عندما أطلق المسؤولون القطريون النار على أقدامهم/ممدوح المهيني

يدافع المسؤولون القطريون عن بلادهم في وسائل الإعلام الغربية ولكنهم في الحقيقة يهاجمونها ويحرجونها بدون أن يعلموا. فقد أظهروها بصورة الحكومة المتناقضة والمنافقة. الرئيس الأميركي السابق أوباما سخر مؤخراً من هذا الخطاب المزدوج عندما قال: “أمير قطر إصلاحي كبير إلا حينما يتعلق الأمر ببلاده!”، وأعقبها بضحكة متهكمة. يمارسون اللعبة القديمة المستهلكة التي تعتمد على تسويق خطابين متناقضين بذات الوقت. خطاب محلي لإرضاء الإخوان المسلمين في الدوحة والقاهرة، وآخر خارجي لإرضاء الليبراليين اليسار في لندن ونيويورك. هذا الخطاب المتناقض لم يعد عملياً فقط مستهلكاً وغير مجدٍ ولكنه مضر بالقضية التي يدافع عنها.

هناك ثلاث حجج متناقضة يرددونها باستمرار. الأولى أن الدول الأربع قررت مقاطعتها لأن قطر تنشر الديمقراطية، وتمنح الشعوب حق تقرير مصيرها. من يستمع لكلام فهد العطية، السفير القطري لدى روسيا الذي ظهر مؤخراً على محطة الجزيرة الإنجليزية وهو يرفع شعار الحرية والثورات، ويهاجم الدول الرجعية والمستبدة، يتخيل أن النظام في الدوحة ديمقراطي أصيل على الطريقة الجفرسونية، وليس كما نعرف جميعاً لا علاقة له لا بانتخابات ولا برلمانات. قطر غير الديمقراطية تشنع على الدول الخليجية والعربية لأنها غير ديمقراطية! وتروج بأن الدول الأربع هاجمتها بسبب الديمقراطية التي لا تملكها. هل هناك تناقض ونفاق أكثر من ذلك؟! حتى المواطنون القطريون لا يمكن أن يقتنعوا بمثل هذا المنطق.

قطر مكروهة ومحاربة ليس فقط لنظامها الديمقراطي ولكن أيضاً لنشرها الأفكار الليبرالية التحررية، وهو ما يجعل الخصوم الظلاميين يناصبونها العداء ويحاصرونها! هذه هي الحجة الثانية التي يتم الترويج لها غربياً. كذبة كبيرة من الصعب بلعها. ليست غير صحيحة فقط، ولكنها معاكسة للواقع الذي نعرفه. الحكومة القطرية لعبت دوراً كبيراً في منح الشرعية والحياة للتطرف والمتطرفين الذين تهافتوا عليها من كل مكان. متطرفون منبوذون في مصر والسعودية تقطعت بهم السبل، ووجدوا في الدوحة الملاذ الآمن والبنك المفتوح الذي ينشرون منه عقائدهم المريضة. مع الأزمة الأخيرة اتضحت هذه العلاقة، حيث انتفض رموز التشدد دفاعاً عنها، ووقف مفتو التنظيمات الإرهابية بصفّها. ولا يمكن أن يتصدى هؤلاء للدفاع لو كانت الدوحة منارة للفكر التنويري التحرري كما يزعمون! ومع ذلك يعلن المسؤولون أن الحرب عليهم لأن الدوحة هي عاصمة التنوير، وكأن القرضاوي الذي أفتى بشرعية العمليات الانتحارية ليس إلا مارتن لوثر الذي سيقوم بحركة إصلاحية كبرى داخل الإسلام!

مرة أخرى حجة متهافتة والدوحة لا تقوم فقط بدعم الفكر المتطرف ولكنها أيضاً تشن حرباً على الفكر المعتدل. حملات بتمويل قطري يقوم بها المتطرفون المعروفون، أو عبر آلاف المعرفات في وسائل التواصل الاجتماعي على السعودية والإمارات اللتين تشنان حرباً شرسة على الإرهاب والتطرف فكرياً ومالياً!

أما الحجة الثالثة فهي أن قطر مؤمنة بحرية التعبير، ولهذا السبب تمت مقاطعتها. سيكون صحيحاً لو لم تحوّل قطر منابرها الإعلامية إلى أذرع سياسية خالصة لتحقيق غاياتها الخاصة، متخفية خلف ستار حرية الصحافة والرأي. منابر إعلامية مسيّسة يكاد يغيب عنها العمل الصحافي، ولهذا فتحت – مثال فقط – الهواء المباشر لمحطاتها ومواقعها للهجوم على الدولة المصرية، ليس دفاعاً عن حرية التعبير ولكن دعماً لجماعة الإخوان والتنظيمات المتطرفة التي تتحالف معها.

الديمقراطية والليبرالية وحرية الرأي كلها أعذار واهية يحاول المسؤولون القطريون تسويقها للجمهور الغربي، ولكنهم في الحقيقة يضعفون موقف الدوحة ويظهرونها على حقيقتها متناقضة تضع في جيبها أقنعة متعددة تستخدمها حسب المناسبة! هذا الخطاب الإعلامي يعكس طريقة التفكير القديمة في التعاطي مع الأزمة حينما يظنون أنه من السهولة خداع الناس كما كانوا يفعلون في السابق. الحقيقة أنه كل مرة يلجأ هؤلاء المسؤولون القطريون لهذه الأعذار فإنهم كمن يطلقون النار على أقدامهم.

نقلاعن ایلاف