وفر اللقاء العسكري الثلاثي الذي جمع بين رؤساء أركان القوات العسكرية الأمريكية والروسية والتركية يوم الثلاثاء ( 7 مارس ) في اقليم أنطايكا ( جنوب تركيا ) لواشنطن الفرصة لكي تتواجد داخل الساحة السورية بشخصها بعد أن إبتعدت عنها لعامين علي الأقل ، ومن ثم منحها حق التدقيق في الترتيبات التي رسمها الطرفان الآخران بعد الإنتصارات الميدانية التى حققتها القوات التابعة لكل منهم خاصة تلك التي تقوم بالعمل نيابة عنهم في مدينة منبج وما حولها من أراضي تابعة لحلب / شمال سوريا ..
جاء هذا التحرك السريع بعد أفادت التقارير المخابراتية أن كافة الأطراف الأخري التي تتقاسم أوراق الملف السوري تُخطط للإستحواذ علي مساحة أوسع من الأراضي ، لحرمان غيرها منها ولوقف أي تغيير في موازين القوي .. وفي المقدمة منها الترتيبات التى كانت قوات درع الفرات الخاضعة لأنقرة تنوي المسارعة بتنفيذها للخلاص من وحدات حماية الشعب الكردي التى تعمل ضمن تحالف قوات سوريا الديموقراطية التى تأتمر بما تقوله واشنطن ..
يليها منع القوات العاملة تحت راية روسيا أن تكون لها اليد العليا فيما يتعلق بتقرير مستقبل إقليم حلب بكل مكوناته ، خاصة وأن روسيا لا تريد لتركيا أن تنفرد بالمساحة الأكبر من منطقة سوريا الشمالية بعد ان نحجت الوحدات الكردية من مد سيطرتها علي الجزء الأكبر من الحدود التركية / السورية منذ منتصف عام 2013 ( يبلغ طولها حوالي 400 كيلو متر ) لكي توالي تعزيز المنافذ التى تتمركز فيها قواتها وقوات الجيش النظامي منذ منتصف العام الماضي ..
وجاء ثالثاً من أجل تحديد مساحات الخطوط الحمراء التى تمنع في اللحظة الراهنة أي مواجهة مباشرة بين القوي التى تعمل تحت رايتها هذه الأطراف ..
هذا التحرك الأمريكي التكتيكي سبقه قرار إستراتيجي علي درجة كبيرة من الأهمية ، وذلك حين أعلن جيف ميفيس الناطق باسم البنتاجون انه تم نشر مجموعة من افراد القوات الخاصة داخل مدينة منبج ومحيطها بهدف ” تقديم الدعم للوحدات الكردية بإعتبارها جزء من التحالف الدولي الذي يحارب تنظيم داعش ” ..
أنهي هذا القرار كما تُجمع العديد من التقارير الأوربية ” حالة التقاعس الأمريكية علي المستويين السياسي والعسكري حيال الملف السوري ” التى ورثتها إدارة الرئيس ترامب من الإدارة السابقة لها ..
كلا الأمرين يؤكد بقوة ..
1 – أن الإدارة الأمريكية الجديدة بدأت عملياً في تنفيذ سياسة عدم الإعتماد كلية علي تكتيك الوكلاء العاملون تحت رايتها ولحسابها ..
2 – وأنها قادرة من اليوم – وليس غداً – علي منازلة القوي الإقليمية مثل إيران وتركيا .. بالحد من انتشار الأولي ووقف تغول الثانية ..
3 – أنها تنوي أن يكون نموذج تعاملها مع هذا الملف ، قابل للتطبيق في العراق واليمن وليبيا ..
