عندما سألته مجلة «ذي آيلاندر» الطلابية: لماذا وافقت، من بين آلاف الطلبات على إعطائنا مقابلة مطولة؟
كان جواب جيمس ماتيس، وزير الدفاع الأميركي، والضابط المتقاعد صاحب النجوم الأربعة، والذي كان مسؤولاً في الحلف الأطلسي، والقيادة المركزية، وشارك في الحروب في أفغانستان والعراق: لقد حاولت دائماً مساعدة الطلاب (كان أستاذاً في جامعة ستانفورد لمدة 3 سنوات)، نحن مدينون للشباب لإطلاعهم على ما تعلمناه خلال مسيرتنا؛ كي يرتكبوا أخطاءهم، ولا يكرروا تلك التي ارتكبناها».
ماتيس صاحب مكتبة الألف كتاب، ركز على أهمية دراسة التاريخ، هو المتخصص أيضاً في التاريخ قال: إنه لو كان يعرف ما ستحمله له الحياة، لتعمق أكثر في التاريخ. قال لـ«ذي آيلاندر»: بغض النظر عما سوف تذهب إليه سواء كان العمل أم السياسة أم العلاقات الدولية أم السياسة الداخلية، لا أعتقد أنك تخطئ إذا حافظت على تعطشك للتاريخ، والسبب في قولي هذا، أن لا شيء جديداً تحت الشمس بخلاف بعض التكنولوجيا التي نستعملها.
سئل عن الحرب على الإرهاب في الشرق الأوسط تحديداً، حيث أمثال تنظيم داعش يتكبدون الخسائر العسكرية من خلال تجنيد المقاتلين الأجانب، فأجاب ماتيس: إن مفتاح خلق مناخ من الاستقرار في الشرق الأوسط يكون من خلال التعليم؛ إذ يمكن مواجهة الآيديولوجيات بمنح الناس تعليماً أفضل وأملاً بالمستقبل. أخذ ماتيس المملكة العربية السعودية مثلاً، وأشار إلى برنامج العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز للمنح الدراسية في عام 2005 لتمكين المواطنين السعوديين المؤهلين أكاديمياً من الدراسة في الخارج في الجامعات العريقة بهدف أن يعودوا إلى المملكة للمساهمة في التقدم الاقتصادي والاجتماعي للبلاد. إضافة إلى ذلك، قال ماتيس إن بلدان الشرق الأوسط يجب أن تصبح أكثر إنتاجية اقتصادياً لضمان أنها يمكن أن تدعم التحديات المرتبطة بدعم المجتمع؛ كي تحقق الأهداف المتعلقة بتوسيع التعليم. ثم تحدث عن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وأشاد بمحاولته التغيير السريع من الاقتصاد الاستهلاكي إلى الاقتصاد المنتج، قائلاً: «هذا جهد ثوري»، وعاد يركز على الطاقة الشبابية؛ لأنه من أجل تحقيق الازدهار في الشرق الأوسط «يجب أن يكون الشباب جزءاً من مناخ إيجابي يشعرون فيه بأنهم ينتمون إلى هذا المناخ بحيث يتجنبون أن يكونوا جزءاً من المجموعة الأكثر عرضة للتجنيد من قبل الجماعات المتطرفة».
وعاد ماتيس إلى التاريخ الذي لا يعطيك كل الأجوبة، إنما يوحي لك بالكثير من الأسئلة كي تطرحها. عبّر عن رفضه للآيديولوجيين «إنهم مثل الناس الذين توقفوا عن التفكير». يرفضون كل من ليس مثلهم. يتساءل لماذا يتعبون ويصرفون كل الجهد لإظهار أن «هذا الآخر» إما شرير أو مجنون! يقول: لا أحد منا مثالي أو كامل المعرفة.
وتسأله المجلة الطلابية «ذي آيلاندر» عن الحرب لنكتشف إعجاب ماتيس بالمؤرخ والقائد الإغريقي «ثوسيدايدس» مؤلف أول كتاب في التاريخ عن التاريخ قبل ألفين أو ثلاثة آلاف سنة. يقول ماتيس: إن الطبيعة الأساسية للحرب لم تتغير منذ «ثوسيدايدس»، والدافع إليها لا يزال الخوف والشرف والمصالح، وهذا مستمر حتى يومنا: «هذا ما قصدته عن دراسة التاريخ»، صحيح أن التكنولوجيا دخلت في الحرب الآن، لكنها لا تزال مليئة بالخوف والشجاعة، الجبن والازدواجية والغدر، الوضوح والصدق والارتباك.
