيث الروح العربية هي جزءٌ من السلاح.
نقلا عن ایلاف