قبل ثلاثة أشهر أعلن حزب الله الانسحاب من بعض المواقع على الحدود الشرقية بين لبنان وسوريا، وقال إنه «نسّق» مع الجيش اللبناني لتسلُّم تلك المواقع بعد أن حرَّرها من الإرهاب! وقتها ظننّا الأمر وهماً أو أنّ الحزب يحتاج إلى بعض قواته في جنوب سوريا على الحدود مع الأردن. إنما منذ ذلك الوقت بدأ نصر الله يلقي خطابات تدعو المسلَّحين الإرهابيين للانسحاب من عرسال وجرودها، ويطلب من الجيش اللبناني مهاجمتهم وإلا فسيعود الحزب للقيام بذلك!«حزب الله» مسيطرٌ على تلك الحدود منذ أربعة أعوام. وقد أعلن مطلع 2013 الانطلاق منها إلى الداخل السوري ما بين القصير وحمص والقلمون وضواحي دمشق، وامتداداً نحو الشمال ونحو الجنوب باتجاه درعا. وخلال كل تلك السنوات، كان الجيش اللبناني يتمركز إلى جانب الحزب، وينسِّقُ معه للقيام بعملياتٍ مشتركةٍ بالجرود وبالمخيمات العشوائية حول عرسال وداخلها.
وإلى جانب التركيز على عرسال ومحيطها وجرودها، كانت هناك حملات سياسية على اللاجئين أنفُسهم باعتبار أعدادهم المتزايدة، حتى بلغ بهم البطريرك الماروني حدود المليونين!
المهم أنه في الشهرين الماضيين، أطلق الحزب وأنصاره، والتيار الوطني الحر وأنصاره حملتين: الأُولى لإعادة اللاجئين إلى ديارهم في سوريا عبر التفاوُض مع النظام السوري. والحملة الثانية التي سبق ذكرها، وهي ضرورة قيام الجيش اللبناني المتمركز في عرسال وحولها بالضرب في ناحتين: ضرب المسلحين في الجرود على الحدود، وضرب الإرهابيين الذين تسللوا إلى البلدة ومخيمات اللاجئين العشوائية من حولها.
على الحملة الأولى (إخراج اللاجئين) ردَّ الرئيس الحريري بأنّ الحكومة لن تتفاوض مع النظام، وإنما على المؤسسات الدولية التي ترعى اللاجئين، والتي تعهدت بعدم الموافقة على عودتهم إلاّ لمناطق آمنة حسب تقديرها هي التي تتفاوض.
أما الحملة الثانية والداعية لضرب الإرهابيين بعرسال وجوارها وجرودها أو تقوم ميليشيات نصر الله بذلك، فقد شهدنا نموذجاً لها قبل أيام عندما دخل الجيش إلى مخيم «النَوَر»، فقُتل أربعة أو خمسة قيل إنهم فجروا أنفسهم بأحزمة ناسفة، ودمَّر الجيش المخيم وقبض على سائر ساكنيه (نحو 350) غالبيتهم من النساء والأطفال، وبعد التحقيق معهم فيما قال الجيش، تبين أنّ بينهم أربعين أوقفهم الجيش اللبناني بتهمة الإرهاب، ولم يحسب الجيش بينهم 4 أو 5 أو 6 ماتوا أثناء التحقيق قال الجيش إنهم ماتوا بسبب شدة الحر!
لماذا أذكُرُ هذه التفاصيل؟ لأنني أنا وغيري تابعنا بيانات الجيش ومعلوماته وكلام السياسيين، وسألنا ضباطاً عاملين في عرسال، وآخرين متقاعدين، وقد قالوا إنهم يتوقعون أمرين، استناداً إلى تجارب سابقة مع الجيش والحزب: الأول، اقتراف مذبحة في عرسال ومخيماتها لتشريد اللاجئين والسكان مجدداً، كما تشرد الآلاف من قبل، بحيث تُصبحُ المنطقةُ الحدودية صافيةً للحزب ومسلَّحيه، لأنّ سكان عرسال سُنّة. والأمر الآخر أنّ الهجوم في الجرود العالية لا مبرر له، لأنّ المسلحين فيها معظمهم بداخل الأراضي السورية الجبلية الوعرة. ومراكز الجيش كثيفة ومنتشرة وبالتالي فلا خوف من قدرة المسلحين على التسلل، بل المقصود بالهجوم في الجرود مساعدة النظام السوري والحزب على المسلحين المشرَّدين بالجبال، وكلهم من سكان القرى التي هجّرهم منها الحزب.وفي يوم 17/7/2017 أعلن رئيس الحكومة اللبنانية أنّ الجيش سيقوم بعمليةٍ «مدروسة» في جرود عرسال، ومن دون تنسيق مع النظام السوري! لكن دولة الرئيس يعلم أنّ هذه العملية أمر بها الأمين العام للحزب قبل أكثر من شهرين. وأما أنها «مدروسة»، فإنّ صاحب «كليلة ودمنة» قال: إنّ أشجع الشجعان من يشرب السُمَّ على سبيل التجربة!
نقلاعن العربیه