معركة عرسال الدونكيشوتية


لا يتردد حزب الله أن يدخل البلد في أتون معاركه في كل مرة يريد أن يحقق مكاسب إقليمية أو داخلية، هو الحاكم بأمره لا يلتفت إلى شركاء الوطن، ومن سأله مرة!! فالفاسدون يهمهم أن يبقوا على تقاسم سرقاتهم، وأصحاب المصالح تسد وترضي مصالحهم، أما هو فعرف من أين تؤكل الكتف منذ انسل في الحياة السياسية اللبنانية عام 1992 إلى اليوم، واستولى على الدولة كالأخطبوط، مرة لا يشارك في الحكومة، ومرة يترفع عن الوزارات السيادية بحجة أنه حزب مقاوم، وكان يتغلغل في عمق هذا البلد المهترئ.
لا يفوّت حزب الله فرصة لإظهار فائض القوة عنده وهو بذلك تطور، إذ كان في السابق متواضعاً قليلا، ويحسب حساب شركائها على قطعة الأرض هذه المسماة لبنان.
أما ومن بعد التسوية الرئاسية الأخيرة أُطلقت يد حزب الله الحاكم بأمره الآمر الناهي، المايسترو، والكل يدور في فلكه، دولة رئيس الوزراء يريد أن يخرج البلد من أزمته الاقتصادية كيفما يكن، وهو بذلك يحاول بشتى الوسائل التي لم تعد تجدي نفعاً لهذا البلد الغارق في الإفلاس، ونتيجة لدخول سعد الحريري في بازار التسوية الرئاسية كانت انعكاساتها عليه سلبا وعلى البلد تخريبا، منذ سنة تقريبا، إذا ساوم من جهة طامعون في المناصب هواة سياسة أي التيار العوني ومن جهة حزب الله المنفذ لسياسة الأخطبوط الإيراني في المنطقة.
منذ عام 2000 وحزب الله يمنن اللبنانيين بانتصاره الجنوبي، ويقيم المربعات الأمنية كيفما وأينما يشاء دون حساب، ويكفي أن تمر شاحنة أو سيارة له على أي حاجز لبناني ويعرف سائقها بكلمة “مقاومة” حتى يستطيع أن يمر دون تفتيش، جاءت حرب 2006 ودفع لبنان ثمنها حجرا وبشرا، وكان التبرير “لو كنت أعلم” ومن ثم محاولة السيطرة على بيروت عام 2008.
جاءت الحرب السورية وأخذ حزب الله القرار بالتدخل دون مشاورة أحد مع أنه فريق سياسي على طاولة مجلس الوزراء وضمن طاولة الحوار اللبناني، ضرب بعرض الحائط كل مكونات البلد، ودخل الأراضي السورية كطرف ضد طرف، بغض النظر عن كل التبريرات التي أعطيت، ودفع لبنان ومازال يدفع وسوف يدفع في المستقبل ضريبة هذا التدخل.
إلى أن استفاق اللبنانيون على معارك جرود عرسال حدد حزب الله الساعة صفر لضرب المسلحين الذين يتحصنون منذ 3 سنوات في تلك الجرود وهو يعلم بوجودهم، فلماذا لم تشن هذه المعركة الدونكيشوتية على المسلحين يوم خطف العسكريون على الأقل كان هناك مبرر؟؟ ما سبب هذه الحرب المبالغ بها وتكبير “العدو” وتصوير “أبو مالك التلي” كأنه بنيامين نتنياهو يدير المعركة، واستعمال مصطلحات النصر وما إلى ذلك وكأنها معركة وجود الأمة تدار من جرود عرسال؟ وهذه التغطية الإعلامية الموسعة وهذا التوقيت بالذات، كما أن هذه “الحرب” على المسلحين كان الأجدى بالدولة اللبنانية القيام بها ومداهمة المسلحين منذ اختطاف جنودها وذلك بحث آخر.
علما أن هذه “الحرب” سبقتها حملة عنصرية قبيحة على النازحين السوريين هدفها تشويه صورة النازح المعدم وتحميله كل صفات الإرهاب والتطرف.
إذاً هل حزب الله يفتعل معركة هنا ليداري خيبة في مكان آخر؟ وهل صحيح ما حكي عن الاتفاق الروسي – الإيراني في الجنوب السوري والذي قام على إخراج إيران وحزب الله من تلك المناطق، حيث كشف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن البلدين “سيحرصان على أخذ مصالح إسرائيل في الاعتبار عند إقامة مناطق عدم تصعيد في سوريا”، في رد، غير مباشر على تصريح لرئيس وزرائها بنيامين نتنياهو وقوله للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إن هذه المناطق “تكرس الوجود الإيراني في سوريا”، وإنه أمر يقلق حكومته. وقال لافروف بالحرف “إن واشنطن وموسكو فعلتا كل ما في وسعهما لمراعاة مصالح إسرائيل”، وإن لقاءاتهما التمهيدية شملتها، فقام حزب الله بالارتداد إلى الداخل اللبناني وكي لا يعود خائبا أراد أن يعود منتصرا فعاد بالنصر ولو من جرود عرسال؟
الأيام المقبلة كفيلة بالإجابة عن هذه الأسئلة مع الخريطة الجديدة لـ “سوريا المفيدة”.
ذلك أن المنتصر لا ينقض على شركاء الوطن بلغة التخوين والتهديد والوعيد لكل من يخالف أسلوبه في إدارة البلد، حزب الله يريد من الناس كل الناس في هذا الوطن الصغير أن يطأطئوا الراس ويوافقوا في كل مرة أراد أن يدخل مشروعا، مشروعه هو أي مشروع إيران في المنطقة وليس مشروع الوطن.
والأجدى به إن كان يحمل هم الأمة كما يقول أن يمد يده إلى شركائه وليس الإصبع عند الشاردة والواردة وإرسال التهديدات عبر كتّابه وكأنه “أمر اليوم” بل ترك الناس تتنفس الصعداء طالما يقول إنه خلص البلد من “الإرهابيين”، أن يكون تخليص البلد من “الإرهاببين” في الجرود وإرهاب الناس في الداخل عبر إسكات حق التعبير وتكميم الأفواه.
وتلك المعزوفة وحملات التخوين بوجه من يخالف حزب الله أصبحت لغة ممجوجة آن لها أن تنتهي لأنها أصبحت مكشوفة، ولأن هذا البلد مازال دولة ويخضع للقوانين الدولية، معركة عرسال هي معركة لذر الرماد في العيون وأن الغد لناظره قريب.

نقلاعن العربیه