سيبدو مثيرًا للدهشة أن يكون «عرابو» الفكر المتطرف والمتشدد «مدنيين» لم ينتسبوا يومًا للجماعات المتأسلمة ولا للفكر اللاهوتي الجديد، ولم يكونوا لا من رواد الصوامع والجوامع، ولا الكنائس ولا المعابد، ولم تحم حولهم شبهة «دينية» من أي من الديانات والمعتقدات الروحية.
ليس حديثي عن عزمي بشارة عضو الكنيست الاسرائيلي السابق ومرشح لمنصب رئيس الوزراء إبان رئاسة عرفات لمنظمة التحرير والذي غضب منه كثيرًا حدَّ المقاطعة، ولكن الحديث حول اسم سبقه في تشبيك علاقات الجماعات المتطرفة مع الادارة الامريكية.
الدكتور سعد الدين ابراهيم صاحب مركز ابن خلدون للدراسات والبحوث واستاد علم السوسيولوجيا السابق والامريكي الجنسية «مزدوج» والذي دخل المعارضة على «كبر» بعد أن ظل لسنوات باحثًا سيوسيولوجيًا ملتزمًا بعلم السيوسيولوجيا في بحوثه التي يؤدلجها ويسيسها بهذا الشكل الفاقع إلّا في العشر سنوات الاخيرة من حكم الرئيس السابق حسني مبارك.
وكانت تدور حوله شبهات ارتباط مبهم ببعض الدوائر الامريكية التي لم تكن فوق مستوى الشبهات حتى فاحت روائح تلك الارتباطات فتم القبض عليه ومحاكمته بصدور حكم بحبسه لعدة سنوات قضاها مع ما كان يسمى في الإعلام «الجماعات الاسلامية» ومع قادتها وكوادرها العديدة الانتماءات الحزبية، ليخرج بعدها حاملاً مشروعه الخاص.
وكان المشروع باختصار شديد هو السعي الجاد والكبير لإسباغ «الشرعية» مع هذه الجماعات التي اعتبرتها مصر ومحيطها العربي في عداد الجماعات الارهابية.
ويمم الرجل شطر وجهه الى واشنطن، حيث اشتغل بحماس ونشاط على مشروعه مع مراكز التفكير ومراكز صُنع القرار هناك، حتى استطاع تمرير مشروعه وفتحت واشنطن آذانها لتسمع من بعض هذه الجماعات واستضافتهم ثم تطورت العلاقات بينهم وبين واشنطن، كما جاء في مشروع الدكتور سعد الدين ابراهيم او مشروع هذه الجماعات التي همست به له في السجن لتغطي مشروعها بغطاء «مدني» او ليبرالي إن شئت لم تجدْ أفضل «مدنيًا وليبراليًا» من الدكتور سعد الدين فهو امريكي مصري وهو أحد عناوين الليبرالية وهو مدني المظهر، وفيه كل «المطلوب» لتمرير وتسويق مشروعها في الغرب وفي واشنطن تحديدًا.
سعد الدين ابراهيم تعثر حصانه وكبا جواده، وخرج من «المولد بلا حمص» بعد أن أدى دوره، وقام بما هو مطلوب منه، حيث باعته الجماعة رخيصًا وتركته وحيدًا يحارب الآن طواحين الهواء.
وقد أشفقت عليه انسانيًا وليس سياسيًا وأنا أتابع مقابلةً معه بدا فيها متوترًا مهزوزًا ومهزومًا يشعر بحالة أشبه بالبارانويا «عقدة الاضطهاد» التي يبدو أنها الشيء الوحيد الذي خرج بها من مغامرته.
لعب الدكتور سعد الدين في ملعب ليس ملعبه، وخاض مباراة أكبر من قدراته السياسية، ولم يكتشف أنه كان مجرد «ساعي بريد» بين الجماعة وبين واشنطن، وحين اقتربا استغنى الطرفان عن ساعي البريد.
الدكتور سعد الدين ابراهيم نموذج للمثقف في تراجيديا المثقف والسلطة وهي تراجيديا نهاياتها قاسية حين يبدل المثقف قميصه.
ليس شرطًا أن تكون نهاية العرَّاب الثاني «عزمي بشارة» كنهاية سابقه سعد الدين ابراهيم فمازال عزمي حتى كتابة هذه السطور يقطع مشوار المثقف والتجارة، وهي تجارة لكل شيء ومن أجل كل شيء، ولن نتنبأ هنا وإنما سنقرأ الواقع والوقائع في مسيرة مليئة بالمفاجآت وننتظر مع المنتظرين تراجيديا أخرى.
المصدر: الأيام البحرينية