ماذا لو لم تستجب قطر للمطالب وأصرت على الاستمرار في مشروع حمد بن خليفة، الساعي لإسقاط الدول العربية وإعادة تقسيمها؟
الواقع يؤكد أن دول المقاطعة حققت نسبة كبيرة من المطالب الآن دون أن تستجيب قطر لها، فقطر قبل المقاطعة غير قطر ما بعدها.
ما فعلته دول المقاطعة حين أدارت الكشافات الضوئية الإعلامية 180 درجة تجاه قطر ولأول مرة، وسلطت الضوء عليها لأول مرة وربطها بالإرهاب، فإنها وضعت قيداً كبيراً على حراكها ونشاطها بتقيدها أدوات مشروعها بدرجة كبيرة.
فقطر نجحت في إبقاء مشروعها في الظل محجوباً وسرياً، فهي تملك كشاف يحجب الرؤية عن محيطه ويسلطه على من يشاء خارج هذا المحيط ممثلاً في قناة الجزيرة، أما اليوم فدول المقاطعة نجحت لا في تحييد «الجزيرة» وتوابعها بماكينة إعلامية وتواصلية لا قبل لقطر بها، رغم استعانتها بإعلاميين وغير إعلاميين! إنما ولأول مرة من (يعطس) في قطر يجد نفسه أمام هجمة شرسة من وسائل إعلامية، ومن وسائل التوصل الاجتماعي من مواطني دول مجلس التعاون يردون عليه في الحال، ويفسدون عليه الطبخة، ذلك وضع لم تعتده «الجزيرة» وتوابعها حين كانت تنفرد في الخطاب الشعبوي وحدها، وهكذا فقدت الجزيرة وجميع القنوات التي أهدرت قطر عليها المليارات حظوتها وجذوتها وقوة تأثيرها، حتى قبل أن تغلقها قطر، وتحولت إلى الدفاع لأول مرة من بعد أن كانت أداة هجوم.
نجحت دول المقاطعة في تسليط الضوء الدولي لا الخليجي فحسب، على تنظيمات إرهابية وعلى شخوص تلك التنظيمات الذين تدعمهم قطر، سواء كانوا موجودين على أرضها أو على الأراضي التركية أو البريطانية، ونجحت في إطار محاربة الإرهاب في لفت نظر العالم إلى العلاقة القطرية مع تلك التنظيمات، خاصة أن الدول المقاطعة تنقل اليوم، بفضل شبكة علاقتها الدولية تحركات تلك الشخصيات على الهواء مباشرة للعالم أجمع، إن هي خطت خطوة أو صرحت، وتحسب عليها الخطوة مما حدّ من حراكها، فدول المقاطعة اخترقت حتى حساباتها المصرفية، وبينت الروابط التي بينها وبين قطر، مما سيجعل من نشاطها أمراً صعباً وعليها أن تبذل جهداً لم تكن تبذله سابقاً للتمويه.
نجحت دول المقاطعة أن تفتح ملفاً غُيّب عن الشعب القطري لسنوات، وهو تسليط الضوء على من خطف القرار منه، ويستفيد من عزله عن محيطه وتعريض أمنه واستقراره للخطر، وتنعمه هو بالأمن ومن مال الشعب القطري.
فما الذي يستفيده القطري من تمويل ميليشيات متقاتلة في ليبيا أو تونس؟ ما الذي يستفيده القطري من إذكاء الصراع في مصر؟ ما الذي يستفيده القطري من علاقة قياداته بالإرهابيين في البحرين وفي السعودية؟ بات الكل يعرف الآن أن هؤلاء هم من يحول بين وقف قرار المقاطعة، هؤلاء هم من يقف بين عودة الشعب القطري لأشقائه في الخليج، هؤلاء من يجلس على كراسي صنع القرار في قطر، ويمنعون فتح الحدود بينهم وبين أهلهم، هؤلاء من عرتهم المقاطعة وسلطت الضوء عليهم للمرة الأولى داخل قطر كأعداء للشعب القطري ومصاصي دمائه وخيراته، وليس منهم قطري واحد.
الأهم نجحت الدول المقاطعة في إعادة قطر لحجمها الطبيعي جغرافياً وتاريخياً وسياسياً، وذلك حجم لم يكن ليعيب قطر لو أنها عرفت قدره، بل بالعكس كان تواضعها سيزيد من قيمتها، لكن تضخمها غير الطبيعي الذي أتى من إيقاع الأضرار على غيرها انعكس عليها الآن، فعادت لحجمها السياسي الطبيعي، ولأول مرة تتعرض القيادة القطرية لما فعلته بالقيادات العربية على مدى عشرين عاماً، لأول مرة تتم السخرية والاستهزاء بها والتفتيش وراء كل زلة وكل سقطة لرموزها، فذاقت من الكأس الذي أذاقته للغير وللمرة الأولى وفي مدة لم تتجاوز الشهر، فقط لتعلم أن السكوت السابق لم يكن لعجز إنما لترفع، وأن الحجم السياسي لا يكبر بإهانة الآخرين، إنما يكبر بما تقوم به القيادات من أدوار حقيقية للخير والمحبة والسلام العالمي.
قطر عرفت حجمها الجغرافي الطبيعي الذي لم يكن هو الآخر ليعيبها أبداً، فهناك دول أصغر منها حجماً لكنها بعلاقاتها الطبيعية مع محيطها أمنت لنفسها امتداداً جغرافياً، جعلها عضواً فاعلاً انعكس على مكانتها بشكل يخدم مصالحها. تلك كانت أدوات مشروع حمد بن خليفة التي أبطلت دول المقاطعة مفعولها حتى قبل أن تقطع قطر علاقتها بها، وتعلن عن تخليها عنها.
دول المقاطعة سحبت الفتيل من تلك الأدوات بشكل كبير أفقدها تأثيرها، واستمرار المقاطعة واشتدادها في حال أصرت قطر على الاحتفاظ بها، ما هو إلا للقضاء على تلك الأدوات نهائياً، بعد كشف طرق الالتفاف والتضليل التي مارستها قطر في كل مرة يتفاوضون معها وتتنكر بعدها من التزاماتها.
ولتتذكر قطر أن الدول المقاطعة لا تخسر من طول المدة، فالوقت في صالحها، فإن استمعت قطر لصوت العقل وعادت فهي ستعود لبيتها وأهلها معززة مكرمة، وإن أبت فلن يتغير علينا شيء.
نقلا عن العربیه