سلامــــــة موســــــى/فهد المضحكي


في دراسة عن أبعاد المشروع النهضوى عند المفكر سلامة موسى تحدث د.مجدي حافظ استاذ الفلسفة في جامعة حلوان – بحسب ما تنقله لنا الباحثة والكاتبة باسنت موسى – موضحًا أن النقاط التي تتعلق بهذا المشروع مرتبطة بنظرية التطور التي كانت أساسًا لكتابات موسى حول النهضة والاصلاح، ويرتكز مشروعه على ثلاثة محاور: الاول تغيير الحاضر وتحديداً حاضر الشرق عموماً ومصر على وجه الخصوص وهذا الواقع يتسم بالتخلف الناتج عن الجهل والظلامية، لذا فإن التحرير هو الصبغة الوحيدة التي يمكنها تغيير هذا الواقع الظلامي تجاه الاصلاح ويعتمد هذا على تحرير المرأة والعقل والوعي من ظلامية العصور الوسطى وهذا التحرير يحتاجن يمر بالضرورة بهدم الماضي وتعتبر المهمتين مترابطتين والمحور الثالث يتعلق ببناء المستقبل لتعويض التخلف الذي نعانيه قياساً على تقدم الغرب.
لاعداد فعلي ونظري والا فلن يكون ممكناً. وثانياً يشير الى ان تحرير الحاضر لابدأن يمر بالضرورة بهدم الماضي وتعتبر المهمتين مترابطتين والمحور الثالث يتعلق ببناء المستقبل لتعويض التخلف الذي نعانيه قياساً على تقدم الغرب.
كان سلامة موسى يرى الاصلاح هو تحرير الشخصية من التقاليد وسيطرة الأوهام وهو الدراسة العميقة للعلم، وفصل الدين عن الدولة، دعوة كل الانسانية للتحرر، وقهر الطبيعة.
وبهذا الرأي، كان موسى محط هجوم من قبل الاصولية الدينية التي تعتبر العلمانية عدوها الاول كانت المقالات التي كتبت عنه تفتقد للغة الحوار، وتعتمد على لغة الاتهام والتشهير ومحاولات الاساءة الشخصية اكثر من انها محاولات لاظهار الاختلاف الفكري وهذا يظهر جلياً في اتهام موسى من قبل المفكر الاسلامي محمد عمارة بالعمالة السياسية والالحاد الديني!
للدكتور خالد منتصر مقالة عنوانها «سلامة موسى متهم بحيازة عقل وتهريب الافكار» اشار فيها الى كيف تكون العداوة والعدوانية تجاه اي شخص يرفع راية التنوير ويحاول ان يطرح علامات الاستفهام ويخلخل البديهيات، معتبراً ان هذا السلوك مصري قديم وليس طارئاً او ابن اللحظة الطارئة الحالية، ومع تطور – السوشيال ميديا – ازدادت حدة الهجوم وقسوة الشتائم وسفالة السباب!
ولكن يظل الفزع والرعب في مصر – والدول العربية – من اي شخص يحاول الطيران خارج السرب، خاصة في زعزعة الافكار المستقرة مثل مفاهيم الاقدمين الدينية التي تصير مع الزمن ديناً موازياً بديلاً.
ما يطرحه منتصر عن هذا المبدع انه كان يحمل دائماً علامات استفهام مؤرقة مزمنة بداخله، فاتحاً مسامه لكل جديد سواء كانت نظرية سياسية مثل الاشتراكية او نظرية علمية مثل التطور او اسئلة محرمة شائكة مثل ما طرحه عن قداسة اللغة العربية ووضع المرأة الاجتماعي والديني، وهل انتماء المصريين فرعوني او عربي؟ الخ ظل «موسى» هدفاً روتينياً للهجوم الحاد طيلة حياته مما عرضه لسوء الفهم من العامة وايضاً للاتهامات التي وضعته في السجن!
ان «موسى» المثقف الوطني التقدمي الذي ناصر المرأة ودافع عن حقوقها وكرامتها وعن الديمقراطية والحداثة والوطن والوطنية لا الطائفية والعشائرية والعنصرية وثقافة التنوير واعتبر ان التخلف والاستبداد والاستعمار واللجوء الى تشريعات القرون الوسطى مصدر مشكلات المجتمعات العربية تحول في نظر التطرف الديني الى عدو وكافر!
فعلى سبيل المثال كتب مصطفى صادق الرافعي عام 1931 مقالاً هاجم فيه موسى، ومن الاقتباسات التي بينها منتصر لما كتبه الرافعي «سلامة موسى كالشجرة التي تنبت مرة ولا تحلو لوزرعت في تراب من سكر، وما زال يتعرض لي كانه يلقي علي انا وحدي حماية اللغة العربية، فهو عدو دينها وقرآنها ونبيها، كما هو عدو الفضيلة اين وجدت في اسلام او نصرانية او يهودية».
هذه الرؤية الدينية المتشددة لا تنفصل عن خطاب ازمته الحقيقة تتمثل في موروثات تعيد انتاج الماضى بنصوص جامدة، وهو ذات الخطاب الذي اهدر دم المفكر حسين مروة ومهدي عامل في الجنوب اللبناني، وفرج فوده، واصدر وما زال فتاوى التكفير والتخوين والتحريض على القتل للكثير من المفكرين والشعراء والروائين والفنانين على امتداد الدول العربية!
وبالتالي كلما امعنا النظر في الحالة العدوانية المعادية للعقل والمرأة والتنوير ادركنا ان اهم مسببات فشل مشاريع النهضة العربية تعود لاستبداد النظم والعداء للتنوير والديمقراطية فضلاً عن مصالح القوى الخارجية!
ولا ريب ان محاربة الارهاب والقضاء عليه تدعونا بالاضافة الى تجفيف منابعه الفكرية ومصادره المالية وتجريم من يقف خلفه ويتعاون معه لنشر ثقافة التنوير وتعزيز التسامح ونقد الخطاب الديني بغية تجديده واعادة النظر في مناهج التعليم وتكريس القيم الوطنية والديمقراطية وعدم خلط الدين بالسياسة.
كم نحن بحاجة الى فكر سلامة موسى المستنير لانه في نظر البعض طرح الاسئلة الصعبة، وخاض غمار الافكار الصعبة التي جعلت منه مفكرا قادرا على تصور المستقبل واكتشاف ملامحه وناضل من اجل العقل والتحرر من وصاية الماضي.
حسناً فعل فكري اندراوس الذي ألف كتاباً عن سلامة موسى، يقول منتصر: انه بذل فيه جهداً كبيراً لتقديم هذه الشخصية الموسوعية المظلومة التي لولا ابنه «رؤوف» الذي حافظ على تراثه لكانت كتب سلامة موسى قد صارت من الحفريات.

المصدر: الأيام البحرينية