منذ اللحظة الأولى لصدور بيان الدول الأربع حول مقاطعة قطر، اعتقدتُ أن في الأمر خطأً جسيماً. هذا كل ما تشتهيه الدوحة: أن يثار من حولها العواصف. وأن يتكرر اسمها في الأخبار. وأن يطبق في حالتها مثل فرنسي قديم: «فليقولوا ما يشاءون ولكن فليستمروا في الحديث عني».
يوم انفجرت أزمة قطر الأخيرة، كتبتُ هنا أن الدوحة اتخذت ما لذ لها وطاب، بصرف النظر عن المتناقضات في الاختيار: الناصرية وإسرائيل.
القاعدة الأميركية والجزيرة وشرائط بن لادن. القومية العربية وفتاوى الشيخ القرضاوي، وبعد ذلك بأسابيع كتب الدكتور سعد الدين إبراهيم في «المصري اليوم» خلاصة لقاء مع الشيخ حمد بن خليفة، «الأمير الأب». فليسمح لي الدكتور إبراهيم الإطالة في النقل عنه خلافاً للأصول المهنية: «سألتُ الشيخ حمد كيف تسمح قطر بقاعدة أميركية هي الأكبر خارج الولايات المتحدة، ثم في الوقت نفسه تسمح بقناة فضائية هي (الجزيرة) التي لا تتوقف عن مهاجمة أميركا وحلفائها وأصدقائها على مدار أربع وعشرين ساعة؟ هز الرجل رأسه، وقال مبتسماً: أعتقدت أنك كنت ستسأل كيف أؤيد حماس الفلسطينية، وأدعمها مادياً، ورغم ذلك بدأت علاقات متشعبة مع إسرائيل الصهيونية؟».
قال الشيخ حمد في حضور زوجته الشيخة موزة: «عندما تكون أغنى بلد في العالم، فإنه بشيء من الذكاء والدهاء تستطيع أن تفعل كل ذلك الذي تستغربه… رغم أننا في هذا البلد الصغير مساحة والقليل سكاناً، فإنه يسبح على بُحيرة من الغاز الطبيعي، الأغنى في العالم بعد روسيا مُباشرة، ومن البترول الذي يجعل قطر البلد الثاني بعد السعودية. وهو ما جعل متوسط الدخل السنوي للمواطن القطري هو الأعلى في العالم».
ويقول الشيخ حمد: «رغم هذا الثراء الطبيعي الذي أنعم الله به على قطر، فإننا مُحاطون بثلاثة غيلان، هم إيران، والعراق، والسعودية. ولا نستطيع حتى بأفضل وأحدث الأسلحة أن نقف أو نصمد في وجه أي تحرش أو عدوان من أحد… وفي أعقاب غزو صدام للكويت، جمعنا أفراد الأسرة الحاكمة وأهل الحل والعقد في البلاد، وشاورناهم في الأمر. وكانت الخلاصة أننا نحتاج إلى حماية أكبر غول أو أكبر بلطجي في العالم، والذي هو أميركا. فذهب إليها وزير خارجيتنا برسالة واضحة: نحن نحتاج إلى حمايتكم، فما هو الثمن المطلوب؟ فقالوا قاعدة عسكرية، فوافقنا».
«أما بالنسبة لعلاقتنا بالإخوان المسلمين، فقد كنا في حاجة إلى حجة، أو سلطة دينية نوازن بها السُلطة الدينية في السعودية وفي إيران، فوجدنا في الشيخ يوسف القرضاوي المصري ضالتنا المنشودة. ولكن مثل كل الإخوان المسلمين، سرعان ما نجح الرجل في المُهمة، ولكنه جلب إلى قطر أيضاً عشرات، ثم مئات، ثم آلاف الإخوان المسلمين»
«نعم، قناة (الجزيرة) نجح الإخوان في اختراقها. أعترف لك أن الشيخ القرضاوي ومن جنَّدهم من القطريين أقنعوا ابن العم حمد بن جاسم أن يجعلوا منها قوة ضاربة أكثر تأثيراً من أي جيش في المنطقة، وأنه يمكن لقطر، أن تعتمد على كوادر الإخوان المسلمين في أكثر من ستين بلداً حول العالم كسُفراء وخبراء، أو حتى عُملاء لخدمة السياسة الخارجية القطرية، وهو ما تحقق وما يزال يتحقق».
انتهى الاقتباس… وإلى اللقاء.
نقلاعن العربیه