عندما اختاره الرئيس دونالد ترمب لتسلم منصب وزير الدفاع، وفي شهادته أمام الكونغرس قال ماتيس: إن المؤسسة العسكرية يجب أن تكون فتاكة. في المقابلة يشرح: في عالم ليس مثالياً، فإن الطريقة الوحيدة الذي تجعله يصغي إلى الدبلوماسيين تكون عندما تدعمهم بالقوة الصلبة. يؤكد أن الدبلوماسيين هم من يجب أن يقودوا السياسة الخارجية، وليس العسكريين. «أتناول الإفطار مرة كل أسبوع مع ريكس تيلرسون وزير الخارجية، وأضعه في جو العوامل العسكرية لسياسته الخارجية؛ لأن دور العسكريين هو تقوية الدبلوماسيين». لذلك؛ لا يغيب ما بعد هزيمة «داعش» عن تفكير «العسكري» ماتيس، يروي كيف أن تيلرسون دعا قبل سبعة أسابيع إلى مؤتمر في واشنطن شاركت فيه 65 دولة ومنظمات دولية عسكرية ومالية وإنسانية وتحدث فيه ماتيس. ما أراد الوصول إليه هو أنه ليس المطلوب من الولايات المتحدة وحدها القيام بكل الأعباء. «قالت دول عدة لنا، إذا توليتم القيادة فإننا سنساهم؛ لأن الكثير من الدول لا تثق ببعضها بعضاً، لكن كلها تثق بأميركا وبغض النظر عما تقرأ في الصحف الآن».
قال ماتيس: إن 85 في المائة من المؤتمر حول «داعش» لم يكن حول الجوانب العسكرية، ونصح بمراجعة «مشروع مارشال» بعد الحرب العالمية الثانية «إنما لن تتحمل أميركا العبء الكامل، أو حتى العبء الثقيل».
اعترف ماتيس بـ«خسارة» أميركا للحروب بعد الانتصارات العسكرية، واحدة برأيه جنبت أميركا الصراعات الكبرى. قبل أن يشرح «عاصفة الصحراء» أكد أن الأهم إذا كان لا بد من الحرب، بذل كل ما يمكن لتجنب الذهاب إليها. في «عاصفة الصحراء» حققت أميركا الانتصارات على كل المستويات: يقول: قال الرئيس جورج بوش الأب لن نتسامح مع دولة تحتل دولة أخرى». وذهب إلى الحرب. «ذهبنا، طردنا العراقيين من الكويت، حررناها، ثم لم يذهب أبعد من ذلك. تصاعدت أصوات للوصول إلى بغداد، رفض، لقد كان هدفنا تحرير الكويت، ثم أننا ذهبنا بقوات أكثر من حاجتنا، أنهينا الحرب بسرعة. انطلق بالحرب بعد أن وضع نهاية سياسية لها. يضيف ماتيس: حتى الروس كانوا معنا في تلك الحرب. أبلغونا بالضبط ماذا زودت راداراتهم صدام حسين بحيث كنا نعرف أين تحلق طائراتنا وتتجنب تغطية الرادارات».
من العراق إلى إيران، وهل يمكن إعادة ثقة الشعوب العربية بإيران؟ يقول ماتيس «سيكون ذلك صعباً. لا تجري انتخابات صحيحة في إيران. المرشد الأعلى يقرر من سيتنافس ويفوز، تماماً كأن يقرر الرئيس الأميركي من سيخلفه، لكنه يبقى هو في البيت الأبيض ويبقى الآخرون يتناوبون. (هناك المرشد الثابت والآخرون يأتون ويذهبون). إيران بلد يتصرف كقضية ثورية وليس للمصالح الأفضل لشعبه؛ لذلك من الصعب جداً جداً الوثوق به. ما يجب القيام به في نهاية المطاف هو ما أقدمت عليه هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية آنذاك، أي تحريك العقوبات على كل صعيد، ولا سيما الصعيد الاقتصادي ودفعهم إلى طاولة المفاوضات؛ لأنهم يريدون البقاء في السلطة». يضيف ماتيس «لقد حاولوا اغتيال سفير عربي وسط واشنطن، وفي الوقت الحالي نقلوا صواريخ باليستية إلى اليمن أطلقت على السعودية. سيكون من الصعب جداً التعامل مع هذه القيادة. نريد أن يدرك الشعب الإيراني أن لا مشكله لنا معه. نحن لا نريد الضغط على الشعب الإيراني كي لا ينمو بظلال قيادته. لكن المؤكد أن النظام الإيراني أكبر مزعزع للاستقرار في الشرق الأوسط».
ماتيس يعرج في النهاية على سوريا، حيث يعود الفضل في بقاء نظام بشار الأسد إلى إيران وروسيا. يشرح: اختارت روسيا أن تكون منافساً استراتيجياً للحلف الأطلسي ولأميركا، وسوريا هي المكان الوحيد الذي تستطيع أن تنافس فيه: «لكن بصراحة يحافظ الجيشان الأميركي والروسي على اتصالات عسكرية مفتوحة بينهما»، النقطة الحالية الآن: نحن لا نشارك في الحرب للتخلص من الأسد، نحن فقط هناك لمقاتلة «داعش»، بينما يحاول الروس معرفة كيف يخرجون.
المقابلة مع «ذي آيلاندر» مطولة. فيها التاريخ والدروس منه، فيها كيف ظلت الدوافع للحروب واحدة ولم تتغير وإن كانت الأسلحة التي تخاض بها تغيرت. يكشف ماتيس وزير الدفاع والضابط عن إنسان وإنسانية، عن ثبات وليونة. هو يرسم الحاضر ويعرف أن الشريك الأساسي لمستقبل صحيح، هم الأجيال الجديدة الشابة، شرط أن تكون تشربت ثقافة وتعليماً وهي على عجلة التاريخ. ما قاله ماتيس بتفاصيله يحتاج إلى تعميم.
نقلاعن العربیه