من هنا نقول أن الهدف الأهم لزيارة الرئيس التركي إلي موسكو يوم 10 مارس الحالي كان تعزيز وتقوية علاقات بلاده الإستراتيحية بالحليف الروسي لإكتساب مزيد من الثقة للحد من قدرات واشنطن علي تقوية ساعد الأكراد بصفة عامة من ناحية ، ولتوسيع مجالات تعاون الطرفين عبر مشروعي ” خط أنابيب السيل التركي ” و ” محطة أكويو الكهروذرية ” بهدف تقوية موقفه التفاوضي مع دول الاتحاد الأوربي سياسياً وتجارياً وأمنياً من ناحية ثانية ..
هذا الهدف جعل أردوغان يَغض الطرف عن الخسائر التى إلمت بمخططاته لإقامة المنطقة العازلة في الشمال السوري ، في ضوء نتائج تسليم مجلس مبنج العسكري – حليف قوات سورية الديموقراطية – بإشراف روسيا لعدد من قري منبج والباب إلتي تم تحريررها إلي قوات حرس الحدود النظامية السورية ..
إضافة إلي ذلك ..
تقول التقارير ان الزعيمين التركي والروسي تبادلا وجهات النظر حول الزيارة التى قام بها الجنرال جوزيف فوتيل قائد المنطقة العسكرية الوسطي بالجيش الأمريكي لبيروت مؤخراً في ضوء ما كشفت عنه اجتماعاته مع كبار المسئولين العسكرين والآمنيين اللبنانيين ” لتحديد ابعاد الدور اللبناني ” علي مستوي الإستراتيحية الامريكية في المنطقة !! في مقابل تلبية حاجات الجيش اللبناني العسكرية ” ضمن سياسيات واشنطن التي أعلنتها مؤخرا لمكافحة الإرهاب ” .. وما قد يتمخض عنها من محاصرة للدور الإيراني في داخل سوريا وفي العمق اللبناني ..
يعزز هذا الإستنتاج شهادة هذا القائد الأمريكي أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ التى أكد فيها أن القضاء علي تنظيم داعش ” لا يقود بالضرورة للقضاء علي الإرهاب ، كما لا يعني إجبار عناصره علي الرحيل ” ..
الأمر الذي دفع المحللون إلي توقع أن تصدر واشنطن في وقت قريب قرار ” بالإبقاء علي عدد من قواتها العاملة في سورية إلي فترة طويلة قادمة ” إذا ما وافق الكونجرس علي التكلفة المالية التى ستقترحها لتغطية هذا التواجد من ناحية ولإقامة المنطقة الآمنة بين القطرين اللبناني والسوري من ناحية ثانية ..
قد تري موسكو في التحرك الأمريكي ما يعزز بشكل أو بآخر توجهاتها السياسية والعسكرية علي مستوي الملف السوري .. علي عكس انقرة التي رأته محبطاً للعديد من خططتها خاصة إذا أخذنا في الإعتبار ..
1 – أن عناصر المارينز التى استقرت بالشمال السوري – كما قالت صحيفة الواشنطن بوست منذ بضعة أيام – انتقلت من مواقعها بقاعدة سان دييجو / ولاية كاليفورنيا إلي هناك عبر أطراف أخري بعيدة عن الأجواء التركية ..
2 – أزمة انقرة الأخيرة مع هولندا وبعض الدول الأوربية الأخري والتى من المتوقع ان تقف فيها الإدارة الأمريكية إلي جانب حليفها الأوربي ..
3 – ما أُشيع عن دعم إدارة الرئيس ترامب لقيام اقليم كردي مستقل في الشمال السوري بنفس ” مواصفات أقليم كردسان العراق ” علي عكس رفض إدارة الرئيس السابق باراك أوباما لتأييد هذه الفكرة ..
هذا الوضع شديد العقيد ، يدفعنا لتوقع أن ..
– تٌبقي روسيا علي تحالفها مع أنقرة ..
– وتؤيد الإسترايجية الأمريكية الجديدة في كل من سوريا ولبنان ..
– وتدع إيران تواجه مصيرها بمؤازرة محدودة النتائج حماية لما بينهما من مصالح ثنائية ..
وذلك دعماً لمصالحها هي أولا وأخيراً وفي كل وقت ..